كَيْ لا نَنْسى (إرشيف الصحافة السُودانِيّة ما قَبْل 1989م)

Quote: صباح الـخير أيتها الانتخابات «الحلقة الأولى» هل ثمة تشابه بين مناخات ما بعد الانتفاضة ومناخات اليوم الانتخابية؟ نبدأ بتلخيص المواقف الحزبية قبل وأثناء نظام مايو المتقلب أكبر عملية استثمار في المصالحة الوطنية«1977م» كانت لصالح الجبهة الإسلامية غريبة: انتفض الناس ضد كل مايو بشركائها بمن فيهم الترابي ولكن..! سيدأحمد خليفة الأجواء الانتخابية والمناخ الانتخابي غاب عن البلاد«20» سنة، دار خلالها كلام كثير عن التدرج والحريات السياسية والصحفية، حيث بدأت القصة ببدعة«التوالي» وهو تعبير من تعبيرات دكتور حسن الترابي عندما كان النظام هو وهو النظام كما يعتقد البعض، حيث قام النظام أصلاً عام 1989م على شراكة بين مجموعة عسكرية يقودها العميد عمر حسن أحمد البشير وآخرون، ومجموعة سياسية وحزبية وعقائدية يقودها آنذاك د. حسن الترابي، وساعده الأيمن الأستاذ علي عثمان محمد طه، الذي واصل الموالاة لنظام الإنقاذ، بينما رفض د. الترابي أن يكون هو«شيخ النظام»، وأن يكون نائبه في الحركة الإسلامية الأستاذ علي عثمان هو الحاكم الثاني أي النائب الأول للرئيس..!. أنا صاحب تجربة انتخابية هي الأشهر في تاريخ الانتخابات السودانية كما يعتقد البعض، ويضرب بها المثل منذ العام 1986م وحتى اليوم..!. وهي الأشهر في تاريخ الانتخابات ليس لأنني أنا الطرف الثاني فيها، أي في إحدى معارك تلك الانتخابات، ولكن لأن الطرف الأول كان هو الأشهر.. والأكبر والأهم سياسياً على الأقل..!. وأنا أتحدث هنا عن الدائرة «27»أ، أو ما عرف بدائرة الصحافة وجبرة التي أطلق عليها العديد من الأسماء، فهي«أم الدوائر» وهي «دائرة التحدي» وهي الأكثر تأثيراً في تاريخ السودان الانتخابي بعد تلك الحقبة، إذ كان لسقوط الترابي في تلك الدائرة تأثيرات لاحقة انتهت بانقلاب الإنقاذ بعد أن قاد حزب الترابي وهو الجبهة الإسلامية القومية أشرس المعارك ضد النظام الديمقراطي، ولعب بكل الأوراق التي انتهت بالنظام الى ما انتهى إليه من عجز أو شبه فوضى، وشبه مجاعة، وشبه انفلاتات أمنية، حيث سمع الناس بأذانهم دقات طبول حركة قرنق التي قيل أنها كانت بجيوشها على أبواب كوستي غرباً، والدمازين شرقاً، وكسلا، وربما القضارف، حيث كانت بورتسودان وطريقها الشريان هدفاً من أهداف الحركة التي ساعدها في الداخل وفي أقوى ما يمكن من التصرفات العبثية سلوك الجبهة الإسلامية القومية..!. وهل قلت أن لي تجربة انتخابية ثرة في الصحافة وجبرة تلك، وهل قلت مرات ومرات أن نتائج تلك التجربة هي التي أثرت فيما بعدها من مراحل سياسية، حيث شحنت قلوب «الجبهجية وشيخهم» بالغضب والحقد على النظام الديمقراطي، بسبب التحالف الحزبي الذي أسقط الدكتور الترابي..!. كان البعض ولايزال مندهشاً في الاكتساح النسبي الذي تحقق للجبهة الاسلامية القومية بعد انتفاضة 1985م الشعبية..!. فالبعض كان ولايزال يقول إن الانتفاضة كانت ضد كل مايو بنميريها واتحادها الاشتراكي وحليفها الاسلامي الممثل في الجبهة الاسلامية بقيادة د. الترابي، ولمجرد التذكير لمن لا يذكر فإن الجبهة الاسلامية القومية، كان هو اسم ما بعد الانتفاضة لحركة الاخوان المسلمين، التي دخلت مايو عام 1977م بعد المصالحة الوطنية تحت اسم«جبهة الميثاق الاسلامي» التي كانت بقيادة الترابي، قد ظهرت بعد ثورة أكتوبر 1964م، حيث تخلت عن اسمها القديم وهو«الاخوان المسلمون» الذي احتفظ به كاسم بعض قدامى الاخوان، بينما أراد له الترابي وآخرون الاسم الجديد املاً في الانفتاح الشعبي واستيعاب المسلمين «الاخوان وغير الاخوان»..!. كانت الدهشة سبب خروج الترابي والذين معه من قميص مايو كما الشعرة من العجين، وليس من المنطقي ولا من المعقول أن يقال بأن ذلك التوسع الشعبي للجهة الاسلامية القومية «هذا هو اسمها الجديد بعد الانتفاضة 1985م» كان بسبب عداوات الأيام الأخيرة بينها وبين نميري وبعض أركان نظام الذين ظلوا يعارضون في الأصل استيعاب الترابي والذين معه ضمن نظام مايو، الذي بدا «تقدمياً اشتراكياً قومياً» وانتهى صوفياً شمولياً، وفي الحالتين لايتفق فكراً مع مايو ونظامها..!. ولكن كان الذي أنقذ الجبهة الإسلامية أو برأها ولو نسبياً من شراكة مايو هو الآتي:- أولاً: القدرة التنظيمية الدقيقة في مقابل عجز الآخرين، ونعني الأحزاب السياسية الكبرى التي زادت من عجزها الضربات المايوية قبل وبعد دخول الترابي، وتحوله بحزبه وكوادره الى رافد من روافد النظام المايوي، وهو رافد قوي ومنظم. ثانياً: الشعار الإسلامي الذي كان مستخدماً على نحو مدروس من جانب الترابي والذين معه، بعد أن هيأ نميري نظامه مناخاً صوفياً لا يناسب المتعلمين والشباب من المسلمين ولا نقول الإسلاميين..!. ثالثاً: كان المناخ الدولي والإقليمي عاملاً مساعداً على الاقل في جوانبه المالية والتمويلية، حيث استطاعت الجبهة الإسلامية «الشريك في النظام المايوي» أن تصرف الشعارات الإسلامية الداخلية في الخارج، خاصة في السعودية ودول الخليج والتي فوضت الجبهة الاسلامية مالياً وجعلتها قائدة ورائدة في مجال العمل والمساعدات الإسلامية السعودية والخليجية، ليس في إفريقيا والسودان وحسب، ولا في العالم العربي والإسلامي وحسب، بل وحتى في آسيا، حيث كانت الجبهة الاسلامية القومية وهي الشريك في مايو كما أسلفنا، تدعي القتال والجهاد ضد الغزو السوفيتي لأفغانستان، وبالتالي تأخذ حقها من المخصصات السعودية والخليجية والغربية لمنازلة الشيوعية في أفغانستان وغيرها، بجانب ادعاء الجبهة الاسلامية الشريك في مايو آنذاك، أنها الأكثر قدرة على مساعدة المسلمين الاكثر بؤساً وفقراً بإفريقيا في مقابل النشاط الكنسي والمسيحي..!. رابعاً: كانت نسبة لاتقل عن الـ75% من هذه العائدات المالية الضخمة، والتي تدخل السودان بأسماء متعددة، كلها روافد الجبهة الاسلامية القومية تصرف على النشاط التنظيمي والحزبي، بل وعلى بناء قدرات وإمكانيات حزبية وشخصية وتنظيمية، كانت هي التي أظهرت الجبهة القومية بالقوة التي ظهرت بها بعد الانتفاضة، حيث كان الصرف على الانتخابات وما بعدها على الإعلام الحزبي وغيره باذخاً، الى جانب إغراء الشباب وغير الشباب حتى بالمال والوظائف في المنظمات والمؤسسات والبنوك الإسلامية..!. كان هذا هو المشهد باختصار شديد قبل انتخابات 1986م التي تشابه مناخات هذه الأيام الانتخابية مع فارق كبير، وهو أن الجبهة الاسلامية التي خرجت عام 1986م متخاصمة مع مايو النظام، تدخل الآن المرحلة الانتخابية الحالية وهي متخاصمة ومنقسمة على نفسها ومنشطرة إلى«وطني.. وشعبي..» والذي بقي من الصورة القديمة من حيث الشبه والتشابه هو أن دكتور الترابي على رأس المنقسمين، وهو تكرار لتجربة رئيسية ثالثة في تاريخ حركة الأخوان المسلمين، التي تعددت أسماؤها وبقية قيادتها واحدة في الغالب وملخصة الآن في ثلاثة روافد؛ رافد يقوده الترابي ورافد يقوده الأستاذ صادق عبدالله عبدالماجد والذين معه، ورافد يقوده الأستاذ علي عثمان والذين معه أيضاً..!. وغداً نواصل الحديث عن التجربة الانتخابية الأشهر في الصحافة وجبرة.