ليت "هيئة علماء المسلمين" السُّودانيين انتفضت لنشر تقرير المراجع العام عن التَّجاوزات الماليَّة الصَّادمة في ديوان الزكاة (!) كصرف حوافز "العاملين عليها" من بند "الفقراء والمساكين" (الإنتباهة؛ 3 يناير 2013م)، وذلك بمثل ما انتفضت لانضمام عضوها يوسف الكودة، رئيس حزب الوسط الإسلامي، في 31 يناير 2013م، إلى قائمة القوى السِّياسيَّة الموقعة بكمبالا، في 30 ديسمبر 2012م، على وثيقة "الفجر الجَّديد" مع قوى المعارضة المسلحة، ونقده القاسي للحزب الحاكم، متهماً إيَّاه بتخريب الدِّين والدُّنيا، فأصدرت، في إثر ذلك، مباشرة، فتواها بخروج الموقعين أجمعهم، وضمنهم الكودة، "من الملة والدِّين!" (سونا؛ 1 فبراير 2013م).
ورغم أنها تراجعت، بعد يومين من ذلك، معتبرة بيانها محض رأي عائم لا يتعلق بشخص معيَّن (سونا؛ 3 فبراير 2013م)، دون أن تفصح عن سرِّ التزامن العجيب بين التوقيع في 31 يناير والفتوى في 1 فبراير (!) إلا أن الكودة، ربما لعدم اقتناعه بما ذُكر، أو ربما لعلمه بأساليب عمل "الهيئة" من داخلها، أعلن استقالته منها، في القاهرة، التي كان وردها بعد كمبالا، واصفاً إيَّاها بأنها "تفتي لصالح السُّلطان!" (وكالات، 9 فبراير 2013م)، وذلك بعد أيَّام قلائل من إطلالة أمينها العام، البروفيسور محمَّد عثمان صالح، عبر شاشة فضائيَّة أم درمان، متوعِّداً، هذه المرَّة، بمحاسبة الكودة "لسفره إلى كمبالا دون إذن!" (5 فبراير 2013م).
الرَّاجح من جملة الملابسات أن التَّكفير قد وقع، ولحق بالمعارضة، من جهة، لقاء تطرُّقها، ضمن وثيقة "الفجر الجَّديد"، لمسألة "الدِّين والدَّولة"، مع أنَّ ذلك النَّصَّ لا يصحُّ، كما قلنا في مقالة سلفت، أن يُقرأ بانفصال عن نصِّ قديم اكتسب مرجعيَّته، في هذا المجال، من الإجماع عليه بين قوى المعارضة، ضمن مقرَّرات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيريَّة (يونيو 1995م)، ويحظر تأسيس الأحزاب السّياسيَّة على أسس دينيَّة، ما يعني، عقلاً، "التَّمييز" بين "الدِّين" و"السِّياسة"، علماً بأن أحداً لم يجرؤ، طوال ما يقرب من العشرين سنة الماضية، على تكفير تلك الأطروحة، أو يجرؤ، أصلاً، طوال ما يربو على الأربعة عشر قرناً الماضية، على التَّشكيك في هذا "التَّمييز"، كونه مشمولاً بتوجيه نبويٍّ شريف.
أما من ناحية أخرى فإن النَّصُّ الذي وقَّعه الكودة، وكفَّرته "الهيئة"، يذهب إلى أبعد من ذلك، بتحفظه، مبدئياً، حسب البند/4 منه، على البتِّ، في الوقت الرَّاهن، بشأن "علاقة الدِّين بالدَّولة"، مرجئاً الأمر ليقرِّر فيه الشَّعب من خلال مؤتمر دستوري واستفتاء، حسب ما أوضح الكودة بنفسه (قناة الحرة؛ 14 فبراير 2013م).
رغم ذلك مضت "الهيئة"، دونما تروٍّ، تسند فتواها إلى قوله تعالى "ومن لم يحكـم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" (سودانايل؛ 1 فبراير 2013م).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة