محمد عبد الخالق بكري يكتب عن الإضراب السياسي والعصيان المدني ....

Quote: الوضع الاقتصادي الان في السودان شبيه بالظروف التى سبقت انتفاضة أكتوبر وانتفاضة مارس/أبريل . ضائقة اقتصادية وورطة في الميزانية . بعد ان قبلت حكومة عبود المعونة الامريكية والقروض الاجنبية لم تضع حساب الزامية السداد وتأثيره على الميزانية فبدأت في تسديد وخدمة الدين الاجنبي عام 1963 وحاولت ايضاً وزارة المالية تحويل العبء الى عاتق الجماهير . فقد صرح وزير المالية في عرضه لميزانية 64-65 بانها ستكون ميزانية ضغط وتقشف مما عنى التضييق على جماهير العاملين وقد حدث بالفعل منذ عام 1962 تشريد اعداد كبيرة من العاملين . على كل كانت في الاعوام 1963 و1964 كانت هناك ضائقة معيشية غير مسبوقة ( هذا مع وضعنا في الاعتبار نظرية "الحرمان النسبي" Relative deprivation ). الان فقدت سلطة الانقاذ موارد الفورة النفطية المؤقتة وبدل عن معالجة الامر بحكمة مع حكومة الجنوب والمجتمع الدولي ارهقت المالية بحروب جديدة فافلست امام عزلة قاتلة لم تترك لها دائناً محتمل . في فترة نميري فقد النظام مصداقيته عالمياً بنقض اتفاقية اديس ابابا وتجدد الحرب وضائقة مالية ترتبت على ما عرف بعقد التنمية الضائع الذى صادفت خيبته مجاعة 1983 . الان المجاعة حاضرة في دار فور واخراج جنوب النيل الازرق وجنوب كردفان من دائرة الانتاج وادخالهم عنوة في دائرة المجاعة ، وضائقة القضارف في ضعف الانتاجية وتهميش الجزيرة . لم تكن ثمة حلول في الافق للطغمة الحاكمة عام 1963 ولا حلول للطغمة الحاكمة الان وذلك لتراكم الاخطأ على نحو لا يمكن تداركه. من ناحية ، الازمة الاقتصادية لازمة للانتفاضة السودانية . ومن ناحية اخرى الانقسام داخل السلطة وعدم التوحد بين الفئات الحاكمة في اى اتجاه تسير وكيف تحكم ، هو لازمة اخرى وضرورية للانتفاضة السودانية . هنا نرجع للانقسامات داخل المجلس العسكري الأعلى زمن عبود وانسلاخ الختمية عن تأييد النظام بحلول عام 1962 . اما في زمن نميرى فننظر لطرد الاخوان المسلمين من السلطة وسجنهم والمحاولة اليائسة لايقاظ فلول الاتحاد الاشتراكي بعد الارهاق الذى استنفد طاقتهم في صراعهم مع الاسلاميين فقد كانت خطوة متأخرة لم تجدى فتيلاً . اما اليوم فبشائر الانقسام في السلطة واضحة منذ مرحلة المذكرات والالتماسات التى رفعتها اقسام من المؤتمر الوطنى وبات واضحاً ان حفنة من الرجال تسيطر على السلطة وتمسك بزمام الامور . في اعتقادى الصميم ، ليس ثمة حزب او حركة منظمة تقف خلف السلطة فقد نجح البشير في القضاء على الحركة الاسلامية نهائياً ، خوفاً من انقلاب اولاً وخوفاً من قوتها الجماهيرية ثانياً ، وبقيت حفنة من المستفيدين من استمراره في الحكم . ما تبقى من الحركة الاسلامية مع النظام لا يعدو ان يكون مجرد حزب سلطوى سينهار في اول مواجهة مثلما انهار الاتحاد الاشتراكي. بكلمة واحدة الجماهير السودانية الان تواجه نفوذ البشير ونافع وعلى عثمان وبكري حسن صالح وغازي صلاح الدين ..الخ وليس الوجه التاريخي للحركة الاسلامية في تسعينات القرن المنصرم . دلائل الانقسام في السلطة عديدة ابسطها الخلاف حول معالجة الحرب والتعامل مع المجتمع الدولي ، ابسطها الاحتراف بخصوصية النيل الازرق وجنوب كردفان ودارفور والجلوس من اجل تسوية شاملة ، ابسطها التعامل مع واقع الدولة الجديدة في الجنوب والتعاون معها او وأدها ، ابسطها التعامل مع الازمة الاقتصادية ورفع الدعم او عدمه . وبالضرورة سيتفاقم لخلاف فليس ثمة آلية ديمقراطية لحسمه . نعم ، هذه ازمة ثورية على نحو كلاسيكي ، لكن ينقصها غياب الرؤية من جانب المعارضة للاسلوب الذى يمكّن الجماهير من الاطاحة بهذه السلطة . شدة ازمة النظام تصّور وكأن سقوط السلطة سيقع تلقائياً ، ولكن هذا لن يحدث . بدون حركة جماهيرية واضحة الاتجاه تصير الازمة عقيم . معظم الاحزاب والحركات السياسية تتحدث عن انتفاضة قادمة ، وكأنها طائر الرخ يهبط هكذا فجأة ، والبعض يتحدث عن تراكم الفعل الثوري وتحولات نوعية تذكر بنزعات واسقاط الفلسفة الميكانيكية على الواقع الاجتماعي والبعض ينتظر تدخل عسكري اجنبي يحسم الواقع ويعيد ترتيبه . هذا لا يجدى والافضل النظر الى الواقع والعمل في طينته التى لا نجاة من غيرها . اقسام من حزب الامة والحزب الاتحادي الديمقراطي بلغ بها اليأس حد الاستسلام والمشاركة في السلطة واقسام اخرى في الحزبين ما زالت تناهض وتعارض . هل هذا جديد؟ هذا ليس بجديد من تجاربنا السابقة في أكتوبر وابريل . سيلحق حزب الامة وجماهير الاتحادي بالاحداث وسيكونا في قلبها وقد اثبتا ذلك في معركة تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل التى احبطت تخرسات نافع وصلفه . لا لليأس ومرحباً بالامل .