المنافي الأكثر استحالة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 07:10 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة ابوعسل السيد احمد(ابوعسل السيد احمد)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-16-2006, 07:04 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    لا يغادرني نزقي قط، لكنه يرتحل من نظراتي إلى حيزومي الأوسط. أما المرأة فتمعن في ليل النبوءات:

    -سيكون تلاقي الأزمنة موعدا لجسدينا.
    -أليسا متوازيين؟.. أعني ...
    -تعني زمانينا؟ .. كلا!
    -إذن حتما سيتقاطعان.
    -كلا!.. سيقطعان الفراغ إلى حيث اللحظة التي تبحث عنها عندي و لا تجدها الآن. ستتحقق تلك اللحظة حتما، و عندئذ يتعين عليك إقتناصها و عدم إهدارها. إن تهدرها تضيّع رحيلك ، و استدارة الزمن. و لسوف لن تغفر لنفسك غفلتها.

    تسكت هي، لأغادر أنا الفراش. أضع الآلة في الحقيبة، و أخرج سروالا من القطن و قميصا بلا ياقة أو أكمام. أرتديهما بتمهل حائر ريثما أحوز فضاءات للتفكّر. أعود إلى الفراش، بيد أن المرأة السابحة في ملكوت عريها البديع تضع رأسها إلى جوار قدميّ. نمضي معا في سبات مطمئن مثل ملك و ملكة على ورقة لعب صقيلة.
                  

05-17-2006, 04:29 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    نمضي معا في سبات مطمئن مثل ملك و ملكة على ورقة لعب صقيلة.

    .......*...........*............*............*...

    تدنو مني عشر نساء مشعثات الرؤوس، جميلات الاجساد كما النيريدات. يشبهن امرأة أعرفها. يبتسمن لي. تبدو لهن نواجذ و أنياب كأنياب أفيال بحرية. يضحكن و يصفقن بأيديهن. تنشد إحداهن:
    - شلاّرة و بلاّرة.. و عمتك العجوز السحّارة.

    يهجمن عليّ بوحشية، فتواصل المنشدة:
    -دجاجة تقاقي بين السواقي.

    ترفع كل واحدة منهن قدما إلى أعلى، ثم تمسك بمشط القدم المرفوعة بإحدى يديها. من بين فخذي المغنية تسيل نار زرقاء بأوار مزعج. يؤلمني وهج النيران فأسارع إلى الهرب. أعدو لكن أنياب النسوة تعرقل عدوي و أقع متدحرجا. أنهض. فيحطن بي راسمات دائرة منقوصة عند المنشدة التي تواصل:
    -زي. . يا زي. . حنجور الجدي.

    يرتفع منهن زئير و تعلو زمجرة ثم تتضخم أنيابهن الفيلية. ترتد النار إليهن و تلتهم ثيابهن الضيقة المزركشة. ينتصبن عاريات كما الأكاذيب القبيحة. يرقصن و يتحول إنشاد المغنية إلى عويل طويل مؤلم. أضحك. أضحك إلى تخوم القهقهة.

    .......*...........*............*............*...

                  

05-18-2006, 05:26 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    (4)

    صوت ما يأتي من البعيد. . صوت رنين. . رنين مموسق، يوقظني. أدرك بعد سكون و تفكّر أنه يأتي من هاتفي الضوئي. تبحث يدي عنه. تصطدم به. تمسك به في حيدة. أرفعه و أتكلم.

    أرتدي ثيابي، ثم أهبط بمصعد شفاف. في رأسي تساؤلات تنوشني، و لا تعصف بي. ما الذي جاء به إلى مقابلتي؟ لماذا أتسرع في طرح الأسئلة بينما الإجابة على بعد أمتار قليلة أسفل مني، بالإنتظار؟ أكف ّ عن قدح فكري ريثما يصل المصعد بسلام إلى ما خلته الأرض. أمضي إلى ركن الإستقبال، فيستقبلني الموظف الأنيق، من خلف طاولته ذات الألوان المريحة، مبتسما في حياد. يشير إلى حيث جلس اثنان بملابس غاية في الأناقة. كانت ملابس مدنية، بينما كان الاثنان يتسابقان وسامة و ابتساما. إلى ذهني استبقت التساؤلات، من جديد، و إن قلّت حدّتها. أتجه صوبهما في خطو واثق. قبل أن أصلهما ينهضان معا، و يمدان يديهما مسلمين. يخرج كل منهما بطاقة يرينيها، و يقدمان نفسيهما على أنهما تحرّ و مساعده. يخبراني بأن معهما أمر توقيف بشأني. أخبرهما، بالمقابل، بأنني مستعد للذهاب معهما، من فوري. يخرج مساعد التحرّي أصفادا رقيقة كما الأساور بيد أنها تخفي متانة. يحيط معصمي الأيمن و معصمه الأيسر بها، و نخرج ثلاثتنا إلى سيارة أنيقة بالإنتظار. تتحرك بنا السيارة حال صعودنا إلى متنها. تنطلق بين الشوارع النظيفة، و البنايات الجميلة، بسرعة كبيرة في ذلك الوقت من صباح باكر، ماطر.

    تصل بنا السيارة إلى مبنى انيق. هناك يدخلونني إلى حجرة جميلة، نظيفة. لشدة دهشتي و إنبهاري لم أسأل بأيّ تهمة تم توقيفي! لكن الأوان لم يفت. و فيما كنت أفكر يفتح الباب من الخارج، و يجيئ مساعد التحري باسما و يقتادني إلى حجرة أكثر رحابة ،و جمالا، و نظافة. بالإنتظار يجلس رجل شاب وسيم للغاية، ايضا. يتركني مساعد التحري معه، و يغلق الباب وراءه.

    (عدل بواسطة ابوعسل السيد احمد on 06-06-2006, 10:08 PM)

                  

05-20-2006, 09:15 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    يتركني مساعد التحري معه، و يغلق الباب وراءه.

    يصافحني الآخر و يقدم نفسه على أنّه محاميّ الذي سيترافع عني وقت المحاكمة! يقرب مقعده مني، ثم يخبرني أنه درس كل حيثيات القضية، و ينتظر أن أكون متعاونا. الدهشة تفغر فاهي. لم أك داريا عمّ يتحدث! لكنه لا يهتم كثيرا! يطمئنني أن المحاكمة ستكون عادلة و أنه، من جهته، سيسعى أن تكون العقوبة أخف ما يمكن بما أن التهمة ثابتة عليّ! في حديثه يركز على الأتعاب و أنها ستكون ممتعة! و أن عليّ سدادها بعد الفراغ من المحاكمة. أخبره أنني لم أوكله للدفاع عني فوق أنني لست متهما في الأساس. يهز رأسه ناظرا إليّ مثل قصاب خبير ينظر إلى ثور غافل في ساحة مسلخ، ثم يقول:
    -سيتضح لك كل شيئ في حينه. عليك الآن أن تنام جيدا، و تأكل جيدا!

    و خرج، بعد أن حدق فيّ طويلا بإفتان ظاهر!
    إنقضى النهار بطيئا كما القرون الوسطى. تلهيت بالتفكير في وضعيتي المحيرة و توقيفي العجيب. استرجعت شريط الأيام الماضية، و الأزمنة القريبة و الأكثر قربا. لم أعثر على نأمة تتيح لأيّما جهة توقيفي ناهيك عن أن أكون متهما بتهمة لم يُفصح لي عنها إلى الآن! الأكثر مدعاة للإندهاش كان أن يُعيّن لي محام يدمغني بالإدانة!

    مع استغراقي ينفتح الباب و تقف على عتبته شرطية حسناء ترتدي زيا رسميا و مسلحة. مكياجها الصارخ يبدد استغراقي. تأمرني أن أخرج معها إلى مكتبها. هناك تجلسني على كرسي جيد بيد أنه غير مريح تماما. تجلس على الكرسي الآخر الوحيد إلى طاولة أنيقة. تعبث في جهاز حاسوب صغير يستقر على الطاولة وحيدا. و إذ ترفع إليّ بصرها مبتسمة يدهشني جمالها النقي كما الوردة المصطنعة. كان الضوء يدخل، و قتها، إلى المكتب عبر الزجاج الشفيف فتتألق الوردة إذ تقوم من مجلسها إلى كوبين موضوعين على رف أنيق لتمد أحدهما إليّ بينما تحتسي هي الآخر في بطء غنوج. تشير بيدها إلى الجهة الواقعة ورائي داعية إيّاي إلى الإلتفات. أفعل. أرى جمعا من الفتيات الجميلات و الشبان المُرد يرفعون لافتات تحمل كلاما بلغة لا أفهمها و يهتفون. كانوا يقفون قبالة المكتب حيث أبقى محتجزا. التفت متسائلا إلى صاحبتي. تبتسم و تقول بتعاطف حرصت على إشهاره:
    -إنهم يتظاهرون مؤيدين فعلتك، منددين بإعتقالك.

                  

05-20-2006, 03:03 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    -إنهم يتظاهرون مؤيدين فعلتك، منددين بإعتقالك.

    أفرغ من إحتساء كوبي. كان يحوي ماء قراحا. تهب الشرطية و تلامس ركبتيّ، ثم ترتكز عليهما براحتيها. تنظر إليّ في عينيّ من مدى شديد القرب. تقول:
    -نحن هنا جميعا في صفّك، عدا التحري.

    ثم تضيف من بعد صمت:
    -ستكون لي معك أحاديث خاصة.

    في و جهها شيئ أستغربه و لا أعثر له على أثر في وعيّي. أنهض. تقتادني إلى غرفة حبسي الأولى عبر الممرات المصقولة. ألج إلى الحجرة، و توصد الشرطية الباب خلفي. أتفاجأ بوجود شخص يهب واقفا لمجرد استدارتي ناحيته. كان يجلس على الأريكة الوحيدة. يوليني جانب وجهه. أكتشف أنه مساعد التحري. يدعوني إلى الجلوس. أجلس على طرف الأريكة متوثبا، محتارا. ماذا عساه يريد؟ أليؤكد لي أيضا وقوفهم في صفي؟ ربما جاء ليستجوبني! أو ليتلو عليّ لائحة إتهاماتي! أنظر إليه و جوارحي تنضح بالتساؤلات. يتحاشى النظر إليّ مباشرة. ينظر إلى الجدران البعيدة و السقف الواطئ للمكان، ثم يتكلم بصوت مرتعش:
    -أريدك أن تكن صديقي!
    -هل أبدو قادما من كوكب مستحيل حتى يسعى رجال الشرطة إلى صداقتي؟

    يسكت متفاجئا بردّ ربما كان يتوقع معناه. ثم يتكلم بصوت أكثر إرتجافا.. صوت لا يليق بمساعد تحر:
    -أعني. . أعني أن تكون صديقي بصفة خاصة و . . تقيم معي. . سأكون طوع بنانك و . .

                  

05-20-2006, 03:08 PM

محمد خالد ابونورة
<aمحمد خالد ابونورة
تاريخ التسجيل: 01-17-2006
مجموع المشاركات: 372

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    Quote: و إذ ترفع إليّ بصرها مبتسمة يدهشني جمالها النقي كما الوردة المصطنعة. كان الضوء يدخل، و قتها، إلى المكتب عبر الزجاج الشفيف فتتألق الوردة


    واصل
                  

05-23-2006, 06:47 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: محمد خالد ابونورة)

    أبو نورة
    هأنتذا تستحثني على المواصلة، فأفعل و لكن هناك مرتحلا بين المدن مثل لندن و نساء أخريات. قطعا ستعود لتمتع أبصارنا بقراءات غنية عن روما. أعلم أن الإيطاليات أشهر نساء العالم جمالا أما روما فمتروك لك أن تحدثنا بإسهاب عنها.


    شكرا على المرور الباهي في الطريق إلى روما
    عُد بخير
                  

05-21-2006, 10:55 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    -أعني. . أعني أن تكون صديقي بصفة خاصة و . . تقيم معي. . سأكون طوع بنانك و . .

    أرفع يدي اليسرى لأوقفه عن الكلام بعد أن استنتجت ما يريد منّي. يربدّ وجهي. يغزوني غضب خرافي عات. أهب قائما لأهجم عليه. يقوم من الأريكة، يتراجع نحو الباب، ثم يفتحه و يخرج مسرعا. أرتمي على الاريكة غاضبا مهتاجا. بدلا من توضيح تهمة توقيفي يفاجئونني بعرض للعيش كأحد المثليين؟! يا لها من شرطة! و يا له من عرض غريب. . في مكان غريب. . تحت ظروف أشد غرابة. أين ذاك المحامي المتآمر؟ يدمغني بالإدانة، و يكثر الحديث عن الأتعاب و سداد الأتعاب.. و لا يخبرني بأنني سأتلقى عروضا في غاية السخف من مساعد التحري المثليّ؟

    يُقرع الباب ثم يُفتح بجلبة. يدخل التحري الوسيم. متجهما يلج غرفة الحراسة حيث يزدحم المكان بحيرتي، و دهشتي، و غضبي الطيني. ترتسم الصرامة على وجهه. يتنحى جانبا و يشير إلى شخص بالخارج أن يدخل.
    -لا تصدق كل ما يقال!
    يقول التحري قبيل إنصرافه.

    يدخل الآخر المكان، و يسد الباب وراءه بهدوء. يستدير أكثر من وددت لقياه في تلك اللحظة. هو المحامي العجائبي. يبتسم في ثقة تحنقني. أكرّ عليه كأنما لأعوض هجومي الفاشل على مساعد التحري. أتلفظ بوابل من اللعنات، و الشتائم، و الإتهامات من قبيل:
    -ما أعجب وضع المرء حين يدينه حصان! ماذا تريد مجددا يا حصان الخشب؟
    ينظر إليّ في صمت العارف. هل تسرعت في الهجوم عليه؟ إلى أي جانب ينحاز؟ لعله في صفّي حقا. و إذن، ما الذي يبرر دمغه لي بالإدانة منذ البدء؟ و الأتعاب هل يرجوها حقا؟
    -جئت لأحذرك.
    قالها بهدوء ثم سكت ناظرا إليّ. مم يحذرني؟ أمن مساومات مساعد التحري؟ أم كان ذلك محض إختبار لا أعرف مغزاه؟ استعدت هدوئي و تماسكي على نحو أذهلني، و أذهله أيضا. لكن في عينيه خوفا.

                  

05-23-2006, 06:05 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    استعدت هدوئي و تماسكي على نحو أذهلني، و أذهله أيضا. لكن في عينيه خوفا.

    -ليس بالشخص الذي يليق... مساعد التحري.
    يتكلم من جديد واضعا نظرته الخائفة على وجهي. الآن أتأكد، فأقول:
    -قدم عرضا هو الأسخف. . تكلم بكلام هو الأكثر إبتذالا.

    لا أفقد هدوئي مع تذكر تلك التفاهات. ينداح الخوف في عينيه أكثر ليحتل سوادهما، فيتحدث:
    -هو هكذا، يضع الرسن على ذيل البعير.
    -حتى لو وضعه على الرأس فليس هناك من صحراء لإبله.
    أقول محتدا فيغمر الخوف بياض عينيه بالكامل و يجتاحه. يسكت مطرقا إلى الأرض المصقولة. أنتظر، دون طائل، أن يتحدث فأقول:
    -ألهذا فقط جئت؟
    يرفع رأسه ببطء. كان قد وارى الخوف من عينيه، حاصره في البؤبؤين، فقط إختزله. يحرك شفتيه بلا صوت، فأنظر إليه. يتكلم:
    -لا تدع هذه الأشياء تنغص عليك. لا تثق بأحد سواي! موعد المحاكمة صار قريبا، و سأزورك قبله.

    يشيح بوجهه و يخرج في هدوء لا يناسب ملابسه الضيقة. مجيئه أثار لديّ التساؤلات المتناقضة. كلامه يدهشني، يحيرني، يريبني. لكن التحري قال بألا أصدق كل ما يقال! هل قلت التحري؟ هو نفسه قال عنه أحدهم، و لا أدري من، إنه الوحيد الذي لا يقف في صفي. الآن أدرك مبرر مساعده التظاهر بأنه متعاطف. و الآخرين، عليّ أن أكشف دوافعهم قبل أن يفعلوا بانفسهم بعد فوات الأوان؛ المحامي و الشرطية الحسناء و الجوقة التي تظاهرت.

    مهما يكن فإني أود معرفة دوافع الشرطية، على وجه الخصوص. ما أجملها! لكن هل من الممكن لذلك الشيئ الجامد أن يغادر جمالها؟ هل ستبدو أيضا وردة مصطنعة في مجيئها الجديد؟ من لي بقدرة مقارنتها بصاحبتي؟ كم أفتقد صاحبتي و كم أشتهيها! أريدها الآن. أريدها أن تشرق و تحكي عن بحار من الإدهاش و سُدُم بعيدة. أريدها أن ترسم فقاعات اللذة على سواحل روحي المجدبة، و تذوب مرايا عينيها دفقا من الحب و هي تشدو بترانيم النشوة الجامحة. إيه.

                  

05-24-2006, 04:43 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    أريدها أن ترسم فقاعات اللذة على سواحل روحي المجدبة، و تذوب مرايا عينيها دفقا من الحب و هي تشدو بترانيم النشوة الجامحة. إيه.

    ينفتح الباب بمفتاح ضخم غليظ هو دائما مفتاحه، لكن الداخل كان رقيق النبرات عذب الاستئذان:
    -أتأذن أيها العزيز؟

    هي الشرطية. تشع منها الأنوثة. في مشيتها يبتهج الزان، و في حركاتها تختبئ الإيماءات المترددة. تدخل و تختار مجلسا على الأريكة على نحو وديّ. تُطرق في سكوت. علها جاءت بحثا عن مفاتيح للأحاديث الخاصة التي بشرت بها في وقت مضى. لا أسلمها مفاتيح لا أدري من أي معدن صنعت. أنتظر أن تسقط الموانع القائمة بيننا، أن تضمحل، أو تذوب، أو تنهار. لكن لست أنا من يجترح فعل الهدم و ثقتي في الجميع قد تزعزعت إلى تخوم العدم و القرف. تتنحنح المرأة. عجبا! تشحذ حنجرتها على نحو أُنثوي الإصطناع. إذن فلتسقط الموانع، و قبلا فليسقط مبتدعوها، و ليعش عدّاؤوا المسافات الطويلة و عدّاؤوا جميع الأزمنة! تتكلم:
    -في الماضي يقولون: سكنت قلبي.
    -و اليوم؟
    -سكنت جسدي حتى المؤخرة.
    -أبهذا تبشرين؟ هذا حديث عام.
    -أنت لست حرا الآن.. أنت سجين.. بعد أن تتحرر سأبشرك بالذوبان و الطوفان. سأهبك البشارات الحقة، و ستكتشف أن عذرية جسدي مصونة لأجلك فقط أيها الغازي الخرافي. أرجوك، لا تغدُ مستحيلا!

    قامت من مجلسها. مدت سبابتها لتمس شفتيّ، ثم لعقتها بتلذذ أكيد. خرجت مخلفة مشيتها الغنجة.

                  

05-25-2006, 07:13 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)



    قامت من مجلسها. مدت سبابتها لتمس شفتيّ، ثم لعقتها بتلذذ أكيد. خرجت مخلفة مشيتها الغنجة.

    أخلع سترتي و قميصي. أزيح الحزام عن البنطال الأزرق الذي أرتديه. ثم أضجع على الأريكة مثل علامة استفهام تعبة من الحرب. أكتشف أن ربطة العنق تضايقني فأحلها و أنحيها ثم أرقد من جديد لا لكي أتفكر فيما يحدث لي و إنما لأخلد إلى راحة ممكنة من عناء هذا اليوم المديد. ينفتح الباب فجأة و يلج مساعد التحري. تتحفز خلاياي جميعها لردود أفعال خيالية. لكنه يباغتني بأن يقذف إليّ بشرشف و غطاء جديدين، و يغادر دون أن يتفوه بكلمة. أهي محاولة للإعتذار أم مصالحة خجولة؟ في كل الأحوال، و إيا تكن دوافعه، فإن هذا الرجل قد سقط من حالق. هكذا أصبح مصنفا في منصاتي الداخلية.

    لم أستغرق في النوم سوى لوقت لم يك كافيا لإراحة جسدي التعب حتى أيقظني شخص ما برفق. كم كان ذلك مزعجا! لكنه كان التحري الوسيم. أمرني أن آخذ أغراضي لأنه سيفرج عني. أخبرني أنني سأعود إل فندقي على ألا أغادر إلى أيما جهة دون إخطاره. أنبأني، أيضا، أنه سيُصار إلى محاكمتي في وقت قريب و أن عليّ أن أتوقع مجيئه و مساعده لإصطحابي تحت أي وقت.

    في الخارج استقبلتني عاصفة بشرية بسيل من الهتاف العذب، و الأسئلة، و السباب أيضا! كنت مذهولا و لم تدع الجمهرة سانحة طرح الأسئلة تفلت:
    -لماذا فعلت ما فعلت؟
    -متى تتوقع أن تجري محاكمتك؟
    -لكنك لك ترتكب هذا الجرم؟
    -عذرا، و لكن هل تتوقع الحكم عليك بالإعدام؟
    -لو عاد بك الزمن إلى الوراء هل ستفعل ما فعلت؟
    -إذا نجوت من هذه هل ستكرر فعلتك؟

                  

05-26-2006, 08:15 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    -إذا نجوت من هذه هل ستكرر فعلتك؟

    لم أرد بكلمة. لم أكلف نفسي، حتى، عناء التفرس في ملامحهم. استدرت يسارا ثم بصقت ثلاثا. ثمة عربة أجرة تقف غير بعيدة كأنما هي بالانتظار. توجهت نحوها. صعدت إليها كمن يرقى إلى سماء لازوردية. كانت شفافة الأبواب، و بلا سائق! ركبت و قلت بصوت مسموع:
    -إلى فندق أورينت ساوتومي!

    ترجلت عند مدخل الفندق الذي يشبه واحة. وجدت الضجيج و الزحام قد سبقاني هناك. إخترقت كل شيئ غير عابئ، و تلمست طريقي إلى ركن الاستقبال. لم آبه لفيض الأسئلة و الاستفسارات من قبل المحتشدين. سلمني الموظف مفتاح غرفتي و ابتسم ابتسامة لطيفة، محايدة.

    أقلني المصعد الشفاف إلى حجرتي. تخففت من ملابسي. تعريت تماما، ثم دخلت الحمام. ملأت المغط ماءً دافئا و إضجعت. كنت أتفكر في المسألة برمتها. ماذا يعني كل هذا؟ هل القضية أكبر من ظاهر الأمر؟ الجميع يعرف التهمة الموجهة إليّ بينما لا أعرف، من جهتي، ماهية الجنحة التي إرتكبتها، و أين و متى؟! هل سأظل على سلبيتي هذه إلى أن يحدث ما يحدث؟ و إذا كان الأمر غير ذلك ما الذي يتعيّن عليّ فعله؟ لم أعثر على أية إجابة! كم أفتقد العجوز مثلما أفتقد صاحبتي الغرب أفريقية! كم أفتقد ذا الأجنحة!

    أسلمت نفسي إلى سلطان الكرى صاغرا. هو، في الواقع، من أرخى سدوله على ذهني و أنا غارق في دفء الماء الوثير. هل ظللت طويلا على ذلك الحال؟ هل كان العكس؟ لا أدري!

                  

05-30-2006, 09:09 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    أسلمت نفسي إلى سلطان الكرى صاغرا. هو، في الواقع، من أرخى سدوله على ذهني و أنا غارق في دفء الماء الوثير.

    هل ظللت طويلا على ذلك الحال؟ هل كان العكس؟ لا أدري! جاء جمع من الناس و تجمهروا حولي. أخذوا يصفقون مصطفين في صفوف يعقب بعضها بعضا. مثلي كانوا، يا ربّ كما خلقتني، عراة تماما. بل كانوا جميعا مزدوجي المظهر! عيونهم ضيقة و يضعون روجا فاقع الحمرة على الشفاة. تحمل صدورهم أثداءّ كبيرة كما نساء بدينات. يدنون مني متماوجين ثم ينشد أحدهم منفردا بصوت بصوت يحاول جعله رقيقا. ينشد الباقون إثره فاعلين ذات الشيئ. فجأة يستديرون و يشرعون في رقص صاخب. يفاجئني أن أردافهم كبيرة و تترجرج. يتراجع الصف الذي في المقدمة إلى الخلف مفسحا المجال ليتقدم صف جديد و يكرر فعلة سابقه. تمضي هذه المتوالية في إدهاشي و إرهاقي، و أظل مقعيا في حنو المغطس. ألاحظ أن المنشد و إيقاع الإنشاد يتبدلان و تبقى الحركات هي هي. تشرع اردافهم في الضمور، و يتناقص عددهم بالتدريج إلى أن تصبح عجيزاتهم رجالية تماما. يصمتون، ثم يختفون.

    أحس أن أحدا ما موجود بحضرة المكان. أتنسم رائحته و لا أميزها جيدا. تتردد في إدراكي أنفاسه. بل أكاد اسمع صوت خطوه في المكان. يستفز ذلك شعوري بهيبة الحضرة التي أنا فيها، فأستيقظ دفعة واحدة خارجا من دفء الماء. لا ارى من أحد حولي. أجد كل الأشياء مكانها. أتأكد أن الباب مغلق بالمفتاح كحاله منذ دخولي. مع ذلك أحس وجود الآخر يحتل المكان. أمضي إلى ما تحت السرير لأتأكد، و طبقا لتوقعي لا أجد أحدا أو حتى دلالة تطفئ تساؤلي الملح. أمضي، من بعد، إلى خزانة الثياب و الأدراج الكبيرة و أفتحها جميعا و لا ألقى الشخص ذا الأنفاس الشفيفة.

                  

05-30-2006, 09:28 PM

حسب ربه
<aحسب ربه
تاريخ التسجيل: 01-18-2005
مجموع المشاركات: 148

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    up


    futak ba afiyaa
                  

05-31-2006, 08:21 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: حسب ربه)

    ود الشريف
    يا جميلا أعرفه كما فنه

    أعلم كم أنت مشغول
    و كم هو متطلّب طرق الدروب

    قلبي معك
    و عشت
                  

05-30-2006, 02:43 PM

محمد احمد ابراهيم
<aمحمد احمد ابراهيم
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 120

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    الى ابو عسل
    جميل انت فى امريكا
    الاكثر استحاله
                  

05-30-2006, 09:19 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: محمد احمد ابراهيم)

    محمدأحمد إبراهيم

    Quote: جميل انت

    جميل أنت دائما يا أخي
    و إلاّ لما نضحت بهذه العبارة الجبارة
    بهاء مرورك ما يزال يزين هذا المكان
    تعيش
                  

05-31-2006, 06:06 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    أمضي، من بعد، إلى خزانة الثياب و الأدراج الكبيرة و أفتحها جميعا و لا ألقى الشخص ذا الأنفاس الشفيفة.

    أظل على إحساسي الدائم بحضوره الأخاذ معطرا الزمان و المكان، مع ذلك. أعود إلى الحمام لأستكمل إغتسالي و أجفف جسدي بالمناشف الرائعة العطرة. بعد عودتي إلى الغرفة أتربع على وثارة الفراش. أستخرج حاسوبي الحميم. أتفاجأ بتغير شكله و حجمه. ينفتح بعد مساسي له و يبدأ في عرض برامجه و ألعابه. أختار بعضا من الألعاب و أدفن فيها حيرتي بالتتالي. أخيرا ينتابني الإعياء و الملل فأُنحي الجهاز و أُسلم تمددي للوثارة.

    ...........*.......... *........... * .............

    أكمل الضياء نصره المؤقت على الظلمة، و تربعت أجمل الشموس على قبة السماء، إذ كانت الظلمة تدرك أنها حتما منتصرة أسفل اليوم ضمن هذا السجال الأبدي. لكني لم أك ضمن شهود النصر المؤقت لأنني استيقظت متأخرا و لبثت في حال أشبه بالغيبوبة على فراشي أمدا طويلا. لم يدفعني إلى الحراك سوى مهاتفة موظف الاستقبال الذي أخبرني أن شخصين ينتظرانني في الأسفل. جمعت نفسي من شتاتها و إغتسلت في عجالة. إرتديت أكثر الثياب التي وجدتها في خزانة الملابس أناقة، ثم تطلعت إلى خيالي طويلا. تأكدت أن مظهري لائق، أو هكذا بدا لي، و خرجت.

    وجدتهما.. التحري و مساعده البغيض. لمرآي ابتسم التحري و أشاح الآخر. كانا في كامل أناقتهما و وسامتهما كأنما يبشران بإحتفال ما. لم أنبس ببنت شفة. مددت يمناي إلى المساعد فوضع على معصمي صفده الرقيق المخادع، و أحاط معصمه بباقيه.

                  

05-31-2006, 07:49 PM

محمد خالد ابونورة
<aمحمد خالد ابونورة
تاريخ التسجيل: 01-17-2006
مجموع المشاركات: 372

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    ابا عسل

    نتابع معك بـــ نفس يكاد ينقطع
                  

06-01-2006, 08:09 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: محمد خالد ابونورة)

    أبا نورة
    ... و النوارة

    شكرا، يا صديقي، على حسن المتابعة
    سأواصل إذن
    .
    .
    .
    .
    .
    .
                  

06-01-2006, 06:50 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    مددت يمناي إلى المساعد فوضع على معصمي صفده الرقيق المخادع، و أحاط معصمه بباقيه.

    هبطنا إلى العربة الجميلة في مثل ذلك الجو الماطر الذي اصطحباني فيه من قبل. دواخلي مضطربة، متوجسة، و متشوقة في آن معا إلى المحاكمة. لم أك، أبدا، خائفا. وصلت بنا السيارة إلى مقر الشرطة عينه. الجميع، هناك، مستنفرون على نحو مضخم. إزددت إندهاشا لما علمت أن تظاهرتين قامتا هناك بسببي و شارك فيهما بعض رجال الشرطة الذين كانوا وقتها في إجازة من عملهم. على أي حال لم يضيعوا وقتا بعد أن أكملوا إجراءات لم أعلم كنهها و لم أكن لأهتم. ما كان يهمني هو أنهم سيأخذونني إلى تلك المحاكمة.

    خرجنا؛ أنا و التحري و مساعده و الشرطية الحسناء و عدد آخر من الشرطيين. الجميع كانوا أنيقين كأنما هم بصدد إحتفال ما. أدهشني أنهم ساروا بي على الأقدام. لم نأخذ أيما مركبة! أين ذلك المحامي المتحذلق؟ لا أراه. ربما هو في المحكمة الآن ينتظر وصولي. لكنه كان قد وعدني بملاقاتي قبل المحاكمة!

    وصلنا إلى ساحة عريضة مخضرة الأرض صُفّت فيها مقاعد جميلة إلا أنها تبدو غير وثيرة. هناك رأيت القاضي، بشكله التقليدي و شعره المستعار، يجلس متربعا وحده على منصة مرتفعة و لا يأبه لرذاذ المطر الناعم. أُجلست على مقعد مرتفع مثل مقعد حكم الكرة الطائرة. كان ذلك على اليسار من رئيس المحكمة الصامت. لم يكن ثمة أوراق أمامه. فجأة إمتلأت المقاعد بالعديد من الناس الأنيقين الباسمين مواجهين لي و للرئيس. أخذ الشرطيون أماكن لهم وسط هذا الزحام.

    لما تلاشت همهمات الحشد تكلم القاضي الرئيس بكلام كثير عن العدالة و القيم و الانسانية. من جانبي لم أك مصغيا إليه تماما لإنشغالي بالتفرس في الحشد من جهة، و توقعي مجيئ محاميّ المزعوم، و كذلك المحلفين، من جهة أخرى. لاحظت أن جل المحتشدين، و كانوا خليطا من الصبايا و الشبان، مفرطي الجمال و الوسامة. ملابسهم الزاهية بعضها غريب، و بيد معظمهم مظلات شفافة تقي واحدا أو اثنين على الأكثر وقع الرذاذ.

                  

06-02-2006, 01:23 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    ملابسهم الزاهية بعضها غريب، و بيد معظمهم مظلات شفافة تقي واحدا أو اثنين على الأكثر وقع الرذاذ.

    فجأة برزت من الحشد إحدى الفتيات إلى الأمام. قابلها الجمهور بالصفير و الهمهمات ثم خيم صمت قصير لأتعجب: هل هذه مسرحية أم بروفة للمحاكمة؟ تكلمت الجميلة واصفة إياي بموكلها و طالبت بإسقاط التهمة عني. وصفتني بعدم الإلمام بالقوانين فضلا عن أن الجريمة وقعت في جزيرة أخرى. فوق هذا و ذاك _والمزاعم للجميلة_ فإن المجني عليها لم تتقدم بشكوى ضدي و إنما سردت ما حدث لها لصديقة لها! أين المحامي المتحذلق؟ هل تنازل، هكذا بطيب خاطر، لهذه الجميلة كي تترافع عني؟ ثم كان أن قامت أخرى مطالبة بتوقيع أقصى العقوبة عليّ بعد أن تقوّلت بكلام كثير. استنتجت أنها تمثل الإدعاء. حتى تلك اللحظة لم أعرف من هي المجني عليها، و ما هي الجنحة! و أكثر من ذلك لم أعرف من أنا!

    قال القاضي الرئيس:
    -ما رأي المحلفين؟

    تلفتُ مندهشا، و لم أجد محلفا واحدا في أي من الإتجاهات. ثم إزددت إندهاشا لما تقدم أحد أفراد الجمهور، و قال:
    -علينا أن نتحقق من بعض النقاط من المتهم، سيدي الرئيس.

    قام آخر و سأل موجها حديثه إليّ:
    -هل كان التشويه دافعك لإرتكاب ما إرتكبت؟

    لم أحر جوابا، بيد أنه كان في إنتظار ردي فقلت:

                  

06-03-2006, 09:05 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    لم أحر جوابا، بيد أنه كان في إنتظار ردي فقلت:
    -لا!

    قام آخر و قال:
    -هل هو التميز ضد الأنثى؟
    -لا!

    نهضت فتاة جميلة شبه متعرية لتقول:
    -ألم تمارس معها الجنس بعد فعلتك؟

    عصفت بي حيرة أكبر، و كانت شبه المتعرية بإنتظار جوابي فقلت:
    -لم أفعل!

    أخرى أشد جمالا و أكثر تعريا قامت واقفة لتقول:
    -نكتفي، سيدي الرئيس، بذي الأسئلة و نأمل سرعة البت في هذه القضية التي طالما شغلت الرأي العام.

    قال القاضي الرئيس بعد برهة صمت:
    -نظرا لأن المتهم مُقر بجرمه و هو حلق عانة امرأة في جزيرة قبرص بدافع الغفلة، و نظرا لأنه لم تثبت ممارسته الجنس معها فإنني أجده مذنبا، و أحكم عليه بمائة ساعة من العمل الإجتماعي. ترفع الجلسة!

                  

06-03-2006, 11:33 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    -نظرا لأن المتهم مُقر بجرمه و هو حلق عانة امرأة في جزيرة قبرص بدافع الغفلة، و نظرا لأنه لم تثبت ممارسته الجنس معها فإنني أجده مذنبا، و أحكم عليه بمائة ساعة من العمل الإجتماعي. ترفع الجلسة!

    ساد هرج و حراك وسط الرذاذ المتساقط، و عانقتني إحداهن ملصقة نهديها الصغيرين بصدري، ثم قبلتني على خدي. كانت المحامية التي ترافعت عني! جاء آخرون و أخريات لتهنئتي و لتوجيه الدعوات لي بقضاء أوقات ممتعة! إنفض الجمع بالتدريج، و أخذتني مركبة لا صوت لها إلى القسم من جديد. ما زلت مخفورا بالتحري و مساعده الذين لم ينبسا ببنت شفة.

    في القسم أدخلوني إلى غرفة غير غرفتي القديمة، ثم نزعوا عني الأصفاد. أنبأوني أنني ساتلقى التهاني من الجميع. هل تُرى سيكون التحري من بين المهنئين؟ أخذت جموع المهنئين تتوافد. كانوا يهنئونني بفرح حق. من جهتي ثمالة الدهشة هي التي أبقتي متيقظا. جاء مساعد التحري فيمن جاء، ليهنئ أيضا! لعله إختارها سانحة للإعتذار و المصالحة. الفرح الذي كان قد إجتاحني ساريا منهم جميعا غسل الحنق و المرارة من إنفعالاتي فلم أحمل للرجل ضغينة. كنت فقط نبيلا نبل قائد منتصر. و لذا فقد تجاهلته ليخرج كغيره إذ لم يعد له من مجال إلى رجعة أبدا.

    و أخيرا جاءت الشرطية و قبلتني رأسا على شفتي قبلة سريعة كأنما أنا و هي زوجان قديمان. دست في جيب سترتي الأنيقة ورقة وردية اللون. حاولت أن أستبقيها لأهمس لها بشئ بيد أنها إنسلت خارجة.

    لم يجيئ المحامي على الرغم من أنه أكثر شخص رغبت في حضوره، و إنتظرته. لعله يتبع مكتبا تنتسب إليه المحامية التي ترافعت عني. إذن فلأنتظر مجيئها لأعرف منها كل شيئ، و لأقترف معها الأشياء المستحيلة. جاءت.. جاءت و قد بدلت ثيابها بالكامل. إرتدت لباسا يليق بنزهة ثنائية العضوية.

                  

06-04-2006, 04:38 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    جاءت.. جاءت و قد بدلت ثيابها بالكامل. إرتدت لباسا يليق بنزهة ثنائية العضوية.

    قالت لي إنني حر تماما، و إنها ستعينني على أداء الساعات المئة من الخدمة الإجتماعية، و إن ذلك سيبدو ممتعا جدا! ثم أخبرتني أنها إحتفاءً بنجاحنا المشترك ستشاطرني تلك اللذة. ثم ختمت بأن دعتني إلى الخروج من قسم الشرطة برفقتها.

    الجو في الخارج صحو على نحو استثنائي بعد توقف الرذاذ و سطوع شمس كسولة. سرنا معا صامتين، و متباعدين في مشينا. تسألني بعض الأسئلة فأجيب في شرود إيجابا أو سلبا، أو بعبارات مقتضبة. أحيانا أحس أن عباراتها مبتورة أو غير ضرورية خلال الأحاديث الصغيرة التي إجترحتها في مسيرنا ذاك. هل كانت تنتظر مني "الخطوة الأولى"؟ لم، إذن، لمْ تقم من جانبها بالخطوة التي تسبق الأولى؟ فجأة أتوقف عن السير. أدنو منها لا لكي أنظر إليها و إنما لأنظر إلى الأفق البعيد حيث تلتقي الأرض بالسموات العُلا، و تلتقي أشياء أخرى ربما في جملتها شخصانا. فجأة تمس أصابعي شفتها السفلى المنفرجة قليلا عن شقيقتها. تستكين المرأة. ثم تتشجع على تحسس وجهي، و شعري، و أنفي، و فمي. تمضي إلى تحسس صدري الذي صارت عضلاته أقوى و أكبر. تتوقف فجأة فأستحثها على المواصلة بمداعبة نهديها الصغيرين. بعد برهة طويلة تهبط بأناملها المتحسسة إلى وسطي و تظل هناك طويلا. تقترح، في رجاء، أن نمضي إلى مكان ما في البرية لنجترح العدو على الدروب الموحشة. على نحو مباغت تماما أحسني متعبا، مكدودا، على حافة الإنهيار. إذن فلأستعد جيدا و بكامل لياقتي لسباق الجائزة الكبرى. أقول للمرأة:
    -لاحقا.. أعدك! عليّ الآن أن أحتفل متوحدا بالحرية. هي امرأتي التي طالما انتظرتني طويلا دون أن تبدل ملامح اسمها، أو قسمات صوتها، أو ربيع إنتظارها. فلأكافئ نفسي بلقياها الحقة!

    (عدل بواسطة ابوعسل السيد احمد on 06-13-2006, 08:21 AM)

                  

06-05-2006, 07:58 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    -لاحقا.. أعدك! عليّ الآن أن أحتفل متوحدا بالحرية. هي امرأتي التي طالما انتظرتني طويلا دون أن تبدل ملامح اسمها، أو قسمات صوتها، أو ربيع إنتظارها. فلأكافئ نفسي بلقياها الحقة!

    طريق العودة شاق و طويل و موحش. كأنني أمشيه للمرة الأولى. مع ذلك ربما هو طريق قدومي عينه إذ لم أكن ألحظ شيئا وقت مسيري مع المحامية التي لم تعد في نظري، الآن، سوى امرأة حسناء تنشد رفقة استثنائية. تُهت.. ضللتُ. أضعت زمنا طويلا و أنا أتلمس الإياب العسير. أخيرا لاح كل شيئ؛ المباني المنخفضة نسبيا بألوانها الزاهية، و الطرقات المرصوفة بالبياض محفوفة بمساحات خضراء هائلة. فوق كل ذلك الهدوء يبسط هيمنة فريدة. أتجهُ صوب الفندق ذي الجدران الرقيقة. منظره من على البعد يبدو مثل خيمة بدوية جبارة.

