حزب البعث السودانى :عن قضية الديمقراطية والازمة السورية محمد على جادين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 04:59 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-11-2012, 12:03 PM

ضياء الدين ميرغني
<aضياء الدين ميرغني
تاريخ التسجيل: 01-29-2009
مجموع المشاركات: 1431

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حزب البعث السودانى :عن قضية الديمقراطية والازمة السورية محمد على جادين

    سوريا... قلب العروبة الدامي
    محمد علي جادين
    عندما فكرت في كتابة هذه المقالة عن ما يجري في سوريا، ترددت لأن ما يجري في سوداننا لا يترك مجالاً للاهتمام بقضايا بلدان أخرى -
    وهو كلام صحيح - ولكن ما يجري في محيطنا العربي والأفريقي يؤثر في تطورات أوضاعنا بشكل واسع وعميق، كما تؤكد ذلك بوضوح
    تطورات القرنين التاسع عشر والعشرين، أي منذ دخول الاستعمار الأوربي في الوطن العربي وأفريقيا، وفي هذا الإطار ظلت سوريا تحتل مكاناً
    كبيراً في وجدان أهل السودان، فعاصمتها دمشق هي عاصمة الدولة الأموية ومركز الحضارة العربية الإسلامية لقرون عدة. وعندما دخلتها قوات
    الاحتلال الفرنسي في بداية عشرينيات القرن الماضي، بكاها شاعرنا الكبير أحمد محمد صالح بقصيدة عصماء. وفي عام 1947 قام وفد من مؤتمر
    الخريجين بزيارة دمشق بهدف كسب دعمها للمسألة السودانية وحق السودان في الاستقلال، وكان الوفد بقيادة الزعيم إسماعيل الأزهري. وفي خمسينيات
    وستينيات القرن الماضي كانت سوريا في مقدمة قيادة حركة التحرير القومي العربية، جنباً لجنب مع مصر عبد الناصر، في مواجهة مخططات الاستعمار
    الأمريكي البريطاني الفرنسي وحليفته إسرائيل. وكان لكل ذلك صداه وتأثيره الإيجابي في الحركة السياسية السودانية بمختلف اتجاهاتها. ووقتها كان الإعلام
    يسمي دمشق (قلب العروبة النابض) ولكنها الآن تتحول إلى (قلب العروبة الدامي). كان الأمل أن تنجح هدنة عيد الأضحى التي اقترحها المبعوث الأممي
    والعربي الأخضر الإبراهيمي ولكنها فشلت. الإبراهيمي حمّل المسؤولية للنظام السوري والمعارضة المسلحة وقال في موسكو إن سوريا تشهد حرباً أهلية.
    والأمين العام للأمم المتحدة شعر بالإحباط. وتبادل الطرفان اتهامات خرق الهدنة. صحيح أن فشل الهدنة كان متوقعاً بحكم عمق عدم الثقة بين أطراف النزاع
    وعدم وجود مراقبين. ولكن مجرد قبول مبدأ الهدنة يعكس رغبة في إيقاف مسلسل العنف اليومي. وكان الأمل أن يعمل عقلاء الطرفين لمنع المتشددين في
    الجانبين من إفشال هذه المحاولة اليتيمة ولكن يبدو أن الأخيرين كانوا هم الأقوى مدعومين من أطراف إقليمية ودولية صارت معروفة.
    هذا الفشل أكد عدم قدرة الأطراف السورية على إيقاف العنف والدخول في عملية تسوية سياسية ملائمة وذلك بسبب غياب الإرادة الوطنية وتدخلات القوى
    الإقليمية والعربية والدولية في الأزمة الجارية. ولنفس هذه الأسباب فشلت المحاولات السابقة؛ مبادرة الجامعة العربية ومبادرة كوفي عنان. ونتيجة لذلك
    تحولت العمليات العسكرية إلى حرب بالوكالة ودخلتها مجموعات جهادية متطرفة، ما يوحي أن سوريا تحولت الى أفغانستان جديدة تتواجه فيها قوى دولية
    وإقليمية عديدة بقيادة أمريكا وروسيا. والحال كذلك فإن العنف الجاري الآن سيؤدي فقط إلى دمار سوريا وربما تقسيمها على أساس طائفي لمصلحة إسرائيل
    والقوى المختلفة في المنطقة. ومن هنا ضرورة إيقافه بكل الطرق الممكنة والبدء في عملية تسوية سياسية ملائمة. ويبدو الآن أن المعارضة المسلحة فشلت في
    إسقاط النظام الحاكم والأخير فشل في سحق المعارضة. وفي هذه الحالة ليس هناك سوى الدخول في عملية الحل السياسي. ولكن ذلك يحتاج دون شك إلى توافق
    إقليمي وعربي ودولي يفرض هذا الحل السياسي دون الدخول في تعقيدات وقف إطلاق النار. إذ يبدو أن الحل السياسي هو الذي يؤدي إلى وقف مسلسل القتال اليومي
    وليس العكس. وهناك تطورات عديدة تدعم هذا التوجه. فهدنة عيد الأضحى تمثل بروفة لها إيجابياتها المؤكدة. والإبراهيمي قام بجولات شملت دول الجوار ودمشق
    نفسها. وزار روسيا والصين وإيران. والدول الغربية بدأت تتخوف من امتداد الأزمة السورية إلى دول الجوار ومن تزايد نفوذ المجموعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة.
    والجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي يدعمان هدنة الأضحى ويدعوان دول المنطقة للضغط على الأطراف المعنية لإنجاح الهدنة. كل ذلك يشير إلى تغييرات جوهرية
    في الموقف الإقليمي والدولي لمصلحة التسوية السياسية.
    وتشير التسريبات الإعلامية إلى بدايات توافق حول العودة إلى خطة جنيف التي حققها كوفي عنان بموافقة الدول الكبرى الأساسية. ولكن التطرف أفشلها وأدى إلى سحب
    المراقبين الدوليين من سوريا وفتح الباب أمام عسكرة الأزمة الجارية. ولذلك شهدت الشهور الأخيرة تصاعداً محموماً في العمليات العسكرية في مدينة حلب والعاصمة
    وشمال البلاد، وتراجعاً واسعاً في العمل السياسي والجماهيري. ومثل هذا الوضع يعمل فقط على تكريس وتوسيع توجه النخبة الحاكمة في الاعتماد على الحل الأمني
    والعسكري وتوجه الدوائر المتشددة وسط قوى المعارضة لعسكرة الصراع الجاري، وبالتالي دفع البلاد في نيران حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. ويرجع ذلك إلى سيطرة
    القوى الأمنية والعسكرية على النظام الحاكم وسيطرة قوى الإسلام السياسي والجهادي واليمين البرجوازي التجاري على قوى المعارضة المسلحة والسياسية على السواء
    بدعم مباشر وواسع من السعودية وقطر وتركيا والقوى الغربية الكبرى.
    ومع استمرار مثل هذا الصراع الأعمى يتزايد نفوذ القوى الظلامية والاقصائية وسط الطرفين على حساب قوى الاستنارة والتحول الديمقراطي واحتمالات بناء سوريا
    ديمقراطية حديثة. والجانب الأخطر في هذا المأزق أن النخبة السورية الحاكمة تحكم البلاد منذ أكثر من أربعين عاماً باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، وهو حزب
    يدعو للحرية والوحدة والاشتراكية والديمقراطية، ولعب دوراً كبيراً في حركة النهضة العربية الحديثة وبالذات في سوريا وبلدان المشرق العربي. ولكنه الآن يواجه شعبه
    المطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة ويقمعه بالدبابات والطائرات دفاعاً عن مصالح فئات محدودة من المجتمع، وعن نظام سياسي قمعي أصبح من مخلفات فترة الحرب
    الباردة؛ نظام فقد كل مبررات وجودة ولم يعد له شبيه في المنطقة سوى نظام الإنقاذ في السودان ونظام العصبة العسكرية والأمنية في الجزائر بعد سقوط الأنظمة المشابهة
    العتيقة في العراق وتونس ومصر وليبيا واليمن.
                  

