وصية على الجســر !

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 06:18 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-26-2012, 08:18 AM

shazaly gafar
<ashazaly gafar
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1604

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
وصية على الجســر !

    وصية على الجســر !

    شاذلي جعفر شقَّاق

    لم تكن الضفَّة الأخرى مُبتغاي .. لقد مللتُ العبورَ – يوميَّاً – من ضفَّة اليأس الغربية إلى ضفَّته الشرقيَّة ..فلطالما عبسَ غُدُوِّي في وجه العدم وتأفَّف رواحي متأبِّطاً خُفَّيْ حُنيْن وهو يرفل في أسمال خُيَلاءِه المُتَخَيَّلَة ضارباً في التيهِ دامي القدَمين ..أشعثَ شَعرِ الرأ سِ والصدر ..أغبرَ الوجهِ والبطنِ والمنكبين !
    صوتُ النهرِ يصدح بالحياة ..بالموت ..بالتحدِّي والعزيمة ..بالهزيمة ..بالمُضي ..بالتقهْقُر ..بالجِدِيَّةِ ..باللا مُبالاة ! وهذا الصبحُ النوفمْبرِيُّ لمَّا يتنفَّس بعدُ ..والبرْدُ قارس .. قارسٌ جِدَّاً ..اصطفاقُ الأمواجِ تحت الجسرِ المُتهالِكِ ؛ يحكي جِدالَ البقاءِ والفناء في ديمومة اعتراكهما الأبديِّ ، وما انتثارُ حُبَيْباتِ المياه إلاَّ دليلٌ على اللا جدوى !
    خفيفاً كنتُ مثل سحابةٍ آتتْ خراجَها ملِكاً عادلاً ثم آبتْ راضيةً مرضيَّة .. ثقيلاً كنتُ مثل جبلٍ لم يخطر ببالِه أنَّه سيصبح يوماً ما كالعِهْن المنفوش ! .. طليقاً كنتُ كنسمةٍ بِكْرٍ ، حبيساً كغبينةٍ عانس ! ..سريعاً كفرَحٍ عابر ، بطيئاً كهمٍّ خانس ! .. مقروراً كنتُ ، تصطكُّ أسناني من البرْد .. لا .. من الحُمَّى .. لا لا .. بل من القهْر !!
    النهرُ خلفي وأمامي وخيوطُ الشمسِ تنثال من قميصِ الأُفقِ الشفيف لتغْزلَ بدايةَ النهاية مع تأثيراتِ صوتيَّة نهريَّة مُتناغمةٍ أو متنافرة ..مُتداخلةٍ أو متقاطعة ؛ صفير .. خرير .. هينمات ..وشوشات ..أغاريد ..زعيق ..غمغمات وطمطمات من عصرٍ سحيق تبعثها رائحةُ الطمي وأزاهر الجروف العبقة ..تنفخ فيها من طقوس الغابرين عندما كان النهرُ المُبتدأَ والخبرَ ، الفعلَ والفاعل مالك الخير والخصب والنماء والقحط والجدب والسنين العجاف..منبعَ الفرح والترَح ..الابتسام والدموع ..مصبَّ القرابين والتعاويذ والنُّذور والحسناوات !! عندما كان الموتُ في أعماق النهر لا يعني الموتَ بقدْرِ ما يعني الحياة ..بقدْر ما يعني الفناء من أجل الذات أو الغير ايثاراً وفداء ً بكُلِّ تلك الروعة والزفَّة والمهرجانات !
    أيُّ أحابيلَ تلك التي تنسجها خيوط الشمس المخلوطة برائحة الحمأ المسنون في غبَش البصيرة ؟!! فالفكرةُ ليستْ غانيةً ، إنَّما مراكز التجميل تكمن خلف الشمس التي تتبخْتر دلاًّ وتيهاً في تؤدة عارضةِ أزياء عصريَّةٍ كاسيةٍ إلاَّ موضعين !! وأنا لم يعُد بيني وبين روحي سوى خطوتين ؛ خطوةٌ تنصَّلتْ عن المسير فتركتها في الضفَّة الغربية للنهر .. وخطوةٌ أخلفتُ وعدي معها تنتظرني الآن في الضفَّة الشرقية .. ولكن لا بأس سأعقدُ قِراني على قفزةٍ مجنونةٍ بدلاً منهما الإثنتين ! سيَّما وأنَّ قاطني الضفة الغربية قد سيموا سوءَ العذاب عندما أفرغوهم من معانيهم عن بكْرةِ أبيهم وعبَّأوهم بالبارود والرصاص ثم لقَّنوهم درساً واحداً فقط هو : (مثلَّث الحريق ) ! أمَّا قاطنو الضفَّة الشرقية فقد خدَّروهم بالوعود العرقوبيَّة قبل أن ينفخوهم بالدُّفوف والقصائد ليزجُّوا بهم إلى سوحِ (بقْر البُّطون) تحت أقدام الأفيال والجِمال والثيران إرضاءً لشهوات الموت الزؤام الذي لن يرضى بالقليل ولا الكثير ..ثم بعد ذلك أقاموا لهم أنصاباً لن يزروها أحدٌ قط !
    الآن وبفضل سطوع الشمس ؛ ينبعث ظِلِّي ، نصفه يتعملق أمامي ونصفه الآخر يتدلَّى على حافة الجسر المُتهالك بحيث لا يُمكن أن أراه ! لا أحد على الجسر سواي ونصف ظِلِّي .. لا أحد على الضفَّتين ..سأخرجُ منِّي إذن تلبيةً لنداءِ الموج ..ساختصر ثُنائية هذا الكون في الحياةِ والموت فقط .. سأضع حدَّاً لهذه المهزلة ..سأحاول التخلُّصَ من أسمالي غير أنَّها تتشبَّثُ بي وفاءً لتلك العشرة الطويلة أو لأنَّها امتزجت بالجسد وذابتْ مَنابتها في خلاياه !أو أرادت أن تترك عني رسالةً على الجسر تقول أن ليست هنالك من وصية ! تلك كانت المرَّة الأولى التي أؤمنُ فيها بأنَّ التحرُّرَ من الأسمال أصعب بكثير من خلع الثياب ! فضلاً عن أنِّي لستُ (مصطفى سعيد) ليقفزَ في النهر عارياً كما ولدتْه أُمُّه ، فأنا الذي قفزتُ – قبلاً – من بين يديِّ القابلة بكاملِ هندام أسمالي مقهْقِهاً : (هل أخفتُكِ أيتها الرعديدةُ الشمطاء ؟) ..هه ما أحوجني إلى قهقهةٍ مُجلْجلةٍ الآن تتجشَّأها الضِّفتان الخاليتان أختم بها تعاستي وبؤسي وخيباتي المتتاليات !
    الآن لم يحصْحص شئٌ ..سأَخرُج منِّي تلبيةً لنداء الموج .. ساعتلي سور الجسر المتهالك ..سأضمُّ كَعْبيَّ مع انفراجٍ قليلٍ في مقدِّمةِ القدمين- في وضع الرقم سبعة – سأشرب بطني وأربِّع صدري وأرفع يدي عاليةً كإشارة الختام لمصارع محترف على أُهبة تنفيذ ضربة النهاية المدمِّرة على خصمه المُسجَّى تحته ! سأضمُّ كَفيَّ في وضعية التصفيق مُنفِّذاً قفزة السمكة العالية كما ينبغي لمدرِّب سباحة سابق وهو يُلقي بجسده داخل حوض السباحة !!!


    * نُشر بالوفاق الخميس 20/9/2012م

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de