|
حزب البعث السودانى :عن قضية الديمقراطية والازمة السورية محمد على جادين
|
سوريا... قلب العروبة الدامي محمد علي جادين عندما فكرت في كتابة هذه المقالة عن ما يجري في سوريا، ترددت لأن ما يجري في سوداننا لا يترك مجالاً للاهتمام بقضايا بلدان أخرى - وهو كلام صحيح - ولكن ما يجري في محيطنا العربي والأفريقي يؤثر في تطورات أوضاعنا بشكل واسع وعميق، كما تؤكد ذلك بوضوح تطورات القرنين التاسع عشر والعشرين، أي منذ دخول الاستعمار الأوربي في الوطن العربي وأفريقيا، وفي هذا الإطار ظلت سوريا تحتل مكاناً كبيراً في وجدان أهل السودان، فعاصمتها دمشق هي عاصمة الدولة الأموية ومركز الحضارة العربية الإسلامية لقرون عدة. وعندما دخلتها قوات الاحتلال الفرنسي في بداية عشرينيات القرن الماضي، بكاها شاعرنا الكبير أحمد محمد صالح بقصيدة عصماء. وفي عام 1947 قام وفد من مؤتمر الخريجين بزيارة دمشق بهدف كسب دعمها للمسألة السودانية وحق السودان في الاستقلال، وكان الوفد بقيادة الزعيم إسماعيل الأزهري. وفي خمسينيات وستينيات القرن الماضي كانت سوريا في مقدمة قيادة حركة التحرير القومي العربية، جنباً لجنب مع مصر عبد الناصر، في مواجهة مخططات الاستعمار الأمريكي البريطاني الفرنسي وحليفته إسرائيل. وكان لكل ذلك صداه وتأثيره الإيجابي في الحركة السياسية السودانية بمختلف اتجاهاتها. ووقتها كان الإعلام يسمي دمشق (قلب العروبة النابض) ولكنها الآن تتحول إلى (قلب العروبة الدامي). كان الأمل أن تنجح هدنة عيد الأضحى التي اقترحها المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي ولكنها فشلت. الإبراهيمي حمّل المسؤولية للنظام السوري والمعارضة المسلحة وقال في موسكو إن سوريا تشهد حرباً أهلية. والأمين العام للأمم المتحدة شعر بالإحباط. وتبادل الطرفان اتهامات خرق الهدنة. صحيح أن فشل الهدنة كان متوقعاً بحكم عمق عدم الثقة بين أطراف النزاع وعدم وجود مراقبين. ولكن مجرد قبول مبدأ الهدنة يعكس رغبة في إيقاف مسلسل العنف اليومي. وكان الأمل أن يعمل عقلاء الطرفين لمنع المتشددين في الجانبين من إفشال هذه المحاولة اليتيمة ولكن يبدو أن الأخيرين كانوا هم الأقوى مدعومين من أطراف إقليمية ودولية صارت معروفة. هذا الفشل أكد عدم قدرة الأطراف السورية على إيقاف العنف والدخول في عملية تسوية سياسية ملائمة وذلك بسبب غياب الإرادة الوطنية وتدخلات القوى الإقليمية والعربية والدولية في الأزمة الجارية. ولنفس هذه الأسباب فشلت المحاولات السابقة؛ مبادرة الجامعة العربية ومبادرة كوفي عنان. ونتيجة لذلك تحولت العمليات العسكرية إلى حرب بالوكالة ودخلتها مجموعات جهادية متطرفة، ما يوحي أن سوريا تحولت الى أفغانستان جديدة تتواجه فيها قوى دولية وإقليمية عديدة بقيادة أمريكا وروسيا. والحال كذلك فإن العنف الجاري الآن سيؤدي فقط إلى دمار سوريا وربما تقسيمها على أساس طائفي لمصلحة إسرائيل والقوى المختلفة في المنطقة. ومن هنا ضرورة إيقافه بكل الطرق الممكنة والبدء في عملية تسوية سياسية ملائمة. ويبدو الآن أن المعارضة المسلحة فشلت في إسقاط النظام الحاكم والأخير فشل في سحق المعارضة. وفي هذه الحالة ليس هناك سوى الدخول في عملية الحل السياسي. ولكن ذلك يحتاج دون شك إلى توافق إقليمي وعربي ودولي يفرض هذا الحل السياسي دون الدخول في تعقيدات وقف إطلاق النار. إذ يبدو أن الحل السياسي هو الذي يؤدي إلى وقف مسلسل القتال اليومي وليس العكس. وهناك تطورات عديدة تدعم هذا التوجه. فهدنة عيد الأضحى تمثل بروفة لها إيجابياتها المؤكدة. والإبراهيمي قام بجولات شملت دول الجوار ودمشق نفسها. وزار روسيا والصين وإيران. والدول الغربية بدأت تتخوف من امتداد الأزمة السورية إلى دول الجوار ومن تزايد نفوذ المجموعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة. والجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي يدعمان هدنة الأضحى ويدعوان دول المنطقة للضغط على الأطراف المعنية لإنجاح الهدنة. كل ذلك يشير إلى تغييرات جوهرية في الموقف الإقليمي والدولي لمصلحة التسوية السياسية. وتشير التسريبات الإعلامية إلى بدايات توافق حول العودة إلى خطة جنيف التي حققها كوفي عنان بموافقة الدول الكبرى الأساسية. ولكن التطرف أفشلها وأدى إلى سحب المراقبين الدوليين من سوريا وفتح الباب أمام عسكرة الأزمة الجارية. ولذلك شهدت الشهور الأخيرة تصاعداً محموماً في العمليات العسكرية في مدينة حلب والعاصمة وشمال البلاد، وتراجعاً واسعاً في العمل السياسي والجماهيري. ومثل هذا الوضع يعمل فقط على تكريس وتوسيع توجه النخبة الحاكمة في الاعتماد على الحل الأمني والعسكري وتوجه الدوائر المتشددة وسط قوى المعارضة لعسكرة الصراع الجاري، وبالتالي دفع البلاد في نيران حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. ويرجع ذلك إلى سيطرة القوى الأمنية والعسكرية على النظام الحاكم وسيطرة قوى الإسلام السياسي والجهادي واليمين البرجوازي التجاري على قوى المعارضة المسلحة والسياسية على السواء بدعم مباشر وواسع من السعودية وقطر وتركيا والقوى الغربية الكبرى. ومع استمرار مثل هذا الصراع الأعمى يتزايد نفوذ القوى الظلامية والاقصائية وسط الطرفين على حساب قوى الاستنارة والتحول الديمقراطي واحتمالات بناء سوريا ديمقراطية حديثة. والجانب الأخطر في هذا المأزق أن النخبة السورية الحاكمة تحكم البلاد منذ أكثر من أربعين عاماً باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، وهو حزب يدعو للحرية والوحدة والاشتراكية والديمقراطية، ولعب دوراً كبيراً في حركة النهضة العربية الحديثة وبالذات في سوريا وبلدان المشرق العربي. ولكنه الآن يواجه شعبه المطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة ويقمعه بالدبابات والطائرات دفاعاً عن مصالح فئات محدودة من المجتمع، وعن نظام سياسي قمعي أصبح من مخلفات فترة الحرب الباردة؛ نظام فقد كل مبررات وجودة ولم يعد له شبيه في المنطقة سوى نظام الإنقاذ في السودان ونظام العصبة العسكرية والأمنية في الجزائر بعد سقوط الأنظمة المشابهة العتيقة في العراق وتونس ومصر وليبيا واليمن.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حزب البعث السودانى :حزب البعث وقضايا الديمقراطية (1-5) (Re: ضياء الدين ميرغني)
|
