|
|
 قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى
|
بات نظام الرئيس فرانسوا بوزيزيه الذي يحكم في دولة إفريقيا الوسطى مهدداً في وجوده، مع تقدم متمردي ائتلاف سيليكا الذين أصبحوا على بعد 75 كيلومترا من العاصمة بانجي، وهددوا بالاستيلاء على المدينة إلى أن قدم بوزيزيه عرضاً في آخر دقيقة يوم الأحد بإجراء محادثات واقتسام السلطة مع المتمردين. فتهديد المتمردين جدي بعد أن سقطت المدينة تلو الأخرى في أيديهم منذ أن أعلنوا تمردهم يوم 10 ديسمبر 2012.
وأبرز الهجوم الذي شنه تحالف متمردي ائتلاف سيليكا قبل ثلاثة أسابيع حالة عدم الاستقرار في المستعمرة الفرنسية السابقة التي لا تزال واحدة من الدول الأقل نمواً في العالم رغم مكامن اليورانيوم والذهب والألماس الوفيرة بها. ويتهم تحالف متمردي سيليكا بعدم الوفاء باتفاق وقع في 2007 ويقضي بحصول المتمردين الذين يلقون أسلحتهم على أموال. ويزعم تحالف سيليكا أن قواته تتألف من أكثر من ثلاثة آلاف شخص وبأنهم يتمركزون على مسافة 75 كيلومترا من العاصمة.
وإذا كانت الحالة البائسة للمواطن المدني في دولة إفريقيا الوسطى تبقى "مجرد" مشكلة اجتماعية، فإن بؤس الجيش، لاسيَّما في مراتبه المتوسطة والدنيا، يمكن أن يتطور إلى تمرد مسلح وتحد سياسي قد يعرّض للخطر ليس صمود النظام وحسب وإنما السلام والاستقرار في المجتمع بأكمله، وهنا يكمن الخطر الأكبر من تحوّل القوات المسلحة إلى التشرد. فالتمرد من جانب القوات المسلحة أصبح تقليداً في دولة إفريقيا الوسطى، التي شهدت عدة حركات تمرد عسكرية خلال العقدين الأخيرين، لاسيَّما في أبريل، ومايو، ونوفمبر من عام، حيث 1996 قام الجنود أولاً بصياغة مجموعة من المطالب المهنية كأرباب عائلات يتقاضون الأجر الزهيد في آخر الشهر. لكن سرعان ما اخترقت حالة الاستياء السياسية العسكرية حالة التذمر. وفي خريف العام 2002 اختل مجمل الوضع مجدداً في نظام الرئيس آنج فيليكس باتاسي وجمهورية إفريقيا الوسطى. وكانت آخر مرة وصل فيها المتمردون إلى بانجي في عام 2003 خلال التمرد الذي قاد بوزيز إلى السلطة.
وليس هذا هو التمرد الأول الذي تعرض له نظام الرئيس فرانسوا بوزيزيه، ففي سنة 2010لم يتم إنقاذ نظامه إلا من خلال التدخل العسكري للقوات النظامية التشادية التي استطاعت أن تقضي على تمرد بيرادو في شمال إفريقيا الوسطى.و رغم أن نجامينا أرسلت قوات عسكرية هذه المرة بناء على طلب بانغي، بيد أن التدخل التشادي كان أقل من المرة السابقة.و لا يبدو أن نظام الرئيس إدريس ديبي في التشاد مستعد لأنقاذنظام الرئيس فرانسوا بوزيز، والسبب في ذلك برود العلاقات بين البلدين. و كانت نجامينا سحبت التسعين جندي من القوات الخاصة التشادية التي كانت تشكل الحرس الشخصي للرئيس فرانسوا بوزيزيه منذ استلامه السلطة بالقوة في بانغي في 15 مارس 2003. ومنذ ذلك الوقت أصبحت الحراسة الشخصية للرئيس فرانسوا بوزيز موكولة إلى شركة أمنية فرنسية يديرها جنرال متقاعد، هو جان بيار بيريز.
وكان الرئيس التشادي إدريس ديبي الذي يتولى في الوقت عينه رئاسة المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا وحليف رئيس دولة إفريقيا الوسطى فرانسوا بوزيزي، حذر المتمردين، من أن مدينة دامارا تشكل "خطا أحمر أمام كل من المعسكرين.و توجد قوات تشادية متمركزة في إطار القوة الدولية التي أنشئت عام 2008 للمساعدة على استقرار دولة إفريقيا الوسطى، وكانت بصدد الانسحاب النهائي مع بدء هجوم التمرد في 10 ديسمبر2012. ويتمركز لواء من الجيش التشادي وصل في الأسبوع الفائت "كقوة فصل" بحسب نجامينا على محور الطرقات الأخير المؤدي إلى العاصمة بانغي. وقد يشكل الجنود التشاديون المتدربون على القتال والأفضل تسليحاً المتمركزون على المحورين الأخيرين في مدينتي سيبوت (130 كلم) ودمارا (60 كلم) العقبة الأخيرة قبل أي انتصار للمتمردين، رغم الغموض حول عديد هؤلاء وتجهيزاتهم.