12-11-2012, 12:12 PM

ضياء الدين ميرغني
<aضياء الدين ميرغني
تاريخ التسجيل: 01-29-2009
مجموع المشاركات: 1431

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السودانى :حزب البعث وقضايا الديمقراطية (1-5) (Re: ضياء الدين ميرغني)

    أضواء على خلفيات الأزمة السورية
    حزب البعث وقضايا الديمقراطية (1-5)
    محمد علي جادين
    في مقالي السابق في هذا المكان (1/11) تناولت تطورات الأزمة الدامية الجارية في سوريا الشقيقة,
    وقلت إن الجانب الأخطر في هذه الأزمة أن الطبقة الحاكمة هناك ظلت تحكم البلاد منذ أكثر من أربعين
    عاماً باسم (حزب البعث العربي الاشتراكي) وهو حزب يدعو للحرية والوحدة العربية والديمقراطية والاشتراكية
    وربط الوطن العربي بالعصر الحالي.
    وهذا الحزب لعب دوراً كبيراً في حركة النهضة العربية الحديثة وبالذات في سوريا وبلدان المشرق العربي ولكنه
    الآن يواجه شعبه المطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة بالدبابات والطيارات، وهي مفارقة واضحة تعكس التناقض
    بين القول والعمل بين الفكر والممارسة وبين الأيدولوجيا والواقع. وهو تناقض واضح وبارز لا تقلل من شأنه تعقيدات
    الأزمة السورية وتداخلاتها الإقليمية والدولية ولا تركيز النظام الحاكم على الإرهاب والتدخل الأجنبي, كل ذلك صحيح
    لكنه لا يبرر اعتماد الحل الأمني والعسكري فقط وتجاهل مطالب الشعب في الحرية والديمقراطية.
    والواقع أن هذا التناقض يمثل سمة بارزة لكل الأنظمة العربية والإفريقية التي ظلت تقودها أحزاب عقائدية (قومية واشتراكية وإسلامية)
    خلال الستين عاماً السابقة وفي المجال العربي يعكس ذلك ما سماه د.غالي شكري (النهضة والسقوط في الفكر العربي الحديث) وفي
    حركة التحرر القومي في العربية منذ صعود محمد علي باشا في مطلع القرن التاسع عشر في مصر حتى تجارب جمال عبد الناصر
    في مصر وهواري بومدين في الجزائر وصدام حسين في العراق وحافظ الأسد في سوريا في النصف الثاني للقرن العشرين. وتدخل هنا
    ايضاً تجارب حركة الإسلام السياسي وبالذات في السودان والجزائر, التي ظلت ترفع شعارات الشورى والشريعة والمشروع الحضاري
    وعندما وصلت الى كراسي الحكم دخلت في نفس المأزق.. والسؤال هنا لماذا حدث ذلك في سوريا؟ وقبلها في مصر والعراق والجزائر
    وغيرها؟ هل يرجع ذلك الى خصائص في بنية حركة التحرر القومي العربية معادية للتعددية والديمقراطية والارتباط بروح العصر؟
    أم أن المسألة ترجع إلى الفئات السياسية والاجتماعية التي ظلت تقود حركة التحرر القومي العربية حتى الآن؟ أم لظروف المسرح الدولي
    السائد بعد الحرب العالمية الثانية؟ لماذا تحولت مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي في الوحدة والحرية والديمقراطية والاشتراكية الى
    نظام الحزب الواحد وسيطرة الأجهزة الأمنية العسكرية؟ لماذا لم يتطور طوال أربعين عاماً الى نظام ديمقراطي حقيقي؟ هذه الأسئة وغيرها
    نحاول الإجابة عليها في هذه المقالة.
    - حزب البعث وقضية الديمقراطية:
    تشكل قضية الديمقراطية في الفكر البعثي والقومي العربي عموماً جزءاً أساسياً من مفهوم الحرية بمعناه الشامل- ولخص ذلك في شعاره الأساسي
    (الوحدة والحرية والاشتراكية) الذي يستهدف بناء النهضة الوطنية والقومية الشاملة. وفي دستوره الذي أقره مؤتمره التأسيسي الأول في عام 1947
    يقرر الآتي:
    - المادة 14 نظام الحكم في الدولة العربية هو نظام نيابي دستوري، السلطة التنفيذية مسؤولة أمام السلطة التشريعية المنتخبة من الشعب مباشرة.
    - المادة 16 نظام الإدارة في الدولة نظام لامركزي.
    - المادة 17 يعمل الحزب على تعميم الروح الشعبية (حكم الشعب) وجعلها حقيقة حية في حياة الفرد ويسعى الى وضع دستور يكفل للمواطنين المساواة
    المطلقة أمام القانون والتعبير بملء الحرية عن إرادتهم واختيار ممثليهم ...الخ.
    - المادة 19 السلطة القضائية مصونة ومستقلة عن أي سلطة أخرى وتتمتع بحصانة مطلقة.
    - المادة 12 تتمتع المرأة بحقوق المواطنة كلها ويعمل الحزب لرفع مستواها لتتمتع بكامل حقوقها.
    - وفي المبادئ العامة يؤكد الدستور على حرية الكلام والاجتماع (التنظيم) والاعتقاد وحرية الفن ويعتبرها مقدسة ويؤكد أن قيمة المواطن تقاس
    بعمله وجهده في تقدم الشعب دون أي اعتبار آخر.
    - المادة 13 تحقيق مبدأ تكافوء الفرص في التعليم والحياة الاقتصادية.
    - المادة 28 المواطنون متساوون في القيمة الإنسانية ويمنع استثمار جهد الآخرين.
    وكل ذلك يشير إلى أن حزب البعث حزب ديمقراطي وفي هذا الإطار ظلت قضية الديمقراطية والحرية تحتل مكانة هامة ومتقدمة في نشاطه الفكري
    والسياسي العملي. وظلت نظرته إليها تتميز بالعمق والشمول حيث ربطها بنظرة متكاملة لحركة التحرر القومي العربية وأهدافها في (الوحدة والحرية والاشتراكية)
    ولذلك ظل يركز على جوانبها المختلفة بدءً بالحرية الوطنية والقومية (التحرر الوطني والقومي, الاستقلال, السيادة الوطنية, الوحدة الوطنية والقومية الخ...)
    وقضايا الحرية الاقتصادية الاجتماعية (الحياة الكريمة, العدالة الاجتماعية، التنمية الشاملة, الاشتراكية...الخ)، جنباً إلى جنب مع قضايا الحرية والديمقراطية
    السياسية (المواطنة, الحقوق الأساسية الحريات العامة, التعددية السياسية والثقافية الخ...)، وذلك باعتبارها كلاً واحداً وكأهداف متكاملة لا يمكن تجزئتها.
    وانعكس كل ذلك في تركيز دستوره ونشاطه الفكري والعملي بشكل واضح على قضايا الحرية والديمقراطية وخاصة قضايا الحقوق الأساسية والحريات
    والمشاركة الشعبية. وطوال فترة الأربعينيات والخمسينيات ظلت هذه القضايا تشكل محاور هامة في نشاطه وفي صراعه مع الأنظمة السياسية المسيطرة
    ومع القوى السياسية التي كانت تعمل على التقليل من شأن الديمقراطية السياسية لمصلحة الديمقراطية الاجتماعية (الاشتراكية) والقضايا الوطنية والقومية.
    ولذلك ظل يواصل انتقاداته للديمقراطية اللبرالية في المجتمعات الغربية مع التمسك في الوقت نفسه بأساسياتها ومساهمتها في الفكر الإنساني
    ولنفس الأسباب ظل يرفض التجربة الستالينية في الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الأخرى القائمة على نظام الحزب الواحد وعبادة الفرد والشمولية
    دون أن ينكر انجازاتها الاقتصادية والاجتماعية والعلمية ودورها الإيجابي في دعم حركات التحرر الوطني في العالم الثالث انطلق في موقفه هذا من
    أن الوجه القبيح للرأسمالية الغربية لا يلغي انجازات ومكتسبات عصر التنوير والثورات البرجوازية في بريطانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها. وهو يعتبر
    حركة الفكر الاشتراكي جزءاً أساسياً من هذه الانجازات والمكتسبات
    ويرى أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تمثل جزءاً مكملاً للحقوق الأساسية وضمانة ضد تحول الإطار الديمقراطي (البرجوازي) الى ستار لتغطية سيطرة
    الطبقات الرأسمالية المهيمنة. وفي المجال الدولي تبنى حزب البعث منذ وقت مبكر سياسة عدم الانحياز والحياد الايجابي كموقف استقلالي في السياسة الدولية
    وكموقف فكري ضد الستالينية في الشرق والديمقراطية البرجوازية في الغرب.
    ويتضمن ذلك موقفاً مضاداً للفصل التعسفي بين الديمقراطية السياسية (الحقوق الأساسية التعددية) والديمقراطية الاجتماعية (الاشتراكية) ورفضاً لفكرة
    النموذج الواحد وتأكيداً لإمكانية تعدد النماذج الديمقراطية والاشتراكية على السواء وارتباطها بخصوصات الهوية الوطنية والقومية في البلدان المختلفة.
    هذا هو الإطار العام لموقف حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة التحرر القومي العربية في بدايات تطورهما من قضايا الحرية والديمقراطية كمنهج في الحياة ونظام
    للحكم تنظيم المجتمع ولمعرفة المزيد حول هذا الموضوع يمكن الرجوع لكتابات مشيل عفلق ومنيف الرزاز وعبد الدائم وجمال الأتاسي وغيرهم من كتاب ومفكري الحزب.
    ونلاحظ أن هذا الموقف المتوازن كان يمثل تجاوزاً عملياً للتيارات اللبرالية التقليدية والتيارات الاشتراكية الستالينية السائدة وقتها في سوريا وبلدان المشرق. وكان يعبر عن
    محاولة جادة لمواجهة اشكاليات الحرية والديمقراطية في مجتمعات مختلفة ومشدودة الى إرثها الثقافي والسياسي المرتبط بعصور الانحطاط وسيادة النظم الاستبدادية منذ
    قيام الدول الأموية التي أعقبت نهاية دولة الخلفاء الراشدين حتى الدولة العثمانية وأنظمة ما بعد الاستقلال التقليدية في سوريا والعراق والأردن ومصر وغيرها ولكن..
    كيف مارس الحزب هذه الأفكار في نشاطه الفكري والسياسي العملي؟ هذا نجيب عليه في المقال القادم.

    (عدل بواسطة ضياء الدين ميرغني on 12-18-2012, 11:18 PM)

                  

12-11-2012, 03:23 PM

ضياء الدين ميرغني
<aضياء الدين ميرغني
تاريخ التسجيل: 01-29-2009
مجموع المشاركات: 1431

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السودانى :حزب البعث وقضايا الديمقراطية (1-5) (Re: ضياء الدين ميرغني)


    أضواء على خلفيات الأزمة السورية
    حزب البعث وقضايا الديمقراطية (2-5)
    محمد علي جادين
    في المقال السابق ناقشنا موقف حزب البعث وحركة التحرر القومي العربية من قضية الديمقراطية, وأشرنا الى أنها ظلت تمثل
    محوراً هاماً ومتقدماً في نشاطه الفكري والعملي طوال فترة الأربعينيات والخمسينيات وطوال هذه الفترة ظلت هذه القضية ترتبط
    ارتباطاً وثيقاً بحركة النضال الوطني والقومي من أجل الاستقلال ومكافحة الاستعمار والحركة الصهيونية في فلسطين وضد القوى
    الاجتماعية التقليدية والمسيطرة على الدولة والمجتمع, وظلت ترتبط بقضايا التغيير الاجتماعي والاقتصادي عموماً.
    برز ذلك بشكل محدد في نشاط الحزب المتصاعد في سوريا والعراق والأردن ولبنان وبلدان أخرى وفي علاقته مع دولة الوحدة
    المصرية السورية 58-1961 ففي فترة الأربعينيات والخمسينيات شارك الحزب بفعالية في التجارب الديمقراطية في هذه البلدان
    وحرص على تطويرها وتوطينها في الواقع الوطني من خلال تطوير نظام الانتخابات وتوسيع الحريات العامة وحمايتها من تدخلات
    السلطة والقوى المهيمنة ووضع دستور ديمقراطي ومن خلال ذلك نجح الحزب في بناء تنظيمات شعبية قوية، والمشاركة في المجالس
    النيابية ونتيجة لذلك تمكن من توسيع نفوذها الفكري والسياسي لتصبح قوة مؤثرة في هذه البلدان وبالذات سوريا والأردن.
    وبعد دخول سوريا في دوامة الانقلابات العسكرية في عام 1949م وكانت قد شاركت في مقاومة تلك الانقلابات وكان لحزب البعث
    دور بارز في القضاء على الديكاتورية واستعادة الديمقراطية في سوريا في بداية الخمسينيات ونتيجة لذلك أصبح الحزب ينظر للانقلابات
    العسكرية نظرة سلبية كظاهرة خدمة مصالح الاستعمار والرجعية في المنطقة ولذلك اتخذ موقفاً معارضاً لثورة 23 يوليو 1952 المصرية
    في سنواتها الأولى ولم يوطد علاقاته بها إلا بعد وضوح موقفها الوطني والقومي في معركة قناة السويس عام 1956م ومع تصاعد المعارك
    المشتركة ضد الاستعمار والرجعية العربية تحولت هذه العلاقة الى عامل رئيسي في توحيد حركة التحرر القومي العربية وتوسع قاعدتها في
    معظم البلدان العربية. وتمثلت أبرز انجازاتها في مقاومة سياسة الأخلاق العسكرية والمخططات الاستعمارية في المنطقة وفي تحقيق وحدة
    مصر وسوريا عام 1958م وتوسيع قوى حركة التحرر العربي في المنطقة.
    والمهم هنا أن كل ذلك ارتبط بالتجربة الديمقراطية في سوريا وبلدان المشرق الأخرى وتوسيع الحريات العامة في البلدان الأخرى وبدور حزب
    البعث وقوى أخرى في قيادة الحركة الشعبية. وبرز ذلك في نضال هذه القوى المشترك ضد الحكم الملكي في العراق حتى انتصارها في ثورة
    14 يوليو 1958 وفي دعم الثورة الجزائرية وفي الثورة اللبنانية عام 1958 وحركات عديدة وبجانب ذلك ظهرت خلافات الحزب وقوى سياسية
    سورية اخرى مع قيادة عبد الناصر حول قضايا الديمقراطية والمشاركة السياسية في دولة الوحدة بهدف حمايتها وربطها بقضايا التغيير الاجتماعي
    وتنمية قوى التحرر في البلدان العربية الأخرى.
    وانطلقت هذه الخلافات والصراعات من أهمية الاستفادة من التجربة الديمقراطية السورية في بناء دولة الوحدة وخطورة تجاهلها لمصلحة تكريس التجرية
    المصرية القائمة على الأجهزة الأمنية والبيروقراطية. وذلك يعكس التزاماً قوياً بقضية الديمقراطية وتوتراً فكرياً عالياً بين ضرورات الديمقراطية والمشاركة
    الشعبية وضرورة التنمية والعدالة والاستقلال، ولذلك ارتبطت منذ البداية بقضايا عملية شملت اجراءات الإصلاح الزراعي وإدارة المؤسسات العامة وبناء
    التنظيمات الشعبية في دولة الوحدة والعلاقة مع القوى السياسية في الأقطار الأخرى.
    مع كل ذلك يبدو أن قضايا الديمقراطية لم تجد الاهتمام الكافي القادر على تعميقها وتوسيعها وتجلى ذلك في قبول حزب البعث بحل تنظيمه السوري والمصري
    كشرط لقيام الوحدة وبالتالي التخلي عن التجربة الديمقراطية السورية وقبول نظام الحزب الواحد المرتبط ببيروقراطية الدولة المصرية وزعامة عبد الناصر ومن
    ثم تقديم شعارات الوحدة والاشتراكية كنقيض للديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية وإذا كان الحزب قد انتقد موقفه هذا في عام 1959 فقد جاء ذلك متأخراً،
    ولم يغير شيئاً في الواقع ويمكن ارجاع القصور في هذا الجانب الى العوامل التالية:
    1- انشغال حركة الفكر البعثي والقومي عموماً بقضايا التحرر والنهضة والوحدة على حساب قضايا الديمقراطية لأسباب خاصة بتطوره الذاتي وظروف المنطقة.
    وهناك ايضاً قوى المثقفين والطبقة الوسطى التي تحملت هذه المسؤولية وهي معروفة بترددها وموقفها التوفيقي وحلمها الطويل بالمستبد العادل منذ بدايات حركة
    النهضة العربية الحديثة في بداية القرن التاسع عشر. وهذه الوضعية لا تزال مؤثرة في حركة الفكر العربي الحديث حتى الآن وتمثل أهم معوقات توطين الديمقراطية
    في البلدان العربية.
    2- الظروف والتطورات العملية طوال الأربعينيات والخمسينيات لم تسمح بالاهتمام بقضايا الديمقراطية والحرية بحكم سيطرة التحديات المباشرة (نكبة فلسطين,

