نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
|
الأستاذمحمودمحمدطه يتحدث عن الاعتراف عندالمسيحين والاستغفارعندالمسلمين
|
بين الاعتراف والاستغفار
ومما يزيد في توضيح قولنا أن ((الصلاة جلسة نفسية)) جلسة الإستغفار ، التي تتفق ، للعبّاد ، المجودين ، بالأسحار.. وقبل ((الإستغفار)) عند المسلمين ، هناك ((الإعتراف)) عند المسيحيين.. ومبدأ ((الإعتراف)) هذا بدأ في المسيحية بعد حياة المسيح ، في حوالي القرن الثامن الميلادي.. وهو يستمد من قول المسيح لتلاميذه ((الحق أقول لكم : ما ربطتم في الأرض ، ربط في السماء.. وما حللتم في الأرض ، حل في السماء)).. ثم إن المسيح قد قال لهم أيضاً : ((خذوا الروح القدس : من غفرتم له خطاياه تغفر له.. ومن أمسكتم عليه الغفران يمسك عليه))..
والمسيحيون يعتبرون أن الإعتراف أمام كاهن مهم جداً.. ومن الفروض الدينية على كل مسيحي أن يعترف ، على الأقل ، مرة في السنة.. وهم يقسمون الخطايا الى نوعين : الخطيئة ((المميتة)) ، وهذه لا تغفر إلا بالاعتراف. والخطيئة ((العرضية)) وهذه يمكن مغفرتها بدون إعتراف ..
والحكمة وراء الإعتراف هي تفريغ البال من الهموم التي تغم القلب ، حتى تحصل الراحة بنقاء الضمير.. وإنهم ليتوسلون إلى ذلك بعدة صلوات.. مثلاً هم في ((الإعتراف)) يقولون : ( إن مخلصنا بجنان سام : ((وضع لنا سر التوبة للخلاص)).. فهو قوة لضعفنا ، ودواء لأمراضنا النفسية الكثيرة ، بل هو نور يجعلنا نعرف تجارب العالم ، وغش الشيطان ، وشهوات النفس ، ولذا يلزمنا أن نتقدم إليه كثيراً ، بإيمان حي ، وإستعداد كامل.. إننا بالتقرب المتواتر إلى هذا السر نتقدم في الكمال المسيحي ، ونحفظ طهارة نفوسنا.. وبمقدار ما نبتعد عنه ، ونؤخره ، نتأخر في الفضيلة ، ونضيع هدوء الروح )..
وهم ، قبل الإعتراف يتوجهون بصلاة قصيرة ، كأن يقول أحدهم : ((أيها الروح القدس !!نور عقلي لأعرف الخطايا التي إرتكبتها بعد إعترافي الأخير ، فأندم عليها ، ندامة صادقة ، وأعترف بها ، إعترافا تاما ، للكاهن في كرسي الإعتراف)).. وبعد هذه الصلاة القصيرة يأخذ المعترف في فحص ضميره ، محاولا ، بذاكرته ، إستحضار ما قد إقترفه من ذنوب ، وخطايا.. كإهماله في الصلاة ، صباحاً ، أو مساءً.. وهل هو أخفى خطيئة مميتة في إعترافه السابق ؟؟ وأيضاً : هل قام بواجبات الوالدين ؟؟؟ و إذا كان زوجاً ، أو زوجة ، فهل قام بواجباته نحو الأسرة ، والأبناء ؟؟ وأيضاً هل قصر في حب أحد ؟؟ وهل وشى بأحد ، أو شتمه ؟؟ وهل سرق ؟؟ لعب ميسراً ؟؟ شرب خمراً ؟؟. الخ الذنوب ، والخطايا.. ثم هو ، بعد أن يستحضر طائفة كبيرة من هذه الخطايا يتوجه بصلاة قصيرة أخرى ، كأن يقول : ((يا إلهي إني نادم على جميع خطاياي التي بها أهنتك ، أنت ، المستحق كل محبة ، وأقصد ، قصداً ثابتاً ، ألا أعود إلى إرتكابها.. فساعدني على الثبات ، ولا تسمح أن أبتعد عنك بالخطيئة)).. وطريقة الإعتراف : أن يتقدم التائب من كرسي الإعتراف ، ويركع ، ويقول : ((باركني يا أبت لأني خاطئ ، أو خاطئة..)).. وسيكون في وضع مريح ، يوحي بالطمأنينة ، والسرية ، ويغري بالإنفتاح ، والصراحة .. وقد يفصل بين الكاهن والتائب شباك صغير.. ويكون النور الذي يريان به بعضهما نوراً خافتاً ، ومطمئناً ، ويأخذ التائب في سرد ظروفه التي ورطته في الخطيئة.. ويعدد خطاياه.. ويكون مستعداً للصراحة ، والوضوح ، والصدق.. ويجيب على أسئلة الكاهن ، حين يسأله ، في وضوح وفي صدق … ويظهر الندم على كل ما إرتكب.. ويطلب المغفرة.. وسيجيبه الكاهن : ((مغفورة لك خطاياك)).. وسيعطيه كفارة.. وهي عادةً بعض أعمال الخير ، أو بعض الصلوات ، أو بعض القراءات من الكتاب المقدس.. والكاهن ، في الإعتراف ، عند المسيحيين ، يعتبر نائباً عن المسيح.. فهو يقول ، مثلاً ، للمعترف : ((ليحلك ربنا ، يسوع المسيح ، وأنا أيضاً أحلك بسلطانه)) ، أو يقول ، في أثناء وعده التائب الغفران : ((ضمن السلطة المخولة لي)).. والكاهن ملزم بأن يحتفظ بأسرار المعترفين ، وذلك ، بالطبع ، مما يطمئن المعترف ، ويشجعه على فتح مكنونات صدره ، وتنقية ضميره ، وراحة باله.. هذا هو ((الإعتراف)) في ((المسيحية)) ، و يعادله عندنا نحن في ((الإسلام)) الإستغفار.. (فالإستغفار)) تطوير ، و ترق، على مبدأ ((الإعتراف).. و هو ، عندنا ، من عظم الشأن ، و جلال القدر ، بحيث يكون صنواً ، و عدلاً ، للنبي الكريم.. و قد كان الأصحاب يقولون ، بعد أن إلتحق النبي بالرفيق الأعلى ، كانوا يقولون: "كان لنا أمانان من العذاب، فذهب أحدهما ، و بقي الآخر.. " يشيرون بذلك إلى قول الله تعالى : "و ما كان الله ليعذبهم ، و أنت فيهم.. و مان الله معذبهم ، و هم يستغفرون ".. و في (الإسلام) (الإعتراف) ممنوع ، لا !! و لا حتى للنبي.. و في حديث للمعصوم قال، و هو ينهى عن (الإعتراف) : إذا إقترف أحدكم ذنباً ، فستره الله عليه ، فلا يكشف ستر الله عنه.. ).. و هذه كرامة لضمير الإنسان ، و لحرمته ، و لحريته ، لا تدانيها كرامة.. و يقوم (الإستغفار) ، في حط الهموم ، و الغموم ، و الأوزار ، عن الصدر بقدر يقصر عنه (الإعتراف) بآماد بعيدة.. ذلك بأن الإنسان الذكي لا يمكن أن تطمئن نفسه ، كل الإطمئنان ، لبشر مثله ، فيودعه أسراره.. و لكنه ، حين (يعترف) لربه ـ حين يستغفر ربه ـ لا يمكن إلا أن يكون صادقاً ، كل الصدق ، لأنه مطمئن على سره ، إذ يجري (الإعتراف) بينه و بين ربه ـ بينه و بين نفسه.. و لأنه يعلم أنه لا يستطيع أن يكتم الله حديثاً.. و هو ، سبحانه و تعالى : "يعلم خائنة الأعين ، و ما تخفي الصدور".. و في الحق فإن المراد من (الإعتراف) إنما هو توكيد الخطيئة للنفس حتى تنساق إلى الندم ، و حتى تستغفر بجمعيتها ، و