|
Re: السودان علماء التكفير - كمال الجزولي (Re: علي محمد الفكي)
|
(6)
وهكذا، حسب الثقات من الفقهاء، فإن القطعىَّ من النُّصوص، في ما يتَّصل بالإدارة التَّفصيليَّة لـ "أمور" الحياة الدنيا، يكاد يكون منعدماً. أما الذين يتحرَّقون رغبة في وجود هذه النُّصوص، إمعاناً في الازورار عن مكانة "العقل" في القرآن والسُّنَّة وأعمال الصَّحابة، فإنَّما هم أولئك الذين رفعوا، وما زالوا يرفعون شعار (الحاكميَّة)، في مختلف مراحل التاريخ الإسلامي، ابتداءً بالخوارج ، ومروراً بأبي الأعلى المودودي، ثمَّ سيِّد قطب، وانتهاءً بالمتشدِّدين ضمن حركة الإسلام السِّياسي الرَّاهنة في المنطقة، وبخاصَّة التَّكفيريين من دعاة الدَّولة الدِّينيَّة في السُّودان، مِمَّن كانوا يدركون، كما يدركون الآن، ولا بد، استحالة استصحاب أيِّ سند صحيح مباشر لدعاواهم من القرآن أو السُّنَّة، لكون مثل هذا السَّند، ببساطة، وكما قد رأينا، غير موجود أصلاً.
غير أنهم، مع ذلك، درجوا، من جهة، عند التَّصدي لقضايا النِّظام السِّياسي، على الاستعانة بسوابق "التَّاريخ الإسلامي = تاريخ الدَّولة في الإسلام"، المحكـومـة بمقتضـيات "الزَّمكان"، رغـم وجـوب التمـيـيـز بيـن "الإسـلام/الدِّيـن" وبيـن "تاريـخ الدَّولـة الإسـلاميَّة"، فــنـجـدهـم ".. يستشهدون بآراء الفقهاء، أو الأنظمة التي اتُّبعت في
الأزمنة السَّابقة .. وتلك كلها أمور لا إلزام فيها، وينبغي ألا تعطى حجماً أكبر مما ينبغي .. ولن نلزم أنفسنا بأطر جامدة أو دوائر مغلقة" (يوسف القرضاوي؛ ندوة مركز الدِّراسات الحضاريَّة ..، مصدر سابق).
كما وأنهم درجوا، من جهة أخرى، على أن يحلوا، بلا هوادة، "رأيهم" هم، و"فهمهم" الخاص، و"تأويلهم" للنُّصوص المقدَّسة محلَّ هذه النُّصوص المقدَّسة نفسها، وأن يسعُوا، من ثمَّ، إلى إكساب ذلك "الرأى" و"الفهم" و"التأويل" نفس القداسة التي للنُّصوص. وما ذاك ، في الواقع، إلا لكونهم انطلقوا على هذا الطريق من فرضيَّة قبْليَّة مغرقة في الخطأ، فحواها ".. أن الكتاب والسُّنة قد اشتملا على كلِّ النُّظم الحضاريَّة المطلوبة"، فكأن لسان حالهم يقول: قلب الصفحات تجدها" (محى الدين عطيَّة؛ أمراض الصحوة الاسلاميَّة، م/المسلم المعاصر، ع 42/85)؛ وتلك، لعمري، هي أزمة التكفيريين الحقيقيَّة!
|
|
|
|
|
|
|
|
|