أضواء على خلفيات الأزمة السورية حزب البعث وقضايا الديمقراطية (1-5) محمد علي جادين في مقالي السابق في هذا المكان (1/11) تناولت تطورات الأزمة الدامية الجارية في سوريا الشقيقة, وقلت إن الجانب الأخطر في هذه الأزمة أن الطبقة الحاكمة هناك ظلت تحكم البلاد منذ أكثر من أربعين عاماً باسم (حزب البعث العربي الاشتراكي) وهو حزب يدعو للحرية والوحدة العربية والديمقراطية والاشتراكية وربط الوطن العربي بالعصر الحالي. وهذا الحزب لعب دوراً كبيراً في حركة النهضة العربية الحديثة وبالذات في سوريا وبلدان المشرق العربي ولكنه الآن يواجه شعبه المطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة بالدبابات والطيارات، وهي مفارقة واضحة تعكس التناقض بين القول والعمل بين الفكر والممارسة وبين الأيدولوجيا والواقع. وهو تناقض واضح وبارز لا تقلل من شأنه تعقيدات الأزمة السورية وتداخلاتها الإقليمية والدولية ولا تركيز النظام الحاكم على الإرهاب والتدخل الأجنبي, كل ذلك صحيح لكنه لا يبرر اعتماد الحل الأمني والعسكري فقط وتجاهل مطالب الشعب في الحرية والديمقراطية. والواقع أن هذا التناقض يمثل سمة بارزة لكل الأنظمة العربية والإفريقية التي ظلت تقودها أحزاب عقائدية (قومية واشتراكية وإسلامية) خلال الستين عاماً السابقة وفي المجال العربي يعكس ذلك ما سماه د.غالي شكري (النهضة والسقوط في الفكر العربي الحديث) وفي حركة التحرر القومي في العربية منذ صعود محمد علي باشا في مطلع القرن التاسع عشر في مصر حتى تجارب جمال عبد الناصر في مصر وهواري بومدين في الجزائر وصدام حسين في العراق وحافظ الأسد في سوريا في النصف الثاني للقرن العشرين. وتدخل هنا ايضاً تجارب حركة الإسلام السياسي وبالذات في السودان والجزائر, التي ظلت ترفع شعارات الشورى والشريعة والمشروع الحضاري وعندما وصلت الى كراسي الحكم دخلت في نفس المأزق.. والسؤال هنا لماذا حدث ذلك في سوريا؟ وقبلها في مصر والعراق والجزائر وغيرها؟ هل يرجع ذلك الى خصائص في بنية حركة التحرر القومي العربية معادية للتعددية والديمقراطية والارتباط بروح العصر؟ أم أن المسألة ترجع إلى الفئات السياسية والاجتماعية التي ظلت تقود حركة التحرر القومي العربية حتى الآن؟ أم لظروف المسرح الدولي السائد بعد الحرب العالمية الثانية؟ لماذا تحولت مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي في الوحدة والحرية والديمقراطية والاشتراكية الى نظام الحزب الواحد وسيطرة الأجهزة الأمنية العسكرية؟ لماذا لم يتطور طوال أربعين عاماً الى نظام ديمقراطي حقيقي؟ هذه الأسئة وغيرها نحاول الإجابة عليها في هذه المقالة. - حزب البعث وقضية الديمقراطية: تشكل قضية الديمقراطية في الفكر البعثي والقومي العربي عموماً جزءاً أساسياً من مفهوم الحرية بمعناه الشامل- ولخص ذلك في شعاره الأساسي (الوحدة والحرية والاشتراكية) الذي يستهدف بناء النهضة الوطنية والقومية الشاملة. وفي دستوره الذي أقره مؤتمره التأسيسي الأول في عام 1947 يقرر الآتي: - المادة 14 نظام الحكم في الدولة العربية هو نظام نيابي دستوري، السلطة التنفيذية مسؤولة أمام السلطة التشريعية المنتخبة من الشعب مباشرة. - المادة 16 نظام الإدارة في الدولة نظام لامركزي. - المادة 17 يعمل الحزب على تعميم الروح الشعبية (حكم الشعب) وجعلها حقيقة حية في حياة الفرد ويسعى الى وضع دستور يكفل للمواطنين المساواة المطلقة أمام القانون والتعبير بملء الحرية عن إرادتهم واختيار ممثليهم ...الخ. - المادة 19 السلطة القضائية مصونة ومستقلة عن أي سلطة أخرى وتتمتع بحصانة مطلقة. - المادة 12 تتمتع المرأة بحقوق المواطنة كلها ويعمل الحزب لرفع مستواها لتتمتع بكامل حقوقها. - وفي المبادئ العامة يؤكد الدستور على حرية الكلام والاجتماع (التنظيم) والاعتقاد وحرية الفن ويعتبرها مقدسة ويؤكد أن قيمة المواطن تقاس بعمله وجهده في تقدم الشعب دون أي اعتبار آخر. - المادة 13 تحقيق مبدأ تكافوء الفرص في التعليم والحياة الاقتصادية. - المادة 28 المواطنون متساوون في القيمة الإنسانية ويمنع استثمار جهد الآخرين. وكل ذلك يشير إلى أن حزب البعث حزب ديمقراطي وفي هذا الإطار ظلت قضية الديمقراطية والحرية تحتل مكانة هامة ومتقدمة في نشاطه الفكري والسياسي العملي. وظلت نظرته إليها تتميز بالعمق والشمول حيث ربطها بنظرة متكاملة لحركة التحرر القومي العربية وأهدافها في (الوحدة والحرية والاشتراكية) ولذلك ظل يركز على جوانبها المختلفة بدءً بالحرية الوطنية والقومية (التحرر الوطني والقومي, الاستقلال, السيادة الوطنية, الوحدة الوطنية والقومية الخ...) وقضايا الحرية الاقتصادية الاجتماعية (الحياة الكريمة, العدالة الاجتماعية، التنمية الشاملة, الاشتراكية...الخ)، جنباً إلى جنب مع قضايا الحرية والديمقراطية السياسية (المواطنة, الحقوق الأساسية الحريات العامة, التعددية السياسية والثقافية الخ...)، وذلك باعتبارها كلاً واحداً وكأهداف متكاملة لا يمكن تجزئتها. وانعكس كل ذلك في تركيز دستوره ونشاطه الفكري والعملي بشكل واضح على قضايا الحرية والديمقراطية وخاصة قضايا الحقوق الأساسية والحريات والمشاركة الشعبية. وطوال فترة الأربعينيات والخمسينيات ظلت هذه القضايا تشكل محاور هامة في نشاطه وفي صراعه مع الأنظمة السياسية المسيطرة ومع القوى السياسية التي كانت تعمل على التقليل من شأن الديمقراطية السياسية لمصلحة الديمقراطية الاجتماعية (الاشتراكية) والقضايا الوطنية والقومية. ولذلك ظل يواصل انتقاداته للديمقراطية اللبرالية في المجتمعات الغربية مع التمسك في الوقت نفسه بأساسياتها ومساهمتها في الفكر الإنساني ولنفس الأسباب ظل يرفض التجربة الستالينية في الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الأخرى القائمة على نظام الحزب الواحد وعبادة الفرد والشمولية دون أن ينكر انجازاتها الاقتصادية والاجتماعية والعلمية ودورها الإيجابي في دعم حركات التحرر الوطني في العالم الثالث انطلق في موقفه هذا من أن الوجه القبيح للرأسمالية الغربية لا يلغي انجازات ومكتسبات عصر التنوير والثورات البرجوازية في بريطانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها. وهو يعتبر حركة الفكر الاشتراكي جزءاً أساسياً من هذه الانجازات والمكتسبات ويرى أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تمثل جزءاً مكملاً للحقوق الأساسية وضمانة ضد تحول الإطار الديمقراطي (البرجوازي) الى ستار لتغطية سيطرة الطبقات الرأسمالية المهيمنة. وفي المجال الدولي تبنى حزب البعث منذ وقت مبكر سياسة عدم الانحياز والحياد الايجابي كموقف استقلالي في السياسة الدولية وكموقف فكري ضد الستالينية في الشرق والديمقراطية البرجوازية في الغرب. ويتضمن ذلك موقفاً مضاداً للفصل التعسفي بين الديمقراطية السياسية (الحقوق الأساسية التعددية) والديمقراطية الاجتماعية (الاشتراكية) ورفضاً لفكرة النموذج الواحد وتأكيداً لإمكانية تعدد النماذج الديمقراطية والاشتراكية على السواء وارتباطها بخصوصات الهوية الوطنية والقومية في البلدان المختلفة. هذا هو الإطار العام لموقف حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة التحرر القومي العربية في بدايات تطورهما من قضايا الحرية والديمقراطية كمنهج في الحياة ونظام للحكم تنظيم المجتمع ولمعرفة المزيد حول هذا الموضوع يمكن الرجوع لكتابات مشيل عفلق ومنيف الرزاز وعبد الدائم وجمال الأتاسي وغيرهم من كتاب ومفكري الحزب. ونلاحظ أن هذا الموقف المتوازن كان يمثل تجاوزاً عملياً للتيارات اللبرالية التقليدية والتيارات الاشتراكية الستالينية السائدة وقتها في سوريا وبلدان المشرق. وكان يعبر عن محاولة جادة لمواجهة اشكاليات الحرية والديمقراطية في مجتمعات مختلفة ومشدودة الى إرثها الثقافي والسياسي المرتبط بعصور الانحطاط وسيادة النظم الاستبدادية منذ قيام الدول الأموية التي أعقبت نهاية دولة الخلفاء الراشدين حتى الدولة العثمانية وأنظمة ما بعد الاستقلال التقليدية في سوريا والعراق والأردن ومصر وغيرها ولكن.. كيف مارس الحزب هذه الأفكار في نشاطه الفكري والسياسي العملي؟ هذا نجيب عليه في المقال القادم.
(عدل بواسطة ضياء الدين ميرغني on 12-18-2012, 11:18 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حزب البعث السودانى :حزب البعث وقضايا الديمقراطية (1-5) (Re: ضياء الدين ميرغني)
|
أضواء على خلفيات الأزمة السورية حزب البعث وقضايا الديمقراطية (2-5) محمد علي جادين في المقال السابق ناقشنا موقف حزب البعث وحركة التحرر القومي العربية من قضية الديمقراطية, وأشرنا الى أنها ظلت تمثل محوراً هاماً ومتقدماً في نشاطه الفكري والعملي طوال فترة الأربعينيات والخمسينيات وطوال هذه الفترة ظلت هذه القضية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحركة النضال الوطني والقومي من أجل الاستقلال ومكافحة الاستعمار والحركة الصهيونية في فلسطين وضد القوى الاجتماعية التقليدية والمسيطرة على الدولة والمجتمع, وظلت ترتبط بقضايا التغيير الاجتماعي والاقتصادي عموماً. برز ذلك بشكل محدد في نشاط الحزب المتصاعد في سوريا والعراق والأردن ولبنان وبلدان أخرى وفي علاقته مع دولة الوحدة المصرية السورية 58-1961 ففي فترة الأربعينيات والخمسينيات شارك الحزب بفعالية في التجارب الديمقراطية في هذه البلدان وحرص على تطويرها وتوطينها في الواقع الوطني من خلال تطوير نظام الانتخابات وتوسيع الحريات العامة وحمايتها من تدخلات السلطة والقوى المهيمنة ووضع دستور ديمقراطي ومن خلال ذلك نجح الحزب في بناء تنظيمات شعبية قوية، والمشاركة في المجالس النيابية ونتيجة لذلك تمكن من توسيع نفوذها الفكري والسياسي لتصبح قوة مؤثرة في هذه البلدان وبالذات سوريا والأردن. وبعد دخول سوريا في دوامة الانقلابات العسكرية في عام 1949م وكانت قد شاركت في مقاومة تلك الانقلابات وكان لحزب البعث دور بارز في القضاء على الديكاتورية واستعادة الديمقراطية في سوريا في بداية الخمسينيات ونتيجة لذلك أصبح الحزب ينظر للانقلابات العسكرية نظرة سلبية كظاهرة خدمة مصالح الاستعمار والرجعية في المنطقة ولذلك اتخذ موقفاً معارضاً لثورة 23 يوليو 1952 المصرية في سنواتها الأولى ولم يوطد علاقاته بها إلا بعد وضوح موقفها الوطني