    عند دخولي أحس أن جميع الموجودين يركزون أبصارهم نحوي. لا آبه سوى لإعيائي و جوعي؛ جوع المعدة، جوع الجسد، جوع الروح، و جوع الجوع. آخذ مفتاح حجرتي من موظف الاستقبال فيهنئني ثم يذكر شيئا عن أن نزلاء الفندق هم دائما هكذا فوق الشبهات و الإدانة. و أنا ماض إلى المصعد يحدثني عن اتصال الكثيرين لتهنئتي، و أن إحداهن جاءت بنفسها لتسأل عني. لا أهتم لسماع بقية حديثه و أرتقي المصعد الذي صار جداره قماشيا تماما فيمضي بي إلى حيث غرفتي. أدلف إلى الداخل ممنيا النفس بالاستلقاء و الإغفاء و أحلام وشيكة. أسارع إلى خلع أناقة ثيابي لأستبدلها بثياب الرقاد، فتخرج المحامية من. . . من مكان لا أعرفه في الواقع. ترتمي عليَ . تحتضنني لفترة طويلة متفوهة بتفاهات نسوية كثيرة. رويدا رويدا تعاودني قواي الهاربة و أحس أنوثة المرأة. تدرك هي ذلك فتعمد إلى النور لتزيحه و يسبح المكان في ظلمة شفيفة. أغمض عينيَ لأسمعها تتجرد من ثيابها. أقف متسمَعا يحيطني عمائي الإختياري. بعد تفرغها من التجرد من ثيابها تقترب مني لتجردني، تحت جنح الظلمة و بلا استحياء، من ثيابي التي كنت لتوي قد إرتديتها، و تقتادني إلى الفراش.

                  

06-06-2006, 06:25 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    بعد تفرغها من التجرد من ثيابها تقترب مني لتجردني، تحت جنح الظلمة و بلا استحياء، من ثيابي التي كنت لتوي قد إرتديتها، و تقتادني إلى الفراش.

    تزداد رحابة الغرفة إعتاما و ينثال الضباب الإشتهاء.. الضباب الرغبة.. الإبحار في العوالم المستحيلة.. ينثال الضباب مغشيا إدراكي و محيلا إياه عتمة هائلة. تتوحد العتمتان لتتمخضا عن ما مضينا إلى إجتراحه على الفراش. لكن... و آه من لكن.. كان الحمل كاذبا! إذ ما أن إقتعدنا الفراش حتى مضت المحامية إلى ملامسة الأجزاء الأكثر توفرا على النهايات الحسية من جسدي بإفتتان شبق، ثم.. ثم.. ثم إضجعت على الفراش ملصقة به بطنها الذي لم أتحسسه. لما حاولتُ أن أجعلها تغير وضعها أبت. ألححتُ عليها. كان جوابها صاعقة قوضت العتمة إلى الأبد!!

    طردته.. طردته على الفور.. طردته على الفور موسعا إياه بالضرب النزق دون أن يصدر من أيَنا صوت.
    لا أدري متى أويت إلى فراشي في نوم قلق تلك الليلة الصاخبة. ثم كان أن استيقظت في رابعة نهار يتوارى خجلا من أحداث البارحة التي مرت ككابوس بشع. هل كنت أحلم؟ أعي بكل إدراكي أن ما حدث واقعي، لكن لأحاول مغالطة نفسي و إيهامها بأن ترتاب! أغلقت هاتفي الضوئي بعد أن هاتفت موظف الاستقبال مخبرا إياه عدم استعدادي لمقابلة إيَ كان طيلة اليوم، و رفضي تناول أي طعام أو شراب. بإختصار طلبت عدم إزعاجي لأيما سبب.

    أسلمت عقلي للفراغ، أو أسلمت الفراغ لعقلي. صرت جسدا بلا تجسَُد. أفلحت في تغييب أفكاري، و إلى حد كبير أيضا إحساسي. عشت في فضاءات الدوائر و المربعات و المثلثات التي يرسمها المكان بلا روح مبدع. أضحيت وجودا خارج الأُطر؛ خارج إطار العقل، خارج إطار الفكر، خارج إطار الجسد، لكن تحدني جدران الغرفة الخيمة. وجدتها عارية المساحة و الأبعاد، مُفرغتها. في مكان ما منها تواجدتُ. ثم تشظي الزمن من عالمي الذي صاغرا إبتدعته، و تفتت، لينداح متراكضا.


    ..........................................*.......... ...*............. * ........................................


                  

06-07-2006, 07:46 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    (5)


    أصبح جمبلاط أكثر من ألتقي من مجموعة السبعة العظماء. كان قد تخلى عن طموحاته السياسية الكبيرة فقد أصبح وكيلا للنيابة. هكذا نجحت السلطة في استقطاب السياسي الوحيد من بيننا و ألدّنا عداوة لها. أما هو ففلسف المسألة بما أسماه النضال من الداخل. في هكذا أيام نشط الكثيرون منادين بالنضال المدني، أو الجهاد المدني، أو معارضة الداخل، أو التغيير من الداخل، كل حسب مسماه المفضل و مرجعيته السياسية متوهمين أنهم سيسقطون دكتاتورية الشمولية المتأسلمة ليواروا، في الواقع، تهافتهم على فتات السلطة و كعكة الموارد التي طفقت الدكتاتورية تمتص رحيقها، ثم تلوح بها مغرية كل نعجة قاصية. من جهتي كنت أعمل مدرسا متطوعا في ثانوية للبنات بمنطقة نائية. كان جل طالباتي غير جميلات، ولم يمنع ذلك جمبلاط –أثناء مماحكاته لي- أن يعايرني بالسعي خلف الصبايا من وراء عملي هناك رغم علمه الأكيد أنني مكره لا بطل. أحيانا يتهكم عليَ بالتباكي على أيام ميادة الملاك بلا أجنحة فأغتم و يغير هو الموضوع معتذرا بأسف حقيقي.

    أصبحت التقيه لأنني كنت قد إغتنمت فرصة الإجازة المدرسية الصيفية للذهاب إلى المدينة الثلاثية، و كان هو في عز العمل. أحيانا يمثل الإدعاء في قضية إتُهم فيها بعضهم بمحاولة تفجير خطوط أنابيب النفط لمصلحة المعارضة المسلحة منذ سنين تبدو بعيدة. كنت أعجب أن يكون صديقي بالذات ممثل الإدعاء ضد معارضة الخارج و هو الذي يسمي نفسه متبجحا معارضا( للسلطة قطعا) من الداخل.

    (عدل بواسطة ابوعسل السيد احمد on 07-23-2006, 08:23 PM)

                  

06-08-2006, 06:40 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    كنت أعجب أن يكون صديقي بالذات ممثل الإدعاء ضد معارضة الخارج و هو الذي يسمي نفسه متبجحا معارضا( للسلطة قطعا) من الداخل.

    في المدينة الثلاثية، حيث تتراكض جذلا مركبات الحكماء المرتزقة، لم أكن أفعل شيئا عدا التسكَُع راجلا في المساءات الرمادية، و إرتياد ميدان في وسط ثلثها الأول لأتماهى مع شخوص شابة قنعت بالمنفى الذي قهرا نسميه وطنا. في تلك المساءات، التي لا تجسر الريح نفسها على ذرو رماد الهزيمة فيها، نجلس على مقاعد لم يتم صونها عن عمد، و لا يخجل واحدنا أن يحتسي قدحا من الشاي الحاف دون أن أن يتجاسر على أن يعزم على الآخرين لأن بواعث ذلك السلوك معلومة للجميع. يتمدد الحديث بنا إلى كل أرجاء العالم و بأدق التفاصيل و المواكبة، و عندما ينكفئ على المنفى الذي قهرا نسميه وطنا يُضحي محض تنظير قد يجانبه الصواب عند البعض، أو تجانبه المعرفة عند الكثيرين. ذلك أن من يعلم الحقيقة، حقيقة ما يجري في وطننا، هو واحد من ثلاثة: إما سارق سفاح، أو سجين عتيد، أو ميت عنيد. أما نحن الذين نخوض همسا في الشأن الوطني فلم يكن ما نفعله سوى ترديد الشائعات و ترويج الاستنتاجات و أحيانا معرفة القشور التي لم تعد السلطة تكترث لتساقطها، طالما سقطت عنها في الأساس ورقة التُوت منذ أمد بعيد.

    بيني و بين نفسي كنت أصف جمبلاط بالمُدجَن، و علنا أسميه بالمهادن أثناء مماحكاتي له فيغتاظ و يحاول درء الشبهات بتبريرات لا تقنع واحدة من خنفساءات أرسطو طاليس المئة. من بين ما كان يعتبره مسوغا لإنضمامه إلى ديوان النائب العام و " حادي ركب العدالة" أن السلطة بعد " طرحها لشقها السيئ" صارت " أقرب إلى الإنصاف و الوطنية"! و لعله كان يعلم في قرارة نفسه أنها بفعلها ذاك، طرحها لشقها السيئ، لم ترم إلا للمزيد من الشمولية و تكريس هيمنتها و إطالة عمرها الآخذ في الإضمحلال. لكن هل أنا بحاجة إلى أن أتقهقر قليلا أو كثيرا لأرى كيف أن الصغار أكلت القطة و ليس العكس؟

    ..........................................*.......... ...*............. * ........................................

                  

06-08-2006, 06:59 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    لكن هل أنا بحاجة إلى أن أتقهقر قليلا أو كثيرا لأرى كيف أن الصغار أكلت القطة و ليس العكس؟

    .....................*......................*......................*.....................

    فتحنا أجهزة المذياع على موجة الإذاعة الحكومية الرئيسية بعد أن عاد إلينا جمبلاط من مبنى الكلية منفعلا. هو، في الحقيقة، من طالبنا بذلك "لأن السيد الرئيس بصدد إذاعة بيان هام و على السادة المواطنين ترقبه". كنا نتمدد جميعا، في الغرفة ذات السقف الواطئ، على الأسرَة ذات الطابقين في ظل قيظ مميت لن تبدده فرفرة المراوح المرتقبة إثر إنبعاث التيار الكهربائي الفقيد. ما زلنا وقتها نقيم معا رغم أن الأكاديميات فرقتنا، لكن قاسمنا المشترك كان عدم الإهتمام بحضور المحاضرات و بقية الفعاليات الأكاديمية و كأنما الدراسة نفسها عبء ثقيل يضاف إلى العبء الأكبر الذي نسميه حياتنا.

    شرعنا نتساءل عن فحوى البيان الهام الذي يتم تحضير آذان الناس للإستماع إليه منذ ما يزيد على الثلاث ساعات. أشار جمبلاط، بحماس كبير جدا، إلى أن الرئيس سيطيح بالتنظيم المتأسلم و سينفرد هو و العسكريون بالسلطة و حُكم البلاد، و أضاف أن الفرصة ستتاح للإقتصاص من سدنة ذلك التنظيم المتأسلم نكالا بما إقترفوا بحق كل ضحية في الوطن. كعادته لم يعلق الأمير كثيرا، أو لم يعلق على الإطلاق، بل نصح بالتريث حتى نستمع إلى البيان و ينجلي الأمر. أما حكيم فأوضح أن المسألة بعيدة تماما عن ذلك، و ذهبت من جهتي في ذات الإتجاه لأنه، في نظري، ليس بمقدور الصغار ذات العود الطري أن تأكل القطة الأم، إضافة إلى أن مسوغات ذلك من خلافات و تنافس حول النفوذ غير موجودة. صحيح أن هناك تضاربا ظاهريا في السلطات و الصلاحيات، لكن الكيل سوف لن يطفح إلا بعد أزمنة طويلة. أضاف حكيم أن الرئيس "ليس بجاحد و يفتقر إلى الشجاعة اللازمة للإطاحة بالحكماء المرتزقة"، و أضاف الشطر الثاني لجملته بتخابث صريح.


                  

06-10-2006, 09:23 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    أضاف حكيم أن الرئيس "ليس بجاحد و يفتقر إلى الشجاعة اللازمة للإطاحة بالحكماء المرتزقة"، و أضاف الشطر الثاني لجملته بتخابث صريح.

    في الأثناء يتصاعد من المذياع الصغير صوت مارشات عسكرية هي الإرث الوحيد من جندية ما قبل الإستعمار. ثم يقطع كل هذا صوت المذيع و هو يعيد أن لدى السيد المارشال الرئيس بيانا هاما "فترقبوه"، و هكذا. إلى أن جاءت الثالثة ظهرا، و تلا المارشال الرئيس بيانه الهام بعد تمجيد "جندنا البواسل و كتائب المجاهدين"، و تحدث عن تحرير مدينة قصية من أيدي "المتمردين العملاء". إنتهى البيان العظيم "و لا نامت أعين الجبناء". أُحبط جمبلاط كثيرا، و إنهار على الطبقة الدنيا من السرير ذي الطبقتين. لكن حكيما لم يدعه يهنأ بإنهياره ذاك إذ قال له:

    -أنت الذي كنت على الدوام تنادي بالديمقراطية و التعددية و الحريات كنت ستفرح إذا إنفرد العسكريون بالسلطة؟ هل بلغ بكم العجز، يا أهل الأحزاب و التنظيمات، أن تستبشروا بدكتاتورية العسكر إن هي أسقطت هذا التنظيم الذي ما فتئْتُم تتكلمون عن هشاشته و مآله الوشيك إلى التداعي منذ أن سرق الحكم في البلاد؟ هل تناسيتم، بهذه البساطة، أن العسكريين هم من أزهقوا الحلم الديمقراطي في البلاد أكثر من مرة من قبل، و في كل مرة يهبَ هذا الشعب الأبي وحده في ثورة شعبية خالصة لدحر هيمنتهم و استعادة الحلم الديمقراطي؟ هذه المرة هؤلاء العسكر هم حلفاء المتأسلمين.

                  

06-11-2006, 06:03 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    هذه المرة هؤلاء العسكر هم حلفاء المتأسلمين.

    أضاف من بعد صمت بعد أن رأى ألاّ مقاومة هناك:
    -ثم إن هذا الرجل، الذي نسميه مارشالا رئيسا، كان ضابطا برتبة متوسطة مثله مثل أي ضابط يعمل في منطقة قصية، و أتى به التنظيم المتأسلم إلى العاصمة عشية الإنقلاب، و تم تنصيبه رئيسا هو الذي لا يعرفه سوى ذويه، و أهالي المنطقة العسكرية التي عمل بها. الأخيرون لم يعرفوه إلا لأنه قتل امرأة، من ذات المنطقة، بالخطأ ليفسد بهجة عُرس سعيد.


    ...............................*...................*...................*..................................

    خاصة عندما ألتقي جمبلاط تحضرني تلك الايام جيدا. كانت المحاكمات قد إنقضت و نجح ركب جمبلاط و حُداته الظالمين في إيقاع عقوبات بالسجن لفترات طويلة بجميع المتهمين. كنت حزينا جدا لأجل صاحبي الذي، على العكس، كان فرحا بما لديه. لعله أصبح في نظر السلطة موثوقا به بعد نضاله المجيد ذاك و إدانة المتهمين الذين كان في جملتهم أحد أنسبائي البعيدين، و كان هذا مبعث أكبر أحزاني. على أي حال لم أكن لأخبر جمبلاط عن تلك القرابة.

    إنتهى بنا الحال، أثناء لقاءاتنا، إلى أن نتجنب التطرق إلى الموضوعات السياسية و بالذات الخلافية (بيني و بين جمبلاط بالطبع) و نغرق عوض ذلك في تناول أخبار الأمير الذي سافر إلى ما وراء البحار العظيمة مفضلا البقاء للعيش هناك على إتمام دراسته الجامعية في الصرح الكبير. أضحى من آن إلى آخر يبعث إليَ برسائل طويلة تفصل الحياة هناك، و كتبا تساعد على تعلم اللغات، و بعضا من عملة صعبة في تلك الأزمنة الصعبة.

                  

06-12-2006, 06:06 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    أضحى من آن إلى آخر يبعث إليَ برسائل طويلة تفصل الحياة هناك، و كتبا تساعد على تعلم اللغات، و بعضا من عملة صعبة في تلك الأزمنة الصعبة.

    في ذات السعي، لتجنب تلك الموضاعات الخلافية، نذهب خائضين في شأن حكيم الذي قنع بالعمل في إحدى الوزارات براتب مجمد. في الواقع كنت أنا شبه المتبطل من يعطيه مصروف المواصلات في كثير من الأحيان بعد أن شرح لي معنى أن يكون الراتب مجمدا، فقد أصبحت مدرسا خصوصيا يسعى بين بيوت الموسرين لتلقين ابنائهم و بناتهم المعرفة النقية التي تجعلهم يبدون، في مدارسهم، أذكياء للغاية.

    و هكذا عدت إلى ملاقاة جمبلاط، و لكن دائما في مسكنه حيث ظل وفيا للعزوبية الحتمية التي رزح تحتها كل واحد من مجموعتنا، التي كانت نواتها مجموعة السبعة العظماء. حتى الأمير نفسه و رغم تجواله المستمر في أقطار ما وراء البحار العظيمة ظل يشكو غياب الزوجة في كل كتاباته. بدءاً كان يبعث مع العائدين إلى الوطن رسائل خطية، ثم تخلى عن ذلك بعدها، و أصبح يبعث برسائل إلكترونية تكون مقتضبة أحيانا، و في أحايين أخرى تكون مسهبة في تصوير الحياة في أميركا التي أصبحت القطب الأبرز حضورا في العالم فظلت تفتح عينيها متلفتة بحثا عن ذلك القطب المنافس الغائب متلفتة نحو المشرقين الأقصى و الأوسط. مع كل هذا لا تعثر على هذا القطب الآخر المحتمل مع الإحساس المستمر و المتعاظم بوجوده إما لدى الحضارة الإسلامية من جهة، أو أوربا الموحدة أو الشرق الأصفر الصيني أو اليابان نصف النائمة أو الهند الجديدة أو نمور آسيا و تنانينها من جهة أخرى. لكن لم يخطر قط عندها أنه من الممكن لذلك القطب أن يكون يوما ما في القريب إسرائيل، أو في البعيد افريقيا الجديدة الموحدة، أو في كل الأوقات مجموعة دولية تملك المال و العقول و تسعى للسيطرة على العالم بشتى الطرق.

                  

06-14-2006, 07:00 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    لكن لم يخطر قط عندها أنه من الممكن لذلك القطب أن يكون يوما ما في القريب إسرائيل، أو في البعيد افريقيا الجديدة الموحدة، أو في كل الأوقات مجموعة دولية تملك المال و العقول و تسعى للسيطرة على العالم بشتى الطرق.

    لكن هل ستصمد أميركا قطبا للعالم و تستمر؟ ولماذا تتغافل عن إحتمال كون إسرائيل هي القطب الآخر الآن، و تتساهل عن الإحتمال الآخر: كون افريقيا هي ذلك القطب القادم حتما برغم ظاهرها غير المبشر؟ و هل فعلا أن أميركا هي القطب الأوحد للعالم اليوم؟ و هل القطبية ظلت كما هي حسب المفهوم القديم، بمعنى أنه هل ثمة الآن قطب آخر، غير أميركا، و لكن بمنظور جديد؟ أم أن هناك مجموعة أقطاب صغيرة، لا تبين، تضع نفسها في مواجهة أميركا هذا القطب التقليدي الكبير؟ و هل يمكن لهذه الأقطاب أن تكون بعض المؤسسات داخل أميركا نفسها أو أن تكون مجموعة إجتماعية إقتصادية عرقية معينة منشأها الداخل أيضا؟ يطرح الأمير هذه التساؤلات و لا يجد عندي لها تفسيرا ناجعا، فهو قد صار من أهل أميركا و هو، قطعا، أدرى بشعابها و الأودية. بالنسبة لي، ملامسا حواف التاريخ الانساني، أميركا ظلت تسلك سلوك جميع الإمبراطوريات بجبروتها و تعطشها للهيمنة و الديمومة. و ستفعل إلى أن يكون لكل أجل إمبراطورية كتاب.

    أما جمبلاط، الناشط السياسي الوحيد في مجموعتنا أيام دراستنا في الجامعة، فقد كان بعيدا جدا عن هكذا مناقشات خطية. فهو إضافة إلى إنشغاله المستمر "بكفاحه من الداخل" جُل النهار في مكتبه و في قاعات المحاكم و نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة فقد إنشغل أكثر بنضال آخر كرس له آناء نهاراته و معظم لياليه. هذا النضال الذي لم يعلنه، شأنه في ذلك شأن جميع أنواع نضاله السرية فترة أن كنا طلابا، مع أن الخصم، و لا أقول العدو، كان دائما حاضرا بحسب علمي المتواضع! لقد ظل جمبلاط وفيا لهذه "العملية النضالية" السرية ردحا من الزمن، بيد أن نضاله لم يعد سريا تماما ذلك أنه إختار أن يزيح الستار عن ما عفا عليه الزمن من التفاصيل كلما سنحت فرصة أو عنَ له الإفصاح!

                  

06-15-2006, 07:18 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    لقد ظل جمبلاط وفيا لهذه "العملية النضالية" السرية ردحا من الزمن، بيد أن نضاله لم يعد سريا تماما ذلك أنه إختار أن يزيح الستار عن ما عفا عليه الزمن من التفاصيل كلما سنحت فرصة أو عنَ له الإفصاح!

