|
Re: ايميل اكتر من رائع......خواطر ونقيب بين النشوق والدمر (Re: علي الكرار هاشم)
|
برق القبلة شال شالت معاه بروق ختتلو أم رويق عم السحاب من فوق العفرت رحل يبكي ويسوي القوق والضحوي أتردف ليلو ونهـارو يسوق
و حينها تفوح رائحة "الدعاش" والبرم من أشجار الهشاب والكتر والسدر واللعوت والسيال والمعراب ومن نبات الفلية و الريحان والعيشوبة والمرحبيب أو "الإذخر"؛ و يداعب النسيم زهرات مختلفاً ألوانها بين صفرة وحمرة وبنفسج وهي تتمايل طرباً مع حركات الفراشات ورقصاتها فوق ذلك البساط الأخضر الممتد إلى ما لا نهاية. وتلوح في الأفق البعيد ظعائن مرتحلات ترن أجراسها كأنها موسيقى روحية تربط الماضي بالحاضر و قد تطل حسناء من هودجها المزركش بشتى أنواع وأدوات الزينة البدوية الخلابة يتهادى بها بعيرها وكأنهما يشتركان في الإحساس بروعة الترحال وسط ذلك الركب الذي يتقدمه فارس يحمله جمل نجيب يسير وراء إبله ، تقرأ في سمته الوقور علامات الرضا والسعادة بما وهبه الله من نعم مستفيضة فماء وخضرة و وجه حسن وأنعام مسومة.
أنا عقلي طار وطشا
ورا المراح النشا
المشايات وراه ناس عشا
ست السوار أب نقشا
بأحلى العطور مترشا
تلك الخواطر تنطوي على ممارسات وأنشطة لا توجد في غير هذا المكان فمن منا لم يأكل " اللبا" والفريك والنبق ويطارد الأرانب ودجاج الوادي و الغزلان و يصطاد السقد والغرنوق حينما كنا نرعى الغنم صغاراً؛ ومن منا لم يرقص على إيقاع الجراري والتوية والهسيس ويطرب للدوبيت ونغمات المزمار " الزمبارة" تأتيك من "الفريق" المجاور أو "المراح" عندما يجلس أحد الرعاة ليعزف ذلك اللحن الشجي وكأنه قد ملك الدنيا بناصيتها. ويتكرر ذات المشهد والنغم إذا جلس الرعاة حول غدير الماء ترفرف فيه طيور الوزين و تسبح بكل حبور وغبطة وتحيط به أبقارهم وقد امتلأ الضرع وتناثرت الأبقار كحبات عقد من العقيق تفوح منها رائحة لا يضاهيها إلا عطر معتق.
شمال كردفان هي بوتقة انصهار لكل أهل السودان فتجد فيها أهل الشمال والشرق ، ناهيك عن أهلها من قبائل الكبابيش ودار حامد والمجانين والكواهله والحمر والشنابله والكاجا والكتول والدواليب وغيرهم كثر. واختلطت فيها دماء وعادات وتقاليد وثقافات شتى امتدت منذ عصور ما قبل التأريخ فقد حكمها العنج أو أهل مروي القديمة الذين ما زالت قبورهم قائمة ولا شك أنهم قد تركوا بصماتهم التراثية ومن بعدهم جاء البربر والزناتة من شمال إفريقيا ومعهم القرعان وتركوا كذلك آثارهم حيث كانوا يعملون في صناعة الحديد وبلا شك قد أثر ذلك في حياة الناس و اكسبهم مهارات جديدة لم تكن معلومة لديهم. وجاء من بعد ذلك المد العربي الذي غير معالم المنطقة وثقافتها جملة وتفصيلاً من حيث اللغة والدين وبالطبع الفنون والتراث وطرق كسب العيش والعلاقات الاجتماعية والقيم والأخلاق والأعراف. وقد جذبت بادية شمال كردفان بسحرها و رونقها عدداً من الأدباء والكتاب منهم حسن نجيلة و الناصر قريب الله ومحمد سعيد العباسي و الصوفي العاشق شريف محمد سعيد العباسي وعاش فيها محمد علي التوم (المر) و ود إدريس وإبراهيم التجاني وضوة بت عبد الزين ونفر كثير ممن دونوا ذكرياتهم و عبروا عن مشاعرهم شعراً ونثراً فأخرجوا لنا صوراً نعود إليها كلما حنت الروح وعادت بنا الذاكرة إلى ذلك الزمان الجميل حيث كل شيء مألوف ومحبب إلى النفس. وهل يا ترى يعود ذا الزمن؟ الإنسان كان حينها بسيطاً لا يعرف الغل ولا الحسد، طيب النفس مرتاح البال والضمير لم تشغله الحياة بعد بمستجداتها و متطلباتها المرهقة و لم تعكر صفوه الهموم بل كان حراً من كل هذه القيود، يكيف حركته حسب ظروف الطبيعة بين النشوق الدمر يجوب الفيافي حيث شاء ومتى شاء لا تحكمه إلا راحة أنعامه التي يرهق نفسه من أجل راحتها ويجد في ذلك السلوى والطمأنينة. وهل كان ود الشلهمة يقصد البطانة أم بادية شمال كردفان أم تشابه الحال يجعل هذا الأبيات تنطبق على المكانين:
|
|
|
|
|
|
|
|
|