بكليتها ـ تستغفر بلسان حالها ، و مقالهاـ فتتم بذلك (الإستغفار) أركانه : الإقلاع الفوري عن الذنب ، و الندم على ما فات منه ، و العزم على عدم العودة فيه.. و إنما يريح (الإستغفار) النفوس لمكان الصدق منه.. فإنه هو أصدق الحديث.. و الصدق دائماً يريح ،و يحرر النفوس.. و ليس (الإستغفار ) مجرد أقوال تجري على اللسان ، و أعداد من المرار تحصى على المسبحة ، و إنما (الإستغفار) إستعراضك لشريط أعمال اليوم السابق، تستعرضها ،و تقيمها، و تحدد مبلغ الخطأ فيها ، بصورة تفعم النفس بالندم عليها ، حتى تندفع ، في جمعية ، و إمتثال، و إنكسار ، تطلب المغفرة من الله الغفار.. (الإستغفار ) ، بهذه الصورة ، يجري في السحر ، بعد صلاة الثلث، و في هدوء الليل، و في جلسة خشوع ، و سكينة ، ووقار ، تجلس فيها جلسة الصلاة ، غير متربع ، و لا ماد رجلك ، و إنما تجلس و أنت تستشعر حضرتك بين يدي الله ـ (الإستغفار) بهذه الهيئة ، يحط عن النفس ثقل ظلامها بصورة حسية ، يشعر بها العابد المجود شعوراً حسياً ـ و تكفي منه المرات القلائل لتحقيق الغرض المرجو منه.. و لكن الإستغفار الذي تجريه العادة علىاللسان ، و تعدد مراته على المسبحة ، كما هو مألوف عادة الناس الآن ، ليس فيه غناء، ولو عدد آلاف المرات.. إن (الإستغفار) فكر، يسترجع ، و يحاسب، علىأخطاء الماضي ، بصورة تملك القدرة على سوق النفس إلىعتبة (الإعتراف) ، و هي منكسرة ، خاضعة ، تستشعر جرم خطيئتها.. أما غير ذلك فهو إستغفار يحتاج (لإستغفار) ، كما قالت رابعة العدوية.. و قيمة هذه الجلسة التي يجري فيها (الإعتراف) ، عن طريق (الإستغفار) ، هي أنها تعين على (تنغيم) تشويش (الخواطر)الداخلي ،و علىمناقشة (الثرثرة) التي تجري في الصدر ، كمحاولة لتنويرها ، و لإقناعها ، ولتفريج الكبت عنها ، فتتخلص ، بهذا الصنيع، من التوتر ، و من القلق الذي يظهر علىالناس الآن في صورة المرض العصبي.. يعينك على هذا التخلص ، عندما تستغفرالله تعالي بجمعية ، إيمان أكيد بأن الله لا يتعاظمه ذنب، فهو ، تبارك و تعالى ، يقول : "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعاً.. إنه هو الغفور الرحيم.. ).. هذه أشمل آية في رجاء المغفرة.. و هي تستمد من الإطلاق الذي لا يجري عليه قيد، و هي، من ثم ، مسيطرة على آية أخرى ، باب المغفرة فيها أيضاً واسع، و تلك هي قوله ، تبارك و تعالى : "إن الله لا يغفر أن يشرك به، و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء.. و من يشرك بالله فقد إفترى إثماً عظيماً" جلسة (الإستغفار) ، مع هذا الإيمان، لا تغادر صغيرة ، و لا كبيرة من الذنوب ، إلا و قد وضعته.. و ينهض المستغفر المجود ، كأنما نشط من عقال.. هذا هو ما عنيناه بقولنا (إن الصلاة جلسة نفسية).. من كتاب تعلموا كيف تصلون...للأستاذ محمود محمدطه
|
|
|
|
|
|
|
|
|