    قضايا التحرر والاستقلال وغيرها) وبعد الاستقلال تركز الاهتمام في قضايا التنمية والاستقلال الاقتصادي السياسي بصورة أساسية على حساب قضايا الديمقراطية.
    3- صعود الاتحاد السوفيتي وظروف الحرب الباردة كان لها تأثير مباشر على مجمل حركة التحرر في العالم الثالث وخاصة حركة التحرر القومي العربية. ولاستناده
    على كل ذلك اندفع حزب البعث ومعظم قى حركة التحرر العربية في اتجاه تبني صيغة الحزب الواحد والديمقراطية الشعبية (الموجهة) القائمة في الدول الاشتراكية في
    تلك الفترة دون محاولة لتجاوز سلبياتها الواضحة ودون الالتفات الى الاستفادة من التجربة الهندية في عهد أسرة غاندي ونهرو وتجربة سوكارنو في اندونيسيا.
    4- في هذا الجانب لعبت قيادة عبد الناصر في مصر دوراً أساسياً بحكم نفوذها الواسع في المنطقة وتمسكها بصيغة الحزب الواحد ومعاداة الحزبية بشكل عام. ولذلك وجد
    نموذجها قبولاً واسعاً في صراعه مع قيادة عبد الناصر. ولم يسلم حزب البعث من تبني توجهاتها في هذا المجال. وفي الستينيات اصبحت هذه التوجهات سمة مميزة لكل
    الأنظمة المسماة (أنظمة وطنية تقدمية) بما في ذلك الأنظمة التي قادها الحزب في سوريا والعراق.
    هكذا تناول حزب البعث وقوى حركة التحرر العربي عموماً قضايا الحرية والديمقراطية بمعناها الواسع كجزء من مشروعه النهضوي.
    ونتيجة لذلك تنبه لأهمية الترابط الجدلي بين أهداف الوحدة والحرية والديمقراطية والاشتراكية وبين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية ولكن تطورات الواقع
    وإشكاليات التجربة ومقتضيات الصراع السياسي والاجتماعي في فترة ما بعد الوحدة المصرية السورية 1958 أدت عملياً الى قطع الطريق أمام أي محاولة جادة لشق
    نهج ديمقراطي متوازن خارج المجرى العام لضغوط وتأثيرات العوامل الأربعة المذكورة أعلاه وبالتالي أدى كل ذلك الى تمهيد الطريق لاستقبال تحولات سياسية كبيرة
    قادت الى ظهور ما يسمى بالأنظمة الوطنية التقدمية في المنطقة في بداية ستينيات القرن الماضي المرتبطة بالحزب الواحد تحت شعارات الوحدة والتنمية والاشتراكية
    ومكافحة الاستعمار واسرائيل.
    وفي هذا الإطار كان صعود حزب البعث للسلطة في سوريا والعراق. وفي المقال القادم نناقش هذه التحولات وتأثيرها على نظرة الحزب لقضايا الحرية والديمقراطية بشكل أوسع.
                  

12-18-2012, 03:23 PM

ضياء الدين ميرغني
<aضياء الدين ميرغني
تاريخ التسجيل: 01-29-2009
مجموع المشاركات: 1431

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السودانى :حزب البعث وقضايا الديمقراطية (3-5) (Re: ضياء الدين ميرغني)

