|
شهادات عن المغفور له بإذن الله الأستاذ حسن ساتي .....
|
حسن ساتي وأطباء ساهرون..!
ضياء الدين بلال
الطريقة التي مات بها هى ذات الطريقة التي عاش عليها..ان يسعى بكل ما أوتي من منطق لإثبات وجهة نظره.. ذهب للاطباء بقدميه وبعينيه البراقتين وشعره، الذي ظل يقاوم بعناد زحف السنين ،وصوته الجدالي المشرَّب بالتبغ..حسن ساتي ليس صحفياً يمتهن المتاعب، بل هو حالة صحفية تمازج الابداع بالقلق والتوتر وتنفتح نحو تجارب دائمة تبحث بإلحاح عن الجديد..! قال للأطباء بمنطق (المحلل البارع )الذي يرصد الظواهر ويقارب بين الاحداث ويخلص الى النتائج الناصعة، قال (ان ما يعانيه لحظة حديثه معهم يمهد لإقتراب ذبحة ثالثة من قلبه العليل)..ولأن الاطباء لا يعلمون مقدرات الرجل في التحليل والربط بين القرائن، ظنوا في حديثه -الواثق - تجنياً على تخصصهم واقتحاماً مستفزاً لأسوار مهنتهم العالية..فاختاروا الدخول معه في جدال- مترفع - حول الذبحات وأعراضها وبيروقراطية انتظار الاختصاصيين ليقرروا ان كان وضعه الصحي يؤهله لدخول العناية المكثفة أم لا؟!! والرجل يجادل ويجادل ونواب الاطباء تعصمهم (مصادقة الموت) من كمال الاحساس بالحياة .. وساتي يرى بعيني المحلل الأزمة تقترب من قلبه..ولأن الرجل كعهده بالمنابر ودربته على الانتصار قدم أكبر دليل على صحة ما ذهب اليه - من المعطيات والبراهين وتوقع النتائج- فاختارت الأقدار أن يقدم روحه (كدليل) على صحة توقعاته..فقد كانت الازمة الثالثة! الموت اصبح بإيقاع الحياة (تيك أوي)..يأتي سريعاً ويذهب سريعاً..لا أذكر متى جاء الموت لاحد المعارف عبر طرقه القديمة (مرض ووصية وتحرج وحشرجة وشهادة).فقد تعود الموت أخيراً ان يأتي عبر طرق الاسفلت وخواطف الازمات..! زرته في مكتبه بالزميلة (آخر لحظة) بعد علمي من بعض الاصدقاء انه يكثر السؤال عن شخصي الضعيف..كنت اتابع كتاباته الرائعة في (الشرق الاوسط والرأي العام) واطلالاته التلفازية البارعة. قرأت له بمتعة كاملة كتاب (الخطاب المفقود).. ما كان لتجد الراحل حسن ساتي في يوم - يكتب او يتحدث لفضائية او في ونسة- وهو فاتر المزاج هامد البريق. فقد كان يتمتع بلياقة نفسية مقاومة للاحباط وواثقة في الغد. في جلسة جمعتني به بمكتب الاستاذ عوض جادين عندما كان مديراً للتلفزيون، كان ساتي يسرد بحرفية باهرة بعض الملاحظات على الشاشة ويقدم بعض المقترحات..وعلمت في ما بعد انه هو الذى أسهم بمقترحات وافرة في تطوير شكل نشرات الاخبار بالتلفزيون السوداني. غضب حزين تسلل اليَّ وانا اطالع ما كتبه رئيس تحرير (الشرق الاوسط) الاستاذ طارق الحميد وهو شاب يقترب من الاربعين عاماً، ويبدو انه اراد -بطريقته الخاصة- ان يرثي الراحل حسن ساتي، ولكن درجة من الزيغ حرفت الحميد الى استعراض النفوذ على حساب السيرة المهنية للراحل..(فالحميد) تحدث عن جدل صالات التحرير الذي كان يتم بينه والراحل حسن ساتي، وكيف ان الاخير كان لا يجد من خيار امامه سوى الامتثال لأوامر سلطات (الحميد) العلية.. الاقدار وتقلبات الاوضاع في السودان هى التى فرضت على استاذ في قامة الراحل حسن ساتي رئيس تحرير أهم صحيفة سودانية قبل اكثر من ثلاثين عاماً، ان يتلقى أوامره من شاب صعدت به المجاملات الى رئاسة تحرير أهم صحيفة عربية. رحم الله الاستاذ حسن ساتي، فمنذ الوهلة الاولى ادركت ان الرجل من المصابين بلعنة (حب الصحافة)، فنيل رضاء صاحبة الجلالة عنده غاية لذاتها ،لا وسيلة رخيصة للتسلق ونيل الغنائم..و(حب الصحافة) يصل الى حد الوصف "باللعنة" لانه يأتي على حساب الصحة والحياة المستقرة. قليل من المحبين نجوا من تلك (اللعنة)...!
|
|
|
|
|
|
|
|
|