الأستاذ محمود محمد طه: هذا مغتسلٌ باردٌ وشراب

Quote: دخلتُ يوماً، منزل الأستاذ، فوجدته بالصالون، ومعه أبو طرّاف النميري، ولا ثالث لهما إلا الله !! وقد جلس، أبو طراف، في حافة، الجهة الجنوبية، من السرير، المُلاصق، لكرسي الأستاذ، ويكاد ألا يفصل بينهما، إلا المساحة المتلاصقة، بين تخانتي الكرسي، والسرير !! وبعد أن سلمت، أشار إليّ الأستاذ، بأن أجلس، على الكرسى، المُقابل له، مباشرة.. وما أن جلست، حتى قال الأستاذ لـ(أبو طراف)، وهو يُشير إليَّ، ابني عبد الله فضل الله، مهندس بوزارة الأشغال، وهو منشد، أنا عايزو ينشد ليك، قصيدة !! ثم وجه الأستاذ وجهه، نحوي، قائلاً: حَبِّرْ له، قصيدة ابن الفارض، أخذتم فؤادي، تَحْبِيراً !! وفتحتُ فمي لأنشد، فانطلق صوتي، كما لم ينطلق من قبل، فقد كنتُ المنشد، والكورس، وكنت بين الإنشاد والكورس، أشعر بأن ليس هناك حُدوداً، لصوتي، ولا حاجز، فانطلق، من قبضته، يطلب عَنَان السماء، كأنه طارقها !! ونجمها الثاقب، لطبقات حُجُبها !! وهكذا غمرني حالٌ، لم أعهده، من قبل !! فعلمتُ أن المحل، استعد مني، لتحبيرٍ مأذون !! فحَبَّرْتُ قصيدتي، لهما، تحبيراً !! وعند ما انتهيتُ، من الإنشاد، وعُدْتُ راجِعاً، من تلك الحالة، اليثربية !! أو ما يسميها الأستاذ بكسر الحاجز، بين المنشد، والإنشاد !! أطرقتُ برأسي، وطويته، تحت طَيَّ جناحي، ونفسي تحدثني، كيف تصُول، وتجول، بهذه الطريقة، في حضرة الأستاذ !! وأنا في هذه الحال، من الطأطأة، وحديث النفس، فإذا بـ(أبو طراف)، يقول للأستاذ: ابنك دا، لا بد يكون مهندس كهربائي !! لأنو صعقني، بإنشادو، صعقة قوية !!