|
نساء فوق خرائط الوهم والرغبة رواية لكاتبة سورية شابة جديرة بالاهتمام#
|
يصعب إحصاء عدد نساء رباب حيدر في باكورتها الروائية «أرض الرمّان» (دار بدايات ـــ دمشق)؛ إذ إنها تقتفي أثر سلالة طويلة تنتمي إلى حكايات سحرية، أكثر من انتمائها إلى أرض ملموسة. هكذا، تحفر الكاتبة السورية الشابة في تاريخ بيئة جبليّة ملتبسة، أطاحت الحملاتُ التبشيرية صفاء دماء عائلاتها، مقابل كيس طحين لكل عائلة، أيام المجاعات القديمة مطلع القرن المنصرم. إنه زمن سطوة الإقطاع المحلّي، حين كان الآغا يبارك أجساد النساء قبل الليلة الأولى. ستتناسل سيرة جمّول، الابنة الكبرى التي تنتهي منتحرة، إلى بقية السلالة، وصولاً إلى جفلة التي ستغلق تاريخ العائلة المنكوبة. أطياف الجدّة الكبرى ترسم مصائر حفيداتها، فنتعرّف إلى حكاية نوّارة التي لها عينا جدتها جفلة. سينفتح المشهد التالي على حكاية فادي ومريم، آخر أرواح تلك السلالة الملعونة، وسط أحد الأحياء العشوائية في دمشق الآن. فادي الذي ينتمي إلى أم تشيكية، وأب جبليّ، لم يحتمل صدمة الحضارة، فعاد إلى سلوكه القروي بزواجه امرأةً تنتمي إلى أعرافه. ومريم المولودة في الكويت لأمّ لبنانية، تصطدم أحلامها بهشاشة رجل لم يتمكّن من إكمال تاريخ السلالة بمولود آخر، فتدفن رغباتها في جسد صديقتها راما.
من هذا النسيج المتشابك لأرواح تائهة بين الرغبات والهلاك، ترتسم خيوط سلالات أضاعت جذورها في الجبال، وأطاح غبار المعجزات تاريخها الأصلي. نحن إذاً، إزاء شخصيات تبطن في أعماقها عنفاً دفيناً، وشغفاً بحياة متأرجحة بين اللذة والألم. هذا العنف سيتفجّر لأسباب واهية، تنتهي بالقتل أو الجنون، في دائرة سحريّة تعيد الحكاية إلى منبعها الأساسي. تحيل رواية رباب حيدر على مناخات إيزابيل الليندي في «بيت الأرواح»، لجهة تشابك مصائر الشخصيّات وارتطامها بأقدارها المحتومة، لكن في المقابل، ينطوي عمل حيدر على قدرة واضحة في التقاط المخبوء والغامض في البيئة الساحلية السوريّة. نوّارة التي وقعت تحت إغواء ضابط ذي سطوة يضعها بمقام محظيّته الأولى، ستكتشف متأخرة بعد قتله بتهمة الخيانة العظمى للبلاد، أن «المشاعر مدن» حسب وصف إحدى صديقاتها: مدن لليأس، وأخرى للخوف، وثالثة للرغبة. بين هذه الأقانيم، تتجوّل شخصيات الرواية، من دون أن تجد ملاذاً نهائياً لأرواحها المنهكة. تتكثّف حواس نساء «أرض الرّمان» بالرائحة وحدها؛ ذلك أن عطر الجدّة الأولى، يتسرّب غريزيّاً إلى أجساد حفيداتها برغبات محمومة، في إرثٍ متراكم من الخيبات والكوابيس والحنين إلى مكانٍ آخر. نساء يهربن من سراب وجودهنّ إلى نزوات صاخبة، وعرّافات، وأوهام، في حكايات لن تكتمل أبداً. هكذا تستحضر دلال فوق طاولتها الرخامية السوداء، أطياف أرواح قديمة، كأنها لم تغادر عتبة ذلك البيت الطيني البعيد، في قرية مسكونة بأرواح الجنّيات، وصراخ ولادة أولى البنات التسع بشعورهن الحمراء لسلالة أبي غسان. نوّارة، هي الأخرى، تزدحم مراياها بصور قديمة عن قصص ينبغي أن تصل إلى نهاياتها المحتّمة، تحت وطأة رعب آخر، يتسرّب من شفتي والدتها التي لم تغادرها روح الجدّة الأولى برهة واحدة. في مراياها المتشظيّة إذاً، ستتوضح النهاية المفجعة لامرأة بشعر أحمر، «نهاية وقعت منذ وقتٍ طويل، ولم تشأ الاعتراف بها». هذه هي النهايات المرة والاكثر بشاعة
|
|
|
|
|
|