    في البدء ظل يحدثني بتدفق، أوقات أن يكون منشرحا، عن أهمية تحرير المرأة و أن دور الرجل الحق يكمن في تمكينها من تحقيق ذلك التحرر كاملا غير منقوص. و يا له من مكر لتزول منه الجبال! كم كنت مغفلا جديرا! كم أثرت فيَ طواحين ما بعد التخرج! ينتقل جمبلاط من قضايا بحجم المنفى الذي نسميه وطنا إلى قضية تحرير المرأة! و لكن.. نعم، المرأة نفسها وطن، و بحق وطن كبير بحجم أن يكون منفى أحيانا! ألهذا يستجير الأمير من أكبر المنافي –أميركا- بأجمل المنافي؛ امرأة تكون توءما للروح؟

    على أن ثوريا قديما مثل جمبلاط، بعد إكتسابه لقب المدجن، لا محالة لديه رزنامة مجيدة لتحرير المرأة. لكن مهلا! أي امرأة تلك التي يستهدف صاحبي تحريرها أو تمكينها من التحرر الكامل؟ أهي المرأة الوطن؟ أم المرأة المنفى؟ أم المرأة المرأة؟ أم عساها تكون، من نواحي أخرى، المرأة الأنثى، أم المثقفة، أم ربة البيت، الأم، الزوجة، الأخت، الصديقة، أو حتى الحبيبة بتدرجاتها الطيفية من ما فوق المعلن و حتى إلى ما تحت السري؟ أطرح عليه بعضا من تساؤلات كهذه في الأيام الأولى لتغنيه بتلك الرزنامة المجيدة، لكنه يكتفي بأن يستمهلني!

    في المساءات الكالحة ( و أي مساء لم يكن كالحا في تلك الأزمنة و عهود الحكماء المرتزقة؟) دأبت على زيارته في مسكنه المتميز الذي يليق بوكيل لنيابة الجرائم الموجهة ضد دولة الحكماء المرتزقة، فهو قد إكترى بيتا من طبقة واحدة و محاطا بسور مرتفع في صحنه تتناثر شجيرات مانغو و باباي و يوسفندي على أرض يفرشها نجيل ناعم ذكر لي متباهيا أنه يسمى النجيل الفرنسي. على الطرف الأبعد من حيث يوجد الباب الرئيسي ذي الذرف الثلاث المعدنية تقع الحجرات: مطبخ و حمام و صالون و حجرة نوم فسيحة تناسب أن تكون ملعبا لرياضة ملعونة.

                  

06-17-2006, 05:41 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    على الطرف الأبعد من حيث يوجد الباب الرئيسي ذي الذرف الثلاث المعدنية تقع الحجرات: مطبخ و حمام و صالون و حجرة نوم فسيحة تناسب أن تكون ملعبا لرياضة ملعونة.

    عندما أزوره في تلك المساءات الكالحة يستضيفني إما في حديقة الصحن أو في غرفة الصالون المستطيلة، حيث نبتدر حديثنا بتحليلنا، المتضاد أحيانا، للوضع السياسي الحافل بالمتغيرات الكثيرة! يسخر "المناضل من الداخل" من تناقضات مواقف كبار المسؤولين ما بين تصريحاتهم الرسمية لوسائل الإعلام القُطرية و أحاديثهم "غير الرسمية" إثناء حفلات عقد القران و جلسات العزاء في المآتم التي تخص بطاناتهم و أنسبائهم و عشائرهم. على أن أشد ما كان يجعلني أضحك من الأعماق هو تقليده الألثغ للرئيس، و ختمه ذلك التقليد بوصف الرئيس بدون كيشوت. مع ذلك لا أتفق معه إذ أذهب إلى أن دون كيشوت كان دائما وفيا لقضية واحدة من تفاصيلها المحبوبة و طواحين الهواء، بينما ذلك الرجل، و أعني الرئيس الذي ليس بنورييغا، لا حبيبة له يسترضيها و لا طواحين هواء يراها. هو مستبصر يرى فقط طواحين الجماجم و رحى الأشلاء و أكوام المال. بإختصار لا قضية عادلة لديه، فهو يتحدث بغير مناسبة عن "الثورة" التي تفجرت من أجل "الغلابة" و محق الطائفية و الحزبية و إعلاء كلمة الله. و هو عينه الذي قال بعيد "انتخابه" رئيسا بنسبة التسعة و التسعين بالمئة المفروضة: " الآن إنتقلنا من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية". هل بقي أن أقول إنه ترشح في إنتخاباته الرئاسية ذات النسبة المفروضة، أسوة برفاقه حكام شرق و جنوبي المتوسط، عن حزب نواته التنظيم المتأسلم بفكره الإقصائي الاستعلائي مضافا إليه من تساقط، أو تآمر، من نفعيي طوائف و أحزاب عهود ديمقراطية متعددة و غابرة؟ هل حلقت دبابير هذا الرجل منذ طفولته، أم سنظل هكذا شعبا بلا ذاكرة؟

                  

06-20-2006, 06:47 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    هل حلقت دبابير هذا الرجل منذ طفولته، أم سنظل هكذا شعبا بلا ذاكرة؟
    يعتمد الساسة على الشطر الثاني من التساؤل و يلونون أحاديثهم الماكرة و مواقفهم اللزجة بالمتناقضات، و في جملتهم بالطبع صديقي المناضل من الداخل. أما ذلك الرجل فأظن أن كل واحدة من خنفساءات أرسطو طاليس المئة أعقل منه و أحقن للدماء.

    دائما ما يبشر برزنامته و يتغنى من بين محاكاته المتقنة للرئيس و كبار المسؤولين -إن كان فيهم كبار- و بين بطولاته التحريري نفسها. مع ذلك لم يحدث أن شهدت بعضا من بشريات تلك البطولات. لعله تواضعه الجم أو تخليه عن فطرة الساسة النهازة للمواقف في بلادنا و في كل العالم، و أعني التباهي و التبجح عند أو بُعيد وقوع الأحداث التي في الغالب رُتب لها جيدا و أُعدَ.

    لعل صداقات صاحبي الطويلة مع الفتيات في الجامعة بصَرته أكثر كم نحن نظلم نساءنا، و ربما ذهبت به بعيدا حد أننا نسترقهن. لعل بوحهن له بمواقف صغيرة متراكمة تحدث لهن في إطار أسرهن، هو أحد أهم بواعث تغنيه بتلك الرزنامة غير المتماسكة، غير المجيدة. و إذ يخطئ من يظن أنه يعرف امرأة تماما فقد كنت أعرف نشوى إلى حد كبير كما أعرف أروى أجمل ملكات مروي السودانية معرفة تكاد تكون جيدة، فقد كانتا كلتاهما أثيرتين عندي حد التعشَق أيام أن كنا في بواكر سنيَنا بالصرح الكبير. كما أعرف أخريات و أخريات و لا سيما من آلت علاقاتي معهن إلى النهاية و خلفني جمبلاط لينشئ معهن علاقات و كأنما كان بالأنتظار! مع كل ذلك لم تحدثني واحدة منهن بأنها ُمسترقَة من قبل أسرتها أو من قبلي. على العكس، كل فتاة منهن كانت بأبيها معجبة سواء أكان ذلك الأب أبا أو أخا أو حتى شخصي غير الوسيم. بيد أن سياسيا عتيدا مثل جمبلاط أقدر بكل تأكيد على استنباط و حتى إختلاق قيود ليرفع شعارات لفكها و تحرير المرأة من نيرها ذلك أنني كلما سألته عن تلك السجون التي ينادي بتحرير المرأة منها أجابني بغموض أو تهرَب بلزوجة ناعمة.

                  

06-27-2006, 07:30 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    بيد أن سياسيا عتيدا مثل جمبلاط أقدر بكل تأكيد على استنباط و حتى إختلاق قيود ليرفع شعارات لفكها و تحرير المرأة من نيرها ذلك أنني كلما سألته عن تلك السجون التي ينادي بتحرير المرأة منها أجابني بغموض أو تهرَب بلزوجة ناعمة.

    لكن غفلتي فيما يخص السياسة في بلادي و فيما يتعلق بتلك الحوارات، شبه الأحادية أحيانا، مع جمبلاط تجلت لي فيما بعد بشكل فاجع أنا الكاره للفكر الاستعلائي الإقصائي المتأسلم. ذلك أنني كنت متحمسا من ناحيتي لقضية تحرير المرأة، كفكرة ثاقبة و كبيرة تصب في خانة النهوض الإجتماعي لكل فئات المجتمع و تمكنيها من التبصر بأدوات ذلك النهوض، و لم ألح في مناقشة صاحبي في تفاصيل رؤاه لذلك "التحرير".

    ..................*.....................*.....................*...............

    الحاجة أم الإختراع. هكذا قيل. و لعلها، في ظني، خالة الإكتشاف. لكنها، يقينا، عرابة الغفلة. إنقضى عسل الدروس الخاصة بالنسبة للمدرسين الذين هم على شاكلتي إلى حين، إذ أن المدارس و طلابها ذهبوا في إجازة سنوية يستحقونها.

                  

06-29-2006, 06:12 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    إنقضى عسل الدروس الخاصة بالنسبة للمدرسين الذين هم على شاكلتي إلى حين، إذ أن المدارس و طلابها ذهبوا في إجازة سنوية يستحقونها.

    لم يكن لي أن أستبشر كثيرا بتلك الإجازة رغم أنها ستوفر لي فرصة إلتقاط أنفاسي من الركض العبثي بين الحافلات و أثلاث المدينة الكبيرة و بيوت تلامذتي الموسرين، فضلا عن الإلتقاء بشكل أكثر كثافة بتلك الشخوص الأثيرة في الكافتريا مهلهلة الأثاث في وسط الثلث الأول من المدينة و الإنصات إلى تحليلاتهم للوضع في المنفى المسمى قهرا وطنا. و علة ذلك تكمن في أن مواردي ستمسي شحيحة بالقدر الذي يسمح لي بالكاد بالإستمرار في إكتراء تلك الحجرة الصغيرة في أحد الأحياء الصغيرة، الطرفية. و لا حاجة إلى إضافة أن المنزل الذي أستأجر فيه الغرفة، ضمن آخرين يستأجرون غرفا أخرى، هو نفسه منزل عشوائي مشيد من الآجر النيئ و لا يتوفرعلى إمداد للمياه، و يشطارنا السكنى فيه قطيعان، أحدهما من الماعز و الآخر من الدجاج، يؤولان إلى مالكة المنزل التي تتحدَر من الأقاصي. المؤكد هو أن التيار الكهربائي يتغيب ساعات طوال عن البيت كل يوم، أسوة ببيوت الجيران، بيد أن نباح كلب المالكة يؤكد أن الله لم يذهب في إجازة و يترك للحكماء المرتزقة كل شيئ . غير أني ، في واقع الأمر، كنت فرحا بتوافر فرص أكبر لإلتقاء حكيم آخر كل ظهيرة بعد خروجه من مكان عمله، و من ثم الخوض في تلك الحوارات التي لا تنتهي عن الروحيات، و الماورائيات، و المنافي، و استحالاتها. فقط سوف لن يكون بمقدوري أن أعطيه بعضا مما إعتدت عليه من نقود قليلة توفر له تكاليف المواصلات و إحتساء كوب أو كوبين من الشاي في الكافتريا، إذ يتعين عليَ أن أضغط إنفاقي حتى يتناسب مع دخلي إبان المرحلة.

    ثم كان أن إنتابت جمبلاط نوبة أصالة زائدة لعلها تعود إلى أيام دراستنا حيث كنا جميعا نتقاسم كل شيئ بدءاً بالغرفة و الطعام و دفاتر المحاضرات و حتى الثياب الأنيقة أو المميزة. لقد علم صديقي أنني بحاجة إلى تقليص نفقاتي بعد أن تحسرت على عدم قدرتي على إبتياع كتب، ظللت أنشد شراءها، من معرض كبير للكتاب يقام مرة كل عام في مكان قريب من وسط الثلث الأكبر للمدينة. عرض عليَ أنه سيشتري الكتب لأجلي لكنني أبيت. عرض، مُحرجا، أن يُقرضني ثمن الكتب على أن أعيده له متى ما تمكنت، غير أني رفضت عالما أنه سوف لن يأخذ مني شيئا وقت سداد القرض الزعوم. على أي حال فإن بواعث رفضي لم يكن لي أن أبوح له بها، و لا لأي أحد آخر إلى اليوم.

    (عدل بواسطة ابوعسل السيد احمد on 06-30-2006, 05:19 PM)

                  

07-02-2006, 04:33 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    على أي حال فإن بواعث رفضي لم يكن لي أن أبوح له بها، و لا لأي أحد آخر إلى اليوم.

    على أن رفضي لم يزد جمبلاط إلاَ إصرارا على العودة إلى أيام كرمنا الأمجد إذ كنا وقتها نتقاسم ما نحن بأمس الحاجة إليه. عرض عليَ أن أتخلى عن كراء غرفتي في المنزل القصيَ و الإنتقال إلى إقتسام السُكنى في منزله المنيف. رفضت بإصرار. لكنه ألح باستماتة و كأن المسألة بالنسبة إليه مسألة كرامة. إنتهى بنا الحال إلى أن أقبل أن آخذ نسخة من مفتاح البيت على أن أنتقل للسكنى فيه متى ما أرغب. و إلى ذلك الحين يمكنني استخدام المنزل لأيما غرض. لم أكن أرى غرضا واحدا يحدو بي إلى الذهاب إلى منزل جمبلاط، في غيابه، سوى استغلال الإمدادالسرمدي للمياه فيه لغسل أملاح الظهيرة عن جسدي وغسل ثيابي من آن لآخر سيما و أن إمداد المياه أصبح مضطربا جدا في منزلي بحلول الصيف الحارق.

    عمدت إلى كافتيريا وسط المدينة لأتناول طبقا من الفول و قدحا من القهوة ، و طامعا في ذات الوقت أن أرى أحد أو بعض تلك الشخوص. كان صباحا جريئا يبشر بظهيرة حارقة و لذا فقد كان خروجي من غرفتي، في المنزل العشوائي، باكرا جدا سيما و أن التيار الكهربائي واصل غيابه لليوم السابع على التوالي فضلا عن أن الماء أضحى عسير المنال. تخيرت طاولة بدت أكثر تماسكا و كرسيا لم يك جيدا أبدا. جلست واضعا حقيبة محشوة بملابسي المتسخة بين قدميَ الاثنتين ثم تبلغت برغيف بطبق الفول الذي صار شحيحا مقارنة بأزمنة سبقت هيمنة الحكماء المرتزقة.

                  

07-05-2006, 09:29 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    جلست واضعا حقيبة محشوة بملابسي المتسخة بين قدميَ الاثنتين ثم تبلغت بطبق الفول الذي صار شحيحا مقارنة بأزمنة سبقت هيمنة الحكماء المرتزقة.

    لم أر في المكان أحد تلك الشخوص، و كان الوقت لا يزال باكرا على خروج حكيم من مكان عمله ليلتقيني، و لذا فقد يممت شطر موقف الحافلات القريب بعد فراغي من إحتساء القهوة متمهلا. إرتقيت الحافلة التي كان مكتوبا على زجاجها الخلفي "الراجي الله ما بندم" مما جعلني أمضي بتفكيري إلى حكيم و جملة كانت أثيرة لدى جدي الكبير: "الصابرات روابح و لو يجن ُقمَح". لا أدري ما الذي دفعني إلى الربط بين حكيم و جملة جدي الكبير. ربما موهبة العراف التي يتمتع بها حكيم إضافة إلى ولعه الواثق بالروحيات و الماورائيات هي ما جعلتني مجتمعة أذهب في هذا المنحى. جدي كان مشهورا بحكمته و عرافته اللتين يواريهما، تواضعا في ظني، حتى ممن يحاولون أخذ مشورته في كثير من أمور الحياة التي تعن لهم. أما حكيم فيكفيه أننا أطلقنا عليه هذا اللقب متلمسين حكمته الفريدة و غموضه الآسر.

    إنطلقت الحافلة، بما حملت، قاطعة عليَ استغراقي في روحيات و ماورائيات حكيم. سرحتُ بعد هنيهة في البعيد الذي خلف الجسر، الذي كانت الحافلة تقطعه، و وراء المياه خالدة السريان للنهر القديم، المحايد. ترى كم من أحداث و حكومات و حكَام شهد هذا السريان؟ كم من جبابرة قطعوه على المراكب و مخرته سفائنهم؟ و اليوم كم من مركبات لهم، محملة بجثث المعارضين القتلى، تبخترت على الجسور التي تعلوه عند كل فجر أغبر؟ و كم من طائرات لهم حلقت فوقه في جنح الليل لتسقط في جوف الماء الحاني جسدا مغلولا لمعارض فتيَ قابرة إياه فيه إلى الأبد؟ و إذ أن الله فعلا لم يذهب في تلك الإجازة فقد كنت أفكر فيما سيتعين عليَ أن أفعله بهذا العبء، المسمى حياتي، الذي طفق يثقل كاهلي، و قبلا أتفكر فيما يتعين عليَ فعله لإكتساب لقمة العيش طوال إجازة الصيف المدرسية.

                  

07-05-2006, 10:20 PM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    Quote: و كم من طائرات لهم حلقت فوقه في جنح الليل لتسقط في جوف الماء الحاني جسدا مغلولا لمعارض فتيَ قابرة إياه فيه إلى الأبد؟


    in one sentence you succeeded to connect the atrocities of South America (Argentine 1973) and Sudan of the 1985 when the cazy dictator did the same with the body of Mahmoud Mohamed taha...
    Also, you strongly brought the image of Kafka's work, especially the Trial.

    I had to go and read more on Kafka... I found this link might be of interest to you:
    http://www.kafka.org/index.php?works

    Franz Kafka (1883-1924)


    Thanks a lot Ya Azizna, Abu Assal.. Looking forward to see this new work in a book...

    mohamed elgadi
                  

07-06-2006, 10:12 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: Mohamed Elgadi)

    المحترم
    د. محمد القاضي
    سلامات يا سيدي. و شكرا جميلا على الكلمات المشجعة.
    قرأت منذ سنتين the metamorphysis و the penal colony
    لفرانز كافكا.. و أعدك أنني سأقرأ له المزيد مستقبلا
    و بدون شك سعادتي بأن كلمات هذا العمل بعثت ذكريات من
    أديب كبير كهذا لهي سعادة كبيرة بلا شك. شكرا على الرابط
    و على كل شيئ
    عشت
                  

07-06-2006, 10:12 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: Mohamed Elgadi)
                  

07-07-2006, 03:58 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    و إذ أن الله فعلا لم يذهب في تلك الإجازة فقد كنت أفكر فيما سيتعين عليَ أن أفعله بهذا العبء، المسمى حياتي، الذي طفق يثقل كاهلي، و قبلا أتفكر فيما يتعين عليَ فعله لإكتساب لقمة العيش طوال إجازة الصيف المدرسية.

    ترجلت عند المحط الأخير للحافلة في الثلث الثاني للمدينة. آثرت أن أمضي إلى ذلك الكنيس الكبير القريب من موقف الحافلات. كان لون الطلاء قد حال من على جدرانه السامقة. رأيت جمهرة ليست ببعيدة منه. كما في المرة السابقة، أي قبل أكثر من أربع سنوات، كان جل المتجمهرين من ذوي السحنات الداكنة و الأجساد الناحلة و الثياب التي لا تثير إنبهارا، بيد أن في وسطهم تناثر بعض الشباب و الصبايا في ما بدا أنهم طلاب، و آخرون ألوانهم أكثر إنفتاحا. كانوا متحلقين حول ذات الرجل الذي بدا أكبر سنا بقليل، عمَا كان عليه قبل ذات السنوات الأربع، و تلوح على محياه آثار كدمات حديثة. كان يتحدث بصوت ذي وتيرة واحدة لا تعلو و لا تخفت، ثم يشير إلى الكنيس القريب و اللافتة التي حال لون حروفها التي تقول: "بيت الراعي الصالح". ثم في مرات أخرى يشير إلى مئذنة بعيدة عالية لمسجد كبير، و طورا ينحني رافعا، بإحترام ظاهر، بعض كتب وضعها قريبة من قدميه. كان يقول:

    ". . . الإتجاهات أربعة لكن الجهات لم تعد أربعا و كذلك الكتب لم تعد أربعة. في الماضي كنت أقول إن الإنجيل لأهل الجنوب، و القرآن لأهل الغرب، و التوراة لأهل الشمال، و الزبور لأهل الشرق. و اليوم هأنتم ترون سمتي مليئا بالكدمات. هذه الكدمات، و بما تنضح الآن به من ألم، لا تهمني بقدر ما هي وسيلتي التي عرفت بواسطتها أننا يجب أن نكون مؤمنين، قولا و فعلا، بالله، و بالوطن، و الخير، و الأُخوَة، و بالانسان. أجل، إن الكتاب الخامس، الذي هو للجهة الخامسة التي تضم الجهات الأربع مجتمعة، هو كتاب الإنسان، أو بالأحرى حقوق الإنسان.

    نعم، أنا خارج لتوي من الإعتقال. لم توجه لي تهمة و لكني إعتقلت و سئلت الكثير من الأسئلة التي لم تخطر ببالي قط و سوف لن تخطر لو لم أعتقل. قيل لي إنني متنبئ جديد، و معارض، و خائن، و مرتزق، و عميل، و مهرطق، و كافر. لكنني أيقنت أن الله و الحاكم، أي حاكم، لن يتفقا أبدا."

    (عدل بواسطة ابوعسل السيد احمد on 07-23-2006, 08:53 PM)

                  

07-09-2006, 07:53 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    لكنني أيقنت أن الله و الحاكم، أي حاكم، لن يتفقا أبدا."

    و سكت الرجل. بدا عليه الإرهاق و الألم و ربما الجوع و العطش و الخوار. شق المتحلقين شخص ما ليعطي الرجل كوبا من عصير البرتقال أخذ يرتشف منه رشفات صغيرة ليقول من بينها:
    " هأنذا أعود و أسأل أسئلتي القديمة عينها: أين التنمية و التعليم؟ أين العدالة الإجتماعية؟ أين الدولة التي تقوم بواجباتها تجاه مواطنيها؟ أين التساوي بين المواطنين في الحقوق و الواجبات؟ هل "نحن" و "هم" مواطنون في نفس البلد و بنفس درجة المواطنة؟ هل نحن جميعا كذلك متساوون أمام الله؟ أين نصر الله؟ بل أين الله؟ هل الله موجود فقط في المساجد و الكنائس و المعابد؟ هل خطر ببال حكامنا و ساستنا بأطيافنا المختلفة في البلد العظيم أن يسألوا أنفسهم ذات الاسئلة؟ هل خطر ببالهم أن الدستور و القوانين هي الضمانة الكبرى للقضاء على ظواهر متعاظمة كالعنصرية و التمييز و الإعتساف و التجاوزات اليومية و الأكيدة لكل متنفذ؟"

    الآن أتذكر لم بدا لي أن شيئا كان ينقص الرجل. نعم، أين ذهب غليونه؟ هل أُخذ منه في المعتقل، أم تخلى هو عن التدخين؟ برفق تحولت عن الجمع لأمضي إلى منزل جمبلاط بما أن الشمس قد أخذت تلهب سمتي الداكن، و لم تك ثمة فتاة جميلة لتقول لرفيقتها: "هذا الرجل مجنون!"، و لم يك أيضا ثمة ما يحوجني إلى أن أحتار كما في المرة السابقة: أعنت الرجل الذي يتحدث في قلب الحلقة أم عنتني بقولها ذاك!

    ظللت ماشيا و أنا أتفكر في كلمات الرجل و تساؤلاته. إستغرقتني تماما. وصلت منزل جمبلاط و فتحت الباب المعدني الكبير بالمفتاح. و لجت و ما زلت أتفكر فقط في أسئلة الرجل و كلماته الواضحة. شرعت في إستخراج ملابسي المتسخة من حقيبتي الصغيرة و غسلها في طست كبير.

                  

07-09-2006, 07:54 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    لكنني أيقنت أن الله و الحاكم، أي حاكم، لن يتفقا أبدا."

    و سكت الرجل. بدا عليه الإرهاق و الألم و ربما الجوع و العطش و الخوار. شق المتحلقين شخص ما ليعطي الرجل كوبا من عصير البرتقال أخذ يرتشف منه رشفات صغيرة ليقول من بينها:
    " هأنذا أعود و أسأل أسئلتي القديمة عينها: أين التنمية و التعليم؟ أين العدالة الإجتماعية؟ أين الدولة التي تقوم بواجباتها تجاه مواطنيها؟ أين التساوي بين المواطنين في الحقوق و الواجبات؟ هل "نحن" و "هم" مواطنون في نفس البلد و بنفس درجة المواطنة؟ هل نحن جميعا كذلك متساوون أمام الله؟ أين نصر الله؟ بل أين الله؟ هل الله موجود فقط في المساجد و الكنائس و المعابد؟ هل خطر ببال حكامنا و ساستنا بأطيافنا المختلفة في البلد العظيم أن يسألوا أنفسهم ذات الاسئلة؟ هل خطر ببالهم أن الدستور و القوانين هي الضمانة الكبرى للقضاء على ظواهر متعاظمة كالعنصرية و التمييز و الإعتساف و التجاوزات اليومية و الأكيدة لكل متنفذ؟"

    الآن أتذكر لم بدا لي أن شيئا كان ينقص الرجل. نعم، أين ذهب غليونه؟ هل أُخذ منه في المعتقل، أم تخلى هو عن التدخين؟ برفق تحولت عن الجمع لأمضي إلى منزل جمبلاط بما أن الشمس قد أخذت تلهب سمتي الداكن، و لم تك ثمة فتاة جميلة لتقول لرفيقتها: "هذا الرجل مجنون!"، و لم يك أيضا ثمة ما يحوجني إلى أن أحتار كما في المرة السابقة: أعنت الرجل الذي يتحدث في قلب الحلقة أم عنتني بقولها ذاك!

    ظللت ماشيا و أنا أتفكر في كلمات الرجل و تساؤلاته. إستغرقتني تماما. وصلت منزل جمبلاط و فتحت الباب المعدني الكبير بالمفتاح. و لجت و ما زلت أتفكر فقط في أسئلة الرجل و كلماته الواضحة. شرعت في إستخراج ملابسي المتسخة من حقيبتي الصغيرة و غسلها في طست كبير.

                  

07-12-2006, 08:16 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    شرعت في إستخراج ملابسي المتسخة من حقيبتي الصغيرة و غسلها في طست كبير.

    أكملت غسل ملابسي جميعها ثم مضيت إلى الحمام لأغسل عن جسدي أملاح النهار و أدران عدة أيام من غياب الماء في الحي العشوائي حيث يوجد منزلي. أجل، اللحظة أرفل في رفاه حجرة حمام أشبه باستاد أولمبي إذ أقارنها بالوجود العدمي لغرفة حمام في البيت العشوائي حيث أقيم. نعم هناك أستحم فقط داخل غرفتي الوحيدة مستعملا طستا معدنيا جبارا و جردل ماء متوسط الحجم. عندئذ فقط يمكنني أن أزعم أن ذلك الوجود العدمي للحمام ما هو إلا طست و جردل معدنيان.عندما يزورني أحد أصدقائي أو يأتي أحد معارفي للمبيت معي أحيانا يضطر واحدنا إلى إخلاء الغرفة و الخروج إلى الشارع ريثما يستحم الآخر. نصر الله أخبرني ساخرا، ذات مرة، أنه يستنكف أن يستحم في غرفة نومي، و لذا فهو لن يأتي للمبيت و لو لليلة واحدة في غرفتي في البيت العشوائي. فقط سيأتي لزيارتي متى ما عنَ له ذلك. كان يتهكم على نحو آلفه منه.

    خرجت نظيفا كطائر أزغب و دلفت إلى حجرة الصالون المستطيلة متمهلا. كنت سعيدا جدا فيما كانت العتمة تسيطر برغم سطوع شمس الصيف في رابعة ذلك النهار بالخارج. ثمة فوضى ما تفرض حضورها على المكان: قميص و بنطلون أنيقان لجمبلاط مرميان بلا إهتمام و كأنما خلعهما لتوه ليمضي مسرعا إلى مكان ما، على الأرجح هو الحمام الآخر، لقضاء حاجة لا تحتمل الإنتظار. حذاؤه يقبع مقلوبا هناك إلى جوار حذاء آخر، نسوي! ثمة بدلة خضراء تحمل نجمة و نسرا على كل كتف و على جوارها وُضع بعناية بنطلون بذات اللون! هي ولا شك ملابس ضابط شرطة. صديقي ليس شرطيا بالتأكيد. أعلم أنه ليس مثل الكثيرين في أزمنة الحكماء المرتزقة ممن يحملون رتبا أمنية في السر إلى جوار تقلدهم مناصب مدنية رفيعة طالما هم من المتأسلمين. هو فقط وكيل نيابة يعمل في نيابة الجرائم الموجههة ضد الدولة. و الدولة هي دولة الحكماء المرتزقة! بل هو أيضا مناضل من الداخل، و هو أحد المحررين للمرأة. مثلما فعلت من قبل فقد قررت بيني و بين نفسي منذ مدة أن أسميه الليبرتادور! لو أعرف له أصدقاء آخرين يحملون أيضا هذا الهلام الفكري الذي بدأ في إثارة فضولي لأسميتهم الليبرتادورس، و لإقترحت عليهم إقامة بطولة سنوية يتنافسون فيها، و لإقترحت أيضا تسميتها كوبا ليبرتادورس!

                  

07-14-2006, 03:10 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    لو أعرف له أصدقاء آخرين يحملون أيضا هذا الهلام الفكري الذي بدأ في إثارة فضولي لأسميتهم الليبرتادورس، و لإقترحت عليهم إقامة بطولة سنوية يتنافسون فيها، و لإقترحت أيضا تسميتها كوبا ليبرتادورس!

    هل أورثني حكيم بعضا من موهبة العراف؟ أم أن نهاري ذاك كان نهار نبوؤات مُضمرة؟ حدثت نفسي بأن أجول في جنبات المنزل لأخلق حميمية مؤقتة مع المكان فيما بدا. بدأت بحجرة النوم. عمدت إلى بابها. فتحته. قبل أن ألج فاجأني صوت يسأل:
    -من هذا؟

    كان صوت جمبلاط. رددت عليه ذاكرا اسمي فطلب مني أن أنتظر! تراجعت إلى الصالون الكبير المستطيل هاتفا:
    -سأنتظر في غرفة الصالون.

    عدت إلى غرفة الصالون ملغيا جولتي الفضولية في أرجاء المنزل المنيف. إقتعدت كرسيا كثيرا ما يروق لي أن أحتله إبان زياراتي السابقة لجمبلاط و حواراتنا، الودادية في صلابة، التي لا تنتهي. استخرجت من حقيبتي أحد الكتب الذي نجحت في استلافه من نصر الله و كان قد إشتراه من ذلك المعرض السنوي. شرعت أقرأ بنهم ناسيا الحر و ملابسي المنشورة على حبل الغسيل و جمبلاط القابع في غرفة نومه في وقت إعتقدت أنه يكون فيه عادة في مكتب النائب العام و حادي ركب العدالة أو بين ردهات المحاكم و نيابة الجرائم الموجهة لوطن الحكماء المرتزقة.

    بعد مضي بعض الوقت جاء صاحبي ليسلم عليَ بشوق و أحضان. أخذ الملابس الخضراء في يد و في الأخرى أخذ الحذاء النسوي الأسود. ضحك ضحكة خافتة أعرفها منه و قال خارجا:
    -يا ثيدنا ثأرجع إليك. إعطني خمث دقائق. إنها عملية كبيرة.

    (عدل بواسطة ابوعسل السيد احمد on 08-02-2006, 04:34 PM)

                  

07-17-2006, 04:59 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    -يا سيدنا، سأرجع إليك. إعطني خمس دقائق! إنها عملية كبيرة.

    كانت ريح خطيئة ما تفوح من صوته و صدى خطواته التي حاول عبثا جعلها واثقة. عدت إلى كتابي، من جديد، غارقا في النص الذي حكى عن نساء بلا رؤوس و رجال بلا أقنعة! استغرقتني التفاصيل حتى تحفز فيَ ذلك الشيئ الذي يستيقظ في الرجل، أيما رجل، عندما تلتقط أذناه صوتا أنثويا من حيث لا يتوقع.

    مع إصاختي السمع إنقطع الصوت و كأنه لم يكن حتى أنني شككت إن كنت قد سمعته في الأساس. لكن صاحبي كان قد عاد، من جديد، مبتلا بالماء على نحو غير مظهره قليلا. بدا لي أكثر خواءً فيما كان قد استمتع برحاب الحمام الأولمبي. إرتدى ثيابه في عجالة تحاشى أثناءها النظر إليَ، لكنه تبادل معي كلمات مثَلت من جانبه أسئلة متلاحقة. لاح لي أنه كان يحاول الإمساك بزمام سيطرة ضائعة. فقط أجبت على أسئلته بكلمات كانت كافية بالضبط لذلك. قال:
    -سأراك مساء اليوم. نهارك سعيد!

    و خرج.

    ما تزال النساء عديمات الرؤوس يشغلنني كثيرا، و لذا فقد كنت سعيدا بعودتي إليهن. ظللت أقرأ لفترة طويلة. في الواقع، أيضا، تذكرت الأمير و حكيم و نصر الله و الملتحي الذي كان شريكا لنا في الإعتقال و التنكيل. لم أتذكر ميادة على الإطلاق، مع ذلك! ربما لم أفعل ذلك إمعانا في الهرب إلى كل الإتجاهات باستثناء الحرية.

                  

07-19-2006, 10:26 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    ربما لم أفعل ذلك إمعانا في الهرب إلى كل الإتجاهات باستثناء الحرية.

    قمت إلى ثيابي المنشورة في فناء الدار تحت نيران أيار غير الصديقة. جفت تماما و لذا فجمعتها. كويت بعضا منها في غير إتقان ذلك أنني لا أطيق كي الملابس، و أُؤمن أن آخر العلاج الكي. تهندمت ثم خرجت بنية الذهاب إلى ذلك المكان آملا إلتقاء حكيم و تلك الشخوص.

    * * *

    كثرت لقاءاتي بحكيم طوال الصيف، و تكاثرت معها بشاراته بقرب خلاصه من المنفى المسمى قهرا وطنا. منذ أن كنا طلابا ثابر حكيم على تلك البشارات التي لم تتمخض سوى عن خيبات لم تثن عزمه. مثلما عجبت كيف لنحوله أن يتحمل وطأة التعذيب ذات ليلة انتهت بإنتصار ميادة السماوية على جلادينا، ما زلت أعجب كيف لعزمه أن يصمد إزاء كل هذه الخيبات و يستمر في إستيلاد البشارات واحدة تلو الأخرى. لكن "الراجي الله ما بندم"، و هكذا هو حال العراف يبشر دوما بالإنبثاقات.

    أما الليبرتادور المدجن فأفصح أخيرا عن رزنامة بشاراته التحريرية. صعقت لذلك حد اليأس من معارضة الداخل مجتمعة. أيقنت أن من يتحالف مع الحكماء المرتزقة يكون قد تخلى، بغير مراء، عن حلفه مع الله الذي هو رب الملايين من المسحوقين و المنسحقة أرواحهم، و أن ذلك المتحالف و الله رب تلك الملايين، المنسحقة أحلامها، ينتهجان نهجين متضادين تماما. إذ لا يعقل أن يكون الله حليفا للحكماء المرتزقة و في نفس الوقت حليفا للمستضعفين من الرجال و النساء و الولدان. الله الذي لا يعرف الإزدواجية هو الواحد. . الأحد. . الفرد. . الصمد. . إلى آخر تلك الصفات العظيمة التي أصبح عليَ الإجتهاد في استظهارها كلما إجترح الحكماء المرتزقة فعلا يكاد يقوض في النفس أركان ذلك الشيئ الثمين الذي نسميه الإيمان.

                  

07-22-2006, 03:44 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    إلى آخر تلك الصفات العظيمة التي أصبح عليَ الإجتهاد في استظهارها كلما إجترح الحكماء المرتزقة فعلا يكاد يقوض في النفس أركان ذلك الشيئ الثمين الذي نسميه الإيمان.

    نعم فقد تحول الله من علياء عظمته بقدرة أكثر من قادر، و جميعهم حكماء مرتزقة، إلى مجرد كلمة يستكثرون أن يحلفوا بها فيلجأون إلى القسم بطلاق حليلاتهم مثلما دأب ذلك الرجل، صاحب خنفساءات أرسطو طاليس، عند كل محك. أو قل إختزلوه، تعالى، ليلعب دورا صغيرا لا يعدو كونه كلمة، أيضا، ظاهرها الحق و باطنها باطل الأباطيل. على أنني أكاد أجزم أن صديقي لم يكن من المجدفين أو مستبضعي الدين. هو فقط وكيل نيابة في نيابة الجرائم الموجهة إلى وطن الحكماء المرتزقة. و فوق ذلك هو ليبرتادور يستخدم أحصنة خشبية لا أعرف ما إذا كانت مستحدثة أم تالدة!

    ما برحت ملهاة الحي العشوائي في المدينة الثلاثية تتأرجح ما بين غياب الماء ذلك السائل السماوي و إنقطاع التيار الكهربائي ذلك الفيض الشيطاني. من بين ذلك تأرجحتُ أنا المدرس المتبطَل ما بين غرفتي الصغيرة، التي ثابرت على المحافظة عليها برغم شح مواردي، و منزل جمبلاط المنيف بأشجاره المخضرة و نجيلته الفرنسية بالغة النعومة. في ذات الوقت لم تنقطع بشارات العرَاف، و إن إتخذت هيئة نبوؤات خجولة، مثلما لم تنقطع لقاءاتي معه.

    قصدت إلى منزل الليبرتادور المدجن ضحى يوم قائظ حاملا معي حقيبتي عينها محشوة بالملابس ذاتها لأجل هدفي القديم نفسه. فتحت الباب المعدني ذي الذرف الثلاث، و ولجت. تجمدت عند المدخل إذ رأيت، فيما يرى اليقظان، صاحبي منتصبا بسمته، الذي ما عاد نحيلا، قبالة امرأة تلتصق به.

                  

07-23-2006, 12:26 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    تجمدت عند المدخل إذ رأيت، فيما يرى اليقظان، صاحبي منتصبا بسمته، الذي ما عاد نحيلا، قبالة امرأة تلتصق به.

    كانت المرأة، التي ترتدي غطاء رأس عسكري أسود اللون و تزين كل من كتفيها نجمة و نسر، تنشج و تولول بخفوت بينما تصدر عن صديقي آهات عميقة. نصفها الأسفل كان عاريا بينما المرأة متكئة على جذع شجرة المانغو و تضع يديها على كتفي الليبرتادور و كأنما تتعلق بهما. أما صديقي فقد كان يا رب كما خلقتني و هو يمسك بخاصرة المرأة. استوعبت كل المشهد لوهلة كفلت تجمدي ذاك. تراجعت فورا ثم أغلقت الباب، و شرعت في الذهاب إلى المنزل العشوائي في ذلك الصيهود المتعاظم.

    فور وصولي تمددت على أحد السريرين في حجرتي الصغيرة. كنت متعرقا حد لزوجة الإهاب، و ألهث بتواصل مماثل للهاث كلب مالكة المنزل الذي كان باسطا ذراعيه تحت راكوبة صغيرة تجاور الوصيد. بالنسبة لي ما برح ذلك الكلب يؤكد أن الله لم يذهب في تلك الإجازة. حاولت أن أغلب أنفاس الصهد بالتناوم إذ أن رحلتي بحافلتين مختلفتين من بيت الليبرتادور الماجن إلى بيتي العشوائي أرهقتني متضامنة مع الحر و شح الموارد و عنت الحكماء المرتزقة. أصوات الآخرين من سكان حجرات البيت الأخرى تآمرت، مع الحر و طوفان التعرق و التفكر في صاحبي و المرأة عارية الأسافل، جميعها لتجهض عني تأثير التناوم. تخففت من ملابسي ثم استخرجت الكتاب و دفنت معاناتي بين النساء عديمات الرؤوس و الرجال غير المقنَعين.

    ظللت أقرأ متقلبا على السرير إلى أن رأيت مركبة تجرها أحصنة بيضاء عديدة و هي ترتقي ماء نهر جميل البياض إلى السموات العُلا. كان النهر عند نهاية الأفق يتحد مع بياض السماء و ندف السحاب. فجأة إندفع الماء منهمرا في غزارة من نقطة التلاقي. شرع آلاف من الناس يتراكضون فرارا من فيضان الماء الذي كان ناصع البياض. بقيت المركبة و الأحصنة معلقة هناك بين السماء و السحب و النهر، و إمتلأ كل شيئ ببياض أصيل.

                  

07-25-2006, 09:49 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    (6)

    عاودني الوجود. . أعقبته اليقظة. كانا كخطين متوازيين إنتصابا أحدهما يفرع الآخر طولا. كقطبي مغناطيسين تنازعاني في بادئ الأمر، ثم إلتصقا بي محررين كل قواي العقلية و الجسدية، و شهواتي أيضا. رفعت هاتفي و طلبت عبره الطعام. بعد مجيئ الخدمة أكلت بتوحش و ربما بدائية. إكتفيت من الطعام و كان، بالفعل، كافيا لإشباع سبعة أبطال كما طلبت. إغتسلت و تهندمت ثم تطلعت إلى خيالي في مرآة بسبعة أضلاع. بدوت أصغر سنا بكثير، و أقوى. ثم هبطت من تلك العلياء.

    في بهو الاستقبال أشياء عديدة مختلفة: الموظف لم يك هو عينه. الطاولة ذات الألوان المريحة تبدلت بيد أن ألوانا أكثر إراحة للعين تبدت منها. الرحابة الآن أكثر طغيانا و تجبرا. الجالسون مرآهم العام بدا مغايرا تماما. فقط صوت الموسيقى الهادئ ظل هو ذاته و . . . و شخص جاء أنيقا كما الوسامة.

    يتقدم الوسيم مني في هدوء ودود. يحييني و يتخيَر ذات الأريكة التي إخترت الجلوس عليها. يتكلم بحياد:
    -جئت في زيارة ودادية.