وتنشر فرنسا القوة الاستعمارية السابقة حوالي 250 جندي في مطار بانغي لحماية رعاياها(1200 فرنسي في إفريقيا الوسطى) وإجلائهم عند الحاجة. وكانت دولة إفريقيا الوسطى لفترة طويلة، تمثل الصورة الكاريكاتورية للتدخل العسكري الفرنسي في مستعمراتها الإفريقية السابقة.و في 27 ديسمبر 2012، رفض الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند التدخل العسكري الفرنسي في أزمة إفريقيا الوسطى، معتبراً أن زمن التدخل العسكري قد ولى. وهذا يعني أن فرنسا ليست مستعدة لإنقاذ نظام الرئيس فرانسوا بوزيزيه.
تعكس حركات التمرد المتكررة في دولة إفريقيا الوسطى، الحالة التي تعيشها بلدان إفريقية عديدة، من الاستبدادية إلى عدم الاستقرار السياسي إلى معارضة السلطة من جانب أقليات مسلحة إلى المحاولات الانقلابية، هذا هو ما يميز حياة الدول الإفريقية. وإذا استثنيت بعض الحالات الشاذة مثل جنوب إفريقيا فإن سلطة الدولة في العديد من البلدان الإفريقية، تبدو أنها لا تزال تفتش عن ركائزها. وربما يتطلب الأمر في النهاية التأمل في ما هو جوهري، وهو انعدام شرعية الأنظمة الرسمية العاجزة بفعل وضعها هذا عن فرض احترام القوانين التي تضعها، وبالتالي غياب الدول الفعلية.
وهذا الوضع يعود في جزء كبير منه إلى غياب بناء دولة المؤسسات الديمقراطية في إفريقيا الوسطى وسواها، التي تسنّ قوانين تطبق على مجمل أراضيها وأن تحظى بالاحترام بطريقة أخرى غير الإكراه. وفي الواقع تبين أن الآليات الديمقراطية، في المجتمعات الإفريقية المقسمة إلى مجموعات "إتنية" أكثر من توزعها طبقات اجتماعية، والمستوحاة من النظام البريطاني، بتطبيقاته الأميركية والفرنسية، تبين أنها عاجزة عن تشريع فعلي للسلطة الرسمية. لاسيَّما أن الحضارات الإفريقية تبقى إلى حد كبير غريبة عن المفاهيم المؤسسة للدولة الحديثة مثل الشخصية المعنوية والقانون ببعده العام وغير الشخصي والديمقراطية الأكثرية.
لقد ظلت العلاقات القائمة بين الحكومات وشعوبها وجيوشها، في بلدان القارة الإفريقية منذ الاستقلال متسمة لهذا اعتقدت الأنظمة الإفريقية أن الجيش بحكم تسليحه يمثل هذه القاعدة الصلبة التي ينهض عليها سلام السلطة السياسية واستقرارها. وكان الأمل أنه في حالات الاضطرابات الخطيرة سيكون في إمكان العسكريين "القوة الوحيدة المنظمة" داخل الدول المتداعية، أن يدّعوا شرعياً أنهم منقذو البلاد من التداعي.
في دولة إفريقيا الوسطى، هناك جيش "البارونات"، (وهم أقلية من ذوي الرتب العالية الذين أثروا بطرق غير مشروعة، وبشكل مهين تحولوا بورجوازيين، وغالباً لا يمكن المس بهم ولا عزلهم) داخل النظام حيث السلطة والجيش يتحولان إلى "شريكين " في نوع من التواطؤ بين أصحاب الامتيازات حيث السلطة السياسية تتكل على الجيش الذي بدوره "يتغذى" من السلطة. وهناك جيش من نوع آخر في أسفل السلّم الاجتماعي لـ"التراتبية" العسكرية، وهو مؤلف من جميع هؤلاء المهمشين وسط كوكبة من أصحاب الامتيازات الذين يتباهون بقوتهم وغناهم. ولهذا تبرز بانتظام حركات التمرد داخل الجيش في دولة إفريقيا الوسطى، و في غيرها من الدول الإفريقية الفقيرة.
فهل ستفضي مفاوضات السلام لحل الأزمة في إفريقيا الوسطى في الثامن من يناير في ليبرفيل، برعاية الرئيس الكونغولي دنيس ساسو نجيسو، إلى إيجاد تسوية مرضية لتقاسم السلطة بين الرئيس فرانسوا بوزيزيه ومعارضيه؟
|
|
 
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
| قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-05-13, 09:05 AM |
 Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-05-13, 09:09 AM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-05-13, 09:12 AM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-05-13, 09:18 AM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | الزبير صالح الزبير | 01-05-13, 12:24 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-05-13, 01:29 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-05-13, 01:46 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | Omer Abdalla Omer | 01-05-13, 02:41 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | مهدي صلاح | 01-05-13, 03:04 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-05-13, 05:11 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-05-13, 07:21 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-05-13, 08:02 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | ombadda | 01-05-13, 09:13 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-05-13, 10:00 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-05-13, 09:36 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | Elsanosi Badr | 01-05-13, 10:20 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | تاج الدين عبدالله آدم | 01-06-13, 09:20 AM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-06-13, 11:35 AM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-06-13, 11:48 AM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-06-13, 12:06 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-06-13, 03:32 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | أحمد الشايقي | 01-06-13, 03:55 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | ombadda | 01-06-13, 06:05 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | محمد عبد الله الحسين | 01-06-13, 06:27 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-06-13, 07:28 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-06-13, 07:50 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-07-13, 09:33 AM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-07-13, 04:27 PM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | mwahib idriss | 01-08-13, 08:35 AM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | GAAFER ALI | 01-09-13, 01:02 AM |
| Re: قراءة في أزمة إفريقيا الوسطى | GAAFER ALI | 01-11-13, 00:44 AM |
|
| |
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست