التعايش السلمي في ظل التنوع الديني..تقديم الامير عبد المحمود ابو

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 07:26 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-25-2012, 08:25 AM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التعايش السلمي في ظل التنوع الديني..تقديم الامير عبد المحمود ابو (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    المحور الأول: مقومات التعايش المشترك
    التعايش المشترك هدف يتطلع إليه كل العقلاء في المجتمع المتعدد الديانات والثقافات والاثنيات، ولن يتحقق ذلك إلا بوعي المجتمع بكل مكوناته بأهمية التسامح في العلاقات بين الناس، والتعايش السلمي يحتاج إلى شروط خاصة لكي يكون صفة غالبة في العلاقات البينية الاجتماعية، فالعنف والغضب والسيطرة والتصادم ومثيلاتها نزعات سهلة الحضور في علاقات الناس ، ولا تحتاج إلا للمثيرات كالاستفزاز والإساءة والتحـدي وغير ذلك من عوامل الانفعال . وقد نهى الإسلام عن ذلك ، عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : بينما يهودي يعرض سلعته أعطى بها شيئاً كرهه فقال : لا ؛ والذي اصطفي موسى على البشر ، فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه وقال : تقول والذي اصطفي موسى على البشر والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ؟ فذهب إليه فقال : أبا القاسم إن لي ذمة وعهداً ، فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: (( لم لطمت وجهه ؟ )) فذكره ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى رؤي في وجهه، ثم قال : (( لا تفضلوا بين أنبياء الله ، فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث ، فإذا موسى آخذ بالعرش فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أم بعث قبلي )) . فالرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يوضح أن التفاضل بين أنبياء الله لا يجوز خاصة في وجود أتباع ديانات متعددة لأن ذلك يدعو لإثارة العصبية وحمية الجاهلية التي تؤدي إلى التباغض والتنازع والاحتراب . إن مقومات التعايش المشترك في مجتمع متعدد الديانات والثقافات والاثنيات كثيرة أهمها العناصر الآتية:


    أولاً : التربية
    الإنسان ابن بيئته أي أنه يتأثر بالمحيط الذي يعيش فيه سلباً كان أو إيجاباً ، فالبداوة تنعكس على سلوك أصحابها فتجد البدوي (عصبي المزاج ، سـريع الغضـب، يهيج للشئ ال######## ، ثم لا يقف في هياجه عند حد ، وهو أشد هياجاً إذا جرحت كرامته ، أو انتهكت حرمة قبيلته ، وإذا اهتاج أسرع إلى السيـف واحتكـم إليه) وعكس ذلك تماماً البيئة الحضرية فإنها تجعل الإنسان أميل إلى التسامح والتجاوز والتريث وتقدير العواقب قبل الإقدام على الفعل ، فالبيئة إذن تعتبر أحد عوامل تكوين الشخصية البشرية بل أهمها ، وما يتعلمه الإنسان ويتربى عليه في مرحلة تكوين شخصيته سيصحبه طيلة فترة حياته ، ولعل هذا هو السبب الذي جعل الأنبياء والمرسلين والمصلحين يولون اهتماما كبيراً للتربية إعداداً لحملة الرسالة والفكـرة ، والملاحظة تتجلى في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه : إذ كان يعدهم لحمل الرسالة للعالمين ، فحرص على إزالة ما تراكم في أذهانهم من آثار الجاهلية أولاً ثم غرس المعاني والقيم والمفاهيم التي جاء بها الإسلام ، وأكدت تعاليمه أثر التربية على حياة الإنسان ، وأن كل مولود يولد على الفطرة الصافية النقية ، والتغيير يحدث تبعاً للأسلوب الذي يتبعه