    يصمت منتظرا أن أعلق بلا طائل. يُقلَب ناظريه في الفراغ و يكتشف ألاَ موئل له من المواصلة:
    -بدءاً، مرحبا بك في أورينت تونغا. أنا الآن تحر بلا مساعد، أو حتى عمل. على الأرجح أنني لست تحريا على الإطلاق. أنا ماض ينشد استعارة سمعك. . ماض بلا ملامح يتقمص دور سرد غير ضروري.

                  

07-28-2006, 01:03 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    على الأرجح أنني لست تحريا على الإطلاق. أنا ماض ينشد استعارة سمعك. . ماض بلا ملامح يتقمص دور سرد غير ضروري.

    لا أزال عند صمتي. أحاول تذكر قسمات صوته و مدلولات عينيه. الآخر يتحفز أكثر للحديث بينما لا أجد مسوغا واحدا يحفزني للإستماع، لكن اللياقة تفرض إعطائه فرصة الاستمرار:
    -إتَُهم أحدهم ثم حوكم في جزيرة عجيبة. أُدين. كان عليه أن يقضي عددا من الساعات في الخدمة المجتمعية كعقاب له. لم يك عالما بالحقيقة المفجعة جدا الكامنة وراء ذلك، إذ بات زمانه مُنتقصا بمقدار عشرين حِجَة.

    عليه إنتباهة دائرية، و هو يستمر:
    "جاءته شرطية كان قد تعارف معها فيما سبق المحاكمة. جاءت مرتدية ملابس ضيقة للغاية. . ملابس هي في الأصل حمالة أثداء مشعة الألوان و ذلك الشيئ النسوي الرقيق الذي تتناغم ألوانه و الإشعاع. لم تنس في مجيئها ذاك أن تستصحب كبرى عتمات اليوم. حينها كانت تسيطر على عالمه عتمة جبارة حاول مزجها برمل الساحل و زرقة مياهه على الحافة الغربية للجزيرة.

    في مجيئها ذاك إنبثقت أفروديتا الشرطة من الماء، على حين غرة، أمامه. شع جمالها على صفحة الماء الرمادية مثل فكر ثاقب. ظن نفسه يحلم أو تلد أفكاره ملكات جمال خرافيات. لكن المرأة دنت منه في هدوء إلى أن إلتصقت به تماما. كان كمن يتكئ عليه حائط من الثلج الأسود. همستْ:
    -لست شرطيتك التي تظن. هي لم تكن سوى رجل بايولوجي.

    أخذ حائط الثلج يذوب لتواصل أفروديتا:
    -ما بيني و بينها ليس سوى تماثل في الملامح. أما الروح.. العشق.. و أغوار الجسد، و حتى الشبق فعلى النقيض تماما.

                  

07-31-2006, 04:41 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    -ما بيني و بينها ليس سوى تماثل في الملامح. أما الروح.. العشق.. و أغوار الجسد، و حتى الشبق فعلى النقيض تماما.

    تسقط قطرة فهم خجولة على إدراك الرجل، فيجلس كأنما هو متعب، و يواصل الاستماع:
    -في الجزيرة يعيش أكبر تجمع للملكات. هن في الواقع ذكور تربوا منذ الصغر مع النساء ليسلكوا مثلهن و يلبسوا كذلك، و يُخاطبوا دائما بضمير المؤنث. حتى الاسماء التي يحملونها هي أسماء نسائية تماما. هؤلاء "الملكات" يسعون إلى ممارسة الجنس مع رجال حقيقيين لأنهم يعتقدون أن ممارسة الجنس مع بعضهم ما هي إلا محض سحاق! أما الجنس مع النساء فغير وارد في حساباتهم على الإطلاق. لتأكيد هويتهم النسوية ينتهي بهم الأمر إلى الاستحقان بهرمونات أنثوية. ما جاء بهم إلى تلك الجزيرة المنعزلة لم يكن سوى قضاء عقوبات متفاوتة على جرائم متباينة بيد أنها جميعا تحمل طابع الجنس. في الجزيرة كان هناك رجلان سويَان فقط هما التحري و أنت. لذا كنت هدفا معلنا للبعض أمثال المحامية و الشرطية، و مستترا للبقية مثل القاضي و المحلفين و الجمهور. أما التحري فقد كان الجلاد الأعظم.

    "هبت قائمة من حجره. عدت نحو الأفق البعيد ثم غاصت فجأة في لجة البحر مثلما وُلدت منها.
    تآمرت جميع العتمات على الرجل و توحدت، عاصفة به إلى عرض البحر المحيط."

    استطالت استدارات الإنتباهة لتصبح بيضاوية مع الصمت الذي أعقب حديثه المباغت. أكاد أتعرف الصوت الذي تجعد بكل وضوح. العينان أتعرفهما فجأة. هو عجوزي بكل شيخوخته الواثقة. بدا الآن أكبر سنا منه في أي وقت مضى و هو يواجهني بإحساس مستغرب. إحساس أعرفه جيدا من جهتي. أكاد أتيقن أنه سوف لن يعود ليروي لي شيئا عن "صاحبي" كما يسميه. لكن أنتظر فقط أن يقرر الحقيقة بكلماته. أتوقع أكثر أن يسمي من يخلفه في مهمته العسيرة.

                  

08-02-2006, 04:30 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    (7)

    -ها هو يفعلها أخيرا.
    -ما أراها سوى أكذوبة جديدة ضمن منظومة أكاذيب الحكماء المرتزقة، و صاحب الخنفساءات.

    تفوهت بعبارتي الأخيرة بيقين، بينما جلس جمبلاط على كرسيه الأثير و هو يحسو كأسا من العرق في رشفتين. كان أثر إرتشافه للسائل الشفاف باديا من تجهمه الذي لا يعكس جذله بما يفوه به ذلك الرجل في جهاز التلفزة. بدا الرجل التلفازي، في تلك اللحظة بالذات، منتفخا منفوش الريش مثل إحدى خنفساءات أرسطو طاليس المئة، على أن الخنفساءات لا ريش يكسوها.

    حكيم المبتسم في وداعة و السعوط يتربع على زاوية فمه العليا، كان يجلس مسترخيا على الأريكة الوثيرة بيني و بين نصر الله الذي قال:
    -لا تعدو المسألة كونها تبلوُر لمراكز القوى العرقجهوية الجديدة داخل التنظيم/الدولة.
    -لكنها تبدو فادحة و مضخمة حتى تنطلي علينا بل و تنطلي على العالم أجمع. أعني الأكذوبة الكبيرة.

    كان جمبلاط قد رأى في عبارتي فرجة يمكنه أن يدخل بها ليدعم نظريته بأن الرئيس أطاح فعلا بالعرَاب، و لذا فقد سأل متحمسا:
    -ما دخل "العالم أجمع" بإنشقاق التنظيم المُتأثلم، يا أخي؟
    قلت في تسرع متيقن:

                  

08-03-2006, 10:52 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    قلت في تسرع متيقن:

    -تذكرون جميعا أنهم فور وأدهم الديمقراطية، التي كانوا جزءا منها، و إغتصابهم السلطة سارعوا إلى إقامة المؤتمرات لكل متطرفي العالم و بالذات اليمين المتأسلم، سواء أكان شيعيا أم سنيا، من مناطق الشرق الأوسط، و شمال إفريقيا، و أوربا، و آسيا. لم يكتفوا بذلك بل فتحوا الكثير من معسكرات التدريب العسكري لهذه الحركات و التنظيمات و مولوها بدعوى جهاد أميركا و الإتحاد السوفييتي؛ فرس و روم هذا العصر بحسب زعم المتأسلمين. كانوا يبشرون بأن دولتهم هي دولة الله في أرضه و أنهم هم نخبته حكماؤها، و أن العراب هو مجدد الفكر الاسلامي. بالطبع لن أنسى الإشارة إلى أنهم فتحوا أيضا أبواب هذا البلد، المغلوب على أمره، لتنظيمات أخرى غير اليمين المتأسلم المتطرف بهدف زيادة نفوذهم على أصعدة مختلفة، ولم يفتهم أن يدغدغوا أماني هذه التنظيمات بأكاذيب من نوع آخر بالطبع.

    سكتُ لأتناول كوبا من العصير إرواءً لظمأٍ كبير، بيد أن جمبلاط ما زال يستمسك بقشة أن الرئيس أطاح بالمتأسلمين، و أماط- أي الرئيس- اللثام عن وجهه العسكري الحقيقي. فقال:
    -و إذن، ما زال تساؤلي قائما: ما دخل العالم أجمع بإنشقاق التنظيم؟

                  

08-04-2006, 05:25 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    -و إذن، ما زال تساؤلي قائما: ما دخل العالم أجمع بإنشقاق التنظيم؟

    -التنظيم/الدولة، بحسب تسمية نصر الله، كان يقوم بكل ماذكرت من استضافة و تدريب و تمويل من أصبحوا يُعرفون فيما بعد في كل أجزاء العالم و وفقا للتعريف الأميركي بالإرهابيين، إضافة إلى إثارة القلاقل عبر هؤلاء في كثير من البلاد المجاورة بحلم السيطرة على مقاليد الحكم في تلك البلاد، و من ثم إنشاء الدولة الكبرى لخلافة الحكماء المرتزقة. كان التنظيم يراهن، في بقائه على سياساته تلك، على وجود قوتين كبريين تقوم بينهما حرب باردة و تنافس سرمدي على النفوذ و الأغنام الدولية القاصية. منذ عدة سنوات بات جليا لهذا التنظيم/الدولة أن الولايات المتحدة أمست وحدها القوة العظمى في العالم، بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي، و أنها بعد غزوها للعراق مرتين و لأفغانستان مرة لن تتورع عن فعل ذات الشيئ و الإطاحة بكل من يخرج على نظامها الامبراطوري العالمي الجديد. و بما أن التنظيم المتأسلم كان قد حاول التقرب إلى هذه القوة المنفردة دون نجاح، و ما يزال، فقد أضحى لزاما عليه أن ينحني لعواصفها ريثما تمر بسلام. و ها هي إحدى وسائل الإنحناء: الإقصاء، التمثيلي، للعراب بدعوى أنه وحده يمثل التيار المتشدد.

    لكن حكيما تربع يستمع في استرخائه و تبسمه دون أن يفوه بشيئ، إذ كنا آنئذ نجلس في صالون جمبلاط الذي كان قد دعانا لتناول طعام الإطفار في تلك الأمسية. كان شهر صوم قائظ من إحدى عجاف الحكماء المرتزقة. مع ذلك لم يرتدع جمبلاط عن حسو العصير الشيطاني و لعن أشياء كثيرة من بينها دين الحكماء المرتزقة. و فيما كنت قد دأبت على مراقبة تناقضات جمبلاط منذ زمن بعيد فقد ثابرت، وقتئذ، على إنتظار أن يعلق نصر الله بشيئ أكثر من عبارته اليتيمة منذ بدء مجلسنا. أخيرا عيل صبري فقلت سائلا الأخير:

                  

08-07-2006, 02:11 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    و فيما كنت قد دأبت على مراقبة تناقضات جمبلاط منذ زمن بعيد فقد ثابرت، وقتئذ، على إنتظار أن يعلق نصر الله بشيئ أكثر من عبارته اليتيمة منذ بدء مجلسنا. أخيرا عيل صبري فقلت سائلا الأخير:

    -ما رأيك، أخي، في كلام السيد المارشال الرئيس؟
    -اعلم، يا صديقي العزيز، أن هؤلاء الناس يجيدون إلقاء الحجارة في الماء، كلما ركد، توطئة لضخ مرحلة جديدة. إنهم يفعلون ذلك بإقتدار مقيت.
    -انظروا إلى عينيه! إن هذا الرجل عبقري في غبائه.
    أخيرا هتف حكيم، فقلت:

    -إن غباء هذا الرجل خادع جدا، و لذلك فهو يكذب و يتحرى الكذب حتى أنه لم تبق له صحيفة، عند الله، يُكتب فيها كذابا. ألا ترون أنه هنا يعترف بالكذب البواح على الشعب و العالم أجمع، في مرحلة سابقة، حتى يبدو إقصائه للعرَاب حقيقيا؟

    قال نصر الله:
    -لا أصدق أنه يعترف هكذا ببساطة بأنه كذب على الشعب و خدع الجميع فقط لكي يُظهر العراب بمظهر الماكر. هما شريكان أصيلان في الكذب و في الخداع، و إذا كان العراب مخادعا و ماكرا فهذا الرجل لا يقل عنه في شيئ. و ليس هناك ما يمنعهما معا من الاسترسال في أكاذيبهما طالما آتت أكلها مرات سابقة عديدة.
    -لكنه، فعلا، أطاح الآن بالمتأثلمين.
    قال جمبلاط بإصرار. فرد نصر الله:

                  

08-08-2006, 01:28 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)



    -لكنه، فعلا، أطاح الآن بالمتأثلمين.
    قال جمبلاط بإصرار. قلت:

    -و لكنه أيضا وضع العراب في السجن من قبل، ثم ها هو يعترف بأن ذلك لم يكن سوى بوحي من العراب نفسه و استكمالا لكذبهما بألاَ علاقة للتنظيم بالإنقلاب.

    قال نصر الله و كأنه فقط سمع عبارة جمبلاط:
    - لم يطح بهم جميعا. هو فقط أطاح بقسم منهم، و إحتفظ بالقسم الذي ينتمي لذات جهته.
    -هو نفسه متأسلم قديم، و ليس حليفا للمتأسلمين كما تزعم يا جمبلاط. كلنا يعلم تماما حقيقة صلته القديمة بالتنظيم المتأسلم منذ أن كان ضابطا برتبة صغيرة، فوق أن أشقاءه مشهورون بإنتمائهم لذلك التنظيم. يمكنك أن تضيف إلى ذلك أن الكثيرين من أفراد أسرته و عشيرته هم من القيادات العليا و الوسيطة في التنظيم/الدولة.

    هكذا قال حكيم بتؤدة عراف متمرس. بيد أني قلت:
    -انظروا إلى قراره. هو أطاح بالشق الذي أشتهر عنه تطرفه و أصوليته الفاضحة، حتى يبدو القربان مستساغا لأميركا؛ إله العالم اليوم. إن شق العرَاب و مقربوه هم، كما أسلف نصر الله، في معظمهم ينحدرون من تلك الجهة. لكن في نظري أنه من الطبيعي بالنسبة لتنظيم استعلائي كهذا أن يعمد إلى أدوات مختلفة، كالجهوية في هذه الحالة مثلا، ليحافظ على ولاء و تماسك عضويته بحكم عقلية و ميول هذه العضوية نفسها سواء أكانت دينية أو جهوية أو عرقية أو إقتصادية. إنه تنظيم يشبه عاهرة متمرسة تضع لكل زبون الروج المناسب.


                  

08-11-2006, 10:22 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    إنه تنظيم يشبه عاهرة متمرسة تضع لكل زبون الروج المناسب.

    قال نصر الله و كأنه يواصل طرحا قديما:
    -بالنسبة لي أعتقد أن هذه الإطاحة بالعراب حقيقية، و هي تمثل الاستغناء عن كل من لا ينتمي إلى جهة الرئيس و مقربيه بعد أن أدى أؤلئك دورهم كاملا في تثبيت التنظيم على سدة الحكم. هكذا الآن يسفر هؤلاء العنصريون عن وجههم الجهوي البغيض.

    لكن حكيما قاطعه بقوله:
    -و إذن، فيبدو أن لديك نظريتان حول إنقسام التنظيم المتأسلم؟
    -نعم! أولاهما أن الإنشقاق غير حقيقي. و ثانيتهما أنه حقيقي مئة بالمئة!

    أظنني أدركت وقتها لماذا كان نصر الله موزعا بين الإحتمالين، فالرجل قد أفرج عنه بعد محاولة إعدام حقيقية قبل أيام قليلة من مجلسنا ذاك. مازال يعاني من تبعات تسعة أشهر من التعذيب الهائل في سجون الاستخبارات العسكرية و معتقلات جهاز الأمن، و إعدام صوري تكرر ثلاث مرات. كان شاحبا متيبسا و جسده مليئ بالتقرحات. لم يبق من صديقي القديم سوى شفتين غليظتين، و عينين متقدتين بالذكاء و الصراحة، و عزم لا ينثني. هو عندما يتحدث هكذا فذلك عن خبرة أصيلة و دراية عميقة بكيفية التفكير الحربائي للحكماء المرتزقة. بإختصار هو يعتقد، و أتفق معه في ذلك، أن تفكير الحكماء ذو طبيعة أمنية بحتة و ليس غير. نعم نحن نعيش في دولة تحكمها أجهزة الأمن، و قادتها حكماء أمنيون مرتزقة. لكن في نظري، أنا غير المتضلع، العالم بأسره أمست تحكمه أهواء و مصالح أجهزة الأمن و المخابرات، و ليست المليون وحدة مربعة وحدها.


                  

08-13-2006, 10:28 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    لكن في نظري، أنا غير المتضلع، العالم بأسره أمست تحكمه أهواء و مصالح أجهزة الأمن و المخابرات، و ليست المليون وحدة مربعة وحدها.

    -أيها الشرفاء، لا بد لنا من إحتفال محترم بهذه المناثبة الجليلة!
    كان جمبلاط قد فاه بهذه الجملة بلسان متعثر لقائد أحمق، منتصر. ها هو قد بدأ يثمل. ربما يفكر في المزيد من العصير الشيطاني. بيد أنه لم يدع لي فرصة كبيرة للاسترسال في تحليلاتي، إذ أضاف:
    -الجنث وحده يحررنا أكثر و يثلُح طقثا إحتفائيا بإقثاء الكذبة.

    كنت فقط أنظر إليه باندهاش كبير. ها هو يعود مبشرا، من جديد، برزنامته غير المجيدة بعد أن تواجهنا أخيرا بصددها ذات أمسية خضراء. لم يكن ما ساق من مبررات ليقنع خنفساء واحدة من خنفساءات أرسطو طاليس ناهيك حتى عن إقناع الرجل صاحب الخنفساءات نفسه، و شخص غافل مثلي. في تلك المواجهة، التي تبدو بعيدة الآن، سألته عن إدعاءاته بشأن تحرير المرأة. حاول أن يراوغ كعادته، لكني واجهته بحادثتي المرأتين ذواتي البذات البوليسية الخضراء و النسور الفضية. إعترف بكل بساطة بأنه كان يتصيد المتأسلمات ممن يعملن في ذات محيط عمله بنيابة الجرائم الموجهة ضد وطن الحكماء المرتزقة. كن قاضيات و محاميات و ضابطات شرطة و متدربات و متطوعات و طالبات قانون. كان يستمتع بتحريرهن من ثيابهن المتأسلمة. قال بعد تفكَر:
    -لشد ما أثتمتع أكثر عندما تكون إحداهن ضابط شرطة.
    ثم مسترسلا:
    -كنت أطلب إليهن أن يرقثن رقثة العروث و هن متجردات إلا من قميث الشرطة المذين بالنجوم و النُثور. كنت أضاجعهن و هن بذات الذِي، بعد أن أقطع عليهن رقثهن ذاك. أحيانا أُثرَ عليهن أن يتجردن من جميع ثيابهن عدا غطاء الرأث، ثم أضاجعهن مثتلقيا على ظهري خلال ثاعات الظهيرة و أنا أحدق في غطاء الرأث الذي يحمل علامة الشرطة.

                  

08-16-2006, 03:04 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    أحيانا أُثرَ عليهن أن يتجردن من جميع ثيابهن عدا غطاء الرأث، ثم أضاجعهن مثتلقيا على ظهري خلال ثاعات الظهيرة و أنا أحدق في غطاء الرأث الذي يحمل علامة الشرطة.

    و ها هو اليوم يرى في الجنس طقسا إحتفاليا بإقصاء العراب! هل بلغت الغفلة بصديقي أن يرى في إقصاء الرجل و زمرته المزعومة خلاصا من نير التنظيم المتأسلم، فيحتفل، أي صديقي، بذلك بممارسة الجنس؟ و مع من؟ لا يهمني التساؤل الثاني على الإطلاق! ما يهمني هو أن المارشال الرئيس و زمرته التي بقيت على تأييدها له شركاء تماما و على قدم المساواة مع العراب و مجموعته في كل ما تم في المليون وحدة منذ سرقة التنظيم المتأسلم للسلطة في البلاد و إلى اليوم.

    ..........................*..................*....................*..........................

    صباح قائظ، و شمس صريحة للغاية تحاول أن تقف شاهدة على إخلاص الكثيرين في التُقى و الصوم، و شعاراتهم في هذه الحياة الدنيا. بالطبع تلك الشمس، في شهادتها، لن تستثني أحدا بما في ذلك مليكنا الجديد و حاشيته. من جهتي مازلت ذلك الشاب الغرير الذي يمد جسورا مع الحياة و الناس و الشمس الأكثر سطوعا و مع الله. كانوا جميعا، بما فيهم الله رب العالمين و باستثناء مليكنا الجديد و حاشيته، كرماء معي حد التدليل، ذلك أنني شاب محظوظ أو فلنقل إنني سعيد بزمرة أصدقائي الشبان. معظمهم تآلفت معهم إبان تلك الحقبة التي يبدأ الانسان فيها إكتشاف الحياة، و القيم، و الفرح، و الحزن، و اللذة، و المرارات، و الجسد، و الروح، و الحب، و لا سيما العذابات.

                  

08-24-2006, 03:39 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    معظمهم تآلفت معهم إبان تلك الحقبة التي يبدأ الانسان فيها إكتشاف الحياة، و القيم، و الفرح، و الحزن، و اللذة، و المرارات، و الجسد، و الروح، و الحب، و لا سيما العذابات.

    و النهار قد أضحى قائظا جدا كأنما ليدلي الصهد أيضا بشهادته إزاء أؤلئك الكثيرين زارني حكيم و الأمير و شددا على أننا سنترافق في زيارة مهمة صبيحة يوم العيد إلى منزل عبد الأحد، زميلنا السابق، في ضاحية جميلة تقع شرقي المدينة الثلاثية. لا بد لي أن أقر أن عبد الأحد عبد الأحد كان صديقا مقربا من زميليَ، بيد أنه كان زميل دراسة لنا جميعا في المرحلة الثانوية. شرحا بتفصيل مؤلم لماذا تبدو تلك الزيارة مهمة. وافقتهما معترفا، في ذات الوقت، بأنها ستكون زيارة صعبة جدا، على الأقل من وجهة نظري.

    ما يزال ثنائي الشمس و الصهد على موقفهما من الإدلاء بشهاداتهما تجاه الكثيرين و على وجه الخصوص رئيسنا الجديد و عسكره و عسسه. و لذا فقد ذهبنا إلى منزل عبد الأحد عبد الأحد، في سيارة حكومية بيضاء تؤول إلى والد زميل لنا آخر يعمل، الوالد، ضابطا كبيرا جدا في الجيش. الزميل ابن الضابط الكبير كان يقود السيارة بتؤدة و كأنما يريد لرحلتنا أن تستمر إلى الأبد. كنت صامتا في جلوسي بين حكيم و جمبلاط في المقعد الخلفي بينما جلس الأمير و زميل آخر محشورين إلى جوار قائد السيارة سليل الضابط الكبير. لم يكن هناك ما نجرؤ على التحدث به في ذلك الضحى العجيب من ثاني أيام العيد المجيد. صمتنا مجيد أيضا كما ذلك العيد. إنه صمت ساحم لا يليق بشبان في مطلع حياتهم يركبون سيارة فارهة في طريقهم إلى زيارة صديق و زميل في ضحى أحد أيام عيد الفطر السعيد. لكن الحضور الجبار للموت هو الذي فرض ذلك الصمت الكامد على عيدنا و على صغر سن كل منا. كانت السماء تتدثر بطيور جبارة غير مرئية ترسل ترانيم حزينة غير جهيرة. إنها مرثية الضابط العظيم في الوطن العظيم.


                  

08-27-2006, 02:14 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    إنها مرثية الضابط العظيم في الوطن العظيم.

    وصلت السيارة البيضاء بنا إلى ضاحية عبد الأحد. هكذا كان هذا الاسم قد أُطلق على الضاحية تيمنا بالجد الكبير لعبد الأحد منذ أمد بعيد بعد أن أتى بالعديد من المآثر ليستقر في قرية صغيرة إلى جوار النهر. أوقف ابن الضابط الكبير السيارة، تماما، أمام دار عبد الأحد. ترجلنا جميعا مستدعين كل تباطؤ مستحيل. أخيرا وقفنا دهرا من الأحزان أمام الباب الموارب، ثم قام الأمير بقرعه قرعات واضحة متفرقة و كأنما ليسد المجال أمام أي نكوص غير متوقع. إنتظرنا قليلا ريثما ينفتح الباب الموارب على إتساعه ليقف عبد الأحد على عتبته مبتسما ابتسامة عريضة. ها هو ينادينا جميعا بأسمائنا ثم يصيح في فرح حقيقي:
    -مرحبا بكم! كل عيد و أنتم جميعا الأسعد!

    صُعقنا حد الإرتباك. لكن الأمير إبتدر عبد الأحد بحضن حنون، ثم حذونا جميعا حذوه معتنقين الشاب الوسيم، و يردد كل منا تهاني العيد، و أمانيه، و عبارات السلام المكرورة. دعوته إيانا إلى ولوج البيت و تفيَؤ الكراسي المريحة في صالون الدار الفسيح لم تزدنا سوى إرتباكا و عقولنا مزيدا من التفكَر لإستيعاب الوضع.

    ثمة صوت هادئ و حنون ينبعث من جهاز تسجيل حديث زاد إرتباكنا حد الوجوم. كانت موسيقى حيادية تبعث في النفس مشاعر شتى ليس من بينها الحزن أو الألم أو الوجد أو الفقد. لم تكن سعيدة مع ذلك. غاب عبد الأحد قليلا ليقدم لنا حلوى و عصيرا، ثم غاب من جديد. تهامس الأمير و حكيم و ابن الضابط الكبير في ما بينهم عن كيفية التصرف و بماذا يجب أن نتحدث و كيف سنجابه الوضع الذي بدا لي شاذا و غريبا جدا. بدا كذلك لرفاقي الشباب أيضا. من الواضح أنه لم يكن كذلك لعبد الأحد و أسرته، إذ كان صوت إخوة عبد الأحد الأطفال يأتينا جذلا بالضحك و الصياح فيما بدا أنه لعب خالص. ثم كان دخل علينا و قال:


                  

08-30-2006, 02:27 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    ثم كان أن دخل علينا و قال:
    -الوالدة تسلم عليكم!

    دخلت الصالون امرأة رصينة في ملاحة كانت قد منحت قسما منها لوسامة عبد الأحد. ثوبها النسوي الأنيق يحمل ألوانا زاهية يروق للأعين أن تستقر عليها. حمل دخولها عبق عطور جميلة يعرفها كل منا في أمه و أخواته المتزوجات و كل النساء اللائي نحبهن و نحترمهن في بلادي. سلمت علينا، بأنامل تزينها الحناء، واحدا تلو الآخر في دعة أم رؤوم فيما كان ابنها يقدمنا إليها. هنأناها بالعيد و تمنينا لها كل ما هو جميل و لكل ابنائها، فدعت لنا خالص الدعاء ثم خرجت عنا في تمهل سماوي.

    شرع عبد الأحد يسألنا عن العيد و الحياة و عن كل ما نفعل أيامها سيما و أن إنتظار قرارات القبول بالجامعات طالت أشهره كثيرا ذلك العام. و فيما نحاول طرق سبل للحديث الطبيعي إنطلق زميلنا السادس يسخر من نفسه، و من الناس، و الحياة، و فيضان النهر. شاركنا جميعا في الحديث مستمسكين بتلك القشة و الزميل ماض في سخريته التي تضطرنا في أقصى حالاتها للتبسم في حذر. باختصار، تحدثنا في كل شيئ عدا عن ما جئنا في الأساس من أجله. ثم جاء آخرون من معارف و أقارب عبد الأحد عبد الأحد مهنئين بالعيد في ود حقيقي، و فرح خالص ظل يدهشنا! استمر الشاب الوسيم في تقديمنا لكل قادم إلى أن غادرنا و التساؤلات تزحمنا. هل ما شهدناه في بيت عبد الأحد حقيقي؟ طبيعي؟ تمثيلي إختياري؟ تمثيلي إجباري؟


                  

09-06-2006, 11:55 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    هل ما شهدناه في بيت عبد الأحد حقيقي؟ طبيعي؟ تمثيلي؟ إختياري؟ إجباري؟

    * * *

    ضحى مشرق جدا في المليون وحدة بجهاتها العديدة و الضابط الكبير يقترب من الجسر بعربته الجديدة و لونها العسكري الكامد. كان يفكر في ترقيته التي أضحت قريبة و أحلامه بأن يكون مؤثرا في الجيش. فقط يلزمه إظهار مزيد من الولاء لهؤلاء المتأسلمين حتى تسير الأمور كما ينبغي.

    لكن ها هي الشمس توزع ضياءها بكرم مريب رأى من خلاله جمعا من العسكريين، مدججين بالسلاح و وجوههم مكفهرة، يسدون مدخل الجسر إلى ثلث المدينة الثالث. دنا منهم ثم أوقف محرك العربة و ترجل. في الحال برز من بينهم ضابط شاب يعرفه جيدا ليتقدم منه آمرا إياه بالرجوع لأن الجسر مغلق في وجه الجميع ذلك اليوم! استشاط غضبا و عنَف الضابط الشاب واصفا إياه بإنعدام الإنضباط! لكن الضابط الشاب قاطعه مناديا إياه باسمه ليكلمه بلهجة آمرة متسلطة و يقول له:
    -عد إلى منزلك!
    -أيها النقيب، ألا تعرف إلى من تتحدث؟
    -أعرف جيدا، و لهذا آمرك بالرجوع إلى بيتك و إلاَ...
    -و إلاَ ماذا؟


                  

09-08-2006, 12:37 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    -و إلاَ ماذا؟

    لم ينبس الضابط الشاب ببنت شفة. فقط تقدم من الضابط الكبير، قائده في اللواء السبعين مظلي، و قام بقطع علامات رتبته العسكرية من كتفيه و رماها بعيدا، ثم فعل الشيئ نفسه بغطاء رأسه العسكري. شرع يضربه بعقب بندقيته نصف الآلية برفق قاس، و يقول:
    -هذا فقط سيجعلك تفهم أن شمسا جديدة بزغت على هذا التراب.

    كان الضابط الكبير يهرول أمام عقب بندقية الضابط الشاب. عندما وصل إلى حيث تقف سيارته كف الأخير عن مداعبة ظهره و عقبه المكتنز بعقب البندقية. أدار المحرك و إنطلق بسيارته كامدة اللون و هو لا يصدق أنه نجا. كان بقية العسكر على هذا الجانب من الجسر ما يزالون يبتسمون في سخرية من القائد الكبير و هو يهرول بعجزيته المكتنزة.

    في ذات النهار و عند ظهيرته الحارقة سيختطف ذا ت الضابط الشاب بندقية أحد الحراس و سيبدأ في توجيه الضربات بها إلى كل من ستطاله يداه من ضباط حاضرين، في اللواء السبعين مظلي، إلى أن يتكاثر عليه الضباط و ينتزعوها منه. سوف لن يفوته أن يشتمهم و يلعن الجبن و التآمر. سيكون محقا في ذلك إلى الأبد.

    في تلك الليلة ما بين هزيع ساعتها الزمانية الأخيرة و حزن الساعة الأولى لليوم التالي سيكون ذات الشاب الوحيد من بين رفاقه الضباط الذي لم يسكت عن شتم النظام و لعن الخونة و الضباط المتآمرين حتى لحظة إعدامه و دفنه قبل أن تفارقه الحياة بالكامل. سوف لن يسقط في تلك الحفرة المظلمة بعد أن يطلقوا عليه أكثر من سبع رصاصات. فقط سيستمر على شتم الخونة و المتآمرين إلى أن يدفعه مصاص الدماء من على حافة الظلمات. سيكون بانتظاره نور الأبدية الشفيف محيلا شتائمه نشيدا للخلود و الجمال السديمي.



                  

09-13-2006, 02:18 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    سيجد بانتظاره نور الأبدية الشفيف محيلا شتائمه نشيدا للخلود و الجمال السديمي.

    * * *

    هبطت الحوامة المصفحة العملاقة في الأرض الخلاء. كانت تزين مقدمتها فوهة جبارة لرشاش عملاق أهلك و سيهلك أرواحا زكية أثيرة لدى الوطن العظيم. الأرض، حيث جثمت الحوامة و محركها الجبار ما زال يهدر، مستوية قدر الإمكان و تتمدد فوقها جحافل العشب الأخضر شبه الميت. هبط من جوف طائر الموت ضابطان شابان برتبة الملازم و مسلحان بمسدسين كبيرين. وراءهما هبط أربعة عسكريين برتب أدنى. كانوا ضباط صف في شعبة الاستخبارات العسكرية و مسلحين ببنادق آلية سريعة الطلقات، و يتمنطقون بغدارات كامدة الألوان.

    تقدموا جميعا صوب الضابط الشاب آمر الوحدة العسكرية في ذلك الصقع الركين من الوطن. سلم عليه الضابطان بروح زمالة قديمة، متحفظة. عرفهما على الفور فقد كان و هما زملاء سلاح في الكلية الحربية. فقط كان يتفوق عليهما في كثير من الميادين، ولذا فقد دُفع به فور تخرجه إلى جبهة البلاد الملتهبة قائدا لمعسكر صغير على نقطة حدودية متوترة مع دولة باتت عدوة بقدرة حكماء الوطن المرتزقة. أما هما فقد أهَلهما ولاؤهما للتنظيم المتأسلم للإنضمام إلى شعبة أمن و مخابرات الجيش.

    ما يزال محرك الحوامة يهدر في صخب مؤذنا بمغادرة وشيكة. أمر الضابط الشاب أحد جنوده باستجلاب ماء و شاي "للضيوف". كان واثق الضمير رائق المزاج و تطوف بخياله تفاصيل عمليته الأخيرة مع نخبة مختارة من جنده في عمق العدو.


                  

09-17-2006, 07:04 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)



    كان واثق الضمير رائق المزاج و تطوف بخياله تفاصيل عمليته الأخيرة مع نخبة مختارة من جنده في عمق العدو.

    كان قد جمع جنوده جميعا في طابور مهيب ذات صباح ثاقب بعد أن صلى الصبح حاضرا و استخار الله ثلاثا. تكلم فورا ولم يهدر وقتا في التفاهات العسكرية. قال:
    -تعلمون جميعا ما حدث لأتيم و إزيرق و تاج الأصفياء. هذا أوان ردنا على العدو. سأتحمل لوحدي، بصفتي القائد هنا، تبعات كل ما يحدث. لكنكم ستحررون إخوانكم الابطال!

    صمت جائلا بعينيه في الوجوه الصارمة تحت عتمة الفجر البازغ مستشرفا فجرا آخر سيبزغ على الثلاثة الذين ذكر أسماءهم. أضاف:
    -أريد أربعة عشر رجلا فقط. لن أسمي أحدا!

    بادر جندي صغير السن، ضامر الجثة كأنما لم يبلغ للرجال مبلغا، ملبياً:
    -سيادتك!

    ثم خطا خطوة واحدة إلى الأمام. توالت من بعده الأصوات ملبية ليكتمل العدد. قام الضابط الشاب بترقية كل واحد من المتطوعين رتبة واحدة على الفور. أخرج علامات بالرتب الجديدة من مكان ما و ثبتها على كم قميص كل منهم في هدوء. كان قد إستعد لهذه اللحظة جيدا منذ عدة أيام لم يكن ينوم خلالها من فرط قهره على الجنود الثلاثة والموقف العجيب لقيادة الجيش في العاصمة.. لم يفهم لماذا أصرت قيادته على صمتها الأثيم تجاه نداءاته المتكررة بإطلاق يده لتحرير الجنود بعد أن رفضت رفضا قاطعا في المرة الأولى.


                  

09-17-2006, 01:29 PM

Mustafa Mahmoud
<aMustafa Mahmoud
تاريخ التسجيل: 05-16-2006
مجموع المشاركات: 38072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    up
    صَيْدُ العصافير


    الشاعرْ

    يتمنى أن يكونَ عُصْفُوراً.

    أمّا العُصْفورْ

    فيرفُضُ أن يكونَ شاعراً

    حتى لا تصطادَهُ...

    الأنظمةُ العربيهْ..
                  

09-17-2006, 10:39 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: Mustafa Mahmoud)

    مصطفى محمود
    يا صديقي في الله ...
    يا حامل مشرط الوطنية الأسمى!
    كم أنا سعيد بأنك مررت من هنا
    لتشد من الأزر و تزين هذا الموضع
    بشعر جميل كهذا.

    للعصافير الله و الفضاء الرحيب
    أما الشعراء فإنقسموا على أمرهم

    بعضهم لم تعد تسعه المصائد و
    الزنازين و المكائد.

    و بعض أصبح يذكر اسم الحاكم
    كثيرا، و يمجد الانبياء الكذبة،
    ويقتات من موائد الديناصورات

    شكرا يا صديقي
                  

09-18-2006, 12:43 PM

Mustafa Mahmoud
<aMustafa Mahmoud
تاريخ التسجيل: 05-16-2006
مجموع المشاركات: 38072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    up


    تصحيح


    أنا لا أعْلِنُ الحربَ

    على جِنْس العَرَبْ..

    وإنّّما أُعْلِنُها،

    على عَرَبِ الجِنْسْ!.
                  

09-19-2006, 05:03 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: Mustafa Mahmoud)

    أيا حامل المشرط الأسمى للوطنية
    يا صديقي

    قل لصديقك الشاعر العظيم الراحل
    و هو الأمجد بين شعراء زماننا
    و كل الزمان.

    قل له:
    أمَا نحن فقد أعلنا الحروب
    على جميع الآلهة
    القديمة
    و كل الآلهة الجديدة
    و ألاَ آلهة أخرى هناك
    سوف تأتي

    قل له
    إنَا قد أعلنا الحب على
    على جميع الشعوب
    و كل الذين يسلكون الدروب

    لا ينتظرون مسحاء لا يأتون


    عشت
                  

09-20-2006, 01:59 AM

Mustafa Mahmoud
<aMustafa Mahmoud
تاريخ التسجيل: 05-16-2006
مجموع المشاركات: 38072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    thank you ya asal ya wad ballad ya aseel
    all my love and respect
    mustafa
                  

09-21-2006, 03:05 PM

Mustafa Mahmoud
<aMustafa Mahmoud
تاريخ التسجيل: 05-16-2006
مجموع المشاركات: 38072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: Mustafa Mahmoud)

    up
    up
    حُرُوبي الجميلة


    كُلّما كتبتُ قصيدةً ناجحةْ

    بدأ القَصْفُ المدفعيّْ

    عليَّ.. وعليها..

    إنَّ أكثرَ ما يُضايقني في الشِّعْرْ

    هو معاهداتُ الصلحْ..

    واتفاقياتُ الهُدْنَة...
                  

09-21-2006, 03:53 PM

Mustafa Mahmoud
<aMustafa Mahmoud
تاريخ التسجيل: 05-16-2006
مجموع المشاركات: 38072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: Mustafa Mahmoud)

    [B]قراءة في كفّ امرأة جميلة


    ليس هناك امرأةٌ في الدنيا أجملَ منك..

    ولكن مشكلتكِ..

    كمُشْكِلة الوردة التي لا تشمُّ عطرَها..

    كمشكلة الكتاب الذي لا يعرفُ القراءة..

    أنتِ أهمُّ امرأة في العالم..

    لا لأن عينيكِ هما حديقتان آسيويتان مقمرتانْ

    ولا لأن شفتيك تحتكران نصفَ محصول فرنسا

    من النبيذْ

    ولا لأن نهديكِ هما أوَّل ديكتاتوريْنِ يحكمان

    العالم الثالثْ..

    ولا لأن جسَدك الذكيّ..

    يفهم ما أقوله، قبل أن أقوله..

    أنتِ أهمّ امرأة في العالم..

    لأنني أحبُّك....


    I HOPE YOU AND YOUR GUESTS WILL LIKE THIS FROM USTAZ NAZZAR
    MUSTAFA
    JUST TO LIFT THIS WONDERFUL POST
    UP
                  

09-21-2006, 07:07 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: Mustafa Mahmoud)

    يا صديقي
    أيا حامل المشرط الأسمى للوطنية
    سأعود إليك و إلى إنتخابك البديع
    لدفق نزار الفردوسي..


    دم مرهفا حد الأبد
                  

09-22-2006, 04:32 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    لم يفهم لماذا أصرت قيادته على صمتها الأثيم تجاه نداءاته المتكررة بإطلاق يده لتحرير الجنود بعد أن رفضت رفضا قاطعا في المرة الأولى.

    في ذلك اليوم حقق فتحا مبينا للوطن الماجد مع جنوده الأربعة عشر. دخلوا إلى عمق الأراضي العدوة. دمروا معسكرا ثم حرروا جنديين من الثلاثة. أخبرهما الجنديان أن الجندي الثالث كان قد نُقل قبل يومين اثنين إلى عاصمة العدو! لقد إنتُقص النصر المبين!

    طفق يلعن القيادة على تقاعسها حيال نداءاته المتكررة بالسماح له باستنقاذ الجنود الثلاثة كلما تسللت استخبارات العدو و خطفت واحدا منهم. كانت تلك الأحداث، بدءً بإختطاف الجنود الثلاثة، قد توالت بعيد هدنة وُقعت بين البلدين. و ها هو قد فعل ما رآه ضروريا لهيبة الجيش و الدولة! هكذا آمن.
    -ستذهب معنا إلى القيادة!

    هكذا استفاق على صوت أحد الضابطين؛ أكثرهما لزوجة و نعومة. عرف أنه الإعتقال. بيد أنه لم يعرف أبدا ما سيجري له بعد ستة أشهر.

    في العاصمة أخذوه إلى السجن الحربي. حيث قضى ثلاثة من أسوأ أشهر حياته على الإطلاق ما بين تعذيب و تحقيق. بعدها أفرج عنه ليتم إلحاقه بقيادة الجيش. في القيادة أينما ولَى وجهه وجد إحترام الجند و تحاياهم التي لا تنقطع. قال عنه أحد زملائه الضباط ذات يوم محدثا صديقا مدنيا للأول:
    -سيكون لصديقك شأن كبير في الجيش.


                  

09-22-2006, 04:34 PM

Mustafa Mahmoud
<aMustafa Mahmoud
تاريخ التسجيل: 05-16-2006
مجموع المشاركات: 38072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    كل عام وانت بخير

    ربي يصومك ويفطرك علي خير
    i hope next year we are all celebrating the end of the ingaz mafia gang dictatorship
    dr mustafa
                  

09-23-2006, 04:05 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: Mustafa Mahmoud)

    يا صديقي الماجد

    كل عام و أنت بخير
    يتقبل الله صومك و صوم القراء و الزملاء.
    تصوم و تفطر على خير.


    سلام
                  

09-23-2006, 04:07 PM

Mustafa Mahmoud
<aMustafa Mahmoud
تاريخ التسجيل: 05-16-2006
مجموع المشاركات: 38072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    up
    ياهولاكو الزمن إتغير
    لا الآلام ... لا الإعلام
    لا أمن الدولة .. ولا البمبان
    بتقصر طولنا
    وتكسر قولنا.
    تتوحد إيدنا
    وننسف قيدنا
    والشمس الجاية عليها
    مسطر
    الزمن الأخضر
    لعيون أولادنا وللإنسان.
    ***
    يا هولاكو الزمن إتغير
    الشعب مخير
    ماهو مسير
    وأكتوبر عايد
    جوه هتافنا العالي مفجر
    بي دم الشهدا الغالي مصور
    والشعب جعان
    لكنو موحد فى العصيان
    لكنو بيعبر فى الأحزان
    لكنو بيزحف فى البمبان
    لكنو بكسر فى الأوثان
    ***
                  

09-24-2006, 04:02 AM

Mustafa Mahmoud
<aMustafa Mahmoud
تاريخ التسجيل: 05-16-2006
مجموع المشاركات: 38072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: Mustafa Mahmoud)

    محاكم التفتيش


    لا يستطيعُ أحدٌ أن يستجوبَ قصيدةً..

    ويسألها: أين كانتْ؟

    ومعَ منْ كانتْ؟

    وفي أيَّ ساعةٍ رجعتْ إلى البيتْ؟

    القصيدةُ، هي التي تطرحُ أسئلتها

    وتستجوبُ مُستجوبيها....
                  

09-29-2006, 03:23 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: Mustafa Mahmoud)


    -سيكون لصديقك شأن كبير في الجيش.

    لم يكن إي منهما يدري أن سيجري إعدام الضابط الشاب، بعد ثلاثة أشهر من حديثهما ذاك، بتهمة الخيانة العظمى و التآمر لقلب النظام!


    .........................*...................*....................*.........................

    -الحمد لله على سلامتك، يا سيدي!
    قالها سمير بعد أن دخل مكتب الضابط الشاب الوسيم. رد عليه الأخير التحية و سأله عن أحواله في إخلاص حقيقي. لم يتردد سمير، العريف في كتيبة المدفعية المنوط بها حماية المطار و الأب لخمسة أطفال، في أن يشكو ضيق ذات اليد الأبدي و عسر الولادة الذي تعانيه حليلته ذلك اليوم. كان يعلم أن الملازم أول صلاحا قد عاد لتوه من الأراضي المقدسة بعد أدائه العمرة، و كان يخجل في أعماقه لشكواه تلك بيد أن حوجة زوجته و الأطفال حاصرت في نفسه فضيلة الاستحياء إلى الأبد.. محقتها في واقعية فجة. لكن صلاحا بنظره كان الثاني بعد الله في هذا العالم! و لذا فقد كان يطمع في عونه الأكيد، الحاني.


                  

10-03-2006, 09:23 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: Mustafa Mahmoud)

    مصطفى محمود
    يا صديقي الأمجد في الله
    شكرا كثيرا جدا على هذه الأنفاس القدسية
    آمل أي يكون رمضان حنونا في عشرته الوسيطة
    معك و مع جميع الصائمين.

    دم حاملا للمشرط الأسمى للوطنية
                  

10-06-2006, 05:06 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    لكن صلاحا بنظره كان الثاني بعد الله في هذا العالم! و لذا فقد كان يطمع في عونه الأكيد، الحاني.

    في صمت أدخل صلاح يده في جيبه ثم أخرجها حاملة أوراقا مالية و مدها، دون أن يحفل بإحصائها، إلى سمير الذي سالت دموعه إلى داخل عينيه. لو قدر لتلك الدموع أن تسيل إل الخارج لملأت نهرا من الوفاء و الإمتنان و لحفرت على خدي الجندي الشاب أخاديد تدوم كما الوشم. خرج سمير ليدخل من بعده جبرائيل مشار، الذي تعاني أمه من ربو مزمن. كانت قد إنضمت إليه حديثا في العاصمة من بعد عثورها عليه بعد فراق دام أحد عشر عاما خالته قد قضى خلالها. فرقتهما الحرب، المزمنة في الإقليم، و ابنها لمَا يبلغ من العمر مئةً و ثمانية و ستين قمرا. هكذا هرب كل منهما على عجل ذات يوم أغبر و في ظنه أن الآخر قد قضى أثناء إقتتال الفرقاء حول السيطرة على القرية الوادعة. و ها هو الابن اليوم ضابط صف في الجيش و يحمل من الأقمار ثلاثمئة لتضيئ عمره و حياة الأم . فقط الربو ينغص عليها ليالي الشتاء و كذلك يفعل بفرحتها الأبدية بإلتقاء جبرائيل الصغير.

    مد صلاح لجبرائيل لفافة من البلاستيك:
    -هذا من أجل الماما، يا مشار!

    سيبكي صلاحا سمير و مشار و حسب القوي و محمد أحمد و كثيرون ممن عملوا تحت إمرته، و سينضمون ذات يوم إلى قوات التمرد التي تحارب ضد جبروت الحكماء المرتزقة في الأقاليم البعيدة. أما هو فسيهتف لحظة إعدامه:



                  

10-13-2006, 04:33 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    أما هو فسيهتف لحظة إعدامه:
    -أحبك أيها الوطن!

    * * *

    -عبده، أريدك أن تشتري لي تنورة و حذاء!
    -حاضر، يا لنا!
    -و أنا يعوزني ثوب جديد لأجل الزيارات في الحي و مناسبات الجيران.
    -سأشتريه لأجمل هناء في العالم.
    -أما أنا فأريد حقيبة يد جديدة و حذاءً.
    -و هل لديَ في هذه الدنيا غير هيا واحدة؟ سأشتريهما لك.

    كان عبد الإله يجلس متوسطا أخواته الست غير الشقيقات في آخر إجازة له في مدينته البعيدة بعد أن عاد لتوه من جبهة القتال. كان أخا و أبا لأخواته بعد وفاة أبيهن منذ زمن بعيد. أما أمه فكانت تقول له:
    - أنت ابني أمام الله و الناس. لكنك أيضا أخي، و أبي ، و حبيبي، و قرة عيني.

    ثم تضيف بعد أن تنظر إليه في حنان و حب:


                  

10-20-2006, 12:29 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)


    ثم تضيف بعد أن تنظر إليه في حنان و حب:
    -سعيدة هي المرأة التي ستكون زوجا لها، يا بني.

    يبتسم فقط لكلامها. أما حينما يكونان لوحدهما و تمضي في إشارتها إلى زواجه، فيقول:
    -يا أمي، أنا الآن أب لست أميرات جميلات هن بناتك. بعد أن يتخرجن في أحسن الجامعات و يتزوجن سأتزوج امرأة تنتخبينها لي.
    -الأعمار بيد الله، يا بني، لكني أريد أن أرى أبناءك و أضمهم إلى صدري و أقبل جباههم الشم الصغيرة قبل أن أموت.

    لم تكن تعلم أن الموت سيكون أسبق إليها منه و أن تلك كانت آخر مرة تراه فيها قبل أن يتم إعدامه بتهمة التآمر لقلب النظام و الإنتماء إلى تنظيم سياسي محظور. ببساطة كان ضابطا خلوقا في الجيش و أخا و ابنا إستثنائيا. سيكون عزاؤها أنها لن تكون وحدها، و بناتها، من يبكيه بألم حقيقي.

    ...............................*...................*....................*.......................

    رجل عادي، مثل غيره من الرجال، عوض كونه يوزع ابتسامة خالدة على الجميع بدءاً بمرؤوسيه مرورا بأنداده، في الحياة و في العمل، و إنتهاءً برؤسائه في الجيش. فيض تلك الإبتسامة دأب على الإنثيال بسلاسة من وجهه إلى وجه محادثيه و كأنما هو عدوى جميلة، باذخة. و كان أن بلغ بأحد زملائه، إبان دراسته بالكلية الحربية، أن أسماه "بسمتيك" بسبب تبسمه الجميل، الباذخ. طغى اللقب الملكي الغابر ليقترن بالشطر الثاني لأسمه ليصبح "الأمين بسمتيك". ثم كان أن إنتخبت الأقدار له زوجة حنونا جميلة، فوق أنها كانت تحبه بتفرد. أما هو فثابر يتعشقها و ينتظر أن تضع حملها ليسمي ابنه البكر خالدا تيمنا بأبيه الراحل.


                  

10-22-2006, 07:43 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    تهنئة خالصة و أمينة بعيد سعيد على الوطن
    لكل الزملاء هنا و القراء المحترمين في كل بقعة
    على ظهر أمّنا الأرضية و أبونا السودان.

    تقبل الله صوم الجميع و جعل أيامنا أمنا و سلاما
    و رخاء. و أدام المحبة و الإحترام قيما صقيلة
    بيننا، و الرفعة وشاحا يزين هامة الوطن.. و
    الحرية طائرا وادعا يهيمن على سمواته..

    أسأل الله أن يذهب عنا كيد الكائدين و رجس كل شيطان
    من إنس و جان.. و يعيد إلينا و طنا سُرق ذات
    حزيران.. و أن يحببنا في هذا الوطن أكثر.

    أشكر كل من تداخل هنا قديما و حديثا.. و أشكر
    أكثر كل من شارك في هذا البوست بالقراءة و من
    حرص على إيصال تجاوبه بشأنه مشافهة و عبر البريد
    الإلكتروني.

    قرن الله ساعاتكم بسعاداتكم.
    كل عيد و أنتم جميعاالأسعد..
    .
    .
    .
    بوعسل أبوعسل
                  

10-27-2006, 05:49 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)



    أما هو فثابر يتعشقها و ينتظر أن تضع حملها ليسمي ابنه البكر خالدا تيمنا بأبيه الراحل.

    دُعي إلى إجتماع عاجل مع الرجل الذي سيُعرف فيما بعد على نطاق واسع بمصاص الدماء و أسماء أخرى كثيرة من قبيل السفاح، و عزرائيل، و ملك الموت، و طائر الشؤم، و حليف عزرائيل، و رسول الموت. قصد الإجتماع آخرون غيره من الضباط الذين كان قد إجتمع مع بعضهم مرات عديدة في الآونة الأخيرة، بمشورة من مصاص الدماء. توقع أن تكون هناك تعديلات طارئة على الخطة كأن يتم تسريع التنفيذ أو إبطاؤه، لكنه لم يتوقع أن يقول مصاص الدماء بلهجة آمرة:
    -فلتنسوا الثورة!
    -لكن يا سيدي....
    تكلم صوت ما بينما بقيت معظم الوجوه تنتظر تفاصيل تميط الكثافة عن هذا التراجع الذي بدا عجيبا، و غير مبرر، أو قابلا للتصديق. . بدا خائنا جدا.

    مصاص الدماء كان من بادر ذات ليلة بالإتصال ليلتقي كل فرد منهم و يشرح أن البلاد تمر بمنعطف خطير و أن الثورة قد حادت عن جادة الحق بسفور. و لذا، بصفته وزيرا للدفاع الوطني و أحد أعمدة الثورة، فقد قام بدراسة ملفات العديد من خيرة الضباط ليستقر عليهم هم بالتحديد من أجل التصحيح. هاهو الآن بنبرة تسلط غبي يأمرهم بنسيان الثورة التصحيحية!

    -إنتهى الإجتماع. إنصراف!
    هكذا قام من مجلسه، بعد أن قاطع تلك ال"لكن يا سيدي..."


                  

11-03-2006, 04:04 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    هكذا قام من مجلسه، بعد أن قاطع تلك ال"لكن يا سيدي..."

    تغيرت سلبا جميع وجوه من حضر الإجتماع إلا وجه محمد الأمين الذي لم يلقب ببسمتيك جزافا. همس لآخرين بعد مغادرة مصاص الدماء بضرورة عقد إجتماع عاجل، في اليوم التالي، لمناقشة هذه المسألة الملحة، غير المتوقعة، غير العادلة. فقط يفكر في غد جميل آت من أجل الأجيال الجديدة بما فيهم خالد الأمين المتوقع إنبثاقه تلك الأيام.

    فيما بعد و أثناء نقله و رفاقه مغلولي الأيدي و الأرجل في ليل بهيم، سيطلب من أحد الحراس أن يستخرج من الجيب العلوي لغلالته العسكرية ورقة فيما بدا أنها رسالة إلى زوجته الجميلة، و ساعة يد. سيقول له:
    -أرجو أن تأخذ هذه الاشياء و تسلمها لزوجتي. قل لها أن تسمي المولود محمد الأمين إن كان ذكرا، و سيرين الحكايا إن جاءت أنثى!

    سيتم إعدام جندي الحراسة لأمانته في إنفاذ وصية ضابط شاب يساق إلى الإعدام دون محاكمة. سيقبض عليه إثر زيارته في اليوم التالي للأرملة الحامل. سوف لن يُقدم إلى أية محاكمة مثل الكثيرين من ضباط الصف و الجنود الذين أخفت السلطة أمر إعدامهم جميعا أثناء هذه الأحداث الجسام. كان أيضا، كما أؤلئك، يفكر في فجر جميل آت، و أبا لطفلين جميلين.


                  

11-03-2006, 04:08 PM

Mustafa Mahmoud
<aMustafa Mahmoud
تاريخ التسجيل: 05-16-2006
مجموع المشاركات: 38072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    my dear friend abu assal
    i dedicate this for you and for your guests
    i hope you and they like it
    mustafa

    شــكرا مني..علي الحقيقة

    وفعلا..


    الجبهجي الكضاب
    ال للحقوق نهــاب

    أوع تقول شرع الله
    سميهاشريعة الغاب

    ********************

    في اي كتاب مكتوب
    الشعب يعيش مغلوب
    حق الكلام مسلوب
    بالحقد شحنت قلوب

    شهيتنا في اللالوب

    ********************
    في دولة الأرزال
    الدين بقي إذلال
    المر بتقولوا ذلال
    وإتلموا الككو غزال
    ********************
    الجبهجي النسناس
    الدين كرامة الناس
    الدين للعدل أساس
    الدين للعاري لباس
    ما قطع اليد والراس

    ********************
    يا حاقد يا مهووس
    عملت الدين جــاسوس
    لكرامة الشعب يدوس
    حتــاخد يا منحوس
    من شعبنا أقصي دروس
    ********************

    الجبهجي الكضاب
    ال للحقوق نهــاب

    أوع تقول شرع الله
    سميهاشريعة الغاب


    أوع تقول شرع الله
    سميهاشريعة الغاب

    أوع تقول شرع الله
    سميهاشريعة الغاب
                  

11-04-2006, 02:55 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: Mustafa Mahmoud)

    د. مصطفى
    يا صديقي الباسق!
    جميل، مثلما أنت دائما، هو إهداؤك
    شكرا شكرا... على نثر هذه الإنفاس
    الانسانية التي تستمد ألقها من ثنايا
    الروح، بما أن الروح هي من روح الله.
    هل يمكنني أن أقول شكرا على هذه
    الأنفاس الإلهية؟
    عشت يا حامل المشعل
    الوطني الأسمى!
                  

11-04-2006, 04:19 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    بوعسل يا ابومخابئ العسل إنهم لا يدرون وحينما يأتيهم هدهدك بنبأ من سبأك فسوف لا ولن يقوون عليه وسيكشفون السيقان والصدور ويكشفون القلوب والعقول وسيخر صعقا عاقلهم وسيتهاوى غير ذلك فى تيه إلى ما شاء الله أكتب وأقرأ ما تكتب وسياتى الله من ظهورهم بمن يقرأ وستظل صدقاتك جارية بإذن ربى وربك...........................





    سلامى لك والود

    منصور
                  

11-08-2006, 02:44 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: munswor almophtah)

    صديقي الأديب
    المنصور
    بن عبد الله
    آل المفتاح
    هأنت في إبحارك مستبصرا هذه (المخابئ) تتنسم أنباءً عظاما من كل سبأ. لن يعوزك هدهد سليمان، أو نورس تشيخوف، أو عنقاء الرجل الحالم (عنقائي) تنهض أبدا من رمادها إلى وهج المستحيل. ذلك أنك تملك أن تميط الحجب مهما استغلقت بالرمز الفادح أو استعصمت بأستار البوح الخجول. لا غرو فأنت المفتاح!.

    إنها نبوءة الأديب (نبوءتك) فدعهم حينما تكف الحجب عن استغلاقها- عليهم- ينضون الثياب عن لجج القلوب، و يكشفون عن كل ما يعن لهم في هذا العدم الفادح. ما الأدباء إلاّ أنبياء بدرجات مختلفة!

    عش ماجدا يا صديقي النبيل
                  

11-10-2006, 05:24 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    كان أيضا، كما أؤلئك، يفكر في فجر جميل آت، و أبا لطفلين جميلين.

    أما الأرملة الجميلة الحنون فقد وضعت حملها في ذات ليلة إعدام جندي الحراسة و بعد ليلة من رحيل الضابط الشاب، و أسمت التوأم محمد الأمين و سيرين الحكايا، ثم طفقت تعلمهما معنى أن يكون الوطن مسروقا ذات حزيران.

    ........................*..................*...................*...........................

    -يا أفول الشمس و الدين! لن أطلق عليك رصاصة من مسدسي. لن أطعنك بحربة بندقيتي! تعلم أنني أريد أن أقبض عليك بيديّ هاتين، لتُقدم فيما بعد لمحاكمة عادلة.

    كانا يتصارعان.. يتعاركان بإخلاص على الأرض القاسية المحايدة أمام العربة المدرعة هادرة المحرك. جنود نوبة الحراسة الليلية الثالثة داخل بوابة القيادة طفقوا يقفون حولهما ممسكين بكل بندقية نصف آلية. ينتظرون ما يسفر عنه ذلك النضال الذي بدا محسوم النتيجة بين ضابط عظيم و مصاص دماء ذئبي. ترددوا إلى من ينحازون.. أإِلى نُبل العظمة أم بطش القوة و سلطة القمع الرهيب؟ لم تلبث حيرتهم أن تبددت إذ ها هي العظمة تنتصر و تتربع على صدر البطش الغادر، ليقول الضابط العظيم:


                  

11-11-2006, 08:16 AM

Emad Abdulla
<aEmad Abdulla
تاريخ التسجيل: 09-18-2005
مجموع المشاركات: 6751

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    ضد القبح ..
    و للجمال .
                  

11-13-2006, 02:12 AM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: Emad Abdulla)

    عماد عبدالله
    يا أيها الرجل الذي يكتب بالأكاليل
    أي زهو لمكاني هذا بكلماتك الدافئة

    عش ماجدا
                  

11-16-2006, 03:45 PM

ابوعسل السيد احمد
<aابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المنافي الأكثر استحالة (Re: ابوعسل السيد احمد)

    لم تلبث حيرتهم أن تبددت إذ ها هي العظمة تنتصر و تتربع على صدر البطش الغادر، ليقول الضابط العظيم:

    -سأصفدك الآن و سآخذك مغلولا، دون إراقة دماء، إلى جوف مدرعتي. و لينظر القضاء العادل في أمرك فيما بعد.

    يدرك البطش أن سماءه غامت، فيهتف مصاص الدماء بأحد الجنود المتحلِّقين حولهما:
    -هيا أطلق عليه النار! إفعل! هذا أمر.
    يتردد الجندي، لكن الذئب يهتف به مناديا إياه برتبته و مكررا الأمر فيتردد صدى الطلقات حزينا يردد رجعه سكون الليل، و تتحرر الدماء الزكية. و إذ تتراخى قبضة الضابط العظيم في الوطن العظيم، تنتحب الأرض في سكون حزين، نادمة على خطيئة حيادها الأخرق.

    * * *

    "شر الخطّائين الكذّابون، و أكذب المعادن آلهتُها. يا بني، لم يعد الظن أكذب الحديث. مُذ تنازل الشيطان عن عرشه أضحى حديث الآلهة المزيفة أكذب الحديث. لا تعجب! لا تقل: يهرطق عجوزي في خاصرة العمر."


                  


[رد على الموضوع] صفحة 2 „‰ 3:   <<  1 2 3  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de