|
الترابي والخميني .. جدل الفكر والسياسة
|
الترابي والخميني .. جدل الفكر والسياسة محمد بن حامد الأحمري
تحدث مرة ياسين عمر الإمام عن خصوصية السودانيين ، وكان وقتها نائب الترابي في قيادة الجبهة الإسلامية القومية فكان مما ذكره : أن السودان له وضْع وشخصية خاصة, لا يُشْبه العرب ولا الأفارقة ، وأن العرب يرون السودانيين أفارقة ، والأفارقة يرون السودانيين عرباً . فوقعنا بين ثقافتين ، وبحكم أن السامعين عرب ، فبدأ يقص الفرق بين العرب والسودانيين ، ممثلاً بحادثة خاصة به ، وهو أنه كان مسجوناً ثم أُفرج عنه وذهب للحج ، فصادف أن كان وزير الداخلية - الذي سجنه - حاجاً ، قال : فأخبرت إخواناً لي - من دول عربية أخرى - أنني سأزور الوزير في مقره في مِنًى ، فاستغربوا واستنكروا أن يزور ساجنه ، قال : ولكني ذهبت واستمتعت معه بجلسة لطيفة وعاد ليحدثهم عن زيارته لأخ سوداني آخر ، كأن يكون ابن قريته وصديقه . أما العرب الآخرون فلا يعرفون دفء هذه العلاقات . ولما تعجب الحاضرون زادهم ما أثار استغرابهم ، ليقبلوا بنظرية أن السودانيين مختلفون عن إخوانهم العرب ؛ فحدّث عن قبائل في غرب السودان تتقاتل نهارها ، ثم إذا حان وقت الغداء اجتمع العدوان المتقاتلان ليتغدوا معاً ، حتى إذا فرغوا من طعامهم عاد كل منهم لجبهته يقاتل الآخر ! . وفي ممارسة السودانيين الاجتماعية والسياسية ما يشهد لرأي الإمام . قابل مصطفى السباعي الترابي في لندن والأخير يدرس هناك ، فوجد أن بعض أصدقاء الترابي المقربين له - الذين استقبلوا معه السباعي - كانوا من الشيوعيين السودانيين ، فكان هذا مما عجب منه السباعي . وخرج الترابي من السجن ؛ ليتولى أرفع المناصب الحكومية بعد منصب خصمه الذي سجنه - النميري - ولينظّر له وللمرحلة الإسلامية الجديدة . فيتحول النميري - بين عشية وضحاها - إلى كاتب ومنظِّر للعدل والشورى والنظام الإسلامي ! . وقد اشتدت الخلافات من قبل ومن بعد بين الأنصار والإخوان ولم يمنع ذلك من زواج الترابي من أخت الصادق المهدي ، الصديق اللدود والنسيب للترابي . وتتحول الزوجة المهدية إلى جبهوية ترابية تجيِّش الرجال والنساء ضد أخيها وجدها ، فلكل مجتمع خصوصيته ، التي لا يُفهم المجتمع دون وضعها في الاعتبار . وفي موقف آخر يملأ الإخوان المسلمون أيديهم من انتظام إخوان السودان معهم ، ويرون أنهم امتداد وفرع للحركة ، فإذا بالسودانيين يقولون : عرفنا الدعوة والتنظيم في كلية جوردون قبل أن نعرف الإخوان !(1) . وفي أحد اجتماعات المكتب التنفيذي للإخوان المسلمين - وقد حضره الترابي - أرادوا أن يقرروا منع مشاركة الإخوان في الانتخابات "الشكلية" ، التي تقوم في الدول العربية, بناءً على التجارِب المتكررة, ومنها محاولة إخوان سورية عام 1961 ، ثم فشل التجربة . فردَّ عليهم الترابي متحمساً للانتخابات ، وفكرة المشاركة : "والله - يا إخوانَّا - إحنا لو صح لينا نُص وزير أو ربع وزير ، حتى مش حنرفض"(2) . فقد كان الترابي يصدم المحافظين والبيروقراطيين بقناعاته وتحولاته . قال أحد الذين تعاملوا معه حركياً : عندما قابلته في أوائل السبعينات صدمتني شخصيته آنذاك فقد "كان له عقل غير عقولنا المسكّرة" ، كان مختلفاً في رأيه , حراً ، بل متحرراً في رأيه ، وأحياناً ينطلق بلا زمام ولا قيد . لماذا المقارنة ؟ : لأن بين الشخصيتين تشابهاً كبيراً ، فكلاهما - على الرغم من اختلافنا معهما - يتمتع بمميزات الزعامة والثقافة والعلم والاستقلال ، وهذه صفات تكفل لمن يتمتع بها مكاناً وأثراً في قومه ، وكلاهما شذّ عن السِّرْب بعمل أو فكر . وكلاهما انتصر لفكرته أو لنفسه بدولة ، وكلاهما رفع شعار الإسلام للتغيير . وكلاهما أثار قلقاً كبيراً في مجتمعه ، بحق أو بغيره ، وكلاهما كان مفيداً ، ثم أصبح عبئاً . وسيبقى أثر كل منهما بعد موته وبخاصة الخميني . ويبقى أن الترابي - مهما قِيلَ عن أخطائه - لا يمكن أن يوضع في صف الإمامية ، وإن أملتْ عليه رغبته الإصلاحية أو السياسية بعض المواقف المشابهة فما كان يقصد ذلك عقدياً ، ولا قصدناه هنا . وفرق آخر مهم بينهما ، وهو أن الترابي -دائماً - كان حاكماً غير معلن ، أو قاب قوسين أو أدنى من الحكم ، لزمن طويل ، أما الخميني ففي الطائرة التي أقلته - لم يكن متأكداً من نهاية الشاة ، ولا أنه سيحكم إيران ، أو على الأقل هذا قول رفاقه ودارسي حياته(3) . و هذه مساهمة سريعة في تفهُّم الخصائص والأشخاص ، ولا نقصد بها الحكم على النيات ، ولا نقاش المذاهب والتوجهات ؛ فهي أمور غير مطروقة للبحث هنا ، ولضيق حيز مقال عن أن يتعرض لمهمات أُخر . ثم إنه قد سبق لهذه الأمور العقدية والمنهجية جهابذة ، أغنونا عن تكرار القول . الترابي : وُلِدَ الترابي عام 1932 في بيت علم ودين وكان والده شيخاً, وللعائلة قبر يُزَار . وما أكثر القبور في بلاد المسلمين ؛ إذ إن الفقر والجهل أهم عوامل وجودها . حفظ القرآن بعدة قراءات ، وهو صغير ، وتعلَّم من علوم الشرع مبكراً ، ثم درس القانون في السودان ولندن وباريس ، حيث حصل على الدكتوراه . يجيد الإنكليزية والفرنسية ، ويقرأ الألمانية . متحدث بارع ، سريع العارضة فَكِه ساخر جذاب ، يخف على الجليس حيناً ، ويثقل أحياناً . قوي الحجة واسع الثقافة ، متقلب المزاج ، يسقط ، فييأس ويقنط, كان في السجن يبعث روح اليأس في زملائه ، وينفق الوقت في القراءة . ثم يخرج فيرتفع به لهيب همته ، ويصعد من جديد ، وهو قادر على التلوُّن باللون الذي يوصله لمراده ، ولا يطيق الاستمرار ، والصبر معه إلا قلة قليلة ، ممن يتبنى رأيه ، ويسلّم له . وهذا رأي أشياخ بلده فيه من قديم ، من السلفيين والإخوان القدماء ، أو الخط العام أو المستقلين من زملاء المرحلة السابقة ، من أمثال الشيخ الهدية ، والداعية الصادق عبد الله عبد الماجد والشيخ جعفر إدريس ، ولا يسلم القرناء الأفاضل من اختلاف وجهات نظر ، ولكن تديُّنهم وتَقواهم تقيهم من السوء ، إن شاء الله . وربما زادت مشكلات ما بعد الثورة تباعد العلاقة ، وبعض الأخطاء التي لا يسلم منها عمل . والله حسيب الجميع . لقد كان الترابي متفرّداً بصفات فذة ، يندر تلاقيها في شخص واحد ، وهي تثير الأسئلة المتعارضة ؛ فهو متغرب الثقافة ، شيخ في العلوم الشرعية ، حزبي حركي ، ديموقراطي اللسان استبدادي الممارسة . يولي عنه القريب هارباً ، ويخطف بريقه البعيد معجباً . ولعله لم يَرَ بين المسلمين السُّنَّة مثل نفسه ، ولم أَرَ أنه أُعجب برجل معاصر إلا الخميني ؛ فله - في نفسه - موقع خاص ، وكان ممن زاروا الخميني ، وقد لخص الكثير من آرائه عن الثورة في عدد من المقابلات ، والكتب المنشورة . وللترابي عدد من الكتب مثل الصلاة عماد الدين ، والإيمان وأثره في الحياة ، وتجديد الفكر الإسلامي . ومقالات عديدة ، والحق أن الترابي متحدث مؤثر يخلب بحديثه السامعين ، ولا ترتقي كتابته إلى مستوى حديثه . وهذا عنصر في المفكرين ، الذين يسحرون الألباب ، فيحرمون الأتباع من الوعي ، ويسلبونهم بهذا القدرة على التفكير . وهذا النوع من القياديين الجماهيريين ، يرهق الطبقة الواعية ، فلا تملك معه إلا الخصومة ، وهو يأخذ الجماهير ، ويجذبها من بين أيدي الحزبيين الواعين . حتى إذا أرهق نفسه وجمهوره في مغامرات كبيرة - صبوا عليه اللوم أصنافاً . وقد كانت مغامرة الخميني وحربه أشد الأمثلة للقيادة الفردية المتعبة . تجرَّع بعدها - كما قال - سُمّ الهزيمة ، وكلفت الحرب إيران ما يزيد على مائة وأربعين مليار دولار ، كما قال أبو الحسن بني صدر في كتابه "عودتي للكلام"(4) . الخميني : وُلِدَ الخميني عام 1900م ، وعمل أعمالاً مختلفة ، كمُراجع لغوي في مطابع ، واشتغل ببيْع السيارات ، ولم يرتبط بعمل حكومي منتظم ، وقد دخل سلك التدريس ، وعمره خمسون عاماً ، أستاذاً للفلسفة