|
حوار صحفي نادر للأستاذ محمود محمد طه 1976 م
|
الجزء الأول
لقاء الصحفى حسن ساتى مع الاستاذ محمود محمد طه
الأُستاذ محمود ، من المقرر أن يكون هذا اللقاء لقراء مجلة صباح الخير أو روزاليوسف ، لذلك أبدأ بسؤال تقليدى ، وهو تعريف ما أُصطُلح عليه بالأخوان الجمهوريين ، وإرتكازات الأخوان الجمهوريين ؟ . بسم الله الرحمن الرحيم نحنُ اليوم ، فى يوم الثلاثاء الرابع عشر من سبتمبر عام 76 يوافق العشرين من رمضان عام 96 ، فى مدينة المهدية والساعة الآن الثامنة والنصف تقريباً مساءاً ، ويسرنا أن نلتقى مرةً أُخرى بإبننا حسن ساتى الصحفى المعروف ، وهو يهدُف إلى لقاء فى إتجاهو الصحفي برضو ، وقد طرح سؤالو عن ما أُصطلح عليهو بتسمية الجمهوريين بالأخوان الجمهوريين ، ومرتكزات هذا الإسم ؟
وتسمية الأخوان الجمهوريين هى تطوير لى الإسم النشأ منذ بداية الحركة الوطنية ، إسم الحزب الجمهورى ، و الحزب الجمهورى كان مجراة لى الوضع السائد فى الحركة الوطنية فى مرحلة الأحزاب ، لمَن نشأة الأحزاب فى أوائل الأربعينات نشأ الحزب الجمهورى ، الحزب الجمهورى دعوتو بتنبع من مفهوم إسلامى ، هو فى الحقيقة زي حزب دينى - إذا صحت العبارة دى - كل أفكارو فى السياسة وفى الإقتصاد وفى الإجتماع بتنبع من مفهوم الإسلام ، وكان بيُرى دايماً أن الحزب الجمهورى كإسم يضيق عن المحتوى البيحملو من الفكر فى مناشط الجمهوريين المختلفة ، وكانوا بيطوروا فيهو بإستمرار ليبلغوا بيهو أن يكونوا هُم الأخوان ، وكان ممكن يكون الأخوان من وقت متقدم لكن وجود الأخوان المسلمين جعل فى لبس إذا كان قيل أنو نحن الأخوان ، قد ينصرف الإسم للأخوان المسلمين . نحن عندنا أنو الأمة المُقبلة - الأمة البكون عليها بعث الإسلام - هي أُمة الأخوان ، فى مقابلة أُمة الأصحاب ، من الحديث النبوي الشريف المشهور البقول فيهو النبى: وا شوقاه لأخوانى الذين لما يأتوا بعد ، فيقول الأصحاب : أولسنا إخوانك يا رسول الله إقول: بل أنتم أصحابى – والحديث دا مشهور ووارد فى كتاباتنا كتير - يكررها للمرة الثالثة قالوا ليهو: من إخوانك يا رسول الله ؟ قال : قومٌ يجيؤنَ فى آخر الزمان للعامل منهم أجر سبعين منكم . ويرد فى حديث آخر ما يُشير إلى أنو الأخوان هم البكون بيهم بعث الإسلام من جديد، فى الحديث الآخر( بدأ الاسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء قالوا : من الغرباء يا رسول الله ؟ قال : الذين يحيون سنتى بعد إندثارها ). فنحن الأخوان بالمعنى دا ، بمعنى دُعات البعث الإسلامى ، بمعنى دُعات إحياء السُنة بعد إندثارها ، فَ الأخوان الجمهوريون مرحلة نحو كلمة الأخوان اللى رايح تدخل إن شاء الله وتكون هي يمكن نهاية المطاف فى التطوير، أو على الأقل فيما يخص المحلية فى السودان ، لكن بعدين الفكرة ماشة لتكون المعنى الإنسانى الواضح ، حتى ولا الإسلام ، المعنى الأوسع من الإسلام ليستوعب الناس كلهم ، الشاهد أنو مسألة الأخوان الجمهوريين مرحلة فى تطور الإسم من الحزب الجمهورى إلى الغاية البينشدا بأن يكون محتوى إنسانى ، يدعو الى مفهوم إنسانى وحضارة إنسانية تشمل البشرية كلها ، وهي قايمة على الإسلام بمعناهُ الواسع ، اللهو دين الفطرة التى فطر الله الناس عليها ، ومرتكزات الإسم دا عرف خلفيتو ، ومرتكزاتو هي الفهم الدينى البتعاونوا عليهو الجماعة المسمين فيما مضى بالحزب الجمهورى ، بتعاونوا على نشروا وإزاعتوا بين الناس وإلتزاموا فى حياتهم فى أنفسهم وهو الإسلام .. زي ورد فى حديثك كلمة حزب فى البداية كان الحركة الوطنية ، وجا فى حديثك الأخير ورود الدين ، فى تقديرك أين يلتقى الدين والسياسة ؟ برضها دى بتسوقنا إلى إعتبارات الماضى نفسها لمن كان الحزب الجمهورى إسمو كدا بالصورة دى ، بإزاء حزب الأُمة والحزب الوطنى الإتحادى والأحزاب القايمة ، فكان إسمو الحزب الجمهورى ، عملو سياسى ، لكن كُنا بنقول أنو الدين والسياسة شيى واحد ، الدين هو سياسة إمور الناس وفق الصدق والحق ، مُش الفهلوة والشطارة والدبلماسية ، نحن بنعتقد أنو - دى دايماً راينا - أنو الدين منهاج لشحذ القوة المودعة فى الإنسان- عقلوا وقلبو ، الدين منهاج لتطوير وترقية المواهب الطبيعية - العقل أساساً - العقل والشعور ، فمن الناحية دى كل تنظيم يجعل الجماعة مؤهلة لأن تُهيئ الفرص المناسبة للفرد لتبرز مواهبو الطبيعية مشحوزة مهذبة ومؤدبة ، إلى أن يصل إلى العقل الصافى والقلب السليم - زي ما بنقول فى أوقات كتيرة - المنهاج دا المنهاج السياسى دا بنبع من الدين ، فالدين فى الحقيقة هو تنظيم حياة الناس جماعة وأفراد بأن يكونو فى طريق إنجاب الفرد الكامل اللهو صافى الذهن وسليم القلب ، من هِنا الدين والسياسة عندنا نحن من بداية نشأة الحزب حاجة واحدة ، مُش الدين فى منطقة والسياسة هى شطارة وفهلوة ودبلوماسية وغِش ، واحدة . جا فى حديثك أيضاً من غايات الدين أو أهدافو شحذ العقل ، ودا جميل ، بيقود العقل إلى مواقف ، المواقف الكلاسيكية للأديان تجاه أي مذاهب عقلية أو أي إجتهاد عقلى ، وعلى رأس هذه المذاهب هناك العداء المعروف بين الماركسية كمذهب فلسفى إقتصادى إجتماعى ، وبين الدين بمفهوم كلاسيكي ، إنت كمفكر دينى كيف تنظر للماركسية ؟ . نحن عندنا - ودا طبعاً وارد فى القرآن - أنو القرآن مهيمن على الأفكار كلها ، والدين الإسلامى مهيمن على الأديان وعلى الفلسفات كلها ، وعندنا فى التوحيد عبارة شاملة هي أنو ما بيدخل فى الوجود شيئ إلا بإرادة الله ، وكل ما ورد فى الوجود وراه حكمه ، وكل المناشط البشرية فى الثقافات المختلفة والعلوم المختلفة إنما هي إتجاهات بتنمى الحصيلة البشرية والتراث البشرى ، ليصل التراث دا إلى إنجاب الفرد الحر، ونحن نعتقدان الماركسية فيها شيئ خطأ وفيها شيئ صواب ، والدين الإسلامى بِنظُر الى تنقية الخطأ وتنمية الصواب ، مثلاً علاقة الإنسان بالكون فى التفكير الماركسى خطأ - علاقة الإنسان بالكون فى التفكير الماركسى خطأ - التنظيم الجماعى – تنظيم مثلاً العمال وتنظيم المزارعين ليتساندوا ينتزعوا حقوقهم من المُضطهِدين ليهم من الراسماليين والإقطاعيين الإتجاه ان يكون الإقتصاد إشتراكى ، أن يكون الناس أشراك فى خيرات الأرض بصورة أو بأُخرى – الإتجاه دا سليم ، فيهو شوايب بسيطة جات من خطأ الفلسفة فى التفكير الكونى ، علاقة الإنسان بالكون ، وعلاقة الإنسان بالفرد وبالمجتمع فيهو خطأ دبَ الى التنظيم الإقتصادى ، لكن التنظيم الإقتصادى فى جملتو كإتجاه الى النظام الإشتراكى ليحل محل النظام الرأسمالى ليكون الناس أشراك فى خيرات الأرض ، ما واحد غنى وواحد فقير ، واحد ليهو حق وواحد ليهو صدقة ، الإتجاه دا فى جملتو مقبول عندنا ، بنطلع الشوايب الدبت فيهو من الخطأ من الفلسفة ، خطأ الفلسفة الماركسية فى إنكارها للغيب ، إنكارها لوجود المطلق ، إنكارها لوجود الله ، بنصحح الخطأ الدب فى الإشتراكية من الفلسفة دى ، وبنرفض الفلسفة وبنحل محلها الفكر الدينى البيقبل وجود المطلق ، العقلو أكمل من عقولنا وحياتو أكمل من حياتنا ، وتقصر عقولنا عن إدراك كمالاتو ونمشى بأساليب الدين فى معرفتو ، وفى محازات حكمتو فى تنظيم كونو ، وننظيم إقتصادنا وإجتماعنا بمحازاة لتنظيمو لخلايقو، فأنا نظرتى للماركسية نظرة الفلسفة الفيها خير وفيها شر ، فيها خطأ وفيها صواب ، الصواب يؤخذ ويُنما ويُوجه فى الوجهة العامة البدينا إياها الفكر الإسلامى التوحيدى ، والخطأ فى مثلاً الإلحاد يُرفض ويُرد وتُدعى الماركسية نفسها لإعادة النظر من جديد فى فلسفاتا ومفاهيما ليسير الركب اليشرى متعاون ومتساند ومستعين كلو بالتراث الموحد . مآخذك عليها كانت فى إنكارها للمطلق ، لكن من الإرتكازات الرئيسية بعيداً عن المطلق ، وعلى أرض الواقع ، مسألة الصراع الطبقى ، كيف ترى هذه المسالة ؟. انا بفتكر قول الماكسية وتنظيمها للصراع الطبقى – تنظيمها للعمال والمزارعين ليتكتلو ويكون عندهم أساليبهم لإنتزاع حقوقهم من الإقطاعيين ومن الرأسماليين – دا من الخير اللأضافتو الماركسية لى التراث البشرى ، إجوز يكون المآخذ العليهو بعض الصور من أنو الصراع الطبقى قد يُرى فى الماركسية أنو مستمر بأساليب العنف ، مثلاً زي ما بيرى ماركس أنو القوة والعنف هما الوسيلتان الوحيدتان لإحداث أي تغيير أساسى فى المجتمع . نحن بنعتقد أنو القوة هي البتبقى ، لكن العنف يخرج من المعادلة دى ، العنف ما ضرورى ، القوة ضرورية ، والقوة بتقوم على قوة الخُلُق ، قوة الفكر ، قوة العزيمة ، العنف ما ضرورى ، فكأنو حتى الصراع الطبقى عند ماركس بيحتاج إلى تصحيح ، لكن هو فى جملتو مقبول ، و نحن بنعتقد أنو ماركس أضاف ليهو قيمة كبيرة جداً ، أضاف لمفهومو دا قيمة كبيرة جداً ، لى التنظيم الإجتماعى ليمشى الى يوم العدل يوم الحرية ، يوم المساواة البتكون فيهو الطبقات كلها لا مستغلة و لا مستغلة - العمال أصحاب عمل – ما فى ناس أصحاب عمل وناس بيكسبوا بعرقهم بس ، وبفايض إنتاجُم ينمو ثروة أصحاب الطغيان فى جانب رأس المال وجانب الإقطاع . هذا الرأي الذى قلتو عن الماركسية على حسب إطلاعى ، أقول إنهُ جديد ، أريد أن توَضح - جديد بالنسبة لزملاء لك فى الفكر الإسلامى فى المشرق - فمِن أين جات نقطة الخلاف بينك وبين المفكرين الإسلامين الآخرين على إختلاف مواقعهم ؟ بعدين لو سمحت هل فى نصوص ، يعنى إنت فى مواقفك ، هل بتسندك نصوص شرعية ؟ يعنى أنا أفهم أنو فى حديثك الأخير فى كثير من العقلانية ، وفى الخلاف الداير كمان بين الشرع والعقل هل تسندك إنت ، وبتختلف مع مفكرين إسلامين آخرين ، بتسندك نصوص شرعية ؟ . الاعتبار أللِقلناه أنا أفتكر ملاحظتك فيهو أنو جديد دى مؤكد صحيحة ، واعتقد أنو المرتكز البقوم عليهو هو مرتكز توحيدى ، يمكن أن يُقال عنها انو مِن وراء الشريعة ، الناس التقوم إمورهم على الشريعة فحسب ، ومِن ناحية التوحيد هُم ضُعاف ، بيرفضوا الماركسية كلها جملةً وتفصيلاً ، وبيعتقدوا كأنها كلها من الشيطان ، حتى فى الناس البفتكروا أنو الإشتراكية نفسها كفر ، وما تُقال لأنها ما وردة فى الشريعة ، إنما ورد فى الشريعة تنظيم معين للإسلام