الوالدان في تربية الأبناء . وكانت وسائل التربية التي اعتمد عليها الرسول صلى الله عليه وسلم تتمثل في القدوة والتعليم والتجربة والمقارنة . فمن طبع الإنسان أن يرد على العنف بمثله وربما بصورة أقسـى ، ولكن الإسلام عمل جاهداً على تغيير هذه الطبيعة في المسلم فدعا إلى العفو والإيثار والإحسان ، روى البخاري عن خباب أنه قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ـ قلنا له: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا قال : (( كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين ، وما يصده ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ، وما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون )) فهو هنا يروض النفس على الصبر وتحمل الأذى والتحرر من نزعة الانتقام للنفس ، فالرسالة ستنتصر حسب سنن الله في خلقه ، لا حسب أماني الناس ، والتضحيات مهر الانتصار، فنبي الرحمة لم يكن يوماً ميالاً للانتقام ، وحتى في أحلك الظروف التي يتعرض فيها للأذى والظلم حيث تكون النفس مشحونة بالغضب فإن الرحمة تتغلب على الانتقام . عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : للنبي صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال : ((لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني ؛ فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك ، فما شئت : إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين )) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((بل أرجوا أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً )) والله سبحانه وتعالى يرشد رسوله بالعفو عن المسيء ويأمره بإتباع المعروف حتى مع من جهل ، وعلمه الكيفية التي يرد بها نزغات الشيطان التي تدفع الإنسان دفعاً نحو الانتقام قال تعالى : ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ 199 وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ بل يذهب الإسلام أكثر من ذلك عندما يأمر المسلم أن يقابل السيئة بالحسنة عندها سيتحول العدو إلى ولي حميم ، قال تعالى : ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ 34 وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ 35 وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ هذا النهج التربوي يخلص المرء من نزعات الغضب والانتقام والتسرع وهي عوامل تتصادم مع التسامح ، وهنالك عامل مساعد في انتهاج التربية المراعية لترسيخ ثقافة التسامح يتمثل في المجتمع القائم على التعدد ، فكل ما كان المجتمع متعدد الأديان ومتنوع الثقافات ومتباين الأفكار مع قبوله لهذه المكونات سهلت التربية المؤسسة لثقافة التسامح. لأن الناشئ يعيش الواقع عملياً ، إضافة للتربية النظرية ، ووعي المجتمع بطبيعة التعدد يرسخ ثقافة قبول الآخر، خاصة وأنه من الطبيعي أن تحدث تساؤلات بين الأطفال والشباب متعددي الانتماءات عن الممارسات التي يقوم بها نظراؤهم والمواقف التي تحدث من حين لآخر فإن أجيبوا إجابة واعية تشرح الاختلاف والتباين وتوضح الطرق المثلى للتعامل مع هذا الاختلاف فسوف توضع لبنة في بناء العقلية المعتدلة القابلة للتسامح وقبول الآخر وبالتالي تترسخ ثقافة التسامح في المجتمع ، وأما المجتمعات أحادية الثقافة أحادية الدين أحادية العرق فيصعب عليها قبول الآخر أو تفهمه لأنها عاشت نمطاً واحداً من الحياة لم تعرف فيه الغيرية ، ولهذا فإن أكثر المتطرفين ينحدرون من مجتمعات أحادية التوجه أو تعددية تسودها العصبية .
    ثانياً :المعرفة الواقعية للذات وللآخر :
    الإنسان عدو ما جهل ، وقلة المعرفة تجعل المرء متعصباً سريع الانفعال ، والمعرفة لا تتعلق بالآخر وحده ، بل معرفة الذات أولاً ثم تتكامل بمعرفة الآخر ، لقد وقعت كوارث كثيرة بسبب سوء تقدير الموقف - تضخيم الذات والاستخفاف بالآخر ـ فانتصار المسلمين في بدر كان معجزة ولكن كثيراً منهم اعتبروه قانوناً عاماً فلم يقدروا الموقف تقديراً صحيحاً فهزموا أول الأمر في أحد ، وفي حنين أعجبتهم كثرتهم فكان الغرور سبباً للهزيمة : ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾ وكثير من الحوادث التاريخية والمعاصرة أقدم عليها أصحابها دون معرفة لقدراتهم ولا لقدرات خصومهم فجنوا عاقبة فعلهم خسراً ، والشواهد أكثر من أن تحصى. إن ما يعنينا هنا هوالبعد الفكري والجانب النظري ، فمعرفة الإسلام بعمق تظهر للمرء الجذور الممتدة لهذا الدين والتي تربط بينه وبين الرسالات الإلهية التي سبقته ، والصلات الإنسانية بينه وبين بني البشر أين ما وجدوا ، مما يؤكد أصالة هذا الدين من ناحية وعالميته من الناحية الأخرى ، والأصالة هنا نعني بها استيعابه لأصول الرسالات السماوية وتكامله معهـا، هذا الفهم يسهل على المرء إمكانية التواصل مع الآخر الديني والتحاور معه لأنه يعلم أن كل ديانة سماوية صحيحة لديها صلة بالإسلام ، وكل نحلة وضعية خيرة فيها إشراقه إيجابية ، وكل عطاء إنساني مفيد يدخل ضمن المعروف الذي هو أحد أركان الأخلاق المتفق عليها من جل علماء العلوم الإنسانية ، فالأخلاق الاجتماعية اتفقت عليها جميع الأديان السماوية ، ورحبت بها كثير من الفلسفات البشرية وهي مفصلة في سورة الإسراء ، ومفهوم البر في الإسلام ليس قاصراً على المسلمين بل يمتد ليشمل جميع بني البشر . فإذا علم المرء ذلك كان مهيئاً للتواصل مع كل البشر عبر الحوار وليس عبر العنف الذي هو في الغالب وسيلة العاجزين عن الحجة ، ومعرفة الآخر تشكل عاملاً مهماً في ترسيخ ثقافة التعايش السلمي والتواصل الإيجابي ، فربما تكون الأهداف متقاربة والمعاني متشابهة ولكن غيّبها الجهل أو اختلاف الصيغ ، فسهيل ابن عمرو عندما رفض تصدير وثيقة صلح الحديبية بعبارة (( بسم الله الرحمن الرحيم )) مفضلاً صيغة (( باسمك اللهم)) لم يتردد الرسول صلى الله عليه وسلم في قبولها لأن المعنى متقارب إن لم يكن واحداً ، مع أن صيغة البسملة تشتمل على معنى الصيغة المقترحة مع زيادة الثناء على الله بما هو أهله لكن أهل مكة كانوا يستغربون من اسم الرحمن كما ذكر القـرآن الكريم :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾ والصيغة الجديدة التي يفتتح بها المسيحيون الأقباط حديثهم تسقط مفهوم التثليث وتقربهم من المسلمين ، حيث يقولون: (( باسم الإله الواحد الذي نعبده جميعاً )) وهي صيغة من ابتكارات الأنبا شنودة االراحل، كما ذكر الدكتور محمد سليم العوا ، في محاضرة قدمها في ملتقى الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي الذي انعقد في القاهرة في الفترة من 30 ـ 31 أبريل 2006م ، ومن أهم طرق معرفة الآخر أن يتم التعرف عليه من مصادره ولا نكتفي بما نعلمه عنه من مصادرنا وحدها ، كما ينبغي وصفه على حقيقته لا كما نتمنى ، وأن يتم التعامل معه حسب تعريفه لنفسه لا كما نعرفه نحن ، فأهل الكتاب اليوم ليسوا مثل أسلافهـم ، فقد أحدثوا تغييرات كبيرة في عقائدهم وأفكارهم وتنظيماتهم ، وإذا استثنينا الصهيونية اليهودية والمسيحية المتصهينة فإن أغلبهم يميلون إلى