والفقه ، بعد كتاب "كشف الأسرار" . ولم يُعترف له بالعالِمية إلا بعد سجنه عام 1963, بعد المعارضة التي قادها في المدرسة الفيضية في "قُم" ، وبلغ ضحاياها نحو خمسة عشر ألفاً(5) , وحينها تدخل الآيات الكبار - مثل شريعتمداري - ومنحوه لقب "آية الله العظمى" على كتابه : "تحرير الوسيلة" - في الفقه الإمامي - ليستخرجوه من السجن ؛ إذ إن الدستور الذي كان للعلماء دور في كتابته عام 1906 - يحظر سجن الآيات العظمى(6) . وقد كان الخميني مثار جدل من وقت مبكر ؛ فكثير من العلماء الشيعة لا يرى له مكاناً في دائرة كبار علمائهم ، لأنه قليل البِضَاعة من العلم الشرعي . أما الخميني فيروي أحد تلاميذه - الذين حضروا له منذ أيام النجف "أحمد الكاتب" - أن بعض علماء الشيعة من خصومه كانوا يشكّون في موقفه من التكاليف الشرعية ، وأنه يرى رأي غلاة الصوفية ، ويدللون على ذلك أنه كان أستاذاً للأخلاق والفلسفة ، وتأثر بابن عربي , وترجم كتبه للفارسية . وفي أيامه الأخيرة اهتم أنصاره أن يُثْبتوا بالصور المتكررة أنه كان يتوضأ ويصلي حتى في مرضه ؛ لينفوا - بذلك - عنه الشبهة . ولا نعرف دقة هذا القول ؛ لأن تلك الصور قد تكون - فقط - من أجل الإخبار عن صحته . ولكننا نجد له في "رسالة للعلماء" - التي كتبها قُبيل موته - قوله بعد أن ذكر موقف علمائهم من الفلسفة ، الذين يعتبرون "تعلُّم الفلسفة والعرفان ذنباً وشركاً" : "وعندما شرب ابني الصغير المرحوم مصطفى الماء من شربة في المدرسة الفيضية أخذوا تلك الشربة وطهروها بالماء ؛ لأنني كنت أدرِّس الفلسفة" (7) ! ، فلم يجيزوا الشرب بعد الابن فكيف بالأب؟! صعد نجم الخميني في السياسة عام 1962 بعد أن جاوز الثانية والستين من عمره . محتجاً على قتل طالب مظلوم ، واتفق أيضاً أن الترابي بدأ محتجاً على قتْل العسكر لأحد الطلاب في الجامعة ، ولكن المعارضة المشهورة هي معارضته للدستور الذي سَنَّهُ الشاه ، فواجه ما رآه انحرافاً بحزم عام 1963. وبخاصة ما تضمنه الدستور من فقرات ثلاث ، إحداها تتعلق بموضوع حقوق المرأة ، والأخرى تتعلق بحق غير المسلمين أن يقْسموا على غير القرآن ، وصعد نجم الترابي بعده بعام (1964) ، وصعد يخطب على سيارة الجيب ضد العسكر الذين استهانوا بالشعب ، كما صعد يلتسين على الدبابة ضدهم في موسكو . وهيَّج الترابي الناس ، فتراجع العساكر ، وتنازلوا للعصيان المدني, وكان تأسيس جبهة الميثاق - التي قال الترابي وقتها إنه لا يمكن للعسكر أن يحكموا السودان من بعد - ولكن العساكر عادوا مرات عديدة ، وآخرهم هو الذي جاء بهم للإنقاذ من الديموقراطية . ويُجهد برنارد لويس نفسه ليفهم عقلية الخميني وثورته ، فكتب عدة مقالات ، منها مقال بعنوان : "كيف صنعها الخميني ؟"(8) , وهذا المقال مراجعة لكتاب بخاش ، الذي أرخ فيه للثورة الإيرانية ؛ فيرى لويس أن ميزة الخميني عن غيره بارزة في تصميمه وعدم تراجعه ، وكلمة "لا" التي لا تقبل تنازلاً ولا مهادنة . فقد احتج علماء إيران على دستور عام 1963, عندما عُرض على الشعب ؛ لما تضمنه من مواجهة الشرع في القوانين التي تمس المرأة ، وتساوي غير المسلمين في البلاد بالمسلمين . وثارت ثائرة العلماء ، فواجه الشاه والحداثيون الموقف بالاتصالات الخاصة بالعلماء ، وإرسال برقيات تطمين ووعد بتأجيل أو إلغاء القوانين . فاستطاعت الحكومة السيطرة على الموقف واحتواء جمهور المحتجين من المشايخ بالوعد والوعيد . ولكن الخميني - ومَن تأثر بموقفه - رفضوا أن يقرر الباطل للجميع علناً ؛ وأن يكون التراجع عنه سراً ، فلا بد من إعلان الرجوع للحق على الملأ ، إن كانوا قد تراجعوا حقاً ، وزاد فقال : "إن الدستور قد صِيغَ بواسطة جواسيس أو يهود صهاينة ، وأن الإسلام والقرآن في إيران في خطر . وإن استقلال البلاد واقتصادها مهدد بسيطرة الصهاينة المستشري بواسطة البهائيين",(9) ولم يستجيبوا له ؛ لأنه ليس