عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !
لسوء الحظ أبي وأمي لا يستطيعا أن يتسللا برفقٍ ويُسْر إلي جخانين الأسافير وأزقتها، لذا أجد لهما العذر لأنهما لم يعلما ما أحيك ما بليل في الفيس بوك وسودانيز أون لاين . وعيت علي الدنيا لأتفاجأ بسيّدة أفريقية تتحدّث العربية بلكنةٍ ريفية معتادة، ألقمتني حليبها وأنا أتطلع ببراءةٍ إلي الأخاديد التي تزيّن خديها، وعرفت فيما بعد إنها شلوخ ! . لم يكن بوسعي أن أسألها عن الأخاديد السّت، فألتزمت الصمت . كنت أراقبها وهي تعُوس الكسرة وتكُحُّ عندما يطوّق دخان الصاج الملغّم بنار الحطب عينيها فتكحُّ . كانت تصنع طرقات الكسرة كأوراق برنسيس مائلة للحُمرة، بينما تتوهّط علي الكانون حلّة سوداء كانت في الأصل مصنوعة من الألمونيوم الرخيص، ولكن النار والدخان أستطاعا أن يحيلا لونها إلي سجمٍ ورماد . أستوصت هذه السيدة بالكِسرة خيراً وكأن جبريل قد أتاها من فوقِ سبع سماواتٍ طباقاً وقال لها : - عُوسي – عُوسي – ثم عُوسي ! فعاست في الأرضِ سنابلاً لم تتعب من حملِ الفتريتة والقمح والدخن ! . وما زالت تفعل إلي أن أتيتها ذات يوم حاملاً شهادتي التي تثبت إجتيازي للإمتحان النهائي لسنة رابعة . فتطلعت في الشهادة مليّاً وكأنها عالم كيمياء يتطلّع بفخرٍ لإنجازه العلمي الأخير . والطريف في الأمر أنها كانت في ذلك الوقت أُميّة لا تقرأ حتي الفنجان ذات قهوة . وتذكرت إبن خالي الذي حالما تسلّم شهادته المدرسية، أتي راكضاً من مدرستنا البعيدة، وهو يلهث من شدّة الركض والفرح، إلي أن بلغ والدته الشقيانة، وقال لها مبتهجاً : - حديد يا أمي، جيتك الخامس !! وعندما تفحّصنا النتيجة المشرّفة، أكتشفنا أنه كان الخامس والخمسين للأسف !! أعتقد أن أمية والدتي حفظها الله وأبقاها سبباً كافياً لعدم إمتلاكها حساب في الفيس بوك . كان والدي عالماً علامة في الزراعة، ولم يزل . كان يعرف عن تطوير سلالة البطاطس أكثر مما يعرفه دهاقنة وأباطرة الجينات الوراثية في هولندا، ويساهر الليل جلّه مطارداً من جيشٍ جرارٍ من الناموس وآفات الأرض، في يوم السقاية، ويصلي ليس لأنه يخاف الله !! . لم يكن يخاف الله أبداً، لسببٍ وجيهٍ جداً . لقد كان الرجل يحب الله في الواقع . من يحب الله لا يجب أن يخشاه !! . حكمة جديدة تعلمتها من فجور الأيام . لم يكن هذا التربال الكادح يعرف أن الدنيا ستبتليه بآفاتها وسيمتد به العمر ليشهد جميع أحلامه بعالمٍ أخضر تتمثّل في المزرعة السعيدة ! تشارك هذا البني آدم مع والدتي الأحلام كِسرة كِسرة وقمحة قمحة وجدول جدول، شهدا معاً أكتوبر بعمامتها الخضراء تقدِل بعظمة وهيبة وسلطان، شاهداها وهي تنتزع من العسكري سيفه وصولجانه وغطرسته وبندقيته الحمقاء . تمزّقت عمامة أكتوبر ولم تبقي إلا صورتها الجميلة في أذهاننا، وبضعة أغاني . ولم يتوقفا عن الحلم بسودان أخضر، سودان يستطيع أطفاله أن يحلموا بدُمية وطبشيرة وكراس، سودان تستطيع أبقاره وأغنامه أن ترعي بدون أن يعكّر صفوها راعٍ جائر، ولا ذئبٍ نمرود متغطرس . وحملا أحلامها وأتجها صوب أبريل . لم يفلح أكتوبر الأخضر في صناعة الحلم، ربما يفعلها أبريل . ربما يستطيع أن يرتّق الجرح القديم، ربما يجعلهما يحلمان بالإنابةِ عن كوم العيال الذين يتراكضون في الحوش ويتسلقون هامات السحبِ مصطحبين معهم أحلامهم المستحيلة . ولكن لم يكن إبريل سوي ذلك الجرح الذي لم يبرأ بعد . جرح إعتيادنا علي آلهة نصنعها بأيدينا وندور حولها مثل كعبةٍ مشرّفة . جرح سجودنا الغير مبرّر لأنصاف الآلهة والأزلام . الجرح الذي صنعناه من مداومتنا علي قولِ " أحدٌ أحد " لأحدٍ يعتقد زيفاً أنه الأحد الصمد . جرحنا الذي نملأ ثقوبه بالملح والخوف والأقوال الفارغة . أبي وأمي أنتظراني كثيراً لأكبر . لأصنع مجدي الخاص . لكي أصير رجلاً لا يفهم أن الرجولة تحتاج فقط إلي سائل منوي وخصيتين !! . وبالفعل كبر الصغير، ولكنه ما إن فعل حتي رحل . رحل بعيداً ليبحث عن حلمٍ لم يستطع العثور عليه في نصفِ وطن . رحل بدون أن يخطر والديه بأن الوطن أصبح جمهوريةً يطلق عليها الفيس بوك ! . ومع ذلك لم يقطع عنهما الرسائل أبداً . ظل الصغير يراسلهما ويعبئ حافظة بريدهما الإلكتروني بآلاف الرسائل التي لا يستطيعان قراءتها . لم يجد أحد يخبره بأنهما لا يملكان بريداً أصلاً . كان يكتب لهما . - أبي . أمي . أخوتي . أخواتي . أهلي . جيراني . ثوروا، أنتفضوا، ناضلوا، حرّروا الوطن أيها الشجعان، قوموا إلي ثورتكم يرحمكم الله ! للأسف لم يقرأ هذه الرسائل أحد، فهم لا يملكون حساباً في الفيسبوك في الواقع . ميس كول أمي وأبوي وناس الحلة لم يسمعوا بثورتنا الإلكترونية هذه، فرجاءاً حد يصحّي بكري أبو بكر عشان يعمل ليها أكاونت مشترك في الفيس بوك ينوبكم ثواب . التعديل لإضافة كلمة سقطت سهواً (عدل بواسطة حبيب نورة on 12-18-2012, 04:45 AM)