التسامح وإلى إقامة علاقات ودية مع المسلمين ، أيضاً من التحولات التي حدثت أن النصارى يفضلون أن يسموا مسيحيين لا نصارى . وقد جمعتنا ملتقيات كثيرة خاصة بالحوار الديني مع مسيحيين فأدركنا أننا لا نفهم بعضنا بعضاً كما ينبغي، فنحن نتعامل معهم على أساس ما نعرفه عنهم من كتبنا بينما حدثت تطورات كثيرة في أفكارهم ومعتقداتهم . إن سوء التفاهم بيننا كان سبباً في تعقيد الأزمة وتوسيع الشقة . إن عدم فهمنا للآخرين هو الذي يوقعنا في أخطاء منهجية نتيجتها أخطاء إستراتيجية قال تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) واتصالاً بمعرفة الذات ومعرفة الآخر هنالك أهمية لمعرفة الواقع ، فالجهل بالواقع يوقع أيضاً في أخطاء منهجية وسلوكية ، ويلاحظ ذلك في تعامل بعض المسلمين مع الآخر حتى الآن بوسائل العصر الأموي والعصر العباسي حيث كانت الإمبراطـورية الإسلاميـة ـ إذا جاز التعبير ـ يمتد سلطانها من السند إلى المغرب ومن سمرقند إلى السودان ، حيث كان الرشيد يقول للسحابة : أمطري حيث شئت فسيحمل إلينا خراجك . في تلك الفترة أسست الدولة الإسلامية على أنقاض الإمبراطورية البيزنطية والفارسية ، والآخر بادر بالعدوان ولذلك عومل بموجب السياسة الشرعية بالأسلوب الذي يتلاءم مع تلك المرحلة . أما الآن فنحن نعيش واقعاً مغايراً فعلى مستوى الذات تفككت الخلافة الإسلامية إلى أقطار صغيرة تحكمها دساتير وطنية جعلت المواطنة أساساً للحقوق والواجبات ، والقيادة الإسلامية الموحدة غابت عن عالم المسلمين وحل محلها حكام الدول وأمراء الجماعـات الدينية ، والمرجعية الفقهية ليست واحدة فكل دولة وكل جماعة ـ وإن أعلنت أن الكتاب والسنة مرجعيتها ـ إلا أنها تتبع مذهباً ومنهجاً خاصاً بها ولا توجد جهة تملك فرض سلطة دينية على الجميع ، ومعظم الأحكام السائدة في الأقطار الإسلامية هي من اجتهادات السلف من أئمة المذاهب. وعلى المستوى الدولي فإن تقسيم العالم الذي كان سائداًـ دولة الإسلام ودولة الكفر الحربية ، والمعاهدة ـ قد اختفى وحل محله نظام جديد تديره الأمم المتحدة بمواثيقها الدولية ومنظماتها المنبثقة عنها إضافة إلى المنظمات الإقليمية التي تضم الدول التي تقع في الإقليم المعني كمنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية والإتحاد الأوروبي والإتحاد الأفريقي وغير ذلك . والأمم المتحدة تضم دولاً تنتمي لجميع الديانات على وجه الأرض وهي جميعها ملتزمة بمواثيق الأمم المتحدة الداعية لحفظ الأمن والسلم الدوليين ، وأي دولة تخرق هذه المواثيق ستفرض عليها عقوبات دولية تلتزم الدول بتنفيذها دون أي اعتبار للعقيدة التي يدين بها أهل البلد المعني كما فعلت الدول الإسلامية مع عراق صدام ومع أفغانستان طالبان حيث التزمت بقرارات الأمم المتحدة ولم تخالفها بحجة أنها صادرة من جهة كافرة ضد دولة مسلمة ! أيضاً من مستجدات العلاقات الدولية أن بلداناً إسلامية كثيرة تضم ديانات متعددة مسلمة وغير مسلمة ومواطنو تلك الدول هم أصحاب حق في بلدانهم دون نظر لعقائدهم ، ولا يحق لأي مسلم ليس مواطناً في البلدان المعنية أن يتدخل في شئونها بحجة الـولاء الإسلامـي . ومن مستجدات العلاقات الدولية أن السيادة الوطنية لا معنى لها في ظل انتهاك حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية ، هذه المستجدات لا بد من إدراكها والوعي بها ، لنتبين طبيعة الواقع الذي نعيشه في عصرنا هذا . إن المعرفة الواعية بالذات وبالآخر وبالواقع الدولي أمر له أهميته في تعزيزالتعايش المشترك وصيانته.