من الآيات الكبار . ثم جاء قانون الإصلاح الزراعي وألهب الخميني المجتمع تحذيراً من الأيدي الأمريكية الإسرائيلية المتستِّرة وراء رموز التحديث الشاهنشاهي . فهددوه بالسجن ، فقال : "فقط لمصلحة إسرائيل وأمريكا لا بد أن نُسجن وأن نُقتل ونكون ضحايا للنيات الشيطانية الأجنبية" ، ثم اعتُقل بحجة إثارة الشغب والطعن في ذات الشاه وفي مصالح إيران ودستورها ، وهدئ الموقف بمواجهات مع أنصاره . وفي السجن أرسل له الشاه مَن لا يقل عن رئيس السافاك ؛ ليقنعه بالتراجع وعدم التدخل في السياسة ، وقال للخميني : "إن السياسة كذب وخداع وعيب ودناءة ، فاترك السياسة لنا !" ، قال له الخميني : "الإسلام كله سياسة"(10) ، وبعد عشرة أشهر أُطلق ، ونفى ما أُشيع أن يكون قد تعهد بترك السياسة أو بالتراجع عن رأيه . وبعد فترة يسيرة - وفي عام 1964 - أصدر الشاه قانوناً ينص على الوضع الخاص للأمريكيين في إيران ، فعارضه الخميني ، وقال : "هذه وثيقة عبودية إيران" ، وهنا اتسع أنصار الخميني ، فوافقه الوطنيون والمتحررون والفقراء والتجار والعلماء ، فأُخرج من بلده ، كما أُخرج الأفغاني من قبل ، ولتتأكد القطيعة ، وأصبح رمزاً للشعب المستضعَف ، الذي يواجه الاستبداد الشاهنشاهي ، والاستعمار المستكبر . كما صاغ هذه المصطلحات من بعد(11) , ثم لم يُعرف عنه أنه قَبِلَ بأنصاف الحلول . ولما زاد سخط الشعب على الشاه - ثم نائبه بختيار - وبعثوا "سنجابي" المعارض المعتدل للوساطة ، وفوجئ الوسيط بعزم الخميني وتصميمه وثقته وعدم مناورته في استقلال بلاده ، فانقلب سنجابي ، وأصبح واحداً من حاشية الخميني . أما الترابي فإن مِزَاج المناوِر السياسي أضعفَ مكانته داخلياً وخارجياً ، وغلب على الزعيم في شخصيته ، ثم إن تقلب رأيه السريع وفرديته تُفقده الكبار من قومه ، ولا يبقى حوله إلا مَن يصغره كثيراً ؛ أولئك الذين رأوا البريق ، ولم يستبصروا بعد . فيجد نفسه بين الصغار زعيماً بلا ند ، ورأياً واحداً لا قبيل له ، وهو لا يدرك أنه بهذا قد فقد الرجال ذوي الرأي والقدرة ، ولم يكونوا معه ، ولن يكونوا ؛ لأن آراءهم غالية عليهم ، فلا يهملونها ، وغالية عليه أن يتنازل ويقبل . ولها تبعات لا يطيقها ، فيدفع ثمن تفريطه ، فيما بعد خسارة فكرية وسياسية واستراتيجية في بلده . لقد تلقى عدة إشارات - بل ومواجهات صريحة - من داخل الصف عدة مرات ، ولكنه - ويا لَلأسف - لم يتنبه لتلك الإشارات ، وبخاصة مذكرة العشرة الذين انقلبوا عليه ، وهم تلاميذه . واستهان بها . لقد كان بحاجة لأن يفهم ما لا يحب وقديماً قيل : "إن بني عمك فيهم رماح" . وهذا فصل مكرور من قصة الحركة الإسلامية في البلاد العربية ، تُسقط الأهداف الكبيرة والأعمال الريادية تحت فردية قاتلة . تبدأ برجال صادقين جادين أفذاذ ، ثم ينتهون ، أو ينهون عملهم أتباعاً بلا رأي . أو يتخلون هروباً من القيادات المراوغة ، أو الصالحة التي تصطدم بجدار الحقيقة ، أو بضعف القدرة ، وصغر الغايات ، وقصر النظر . وتصر كلها على استبعاد ذوي القدرة والرأي ؛ لأنهم غير منسجمين ، ومتى كان الأفذاذ ينسجمون بسهولة ؟ ، وتلك حقيقة أنهم غير منسجمين ، ولا يطيقون ثقافة القطيع ، والطاعة تشترط المستحيل من طباع النابهين . ولم تستطع أي من الحركات السنّية - فيما نعرف - أن تطور نظاماً ، تستطيع فيه أن تحافظ على قدراتها الفكرية والسياسية ، مفيدة لجمهورها ، ومنسجمة مع قيادتها . وتضطر القيادة إلى تخييرهم بين الطاعة في المجهول أو التهميش ! . إن مشكلة الإسلاميين - مع مقدراتهم - تكاد أن تكون هي بالضبط عدوَى أو مشكلة الحكومات مع شعوبها . والنقد على الطرفين واحد(12) . : الخميني من شعب أنهكته الباطنية ، وعقيدة التقية الذليلة ، لقرون متوالية طويلة ، من قبل إسلامهم ومن بعده ، وأصبح يتوق لموقف صريح ، يرفع عنه ذل النفاق للشياه المتتابعين فوق رؤوسهم ، فجاء مَن