العنوان	الكاتب	Date
عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	حبيب نورة	12-17-12, 03:55 AM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	حبيب نورة	12-17-12, 03:56 AM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	حبيب نورة	12-17-12, 04:00 AM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	munswor almophtah	12-17-12, 05:04 AM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	أبوبكر أبوالقاسم	12-17-12, 05:14 AM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	حبيب نورة	12-17-12, 02:41 PM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	حبيب نورة	12-17-12, 02:31 PM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	عمران حسن صالح	12-17-12, 02:49 PM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	حبيب نورة	12-17-12, 03:02 PM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	Hadeer Alzain	12-17-12, 02:50 PM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	حبيب نورة	12-17-12, 03:05 PM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	الزنجي	12-17-12, 03:15 PM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	حبيب نورة	12-17-12, 03:47 PM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	Abureesh	12-17-12, 03:09 PM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	حبيب نورة	12-17-12, 03:49 PM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	حامد محمد حامد	12-17-12, 08:30 PM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	Nazik Eltayeb	12-17-12, 09:17 PM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	Osman Musa	12-18-12, 01:18 AM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	حبيب نورة	12-18-12, 03:24 AM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	حبيب نورة	12-18-12, 02:42 AM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	حبيب نورة	12-18-12, 02:30 AM
Re: عفواً .. أمي وأبي لا يمتلكان حساب في الفيس بوك !	حبيب نورة	12-20-12, 02:13 AM

[رد على الموضوع]

صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان

اراء حرة و مقالات	Latest Posts in English Forum
Articles and Views	اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases	اخبار و بيانات

الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة

About Us
Contact Us
About Sudanese Online

اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين

News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums

If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]