    ثالثاً: الإعلام الهادف:
    الإعلام له تأثير كبير على الرأي العام ، فهو يشكل ثقافته ويعبؤه للتفاعل مع الأحداث سلباً أو إيجاباً ، وقد أطلق على الصحيفة وصف السلطة الرابعة أي بعد السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وهو وصف ينطبق على الإعلام بكل أدواته وليس حصراً على الصحف ، وعالم اليوم تعددت فيه وسائط الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بصورة لم يسبق لها مثيل ، وأضحت المعلومات متاحة لكل راغب بأيسر السبل ، ولا شك أن المعلومة واحدة من العناصر التي يعتمد عليها الإنسان في اتخاذ قراراته ومواقفه ، لأنك بالمعلومة تعرف قدراتك وقدرات الآخرين وتحدد أهدافك حسب طاقتك متفاعلاً مع معطيات الواقع ، فالإعلام إذاً وسيلة من وسائل نشر الثقافة وترسيخها ، بل وسيلة تتجلى أهميتها في هذا العصر، ويؤكد ذلك كثرة وسائط الإعلام والقدرات الهائلة لوكالات الأنباء العالمية المسيطرة على قدر كبير من المعلومات . إن الإعلام هو أيقونة العصر المعلوماتية فإذا استخدم استخداما هادفاً سيساهم في ترسيخ ثقافة الوحدة الوطنية ، وذلك عن طريق نشر مواضيع تدعو للتسامح وتبين حتمية الاختلاف وضرورته وكيفية التعامل معه ، وأن تتجنب وسائط الإعلام المواضيع التي من شأنها أن تثير الفتنة وتدعو للتعصب وتنشر الكراهية. إن المؤثرات في هذاالعصرأصبحت متعددة، فإضافة إلى وسائل الأخبار التقليدية نجد هنالك المسرح والسينما والأفلام التلفزيونية المؤثرة والإنترنت، فإذا اتبع الإعلام نهجاً تسامحياً فإنه سيوجه الرأي العام في اتجاه قبول الآخر والتعايش السلمي معه واتخاذ الحوار وسيلة لفض النزاعات .
    رابعاً : التواصل بين المجموعات الدينية
    التعرف على الآخر لا يتم بالقراءة عنه وحدها ، وإنما تتعمق المعرفة بالمعايشة والتواصل ، لأن الواقع الملموس أبلغ من التنظير ، فكثير من الناس يتخذون مواقفهم بناء على معلومات ناقصة فيظلمون ويظلمون ، وربما يدلون بشهادتهم مستندين إلى تلك المعلومات التي تمثل جزء من الحقيقة ، لا كلها . فأجهزة الإعلام مثلا تنقل المعلومة من الزاوية المتاحة لكاميرا المصور أو قلم المشاهد ولكن تظل هنالك زوايا أخرى ، لم يتمكن الناقل من الوصول إليها. فالمعرفة تقتضي الاحتكاك بالآخر للتعرف عليه عن قرب وللإلمام بكل مكوناته الثقافية ، والاجتماعية، والبيئية ، عليه فإن من وسائل ترسيخ ثقافة التعايش المشترك تبادل الزيارات والدخول في المجتمع المعني لمعرفة القواعد التي يقوم عليها ، والنظم التي يدير بها أموره ، ولعلّ النص القرآني يهدف إلى ذلك في قوله تعالى : ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ إن التواصل بين المجموعات الدينية، والثقافية، والاثنية، يفتح الباب لتفاهم يرفد العلاقات الإنسانية بمفاهيم تنظر بإيجابية للتعدد الديني والتنوع الثقافي وتعزز التعايش .

    خامساً : الأنشطة المشتركة
    هنالك مجالات متعددة تتيح العمل المشترك بين بني البشر ، دون أن تشكل عقائدهم وثقافاتهم وإثنياتهم عائقاً يحول بينهم وبينها ، كالمعارف الإنسانية ، والأنشطة الاقتصادية ، والمعونات الإنسانية لضحايا الحروب والكوارث الطبيعية وغيرها ، إن تنفيذ برامج مشتركة يقوم بها المنتمون لديانات متعددة وثقافات متباينة وإثنيات متنوعة من شأنه أن يعطي نموذجاً عملياً للتعايش المشترك ، بل للتعاون المشترك في البر والخير ، ولا توجد حساسية في هذا العصر من قيام أنشطة وبرامج مشتركة ، فقد كسرت حواجز كثيرة ، وتم تخطي عقبات كبيرة ، وهنالك أكثر من منبر يجمع أشخاصاً ينتمون إلى ديانات متعددة والأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية خير نموذج لذلك ، كذلك عقدت ملتقيات كثيرة للحوار في مجالات كثيرة وتكونت ثقافة نظرية لا حدود لها حول هذا الموضوع ، والمطلوب أن نخطو خطوات عملية لاختبار هذه الثقافة التراكمية ، ويعتبر مجلس التعايش الديني في السودان نموذجا للعمل المشترك فهو يضم مسلمين ومسيحيين بالتساوي يعملون معا لتحقيق أهداف مشتركة تتمثل في التسامح والتعايش المشترك، إن أكثر المجالات إلحاحاً لهذه الأنشطة المشتركة المجال الديني فالتعصب الديني من أخطر عوامل النزاعات البشرية ، والفوارق الثقافية تشجع العنف ، والنشاط المشترك يخفف من حدتها . إن مثل هذه الأنشطة المتبادلة ينبغي ألا تأتي عفو الخاطر بل يتم التخطيط لها وفق برمجة مدروسة وهادفة لأنها من أنجح وسائل ترسيخ ثقافة قبول الآخر وتعزيز الوحدة الوطنية.
    سادساً : معرفة أسباب التوتر والتخلص منها
    العلاقات بين الأديان والثقافات شهدت صراعات وحروباً عبر تاريخها خلفت مرارات كثيرة وخلقت حواجز تمنع التواصل بين كثير منها ، وبالرغم من التوجه العالمي المتصاعد نحو علاقة لا تشوبها نزاعات إلا أن آثار الماضي تلقي بظلالها على الحاضر وتعرقل مستقبل العلاقات الإنسانية ، عليه يكون من ضرورات ترسيخ ثقافة التسامح معرفة عوامل الصراع ومسببات النزاع والتخلص منها ليكون الطريق سالكاً نحو علاقات قائمة على الثقة والاستدامة ، ففي الإطار الإسلامي لا بد من حصر الخلاف السني الشيعي في طبيعته السياسية وتحريره من العوامل العقائدية التي استدعيت في تلك المرحلة لخدمة أهداف سياسية للطرفين ، والصراعات المذهبية تفهم في إطار اختلافات المناهج والخلفيات البيئية وهي اجتهادات مسموح بها في ظل الإسلام ، والخلاف الإسلامي العلماني ينبغي تفسيره على أساس اختلاف التصور للأشياء ، واستخدام مصطلحات يختلف فهم كل طرف عن فهم الطرف الآخر لها ، هذه المصطلحات عندما تحرر وتضبط ستقرب الشقة ، والصراع الإسلامي المسيحي يوضح أن ظروفاً تاريخية مرحلية أوجبته وبزوالها سقطت مبررات الصراع ، والصراع الإسلامي اليهودي تاريخياً انحصر في أحداث المدينة الثلاثة وهي وقائع لا تورث وقد انتهت مع أصحابها ، وأما الصراع الحالي فليس بين الإسلام واليهودية بقدر ما هو صراع بين الإسلام والصهيونية التي هي حركة سياسية استغلت الدين لأغراض سياسية . إن معرفة أسباب التوتر التاريخية يمكن التخلص منها بالوعي بأسبابها والحرص علي عدم تكرارها وبالتالي عدم إسقاطها علي الواقع فإذا حدث ذلك فإنه سيعزز الوحدة الوطنية
    المحور الثاني: مهددات التعايش
                  

العنوان الكاتب Date
التعايش السلمي في ظل التنوع الديني..تقديم الامير عبد المحمود ابو عمر عبد الله فضل المولى09-25-12, 08:24 AM
  Re: التعايش السلمي في ظل التنوع الديني..تقديم الامير عبد المحمود ابو عمر عبد الله فضل المولى09-25-12, 08:25 AM
    Re: التعايش السلمي في ظل التنوع الديني..تقديم الامير عبد المحمود ابو عمر عبد الله فضل المولى09-25-12, 08:26 AM
      Re: التعايش السلمي في ظل التنوع الديني..تقديم الامير عبد المحمود ابو عمر عبد الله فضل المولى09-25-12, 08:37 AM
        Re: التعايش السلمي في ظل التنوع الديني..تقديم الامير عبد المحمود ابو عمر عبد الله فضل المولى09-26-12, 07:11 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de