والقومي في معركة قناة السويس عام 1956م ومع تصاعد المعارك المشتركة ضد الاستعمار والرجعية العربية تحولت هذه العلاقة الى عامل رئيسي في توحيد حركة التحرر القومي العربية وتوسع قاعدتها في معظم البلدان العربية. وتمثلت أبرز انجازاتها في مقاومة سياسة الأخلاق العسكرية والمخططات الاستعمارية في المنطقة وفي تحقيق وحدة مصر وسوريا عام 1958م وتوسيع قوى حركة التحرر العربي في المنطقة. والمهم هنا أن كل ذلك ارتبط بالتجربة الديمقراطية في سوريا وبلدان المشرق الأخرى وتوسيع الحريات العامة في البلدان الأخرى وبدور حزب البعث وقوى أخرى في قيادة الحركة الشعبية. وبرز ذلك في نضال هذه القوى المشترك ضد الحكم الملكي في العراق حتى انتصارها في ثورة 14 يوليو 1958 وفي دعم الثورة الجزائرية وفي الثورة اللبنانية عام 1958 وحركات عديدة وبجانب ذلك ظهرت خلافات الحزب وقوى سياسية سورية اخرى مع قيادة عبد الناصر حول قضايا الديمقراطية والمشاركة السياسية في دولة الوحدة بهدف حمايتها وربطها بقضايا التغيير الاجتماعي وتنمية قوى التحرر في البلدان العربية الأخرى. وانطلقت هذه الخلافات والصراعات من أهمية الاستفادة من التجربة الديمقراطية السورية في بناء دولة الوحدة وخطورة تجاهلها لمصلحة تكريس التجرية المصرية القائمة على الأجهزة الأمنية والبيروقراطية. وذلك يعكس التزاماً قوياً بقضية الديمقراطية وتوتراً فكرياً عالياً بين ضرورات الديمقراطية والمشاركة الشعبية وضرورة التنمية والعدالة والاستقلال، ولذلك ارتبطت منذ البداية بقضايا عملية شملت اجراءات الإصلاح الزراعي وإدارة المؤسسات العامة وبناء التنظيمات الشعبية في دولة الوحدة والعلاقة مع القوى السياسية في الأقطار الأخرى. مع كل ذلك يبدو أن قضايا الديمقراطية لم تجد الاهتمام الكافي القادر على تعميقها وتوسيعها وتجلى ذلك في قبول حزب البعث بحل تنظيمه السوري والمصري كشرط لقيام الوحدة وبالتالي التخلي عن التجربة الديمقراطية السورية وقبول نظام الحزب الواحد المرتبط ببيروقراطية الدولة المصرية وزعامة عبد الناصر ومن ثم تقديم شعارات الوحدة والاشتراكية كنقيض للديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية وإذا كان الحزب قد انتقد موقفه هذا في عام 1959 فقد جاء ذلك متأخراً، ولم يغير شيئاً في الواقع ويمكن ارجاع القصور في هذا الجانب الى العوامل التالية: 1- انشغال حركة الفكر البعثي والقومي عموماً بقضايا التحرر والنهضة والوحدة على حساب قضايا الديمقراطية لأسباب خاصة بتطوره الذاتي وظروف المنطقة. وهناك ايضاً قوى المثقفين والطبقة الوسطى التي تحملت هذه المسؤولية وهي معروفة بترددها وموقفها التوفيقي وحلمها الطويل بالمستبد العادل منذ بدايات حركة النهضة العربية الحديثة في بداية القرن التاسع عشر. وهذه الوضعية لا تزال مؤثرة في حركة الفكر العربي الحديث حتى الآن وتمثل أهم معوقات توطين الديمقراطية في البلدان العربية. 2- الظروف والتطورات العملية طوال الأربعينيات والخمسينيات لم تسمح بالاهتمام بقضايا الديمقراطية والحرية بحكم سيطرة التحديات المباشرة (نكبة فلسطين,