    أضواء على خلفيات الأزمة السورية
    حزب البعث وقضايا الديمقراطية (3-5)
    محمد علي جادين
    في المقال السابق أشرنا إلى أربعة عوامل أدت عملياً إلى تكريس اختلالات في الترابط بين أهداف الوحدة والحرية والديمقراطية والاشتراكية
    وبين ضرورات التحول الاقتصادي والاجتماعي، وضرورات توطين الديمقراطية والحريات العامة في الواقع الوطني والقومي، وبالتالي قطع
    الطريق على أي محاولة جادة لشق نهج متوازن خارج إطار المجرى العام لضغوط وتأثيرات العوامل المذكورة. ويمكن القول هنا أن العاملين:
    الثالث؛ (صعود الأتحاد السوفيتي كقوة عظمى)، والرابع؛ (دور التجربة الناصرية في تلك الفترة)، كانا يمثلان العرّاب الرئيسي في دفع قوى
    حركة التحرر القومي العربي, ومن ضمنها حزب البعث في اتجاه تبني أطروحة الحزب الواحد، وبالتالي ظهر ما سُمّي (الأنظمة الوطنية
    التقدمية) في عدد من البلدان العربية، وذلك دون تقليل لدور العوامل الداخلية في هذه البلدان، وتأثير العامل السوفيتي؛ مثلاً تجاوز الإطار العام
    ليمتد إلى منظومة المفاهيم الخاصة بالتنظيم كمعظم القوى السياسية بما في ذلك حزب البعث نفسه. وتفاعلت هذه العوامل مع ظروف التخلف،
    وصعوبات التحول الاجتماعي، ومعارك التحرر الوطني، ومع تطلعات الفئات البرجوازية الوسطى والصغيرة والبيروقاطية الحكومية المتنامية؛
    لتؤدي في النهاية إلى تكريس التوجه السلطوي على حساب التطور الديمقراطي في مختلف قوى حركة التحرر القومي العربي، وبالذات القوى
    الحاكمة في بداية الستينيات. وهذه الوضعية تعكس في الواقع ضعف البنية الفكرية والتنظيمية لمعظم هذه القوى، وطغيان نفوذ السلطة
    في داخلها؛ وظهر ذلك في عدم قدرتها على مواجهة صعوبات العمل الديمقراطي الثوري بروح عقلانية دون أن تفقد منطلقاتها الأساسية.
    في هذا الإطار لعبت الكتابات السوفيتية حول دور الجيوش في العالم الثالث وترسانة الإعلام المصري، دوراً كبيراً لتكريس هذه التوجهات
    السلطوية. ووصل ذلك إلى قبول بعض القوى السياسية بحل تنظيماتها كشرط لقيام الوحدة المصرية السورية عام 1958م مثل حزب البعث
    في سوريا ومصر، أو كشرط للمشاركة في التنظيم الحاكم مثل الأحزاب الشيوعية في مصر والجزائر والعراق، ووصلت أيضاً إلى تأكيد
    صيغة الحزب الواحد في وثائق الأحزاب التي وصلت السلطة في فترة الستينيات. وهذا التطور الهام ترافق مع وصول حزب البعث للسلطة
    في العراق في 8/2/1963 وفي سوريا في 8/3/1963 وفي تلك الفترة أصدر الحزب وثيقة (المنطلقات النظرية) في مؤتمره القومي السادس
    في صيف 1963م وهي وثيقة تتناقض مع دستوره وبرنامجه الديمقراطي الذي ظل سائداً خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات. إذ تبنت
    - لأول مرة – مفهوم (الديمقراطية الشعبية) والحزب الواحد، المطبقة في دول المعسكر الاشتراكي السابق والتجربة الناصرية في مصر،
    وذلك رغم صراعات الحزب الممتدة مع قيادة عبد الناصر والأحزاب الشيوعية في بلدان المشرق العربي؛ وبذلك كرّس وصول الحزب
    للسلطة نهجاً ستالينياً وناصرياً واضحاً. ومع أن الوثيقة وجدت معارضة وانتقادات واسعة وقوية بقيادة الأمين العام للحزب ميشيل عفلق
    والقيادات التاريخية، فقد أدى ذلك فقط إلى تخفيف تطرفها اليساري الطفولي وربطها بأساسيات الفكر البعثي والقومي وبذلك أصبحت وثيقة
    أساسية مؤثرة في النشاط الحزبي وفي سياسات السلطة في العراق وسوريا يقوم نهجها - كما شخّصته الكتابات البعثية في بداية الستينيات -
    على الاستيلاء على السلطة بالإنقلاب العسكري ومن ثم مصادرة الحريات العامة والعمل على السيطرة على الدولة والمجتمع، اعتماداً
    على الحزب الواحد وشعارات الثورة الوحدة والاشتراكية، وعلى تحالف
    محدود بين فئات مدنية وعسكرية، تملك قدرات عالية في المناورة، وخلق شبكة واسعة من التحالفات السياسية بما في ذلك الولاءات القبلية
    والجهوية والعشائرية وسياسات الإغراء والتهديد. وهكذا طرحت الوثيقة المذكورة نهجاً يتماشى مع التوجهات الجارية في مصر عبد الناصر،
    وجزائر بن بللا، لكنها أدت إلى خلافات وصراعات معقدة داخل الحزب في العراق وسوريا, صراعات بين التوجه السلطوي، والتوجه
    الديمقراطي والشعبي؛ بين العسكريين، والمدنيين؛ بين التوجه القطري، والتوجه القومي؛ بين القيادة القطرية، كسلطة حاكمة ومسيطرة،
    والقيادة القومية، كسلطة حزبية عليا؛ بين تيار السيطرة عبر الانفراد بالسلطة، وتيار الانتفاح الديمقراطي مع القوى الوطنية والقومية الأخرى.
    هذه الخلافات والصراعات تحولت إلى صراع معقّد ومتشعب شمل كافة قضايا الفكر والممارسة، لكنه كان يتركز في جوهره حول نهج الحكم..
    هل يتجه إلى النهج السلطوي الذي كانت تجسده التجربتان المصرية والجزائرية والديمقراطيات الشعبية في المعسكر الاشتراكي السابق؟
    أم يتجه إلى ديمقراطي شعبي جديد يوازن بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية؟
    وهذا الصراع كان في الواقع بعيد صراع حزب البعث وقيادة عبد الناصر حول نهج الحكم في دولة الوحدة المصرية السورية، وربما بوضوح
    أكثر وتجربة أكبر.. لكن؛ الحزب وقتها كان في السلطة، وللسلطة منطقها في إدارة وحسم صراعاتها. نتيجة لذلك؛ كانت الغلبة للتوجه
    السلطوي فقد انتهت صراعات الحزب في العراق بانقلاب ناصري في نهاية عام 1963م بينما أدت تطورات الوضع السوري إلى انقلاب
    23 فبراير 1966م قادته القيادة القطرية المسيطرة على القوات العسكرية والأمنية، وقامت باعتقال أعضاء القيادة القومية وإبعادهم عن السلطة.
    وأدى ذلك إلى انقسام واسع في الحزب في سوريا والأقطار العربية الأخرى، لكن ذلك لم يؤدِ إلى الاستقرار نتيجة لاستمرار الصراعات داخل
    المجموعة الانقلابية نفسها.وجاءت هزيمة يونيو 1967م بقيادة حافظ الأسد، وزير الدفاع حينها. ومن خلال إجراءات عديدة تمكن من السيطرة
    وفرض الاستقرار في البلد وبناء تجربة تقوم على الحزب القائد (الواحد) وجبهة وطنية تقدمية ضمت أحزاباً عديدة مثل الحزب الشيوعي والحزب
    الاشتراكي العربي وغيره. وبذلك دخلت سوريا في مرحلة جديدة تميزت بالاستقرار والاستمرارية، استناداً إلى الاتحاد السوفيتي والمعسكر
    الاشتراكي، إضافة إلى بلدان الخليج والسعودية وإيران بعد صعود الخميني للسلطة في 1979م. المهم هنا؛ إن تطورات الوضع السوري أدت
    إلى انقسام واسع في حزب البعث بين القيادة القطرية المسيطرة على الحكم في سوريا، والقيادة القومية ممثلة في الأمين العام ميشيل عفلق
    والقيادات التاريخية الأخرى.
    وكانت القيادة القومية تصف الانقلاب بأنه توجه قطري ديكاتوري معادي للانفتاح الديمقراطي مع القوى الوطنية والقومية الأخرى في سوريا
    وفي المنطقة، وبأنه يمثل ردة على مبادئ حزب البعث ويستند إلى قوى البرجوازية التجارية والبيروقراطية المدنية والعسكرية المتطلعة للسلطة.
    وفي الجانب الأخر كان الانقلاب يصف تيار القيادة القومية بأنه تيار يميني مرتبط بالتوجهات البرجوازية والرجعية والناصرية. ونتيجة لكل ذلك
    تكرس انقسام الحزب داخل سوريا وفي الأقطار الأخرى.
    وهذا الانقسام يمكن تشبيهه بانقسام ستالين وتروتسكي في الثورة الروسية بعد وفاة لينين في بداية عشرينيات القرن الماضي. وبذلك انقسم الحزب
    إلى حزبين لكل منهما نظرية لقضايا الديمقراطية وتطورها، في سوريا وفي المنطقة. أحدهما في السلطة والآخر في المعارضة، وأدى ذلك
    بالضرورة إلى إضعاف الحزب في سوريا بشكل خاص والمنطقة بشكل عام وفي الوقت نفسه قطع الطريق أمام بناء تجربة ديمقراطية جديدة
    تتجاوز سلبيات أنظمة الحزب الواحد في مصر والجزائر والعراق، وسلبيات الأنظمة اللبرالية التقليدية في نفس الوقت. وقد أدى هذا التطور
    إلى وضع المنطقة في مرحلة جديدة، هي مرحلة الأنظمة الوطنية التقدمية - بسماتها المعروفة - وساعدت على ذلك العوامل الأربعة التي
    أشرنا إليها في المقال السابق، إضافة إلى تصاعد دور العسكريين والجيوش العربية في السياسة بعد هزيمة 1948م وقيام دولة إسرائيل ما
    بعد الاستقلال وعدم قدرة القوى الحديثة على ملء الفراغ.
    وفي المقال القادم نواصل.

    (عدل بواسطة ضياء الدين ميرغني on 12-18-2012, 11:31 PM)

                  

12-18-2012, 04:23 PM

ضياء الدين ميرغني
<aضياء الدين ميرغني
تاريخ التسجيل: 01-29-2009
مجموع المشاركات: 1431

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السودانى :حزب البعث وقضايا الديمقراطية (4-5) (Re: ضياء الدين ميرغني)