يعلن على الملأ ما يهمسون به ، وأخرجهم من وهْم الإمام المنتظَر في السرداب إلى نائب له حي على الأرض . وجاء بطائرته لمطار طهران بين احتمالات ضربها وإسقاطها من الجو ، دون رهبة ولا تقيَّة ولا خشية من اللحظة القادمة الرهيبة ، التي تحتمل القتل أو النجاح . فغيَّر مسيرة الحياة إلى توجه جديد ، أبقى لهم من الخرافات بعضاً وأعاد تفسير الأخرى . أما الترابي فقد سلك عكس الخميني ، ففي بلد السودان ، لا سر ولا خفاء ولا تقية ، فمارس معهم التقية بطريقة يأباها السوداني الواضح ، فلما انتصر الترابي أدخل نفسه السجن ، ولما أراد أن يأخذ الحكم من البشير التف عليه بطريقة لم يعتدها الشعب ، ولا يعرفها ، فإن كان صاحب رغبة في عزل البشير فليبادر إن كان قادراً ، ولا يشغل السودان بحيلة طويلة ، فصولها مملة لأكثر من عامين . ولكن مسلكه يعكس سلوك السياسي ، الذي يسلِّم بقدرة التجربة والمناورة والحيلة ليبلغ مراده . ويُعْرض عن جدد الصراط ، فعاجله خصمه - تلميذه السابق - بالطريقة السودانية ، وليس غيرها ، طريقة الانقلاب الغريب ، يبقى المنقلَب عليه بكامل حريته ، يجمع المعارضين ، ومَن يمكن أن يسانده لاسترداد موقعه ، مما يشهد لتميُّز مواقف السودان عن غيره . ويذكِّر بقصة بدأنا بها عن القبائل التي تحترب ، ثم تجتمع ؛ لتتناول الطعام معاً ، ثم تعود لمواقعها في القتال ! وهكذا تجد سر جاذبية الخميني لقومه ، والقناعة الشيعية به ، بعكس الأخير ! . ولاية الفقيه : من المتشابهات بين الرجلين ، فالخميني اتبعها ، وقد سبق إليها ، ورأى فيها خلاصاً من الاستبداد و"الاحتلال المقنّع" , أما في السودان ، فهم لا يعرفون هذه المصطلحات الباطنية أو المحتالة على الباطنية ، ولكن الترابي مارس أو كاد أن يمارس "ولاية الفقيه" عملياً من خلف العسكر ، ولزمن غير قليل ، ثم لم يعد لها عملياً مكان . ونظرية ولاية الفقيه في إيران في مأزق ما بعده مأزق . كيف وقد بدأ يطعن فيها سماسرتها ، مثل "منتظري" ، الذي فاتته وخصومها ممن لا أمل لهم بها. الحرب : مما تشابه فيه حال البلدين والشخصين الحرب مع الغرب ، بواسطة قوة محلية أو مجاورة ، فالحرب الخارجية للثوار الجدد سُنة ماضية, ومكون رئيس من مكونات أي ثورة ، فلم تتم ثورة في تاريخ البشرية دون أن تجد نفسها في حرب ، مع جيرانها أو انفصاليين مدعومين من خارجها . وهذا النوع من الحروب يقوم به الثوار ؛ لأنهم أولاً : يعتقدون بأهمية تحرير غيرهم من البشر الخاضعين . ثم ثانياً : بسبب الطاقة الكبيرة التي تتفجر في دماء الثوار المنتصرين . وثالثاً : بسبب انتقام القوى الخاسرة ، وجيوبها الباقية وبقية مالها وجاهها . ثم رابعاً : بسبب خوف الجيران من الثورة ، وحرصهم على محاصرة حمّاها المعدية ، التي يراها بعض فلاسفة التاريخ مرضاً لا يُعرف سببه . ولكن هناك - أيضاً - من العوامل ما لا يعرف الثوار التصرف معه . وليست حروب ما بعد الثورات بسبب شخص الخميني أو الترابي أو نابليون أو لينين ، أو هتلر ، أو ماو ، أو كاسترو ، أو واشنطن ، أو مَن سبق أو لحق من ثوار ، من مسلمين أو كفار ، فقد نذكر تخبُّط الخميني ورغبته في أخذ العراق ، أو تصرفات الترابي مع جيرانه ، أو تطور مشكلة جنوب السودان ، ولا نلغي هنا دور الفرد ، ونجعل الأمر جبرياً مطلقاً ، ولا تغيب عنا الظروف المحيطة ، والواقع الصعب في السودان ، وكلٌّ يحارب بقدره . هذه من دروس التاريخ العامة في كل أرض ، فإذا أضفنا لذلك أن هذا عمل وتحرك إسلامي في قارة يخشى النصارى - المسيطرون على القوى الكبرى - أن تقع تحت نفوذ المسلمين ، وقد يثيرون في العالم الإسلامي حركة تحرُّر واسعة من الهيمنة والاحتلال المقنع . وما يمكن أن يسبِّبه هذا - من بعد - في الساحات المجاورة ، التي فيها قوة إسلامية مؤثرة ، فلا يملك النصارى إلا بذْل كل جهد ، مهما عظم لإجهاض مشروع كهذا ؛ لذا لم يتحقق الكثير ، وقد لا يتم قريباً . ماذا أنجزا للسودان وإيران ؟ : لقد حسمت الكثير من الأمور في توجهات إيران والسودان, وقد شعر سكان هذه البلدان -مع الخسارات التي تحققت أيضاً - أنهم حققوا انسجاماً مع هوياتهم ودينهم ، وأنهم أقاموا حكومات إسلامية وطنية ، لم تُفرض عليهم من خارجهم ، وليست لديهم شكوك في هذا الجانب . وعلى الرغم من أن السودان ازداد فقراً ، ولكن لم يكن هناك من مؤشر على خلاف ذلك من قبل وصول الإسلاميين ؛ فقد أودى بهم الصادق والديموقراطية لدرك الهزيمة العسكرية أمام تمرد الجنوب ، وخربت العلاقة مع الجيران . ولا يعفي هذا - بحال - الحكومة الحالية من مسؤوليتها عن الوضع الاقتصادي المتردِّي . وإيران تَحقَّق لها - ويتحقق - من السيادة والاستقلال وقوة مناصرة مذهبها ما لم يتحقق منذ عصور متطاولة ، في بلدهم وخارجه وعلى حساب السُّنَّة أحياناً كثيرة ، وليس هذا مكاناً لبحث الأمر . غير أن أمر "الهوية العقَدية" قد حافظ عليه الطرفان - على الأقل - على الرغم من صعوبة المواجهة . ثم إن التغييرات الكبرى لا يصاحبها الثراء المباشر ، بل هي رفيقة الحاجة ، والمواجهة والخوف ، ولا تُؤتي التغييرات الكبيرة ثمارها إلا لأجيال متأخرة ، فالصف الأول صف البناء والأعمال والتضحيات الكبيرة . وهو غالباً لا يذوق جوائز الدنيا ، بل يكتفي بلذة الانتصار الغالي ، إن ذلك هو ما نرجوه للإسلام في السودان ، أن يعز الله دينه ، ويبارك جهود الصادقين ، ومطالب المستقبل الفاعل يلزم لها الاعتقاد الصحيح ، والفكرة الواضحة ، واستخدام الأرض ومواردها في عمل جاد و مثمر . وهنا أمر مهم ، لعله مما لا يحتاج لبيان ، وهو أن الخميني في إيران ، وأن الترابي في السودان ؛ ففارق القوة ، والاقتصاد والعدد والمكانة الدولية لها أثرها . الريف والمدينة : إن الترابي - على الرغم من الأصل الريفي - ولكنه ابن المدينة المسيَّس ، وكلمة "مدينة" في اللغة العربية تعني أيضاً "عبدة" ؛ فأهل المدينة - غالباً - يرقّون ويخضعون ويستجيبون للعسف أن يقاوموه بالحيلة ، ويجيدون صناعة المبررات والهروب عن المواجهات . والسودان - الشمال - بلد ريفي الثقافة ، ليست فيه الطبقية ولا التفاوت الاقتصادي ، ولا سياسة الحيل ، فقد وحَّد الفقر الجميع ، ولولا الخطاب الإسلامي - الذي ينادي به - لما طال إقلاق الترابي لهذه الجموع ، ولما قبلوا التنقل عبر هذه الأطوار ؛ فعامة المسلمين يؤمنون بواجب نُصرة الرسالة الإسلامية ، ويؤمنون بخيرها في الدنيا والآخرة ، وقد يتسامحون مع أخطاء وممارسات الإسلاميين ؛ لأنها الأصح والأقرب ليقينهم ولقلوبهم ، ورصيدها لا يقارَن بأي مجموعة أو فكرة دخيلة . ومع تميُّز مواهب الترابي واتساع ثقافته - عن نظرائه من زعماء العالم وقادته ومهاراته المتعددة - ولكنها أكسبته غروره الكبير ، ######ريته من أشياء كثيرة ، علمية وعملية ؛ فرفع نفسه فوق الجميع ، وامتهن التمثيل ، الذي يحتاجه السياسي أحياناً ، ولكن ليس دائماً ، والتاريخ يقلب لهذا النوع ظهر المجن ، ويذيقهم مرارة الوحدة ، وفقدان المعين ، والرد على السخرية والتمثيل بأمر منها . أما الخميني - الريفي من "قُم" ، وقد عاش خمسة عشر عاماً في "النَّجف" - فلم يعتَدْ ثقافة المدن السياسية المرنة ، وله من صرامة الشخصية ووضوح الهدف ما جنَّبه بعض هذه المشكلات . فلم يكن يطمح للمشاركة في حكومة الشاه بنصف وزير ، بل ولا بنصف حكومة ، وقد عرض عليه مندوبو الشاه ومندوبو بختيار فلم يقبل ! ، ولم يأخذ بثقافة طالب الصيد ، فكسب بهذه القطيعة تقدير المعارضة الكبيرة المتضررة من الشاه والمنافقين له ، وهؤلاء هم سواد الناس . القطيعة المفيدة : إن قطيعة الخميني مع نظام الشاه ساعدته - أيما مساعدة - في إعطاء قيم وشكل للحياة والتعامل جديد ، فلم يتلبَّس بتاريخ مشين في الحكم ، على خلاف الترابي الذي كان يقبل بأي شيء ؛ ليكون جزءاً من الحكم ، فحمّله