قضايا التحرر والاستقلال وغيرها) وبعد الاستقلال تركز الاهتمام في قضايا التنمية والاستقلال الاقتصادي السياسي بصورة أساسية على حساب قضايا الديمقراطية. 3- صعود الاتحاد السوفيتي وظروف الحرب الباردة كان لها تأثير مباشر على مجمل حركة التحرر في العالم الثالث وخاصة حركة التحرر القومي العربية. ولاستناده على كل ذلك اندفع حزب البعث ومعظم قى حركة التحرر العربية في اتجاه تبني صيغة الحزب الواحد والديمقراطية الشعبية (الموجهة) القائمة في الدول الاشتراكية في تلك الفترة دون محاولة لتجاوز سلبياتها الواضحة ودون الالتفات الى الاستفادة من التجربة الهندية في عهد أسرة غاندي ونهرو وتجربة سوكارنو في اندونيسيا. 4- في هذا الجانب لعبت قيادة عبد الناصر في مصر دوراً أساسياً بحكم نفوذها الواسع في المنطقة وتمسكها بصيغة الحزب الواحد ومعاداة الحزبية بشكل عام. ولذلك وجد نموذجها قبولاً واسعاً في صراعه مع قيادة عبد الناصر. ولم يسلم حزب البعث من تبني توجهاتها في هذا المجال. وفي الستينيات اصبحت هذه التوجهات سمة مميزة لكل الأنظمة المسماة (أنظمة وطنية تقدمية) بما في ذلك الأنظمة التي قادها الحزب في سوريا والعراق. هكذا تناول حزب البعث وقوى حركة التحرر العربي عموماً قضايا الحرية والديمقراطية بمعناها الواسع كجزء من مشروعه النهضوي. ونتيجة لذلك تنبه لأهمية الترابط الجدلي بين أهداف الوحدة والحرية والديمقراطية والاشتراكية وبين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية ولكن تطورات الواقع وإشكاليات التجربة ومقتضيات الصراع السياسي والاجتماعي في فترة ما بعد الوحدة المصرية السورية 1958 أدت عملياً الى قطع الطريق أمام أي محاولة جادة لشق نهج ديمقراطي متوازن خارج المجرى العام لضغوط وتأثيرات العوامل الأربعة المذكورة أعلاه وبالتالي أدى كل ذلك الى تمهيد الطريق لاستقبال تحولات سياسية كبيرة قادت الى ظهور ما يسمى بالأنظمة الوطنية التقدمية في المنطقة في بداية ستينيات القرن الماضي المرتبطة بالحزب الواحد تحت شعارات الوحدة والتنمية والاشتراكية ومكافحة الاستعمار واسرائيل. وفي هذا الإطار كان صعود حزب البعث للسلطة في سوريا والعراق. وفي المقال القادم نناقش هذه التحولات وتأثيرها على نظرة الحزب لقضايا الحرية والديمقراطية بشكل أوسع.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حزب البعث السودانى :حزب البعث وقضايا الديمقراطية (4-5) (Re: عبداللطيف خليل محمد على)
|
Quote:
والسؤال هنا لماذا حدث ذلك في سوريا؟ وقبلها في مصر والعراق والجزائر وغيرها؟ هل يرجع ذلك الى خصائص في بنية حركة التحرر القومي العربية معادية للتعددية والديمقراطية والارتباط بروح العصر؟ أم أن المسألة ترجع إلى الفئات السياسية والاجتماعية التي ظلت تقود حركة التحرر القومي العربية حتى الآن؟ أم لظروف المسرح الدولي السائد بعد الحرب العالمية الثانية؟ لماذا تحولت مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي في الوحدة والحرية والديمقراطية والاشتراكية الى نظام الحزب الواحد وسيطرة الأجهزة الأمنية العسكرية؟ لماذا لم يتطور طوال أربعين عاماً الى نظام ديمقراطي حقيقي؟ |
Quote: Quote: كما فعل من قبل امام السلطة العراقية التى انسلخ منها
يا زول !! |
مقتبس من المقال وقد قدم البعث اعتذاره الشهير للشعب العراقى من موقعه السابق وارتباطه بالسياق العراقية تجده فى هذا الرابط الاعتذار السياسي السوداني : النموذج البعثي - ناصف ...شير الأمين المحامي
| |
|
|
|
|
|
|
|