    أضواء على خلفيات الأزمة السورية
    حزب البعث وقضايا الديمقراطية (4-5)
    محمد علي جادين
    أشرنا في المقال السابق إلى أن تحولات الستينيات فرضتها ظروف ذاتية وموضوعية عديدة وأنها كانت نتاجاً لصراعات
    الواقع العربي والدولي.
    وأشرنا أيضاً إلى أن انقلاب 1966 في سوريا قد أدى إلى انقسام عمودي كبير في حزب البعث بين القيادة القطرية السورية
    والقيادة التاريخية للحزب بقيادة أمينه العام ميشيل عفلق.
    بينما سارات الأولى في طريق بناء النظام السوري على أساس الحزب الواحد قام تيار القيادة القومية بإعادة توحيد وتنظيم
    الحزب واجراء مراجعات واسعة حول قضايا الديمقراطية والتعددية والحريات العامة وبالتالي تجاوز سلبيات تجربة الحكم
    في العراق وسوريا.
    وفي هذا الاتجاه صدرت وثائق عديدة حول هذه القضايا تمثل أهمها في كتاب د. منيف الرزاز (التجربة المرة) وكتاب الأستاذ
    شيلي العيسمي (حول الثورة العربية) اللذان لخصا دروس تجربة الحكم في العراق وسوريا بشكل واسع وهناك كتاب ميشيل
    عفلق (نقطة البداية) الذي يدعو للعودة للجزور وساعدت ظروف عديدة في اتساع حركة المراجعة هذه. أهمها وضوح سلبيات
    ما سمي الأنظمة الوطنية التقدمية المتمثلة في معاداة الديمقراطية حركة الجماهير المستقلة والتركيز فقط على الزعامة الكارزمية
    وأجهزة الدولة العسكرية والأمنية والمدنية. وانكشفت هذه السلبيات في دخول هذه الأنظمة مرحلة الأزمة والركود بشكل واضح
    بعد هزيمة يونيو 1967 أمام اسرائيل. ونتيجة لذلك شهدت الفترة اللاحقة مراجعات واسعة وسط كافة قوى حركة التحرر القومي
    العربية حول قضايا الحرية والديمقراطية كمدخل وضرورة لتجاوز حالة الأزمة والركود المشار إليها لمواجهة تحديات العدوان
    الاسرائيلي. وامتدت هذه المراجعات إلى مركز النظام الناصري وبعض القوى القومية والوطنية في المنطقة. وفي هذا الإطار
    تمكن تيار القيادة القومية من تنظيم مؤتمره القومي التاسع للحزب (بيروت 1968) إذ مثل نقطة تحول كبيرة حيث ركزت قراراته
    وتوصياته على انتقادات علنية وواسعة للتوجه السلطوي ونظام الحزب الواحد ونزعه الاستعلاء والاقصاء في التعامل مع القوى
    الوطنية والقومية الأخرى ولنظرة الاستخفاف بقضايا الحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان وركزت القرارات وحدة القوى
    للعمل الجماهيري وشعارات الديمقراطية ووحدة القوى الوطنية كشرط لمواجهة تحديات العدوان الاسرائيلي الامريكي. وأدى ذلك
    إلى نهوض واسع وسط التنظيمات الحزبية.
    وفي هذه الظروف القلقة والضاغطة جاء صعود حزب البعث للسلطة في العراق في يوليو 1968 ووجد تأييد ودعم القيادة القومية
    للحزب والتنظيمات الحزبية في الأقطار الأخرى. مع انكشاف تراجع وأزمة الأنظمة الوطنية التقدمية القائمة وبدايات نهوض الحركة
    الشعبية العربية والعمل الفدائي الفلسطيني وتكريس انقسام حزب البعث نفسه مع كل ذلك كان الأمل أن يطرح النظام البعثي الجديد
    في العراق نموذجاً جديداً يتجاوز سلبيات تلك الأنظمة ويعمل على توحيد قوى حركة التحرر القومي العربية بما في ذلك وحدة حزب
    البعث نفسه وذلك عن طريق التركيزعلى قضايا الحرية والديمقراطية ودور القوى الشعبية في مواجهة عملية التغيير ومخططات
    الاستعمار والصهيونية في المنطقة ولكن ظروف العراق والمنطقة المعقدة في تلك الفترة لم تمكنه من السير في هذا الطريق. ولذلك
    لم تتمكن القيادة العراقية من تجاوز الإطار العام لصيغة الحزب الواحد السائدة في المنطقة رغم التزامها المعلن بالتحول الديمقراطي
    والتعددية السياسية والثقافية القومية.
    ففي السنوات الأولى جاءت خطوات الانفتاح السياسي والحكم الذاتي لإقليم كردستان وتأميم النفط كخطوات عملية في طريق توسيع
    الحريات العامة والشرعية الدستورية.
    ووصلت هذه الخطوات إلى إعلان الميثاق الوطني والدستور والتعددية السياسية في إطار الجبهة الوطنية التقدمية في عام 1973م
    وضمت الجبهة الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردستاني وقوى أخرى وشكل ذلك خطوة كبيرة في طريق بناء تجربة ديمقراطية
    جديدة ولكن هذه التجربة الواعدة لم تستمر طويلاً. فقد انهارت بعد سنوات قليلة لأسباب ترتبط بأطرافها وضغوط سياسية داخلية وخارجية,
    ويبدو أن تعقيدات مشاكل العراق الداخلية وصراعات الإقليمية وضعف الثقافة الديمقراطية وسط أحزابه السياسية يبدو أن كل ذلك لم يساعد
    في إنجاح تلك التجربة.
    وهكذا عادت صيغة الحزب الواحد والسياسات المرتبطة لتسيطر من جديد على المسرح السياسي بشكل واسع خاصة بعد اشتعال الحرب
    العراقية الإيرانية في عام 1980م واستمرارها حتى عام 1988م ويبدو أن هذا التراجع يعود إلى أسباب أعمق.
    فقد شهد المؤتمر القومي العاشر 1970م الذي انعقد في بغداد بعد شهور قليلة من وصول الحزب للسلطة الديمقراطية الذي كان يركز على
    قرارات المؤتمر القومي التاسع 1968 صراع التيار السلطوي الذي كان يستند إلى ضرورات تثبيت السلطة الوليدة وعدم تكرار تجربة 1963
    ومستلزمات البناء الاقتصادي واحتمالات الصراعات مع دول الجوار الإقليمي. والتيار الثاني كان يتركز بشكل رئيسي وسط القيادات الحزبية
    العراقية ومع ذلك كانت الغلبة للتيار الأول بسبب نفوذ القيادة القومية التاريخية والحضور القوي لدروس تجربة الحكم في سوريا وثقل التيار
    الديمقراطي في أوساط الحزب وحركة المقاومة الفلسطينية والحركة الجماهيرية العربية بشكل عام. ويتأكد ذلك في التقرير السياسي للمؤتمر
    القطري العراقي الثامن 1973م الذي كان واضحاً في تمسكه بقرارات المؤتمر القومي العاشر. ويمكن مقارنة هذا التقرير بتقارير المؤتمرات
    القطرية اللاحقة لملاحظة التغييرات التي حدثت في توجيهات القيادة العراقية في هذا الجانب بعد صعود صدام حسين إلى رئاسة الجمهورية
    وقيادة الحزب في العراق في عام 1979 وجاء فشل محاولات توحيد حزب البعث الحاكم في سوريا العراق 1979 واندلاع الحرب العراقية
    الإيرانية لتؤدي إلى عرقلة أي جهود لتكريس خطوات التحول الديمقراطي في العراق وتطويرها إلى مستوى أفضل وفي كل ذلك لا يمكن
    التقليل من دور التوجهات السلطوية داخل صفوف النخبة الحاكمة والصراع العراقي/ السوري والضعف العام لحركة التحرر القومي العربية
    بشكل عام. نتيجة لذلك تحول النظام العراقي إلى نظام أبوي وفقدت القيادة القومية دورها كسلطة عليا بعد وفاة الأمين العام في منتصف 1989
    وتراجع الالتزام بالمؤتمرات الحزبية لمصلحة القائد والزعيم الأوحد تماماً كما هو الحال في النظام السوري
    ولكن الفرق الأساسي بين النظامين أن الأخير كان نتاج تخطيط وتدبير مسبق من أوساط محددة بينما جاء الثاني نتاجاً لتطورات سياسية واقتصادية
    واجتماعية معلومة لا يلعب التخطيط والتدبير دوراً كبيراً فيها.
    ومع استمرار الحديث عن الديمقراطية والحرية فإن الخطاب الديمقراطي في الحالتين يقوم على المركزية والحزب القائد (الواحد) ويفتقد الركائز
    الأساسية للنظام الديمقراطي الحقيقي وهي احترام حقوق الإنسان والتعددية الفكرية السياسية والتداول السلمي للسلطة بالتالي تركيز السلطة في
    أيدي الحزب والزعيم القائد.
    وبالطبع لا ينفي ذلك الانجازات الكبيرة التي حققها النظامان المذكوران بل كل ما كان يسمي الأنظمة الوطنية التقدمية الأخرى في مصر والجزائر
    وغيرها ولكن هذه الانجازات هي الأخرى لا تنفي السلبيات التي برزت منذ البداية وظلت تتضخم مع مرور الزمن وتغير الظروف وهذه السلبيات
    تتمثل في معاداة الديمقراطية وسيطرة الحزب الواحد الشمولية والديكتاتورية وهي التي أدت في النهاية إلى دخول هذه الأنظمة مرحلة الركود
    والأزمة وانكشف ذلك بشكل واضح في هزيمة 1967م وتحويل انتصار اكتوبر 1973م إلى مدخل لتراجعات سياسية كبيرة. وجاءت تطورات
    السبعينيات والثمانينيات لتحول هذه الأزمة إلى أزمة هيكلية لا مخرج منها إلا عن طريق تحول ديمقراطي حقيقي. وهذا نناقشه في المقال القادم.

    (عدل بواسطة ضياء الدين ميرغني on 12-18-2012, 11:55 PM)

                  

12-18-2012, 04:26 PM

AMNA MUKHTAR
<aAMNA MUKHTAR
تاريخ التسجيل: 07-31-2005
مجموع المشاركات: 13702

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السودانى :حزب البعث وقضايا الديمقراطية (4-5) (Re: ضياء الدين ميرغني)

    والله برج من دماغي حا يطير !!
                  

12-18-2012, 07:12 PM

ضياء الدين ميرغني
<aضياء الدين ميرغني
تاريخ التسجيل: 01-29-2009
مجموع المشاركات: 1431

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السودانى :حزب البعث وقضايا الديمقراطية (4-5) (Re: AMNA MUKHTAR)

    Quote: والله برج من دماغي حا يطير !!

    سلامة دماغك حاولى استثمريهو شوية للوصول الى قدرات تحليلية تعينك على الوصول للحقيقة
                  

12-18-2012, 04:34 PM

ضياء الدين ميرغني
<aضياء الدين ميرغني
تاريخ التسجيل: 01-29-2009
مجموع المشاركات: 1431

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السودانى :حزب البعث وقضايا الديمقراطية (4-5) (Re: ضياء الدين ميرغني)

    أضواء على خلفيات الأزمة السورية
    حزب البعث وقضايا الديمقراطية (5-5)
    محمد علي جادين
    في المقال السابق أشرنا إلى اكتشاف أزمة الأنظمة الوطنية التقدمية العربية وتراجعها في مجالات أساسية
    ظلت تدعي القدرة على مواجهتها خاصة في مجالات البناء الاقتصادي الاجتماعي ومكافحة الاستعمار
    الغربي وإسرائيل.
    ووضح ذلك بشكل بارز مع إسرائيل إضافة إلى التراجع عن دور الدولة في التنمية لمصلحة القطاع الخاص
    بدرجات متفاوتة في مصر وسوريا والعراق، وجاءت تطورات السبعينيات لتكشف تدهور طاقات هذه
    الأنظمة في مجال البناء الاقتصادي والاجتماعي. وتفاقمت هذه الأزمة مع تراجع الاتحاد السوفيتي
    والمعسكر الاشتراكي السابق خلال فترة الثمانينيات وجاء انهياره في عام 1990م ليعلن نهاية العراب
    الرئيسي لنظام الحزب الواحد وأساسه الفكري والسياسي في العالم أجمع، وكان من الطبيعي أن ينعكس
    كل ذك على مسار الأنظمة المذكورة. فمنذ نهاية السبعينيات بدأت قضايا التحول الديمقراطي والمشاركة
    السياسية تطرح نفسها بقوة وإلحاح وسط معظم قوى حركة التحرر القومي العربية وامتد ذلك إلى داخل
    الأحزاب الحاكمة في الأنظمة الوطنية التقدمية. وبرزت نتائجه في تحولات إيجابية في مصر بعد اغتيال
    السادات في 1981م وفي تحول النظام الجزائري إلى الانفتاح السياسي والتعددية الفكرية والسياسية في
    1988م. وحدثت تطورات مماثلة في بلدان عربية عديدة أخرى مثل السودان واليمن. وفي العراق طرحت
    هذه المسألة في عام 1988م مباشرة بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية حيث أعلن الرئيس صدام حسين
    برنامجا محددا للسير في طريق التعددية السياسية والحريات العامة. وذلك لمواجهة تداعيات ما بعد الحرب
    واستجابة لضغوط مؤثرة داخل الحزب الحاكم ولتأثيرات الانفراج الدولي. وفي هذا الاتجاه نشير إلى أن
    الأمين العام للحزب المرحوم ميشيل عفلق كان منذ بداية الثمانينيات مشغولا بمسألتين أساسيتين الأولى
    ترتبط بتطوير وإصلاح المركز القومي للحزب في اتجاه تركيز الديمقراطية الداخلية وإعادة تأهيل التنظيمات
    الحزبية فكريا وتنظيميا وسياسيا وتقليص دور القيادة القومية وفي المجال الفكري والسياسية القومية والدولية.
    والمسألة الثانية تمثلت في اهتمامه بما كان يسميه (مشروع العمل القومي المستقبلي) ويتضمن إعادة بناء حركة
    التحرر القومي العربية على أسس جديدة تنطلق من أهمية الحرية والديمقراطية كهدف مركزي وضرورة تعاون
    وتحالف تياراتها الأساسية (القومية والاشتراكية واللبرالية والإسلامية المستنيرة)، وكان يقود هذا العمل من مقر
    إقامته في باريس وشاركت فيه شخصيات وتيارات فكرية وسياسية مختلفة ومن بلدان عربية عديدة. وآخر كلماته
    بمناسبة الذكرى السنوية لميلاد الحزب أبريل 1989م قبيل وفاته بشهرين كانت بعنوان (الوحدة والديمقراطية عنوان
    المرحلة الراهنة)، وبدت هذه الكلمة بمثابة وصيته الأخيرة لحزبه ورفاقه وأنصاره وتلاميذه. ولكن بعد وفاته لم يستمر
    المشروعان طويلا لأسباب لا يتسع المجال لذكرها. وبعد حرب تحرير الكويت في بداية عام 1991م أكد صدام حسين
    التزامه ببرنامج التحول الديمقراطي الذي أعلنه في نهاية 1988م ولكن ظروف الحرب والحصار الذي فرض على
    العراق لم تساعد في ذلك بل أدت عمليا إلى تركيز التوجه السلطوي ونظام الحزب الواحد والزعيم الأوحد. ونشير إلى
    أن إعادة مناقشة برنامج التحول الديمقراطي في 1991م كشفت وقوف معظم القيادة السياسية العراقية ضد التوجه
    الديمقراطي بدعوى أنه يؤدي إلى اختراق السلطة العراقية من قبل القوى المعادية الخارجية والداخلية. ونتيجة لذلك
    شهدت الفترة اللاحقة تكريس التوجيه السلطوي ونظام الحزب الواحد والنهج الأبوي الفردي حتى الغزو الأمريكي
    البريطاني للعراق في 2003م. ويشار أن دخول القوات العراقية في الكويت عام 1990م واستمرار هذا التوجه قد أدى
    إلى شلل القيادة القومية وابتعاد أبرز رموزها التاريخية. وجاء المؤتمر القومي الثاني عشر في 1992م ليكرّس هذه
    الوضعية وينتخب أضعف قيادة قومية في تاريخ الحزب. ومن جهة أخرى سارت التطورات في سوريا في نفس الاتجاه،
    حيث تركزت المواجهات في المجال الاقتصادي عن طريق ما سمي (اقتصاد السوق الاجتماعي) وبالتالي تبني النموذج
    الصيني أي نموذج الانفتاح الاقتصادي والتمسك بنهج الحزب الواحد في المجال السياسي وبعد صعود بشار الأسد أطلقت
    وعود كبيرة حول الإصلاح والتحديث وشمل ذلك الإصلاح الحزبي وإعادة النظر في مؤسسة القيادة القومية وتوسيع
    الحريات الممنوحة لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وإفساح المجال لأحزاب جديدة... إلخ. ولكن هذه الوعود لم تنفذ حتى
    انفجار الأزمة الجارية الآن منذ مارس 2011م وبعد ذلك فقط بدأ الحديث عن الإصلاح السياسي الدستوري ولكن بعد فوات
    الأوان ودخول الأزمة السورية في رمال الصراعات الإقليمية والدولية.
    خاتمة:
    في هذه المقالات القصيرة تابعنا مواقف حزب البعث من قضايا الديمقراطية ومكانتها في حركة النهضة العربية الحديثة.
    وركزنا على موقفه الفكري والعملي من هذه القضايا خلال الأربعينيات والخمسينيات وعلى الاشكاليات التي أفرزتها
    التجربة العملية لدولة الوحدة المصرية السورية (1958-1961م) وظهور ما سمي الأنظمة الوطنية التقدمية في فترة
    الستينيات ومن بينها النظامان البعثيان في سوريا والعراق ودخول هذه الأنظمة في مرحلة الركود والأزمة منذ هزيمة
    1967م وبالذات في نهاية السبعينيات نتيجة لغياب الديمقراطية والمشاركة الواسعة وتدهور طاقاتها في البناء الإيجابي.
    وأشرنا إلى أن وصول الحزب للسلطة في الستينيات أدى إلى تحول توجهه الأساسي من النهج الديمقراطي إلى نهج
    الحزب الواحد والشمولية لعوامل وأسباب محددة. ومع ذلك ظل الصراع داخل الحزب مستمرا بين التيار السلطوي
    والتيار الديمقراطي. والمفارقة أنه رغم ذلك ظل دستور الحزب الذي أقره مؤتمره الأول في 1947م باقيا كما هو دون
    أي تعديل. ويعكس ذلك في جانب من جوانبه قوة التوجه الديمقراطي الذي يحمله هذا الدستور وارتباط تحولات الستينيات
    بظروف وعوامل طارئة كما هو واضح في استمرار طرح العودة إلى الديمقراطية والتعددية السياسية في النظامين
    العراقي والسوري في فترات متعددة وبتراجع هذه الظروف والعوامل فرضت أجندة التحول الديمقراطي نفسها. وفي
    اعتقاد كاتب هذه المقالات أن فشل محاولات الإصلاح الحزبي والسياسي المشار إليها يرجع إلى سيطرة عقلية الانقلاب
    العسكري في هذين النظامين ونمو قوى وفئات اجتماعية واسعة نسبيا في ظل سيطرة نظام الحزب الواحد والشمولي.
    إذ من الصعب تحول الانقلاب إلى نظام ديمقراطي ومن الطبيعي أن تدافع الفئات المرتبطة بمثل هذا النظام عن مصالحها
    وامتيازاتها كما هو واضح في كل الأنظمة الشبهية في المنطقة وأيا كان مصير النظام السوري في الأزمة المعقدة الجارية
    الآن سواء عن طريق تسوية وطنية تاريخية أو سقوط النظام فإنه يطرح أمام حزب البعث في سوريا والعراق والأقطار
    العربية الأخرى تحديات كبيرة تهدد مستقبله ودوره في حركة النهضة العربية الحديثة. ولا سبيل لمواجهة هذه التجربة
    والتحديات إلا بالنقد والنقد الذاتي العلني الواسع والعميق في الحكم، كما يقول منيف الرزاز في كتابه بنفس العنوان والعودة
    إلى نقطة البداية كما يقول ميشيل عفلق أيضا في كتابه بنفس العنوان أي التخلي بشكل قاطع عن التاريخ السلطوي لتجربة
    الحزب في الحكم في سوريا والعراق والعودة إلى دستور المؤتمر الأول ونهجه الديمقراطي. ويرتبط ذلك بالضرورة بإعادة
    تأسيس الحزب على أسس ديمقراطية حقيقية وإعادة النظر في مؤسسة القيادة القومية واستبدالها بمؤسسة تركز فقط على
    القضايا الفكرية والإستراتيجية وتسهيل عمليات التفاعل وتبادل الخبرات بين تنظيمات الأقطار العربية المختلفة. وإذا كنا في
    المقالات السابقة قد ركزنا على تطورات المركز القومي للحزب والنظامين السوري والعراقي فقد جاء ذلك بحكم تأثير هذا
    المركز على النظامين المذكورين على عموم التنظيمات الحزبية في الأقطار العربية الأخرى وأيضا لانعدام المعلومات.
    ويمكن القول إن تأثير هذين النظامين كان سلبيا على هذه التنظيمات بحكم نضالها من أجل الديمقراطية وتأييدها لنظم
    ديكتاتورية وشمولية وكان ذلك واضحا في تجربة حزب البعث في السودان، حيث أدى الصراع بين تيار نهج الحزب
    الواحد والشمولية وتيار النهج الديمقراطي إلى انقسام واسع في عام 1997م وكان طبيعيا أن يقف المركز القومي مع التيار
    الأول رغم تورط رموزه في مخالفات إدارية وتنظيمية كبيرة ورغم وقوف معظم القيادات والرموز التاريخية مع التيار الثاني.
    وفي النهاية اعتذر للقراء للاختزال وعدم الاسترسال في شرح بعض المحطات المهمة وتحديد الهوامش والمراجع بسبب
    طبيعة المقال الصحفي وآمل أن أنشر الدراسة كاملة في وقت لاحق.
    =

    (عدل بواسطة ضياء الدين ميرغني on 12-19-2012, 00:07 AM)

                  

12-20-2012, 05:07 PM

ضياء الدين ميرغني
<aضياء الدين ميرغني
تاريخ التسجيل: 01-29-2009
مجموع المشاركات: 1431

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السودانى :حزب البعث وقضايا الديمقراطية (4-5) (Re: ضياء الدين ميرغني)

    موقف مشرّف يبيّن الحقيقة الكلية لنظرة حزب البعث السودانى للديمقراطية وحقوق الانسان وعدم تجزئتها .
                  

12-28-2012, 04:06 AM

ضياء الدين ميرغني
<aضياء الدين ميرغني
تاريخ التسجيل: 01-29-2009
مجموع المشاركات: 1431

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السودانى :حزب البعث وقضايا الديمقراطية (4-5) (Re: ضياء الدين ميرغني)

    لحين عودة
                  

01-02-2013, 06:27 PM

ضياء الدين ميرغني
<aضياء الدين ميرغني
تاريخ التسجيل: 01-29-2009
مجموع المشاركات: 1431

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السودانى :حزب البعث وقضايا الديمقراطية (4-5) (Re: ضياء الدين ميرغني)

    موقف عظيم سيذكره التاريخ بأن البعث السودانى كان نصيرا للمبادئ الديمقراطية والانسانية
    فى مواجهة النظام السورى كما فعل من قبل امام السلطة العراقية التى انسلخ منها
                  

01-02-2013, 06:40 PM

عبداللطيف خليل محمد على
<aعبداللطيف خليل محمد على
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 3552

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السودانى :حزب البعث وقضايا الديمقراطية (4-5) (Re: ضياء الدين ميرغني)

    Quote: كما فعل من قبل امام السلطة العراقية التى انسلخ منها


    يا زول !!
                  

01-03-2013, 11:06 PM

ضياء الدين ميرغني
<aضياء الدين ميرغني
تاريخ التسجيل: 01-29-2009
مجموع المشاركات: 1431

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السودانى :حزب البعث وقضايا الديمقراطية (4-5) (Re: عبداللطيف خليل محمد على)

    Quote:

    والسؤال هنا لماذا حدث ذلك في سوريا؟ وقبلها في مصر والعراق والجزائر
    وغيرها؟ هل يرجع ذلك الى خصائص في بنية حركة التحرر القومي العربية معادية للتعددية والديمقراطية والارتباط بروح العصر؟
    أم أن المسألة ترجع إلى الفئات السياسية والاجتماعية التي ظلت تقود حركة التحرر القومي العربية حتى الآن؟ أم لظروف المسرح الدولي
    السائد بعد الحرب العالمية الثانية؟ لماذا تحولت مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي في الوحدة والحرية والديمقراطية والاشتراكية الى
    نظام الحزب الواحد وسيطرة الأجهزة الأمنية العسكرية؟ لماذا لم يتطور طوال أربعين عاماً الى نظام ديمقراطي حقيقي؟



    Quote: Quote: كما فعل من قبل امام السلطة العراقية التى انسلخ منها


    يا زول !!

    مقتبس من المقال وقد قدم البعث اعتذاره الشهير للشعب العراقى من
    موقعه السابق وارتباطه بالسياق العراقية تجده فى هذا الرابط
    الاعتذار السياسي السوداني : النموذج البعثي - ناصف ...شير الأمين المحامي
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de