هو نظام الذكاة ، وبالصورة دى الإسلام لا هو رأسمالى ولا هو إشتراكى ، إنما هو إسلام ، ودى عبارة بتسمعها كتير جداً خصوصاً من مفكرى الإخوان المسلمين وكل السلفين فى الإتجاه دا ، والجانب الشرعى بيقيف عند الحد دا فعلاً وما بيعطى غيرو ، لكن إذا إنت مشيت إلى أنو ورى الشريعة فى مفهوم للدين أكبر ، بيهو الدين مستوعب كل المناشط البشرية ، مستوعب وموجه لكلِّ ما دخل فى الوجود ، بمعنى أنو مثلاً إذا جيت إنت فى النص (الله خلقكم وما تعملون ) - دا نص (الله خلقكم وما تعملون ) - الخطاب دا للمسلمين والخطاب لكل الناس ، كأنو الله فاعل وراء كل فاعل مُباشر لينا ، زي ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) فكأنو فى فاعلين ، فاعل مباشر فى ظاهر الأمر أو فى الشريعة – يمكنك أن تقول – وفاعل هو فى الحقيقة ، الفاعل الفى الحقيقة عبر عنو ( وما رميت إذ رميت ) فى ظاهر الأمر أنو النبي رمى ، لكن قال ليهو ما رميت إنت فى الحقيقة إنما رميت فى ظاهر الأمر ، فى الشريعة إنت الرميت، لكن فى الحقيقة الله هو الرمى ، فكأنو الأمور كلها البتدخل فى الوجود مهيمن عليها الفعل الواحد ، اللهو فعل الله ، آه من هِنا إجى المرتكز بتاعنا نحن ، وممكن تجى كمان نقطة الخلاف بينا وبين الأخوان فى الشرق أو فى الغرب زي ما قلت ، أو فى بلدنا هِنا اللى بيعتقدوا أنو الشريعة إستوعبت الدين كُلو ، وراء الشريعة فى الأمر التوحيدى ، الأمر التوحيدى يقول أنو كُل ما يدخل فى الوجود ما هو باطل مُطلق ، كل باطل إنت تشوفو – حتى الإلحاد – فيهو حكمة وراهو تجعلو حق فى جانب وباطل فى جانب ، اه مِن هِنا تجى ، مثلاً التوحيد إجى يقول العنف ما ضرورى ، لأنو الناس ماشين للسلام ، والعنف لا يُولِد السلام ، لا يُولَد السلام من العنف ، إنما يُولد السلام من أساليب السلام ، ولذلك القوة - قوة الخُلُق و قوة العقل و قوة الإصرار - هي الضرورية لكن العنف ما ضرورى يصاحبا الآن ، مِن هِنا يجى راينا الإت حسبتو جديد ، بِأنو المعادلة بتاعت العنف والقوة فيها خلل ، بأنو لازم الناس يركزو على القوة ، والقوة هي فى الحقيقة قوة إصرارك وعقلك وأخلاقك البتخلى السلام ممكن ، و تُجبر خصمك لأن يلقى سلاحو ، وأن يواجهك فى مُفاوضات وفى مُحادثات وفى مُحاورات تصلوا بيها للحق ، أآ مثلاً لمن ربنا ( يقول هو الذى أرسلَ رسُله بالهُدى ودين الحق لِيُظهِرهُ على الدين كُله . ) لَمن ربنا يقول ( وقُل الحقُ من ربكم فمن شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفُر ) . لمن يقول (فذكر إنما أنت مُذكر لست عليهم بمُسيطر ) . لمن يمنع السيطرة دى كأنما منع العنف ، ( أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهُم بالت هي أحسن ) الإسلام إستعمل العُنف فى المرحلة ، أللهيَ بنسميهو نحن الجهاد ، لكن الجهاد مُش الكلمة الأخيرة فى الإسلام ، و إنما الإسماح والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمحبة والتسامُح وإشاعة السلام بين الناس هي البتوصل للسلام ، من هنا إيجى العُنف ما ضرورى يكون مع القوة ، لكن القوة بتمرُق منها القوة الجسدية ، الى قوة الخُلُق ، قوة الفكر وقوة العزيمة على نُصرة الحق ، ودى نفتكر أنها هي ما يصير ليها أمر الناس ، وتُصحح بيها المُعادلة الماركسية و يخرُج منها العُنف إلى الأبد ..
|
|
|
|
|
|
|
|
|