الناقدون بعض أخطاء عهد الميثاق ، ثم عهد النميري ، ثم عهد الصادق المهدي ، والآن يحملونه أعباء وعيوب الثورة الأخيرة (عهده هو والبشير) ، فلم يتمتع بالمفاصلة المحببة للناس ؛ لذا يحمِّله المراقبون أوزار غيره إلى جانب ما هو فيه ، ولم تساعده طريقته هذه على بناء قطيعة مع الفساد المتجذِّر اجتماعياً وعقَدياً ونفسياً من أيام بريطانيا ، وما تبعها ، مما يشابه فيه السودان - أو يخالف - بقية بلاد العرب . وسحر القطيعة له أثر عجيب في نفوس الشعوب ، ذلك الشعور الذي يفرح به الناس ، وبنهاية لزمن عبودية مندحر ، وتمكُّن نمط جديد وحياة ومبادئ جديدة . فهل تمت ثورة في السودان وتمت القطيعة ؟! المتغرِّب : كان من المشكلات التي أقلقت الثورة الإيرانية مشكلة المتغربين الإسلاميين مع المحافظين المقيمين ، مما حدا بأحد المراقبين الفُطناء - "كليم صدّيقي" على الرغم من تخليطه - أن يخرج بقاعدة أن المتغرب لا يصلح لقيادة المجتمع الإسلامي . إنها نفس العلة التي كتب عنها عدد من المفكرين ، تحت شعار الصراع بين أفكار ميتة (بقايا التخلف) وأفكار مميتة (غربية) ، فتغرب الترابي يُقلق المشائخ والملتزمين السنة ، ممن يراقبون كتاباته وفتاويه وتصرفاته(13) , فيؤيدون مرة ، ويكفّون أخرى . وهي نفس العلة التي لمحها الخميني مرة في تصرُّف للحسن بني صدر ، وقد عقَّب ساخراً من المبالغة الشيعية في شخص فاطمة - رضي الله عنها - فأنكر عليه الآيات ، وكادت أن تكون مشكلة كبيرة ، قال له الخميني : ألا تعلم أنك ترأس بلداً شيعياً ؟! ، ولم يدرك بني صدر أن المخاطبين ليسوا مثقفين فرنسيين ولا متفرنسين ، لقد أراد أن يلبَس عباءة العقل ، فأوضح له الخميني أنه بهذا يخلع عباءة السياسة ، وكان من دهاء هذا العجوز أنه حاول الإبقاء على كل هذه العباءات السياسية والفلسفية تحت سقف الخرافة . وقد مات والحال كذلك ، ولعله لا يرى المشهد منسجماً اليوم . لو مات لعاش فكره ! : إن العاطفة الكبيرة تجعل البعض يغفل عن الحقيقة ، وهي أن المفكر الثائر قد تكون -أحياناً - تطبيقاته ضد فكرته ، فلا تنجح الفكرة ، ولا تسلم وتسود بسبب وجوده ، ويكاد أن يكون موت المؤسس الثائر شرط نجاحها ، فتنتصر عليه الثورة ، ولا ينتصر شخصه عليها ؛ فالثورة عندما تتم تجد من أصعب الأمور أن تتعامل مع الثوار صانعيها - وخصوصاً المفكرين منهم - فتقتلهم ؛ لأن هذا النمط من المفكرين المؤثرين - إن وصل للقيادة - نمط يثير المجتمع ، ويُقلقه ، يقيم دولاً ، ويسقط أخرى ، ويرتب قيماً جديدة . وإن المجتمعات والجماعات والقبائل تستطيع - غالباً - أن تنتصر على الموهوبين وذوي الآراء السديدة ، فتسحقهم الجموع فيلجأون للانزواء وللتأمل والحكمة والسكوت(14) . ولكن النمط الذي ينتصر ، متى أتم ثورته وقامت الدولة - فهو لا يدرك أن هناك دولة جديدة تنشد الاستقرار ، والعمل وفق منهج مستقر جديد . وحتى ينجح التغيير فلا بد له من نوع من التعود ، ولنقْل بعض البيروقراطية الضرورية لتسيير الحياة ومزج التعود بالنظام ، حتى يصبح الجديد نظاماً . وقد يغفل المفكر الثائر أن بعض العيوب التي يثور عليها في النظام القديم - يحتاج بعضها للنظام الجديد . فماذا يصنع الزعيم أو المفكر المنتصر ؟ ، إنه يُقلق الجميع ، ويطلب منهم التحول الدائم ، والتقلب وعدم القبول بنمط ؛ لأنه ضد النمطية ، وعشرات السنين من عقلية النقد - وثقافة الاحتجاج - لا تسمح له بفترة همود ولا استرخاء ! ، على الرغم من حاجته ، بل أحياناً لا تسمح له بفهم ما يجري ، ويتضخم مرضه الفردي ممزوجاً بلذة انتصاره . لقد كان الخميني - في سنوات حياته الأخيرة - عبئاً كبيراً جداً على مجتمعه ، وعلى الثورة ، فلا الدولة تشعر أنها دولة لها نظام مستقر ، ولا العساكر يدركون مهمتهم ، ولا السياسيون يعملون وفق قناعتهم ، على الرغم من الدور الكبير جداً للداهية "رفسنجاني" في تجنيب البلاد مضار الخميني ، لكنه لم يكن ينتصر - دائماً - عليه ، أما اللذان سبقاه - بازركان وبني صدر - فقد كتب الأول شكواه المريرة ، وانطوى على حزنه ، وهرب الآخر لباريس ؛ حيث نشر بعض مذكراته ، ولأن السيطرة على الثائر المقدس ، وتخفيف القلق الذي يصنعه كان تحدياً كبيراً ، أين منه القلق الذي كان يصنعه أيضاً "منتظري" ، فما كان لهم من حل معه إلا الإقامة الجبرية ، يقبع فيها إلى الآن ؟ . ولا يدرك - ويا لَلأسف - الترابي أن إصراره على موقع سياسي يُضعف فكرته ، ويحبط مشروعه ، ويخرجه من صاحب قضية إلى طالب منصب ، ولو بقي بعيداً عن الشأن اليومي الإداري والسياسي لأكتسب مكانة أرفع ، وأثراً أبقى ، ونفع بلاده بأكبر مما يرى ، ولكنه - اليوم - أمام أعداد من الصغار الحريصين على تصغير حجمه ، وقتْل الدعاية أو الهالة حوله ، أو صادقين يرون عيوبه ، ورأوا أنه قد قام بما يكفي من الحسنات والإيجابيات ، ولكل عهد دولة ورجال ، وبعض هذا خطر على فكرته ، وأوْلى به موقع الأب الناصح ، يُؤخذ منه حق ، ويرد باطل ، وأما هم ، فبعضهم يقول هذا جزاء سعيه لغير مكانه ! ومن جهلت نفسه قدره رأى غيره منه ما لا يرى : لا أشك أن إصرار الترابي على طريقة السياسي المناور دائماً هو عنصر إزعاج لمشروعه ، ومحطم لهدفه ، من حيث يدرك أو لا يدرك ، ولكن هذا النوع من الكائنات السياسية لا تستطيع التنازل ، أو التعامل المعتدل مع نفسها ولا مع الناس ، وتبقى ثورة السودان من أقل الثورات تكاليفَ ومآسي . وتبقى هناك فروق بينهما ، تجعل كلاً منهما يذهب بعيداً في طريق لا يقابل فيه قرينه ، فليست المقارنة هنا إلا طريقاً للفهم والتفكير في الخصوصية والاختلاف ، فلو قيل لو كان الترابي في إيران لكان كشهبور بختيار السياسي المعارض المتغرب ، يأتي به الشاه ، الذي يأمل منه حلاً ، وهو مشكلة ، يختلف مع الصديق ، ولا يثق به الخصم ، ولو كان الخميني في السودان لكان كمحمد أحمد المهدي ، يقود الأنصار الثوار ، ويقتل جوردون لما بعد الأمر ، والتاريخ لا يتكرر ، والأشخاص لا يتماثلون ، ولا البلدان ، ولكنها العبرة لأُولي الألباب .
[/blue/][CENTER/]
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الترابي والخميني .. جدل الفكر والسياسة (Re: احمد سيد احمد)
|
الهوامش : 1- حسن الترابي : الحركة الإسلامية في السودان , ص28 , دار القارئ العربي , القاهرة , عام 1411هـ- 1991م . 2- عبد الله بو عزة : مع الجماعات الإسلامية في الدول العربية , ص185, دار القلم , الكويت , ط2. 3- انظر : أحمد مهابة , إيران بين التاج والعمامة . و الحسن بني صدر , My Turn to Speak, Iran , the Revolution and Secret Deals with U.S. Brassey, New York 1991, P.P. 1-2 . 4- - " My Turn to Speak, Iran , the Revolution and Secret Deals with U.S." Brassey, New York 1991 . 5- أحمد مهابة , إيران بين التاج والعمامة , ص235. 6- السابق , ص224. 7- رسالة العلماء , من مجموعة مقالات بعنوان : المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية , ص185. 8- الإسلام في التاريخ , ص389-396. 9- المصدر السابق . 10- المصدر نفسه. 11- اشتهر الخميني بصناعة المصطلحات ونحتها , وكان يهتم بأن تكون المصطلحات قرآنية , أو ذات أثر خالد في الأذهان . ثم يبني عليها موقفاً من بعد ؛ يسهل تجنيد الخاصة والعامة له . 12- قارن هذا بقائمة الأسماء , التي أسست مجلة "المسلم المعاصر" في مكان آخر من هذا العدد . 13 - أنظر على سبيل المثال رد الشيخ محمود الطحان: مفهوم التجديد بين السنة النبوية وبين أدعياء التجديد, دار التراث الكويت, 1984. وهو رد على بحث صغير للترابي بعنوان: "تجديد أصول الفقه الإسلامي". 14- أو يحققون الأنموذج المقابل للمفكرين "المفكر المنصور" . __ الموضوع نشر قبل اكثر من عشر سنوات في موقع مجلة العصر الالكترونية
| |
|
|
|
|
|
|
|