. إستهواني العمل في مجال تربية الدواجن و تصنيع الأعلاف فبدأت حوالي 1994، و بشراكة أحد أطرافها الصديق المهندس محي الدين الجلاد، الشروع عملياً في ذلك المجال فقمنا باستئجار حظائر دواجن في الجريف غرب لمباشرة عملنا. كما كانت لدي علاقات صداقة و عمل مع عدد من الأصدقاء الأطباء البيطريين منهم د. محمد فضل -شقيق الشهيد د. علي فضل- و الصديق د. بابكر محمد أحمد الأمين، و د. مختار فضل من حي الزهور في الخرطوم، و الأخوان د. معتصم الفاضل و خالد الفاضل.
في الأمسيات بعد الإنتهاء من أعمال الاشراف على الدواجن، كثيراً ما كنا في طرق عودتنا، نجلس أمام منزل د. محمد فضل في الديم، حيث يتم إخراج عدد من الكراسي، طاولة، و وصلة كهرباء للمسجل وعدد من أشرطة الكاسيت، نتجاذب أطراف الحديث وسير العمل و مصاعبه. في أحد الأمسيات وصلت متأخراً و كان في الشريط كمال ترباس يتغني ب "بي قليبك تقول لي تعال وتعال و ب عيونك تقول لي لا، ما في مجال". لمح د. محمد فضل الاستغراب في عيني، فقال لي: ياخ تعال أسمع الحكمة الشعبية في الكلام ده.. ده تلخيص شعبي لواقع الكبت الاجتماعي حيث المحاذير حول البوح العلني، القلوب تحس بي بعضها، لكن حذارك من التقدم و التصرف الذي لا تحمد عواقبه. قلت ل محمد فضل.. صدقت و الله! بعدها بدأت أهتم أكثر بمضامين الغناء الشعبي بما فيه أغاني البنات كمقياس و تعبير عن حركة المجتمع و الاتجاهات الثقافية و الاجتماعية فيه.
أهدتني العزيزة، شقيقتي الصغرى أماني، سي دي يحوي أغاني بنات تؤديها المغنية القديرة إنصاف مدني بأدائها المميز و صوتها القوي. أعجبني صوت إنصاف مدني، كما تُعبِّر كلمات أغانيها عن تصورات، آمال، طموحات، إحباطات، و فخر المرأة السودانية العادية بذاتها، و بحبها، و مقاييس الجمال عندها، وفي علاقاتها الاجتماعية في الحي و في المجتمع.
في مشوار طويل بالسيارة إستمعت للسي دي، فتنبهت حواسي لكلمات أغنية تقول "في الزول ده ما تلوموني" و فوراً قفز إلى ذهني كتاب عالم الاجتماع الألماني فردريك أنجلز المعنون "أصل العائلة و الملكية الخاصة والدولة". http://www.e-socialists.net/node/3796
كلمات أغنية "في الزول ده ما تلوموني" تلخيص شعبي بسيط لكتاب انجلز "أصل العائلة.." الذي خلاصة دعوته تكمن في نبذ علاقات الزواج البرجوازية القائمة على المصالح المادية، في مقابل الحب الجنسي الفردي الشخصي، القائم على التوافق المبني على المميزات الشخصية لا غير، بعيداً عن مؤثرات الثروة و المكانة الاجتماعية الطبقبة.
عندما يقع الانسان في الحب، لا يفكر بالطبع، في السبب. السبب غالباً ما يكون نتيجة تداخل عوامل كثيرة في وعي الفرد –المُحِب- من الصعوبة تمييز خطوطها، فقد يكون "المال" أو "الحسب" أو "الجمال" أو "الدين" أو "الثقافة" أو كل تلك المميزات، أو بعضها. لذلك دافعت إنصاف مدني بقوة عن حبها، و عن شخص محبوبها، غض النظر عن وضعه الطبقي الإجتماعي، فيكفيها أن قليبها حنّ و ميّل له، وبعدها المُهم السترة مع البحفظ العُشرة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة