(حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدناقلة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 10:10 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-22-2012, 04:12 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
(حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدناقلة

    كتب الأستاذ محمد عبد الله حرسم، الأمين العام لمنتدى أربعائية أبناء دنقلا بجدة

    ==========
    واربعائية متميزة اخرى


    حين تغرينا نكهة تاريخنا فى البحث عن مجرى ثقافتنا وهيكلية الدم واللغة فى الابحار نحونا باحثين عنا تغرينا ملامح ومفردات هذا الشاعر المغرى الاصيل المغرق فى الحياة اليومية ولتفاصيل الكثيرة والاعماق المثيرة


    شاعر بحجم وطن

    وكلمة بعمق التاريخ

    ومفردة مستقاة من عبيرنا وهيكل شعره من مورثنا

    دعونا نفتح هذه الشرفة التى اطل منها هؤلاء الجميلين على عبد الوهاب وسيف الدين عيسى مختار يتخيرون الغوص بعيدا جدا متلفحين بحبهم وذواتهم واناقتهم وعمق مناخهم الذى يسكنهم

    الاربعائية القادمة

    حميد الشاعر الذى تحدث بالمرفدة النوبية واستخدمها فى شعره اصالة عن نفسه ونيابة عنا

    وها هم استاذنا يعيدون اللغة الى اصلها والمفردة لى ميدانها

    ودعنا نقول بما يشبه الليلة انها ليلة مفتوحة المنافذ والشمس تدخلها من كل جانب والهواء والنسيم ومشاهدها النيل والنخيل والوطن

    ==========

    يوم غد الأربعاء ، تقدم الأربعائية قراءات في شعر حميد
    والدعوة عامة
                  

05-22-2012, 04:27 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    من أوراق الأمسية:
    كيف استظل حميد بدوحة الجماهير لينجو من رمضاء النخبوية
    وطكيف التحف الأصالة ليتخلص من زمهرير الأدلجة؟

    وان غدا لناظره قريب ..
                  

05-22-2012, 04:34 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    ومن موضوغات الأمسية أيضا
    كيف جسد حميد عبارته المهمة (يا بت العرب النوبية ، ويا بت النوبة العربية) في شعره


    كتب الأستاذ على عبد الوهاب عثمان

    -----------------

    نص النهار .. عند المغيب .. عز الرياح
    النخلة تتجاسر تصون عش الطيور البينا .. تفرد للجناح

    الادب الشايقي هو ادب نوبي منطوق بالعربية السهلة الممتنعة .. كل القيم التي اتى بها حميد هي قيم موروثة في المنطقة .. وما نصبو ا اليه وهو توحيد الامة النوبية الكبيرة المستعربة منها والمستنوبة لتتسع الدائرة وتشمل الجميع والحقيقة ان الاحزاب والنظريات الحديثة والقديمة لا تجمع الناس في اطار واحد ... ولكن فقط الارحام وصلة الفربي وشعور الناس بالوعي التناسلي او ان هناك رابط دم او نسب يجمعهم .. وهذه رسالة يجب أن تبلغ في كافة المنابر لأن للنوبة امتداد عرقي واضح حتى بعد الخرطوم الى اواسط الجزيرة وهذا الوطن لن يصمد ولن يتوحد فيه الناس إلا من خلال ( الوعي التناسلي ) وهي اقرب واسهل واوثق الروايط فقد تجمعت مثل هذه التكتلات في الاراضي الجديدة امريكا واستراليا وغيرها ( اصل ايرلندي / اغريقي /الماني .. الخ ) ثم اندمحت هذه المجموعات في اطار الدولة ..

    حميد ذكر كلمة ( جوبل ) والجوبل هو امتداد من الخشب في طرف الاخير من سقف المنزل .. وكذلك هو الاطار الاخير من الجريد في السقف .. تعرفون عندما يتم نسج السقف بالجريد يختار شخصين لهم الحرفية العالية والفن واحدهم في اقصى اليمين والثاني في اقصى اليسار اما خطوط المنتصف فيمكن ان يكون العاديين .. وتجد ان الاشخاص المكلفين بالاطرف يعرفون اختيار الجريد المناسب وخاص في الوضع الطولي وهذا هو ( الجوبل ) وتجده يجمل خشب ويضرب على نتؤات الجريد الزائدة عن السقف ليكون في مستوى واحد ووالجوبل هو آخر خط طولي يضبط عليه الجريد تماماً كما يعفل ناسجوا السجاجيد .. والجوبل ايضاً آخر خشبة طويلة وتسمى ( الرصاص ) ويكون الرصاص هو بمثابة البرواز للسقف في اقصى اليمين وفي اقصى اليسار ويكون الرصاص من خشب النخيل ( اومبو) من النوع المقشور والمجهز بصورة لا تخلو من الجمال والحرفية .. وعندما يذكر شخص هذه الكلمة ( جوبل ) تأكد انه متعمق في التراث ومأصل في تلك الارض لانها كلمة نوبية تماماً وبدون اي تردد ..
    وفي قصيدة اخرى قرأت لهذا الشاعر يقول :
    كل البلد شوفر وراك
    يا جرحنا الما ببيدمل
    والحميد مثل خليل فرح تماماً من لا ما يعيش منطقة الشمال حياة يومية لا يستطيع ان يفهم هؤلاء القوم .. في بيت الشعر اعلاه .. اورد حميد كلمة ( شوقر ) وهذه كلمة اصلها نوبية وهي ( شوقر ) بالدنقلاوية او ( شوقار ) بالمحسية .. وهو الوفد او المجموعة التي تذهب للزيارة في المناسبات من منطقة الى اخرى .. فمثلاً مجموعة تتحرك من ارتقاشا الى بدين لحضور زفاف او مناسبة فرح ( شرط مناسبة فرح ) ولا يطلق هذا المسمى على التجمع في الاحزان .. وجماعة الشوقر يكونوا في زي مميز ومعطر .. ولم يأت حميد بهذه الكلمة عبثاً او عشوائياً .. انما اتى بها ليمجد شخص او زعيم قوم او نداء الوطن .. وهذه الكلمة دلالة على علو مكانة المنادي وقيمته لدى افراد الشوقر .. وليس الاتباع هنا خوفاً من القائد او انصياعاً لقوة ولكن بإرادة حرة وطوعاً بل وفرحاً وحباً لأن الناس تنتظر مشاوير الشوقار بالسنين .. ربما في العمر مرة او مرتين .. لأن جماعة الشوقار عن وصولهم الى المكان المقصود يكونوا تحت ضيافة مميزة منزل خاص بهم يجلب اليهم الاكل والمشروب بأنواعه .. وتكون الليالي عبارة عن غناء وطرب ..... الخ .

    أما النخلة .. فكلام فيه كثير ..
    شكراً اخي الرائع قوجة لقد فتحت لنا كوة نطل منها ببعض المكنون سوف نواصل وياريب اذا سيف الدين عيسى مر هنا
                  

05-22-2012, 04:59 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    قصيدة (النخلة)
    محمد الحسن حسن سالم (حميد)

    النخلة في الليل المهول .. وحيدا في عز الرياح
    فارس يدارق في الرماح .. الجايا من كل إتجاه
    رغم الجراح .. شح إلمي .. الزاد والسلاح
    راكز يصول .. لا أنّ ولا حنى للجباه
    لا خان بصيرتو الإنتباه
    لا حتى قال ديل المغول
    لا ختّ آه على عز قديم .. روح عجول
    طول مداميك الصبر .. سدابا طاقات النباح
    كل ما نزف من جوفو دم .. كل ما عزف لحنو الصباح
    نجم الميامين الحمش ..
    ينضارى شان تشرق شمش
    تدي الحياة .. الناس .. الحقول .. الدابة .. والطير .. والبمش
    لكنو ما بخبر أفول .. والأرض مخلاية التعب
    مصلاية العشق الصعب .. ما بتستباح
    زي نخلة .. في الليل المهول
    كانت بتختبر الفصول
    كانت بتمتحن الرياح .. كل ما تطول
    والدنيا خوف عابر سبيل ..
    يشوف عنف الرياح في النخلة .. واللا النخلة في عنف الرياح
    في ليل مهول
    طوالي راح يحلف يقول .. النخلة ما بترجى الصباح
    والطيب الصابر سنين .. راجيها باكر .. حقو راح
    لا فكّ دين ..
    لا سدّ جوف .. رزقو المعلق في الصبيط .. مشهادو أصبح بين بين
    النخلة ما بترجى الصباح .. لكن ضراعاً في البلد عارف عروق النخلة وين
    خابر صمودا المن متين .. وسامع مناتقة الرياح ساكت صياح
    لكن ضراعاً في البلد عارف عروق النخلة وين
    ضامن ثبات ساقا الهطيط
    وسامع مناتقة الرياح ساكت صياح
    النخلة ما بتقدر تخون الأرض .. ما بتقدر تكون غير المراح
    لي همبريب يغشى البيوت .. عند الصباح
    نص النهار .. عند المغيب .. عز الرياح
    النخلة تتجاسر تصون عش الطيور البينا .. تفرد للجناح
    ما ليها غير تطرح تمور .. تملا الشواويل القفاف
    ينتمّ زين .. ينحلّ دين .. يطلق ضهر زولاً بسيط ..
    واقف على حد الكفاف
    ومن ركة الرزق المتاح .. رزقو المعلق في الصبيط ..
    ينزل كما الطير الخفاف .. يقدل نشيط ..
    يخضرّ زي شتل الضفاف .. كل ما النشاف بدا في الصبيط
    والنخلة لو عنف الرياح .. الصاعقة ..
    أهوال الفصول .. آفة الذبول .. قدرت على ساقا الهطيط
    تقع آ بتموت
    تلقاها خشت في البيوت .. بي كل صراح
    تبروقة .. سجاجة طهورة .. طبق من العرجون ..
    ضنيب هبابة .. قفة وكسكسيكة .. حبل متين فتلوهو في ضل الدليب ..
    نشلوبو من بير للشراب .. نسجوبو بنبر وعنقريب
    تلقاها خشت في البيوت .. وبي كل صراح
    جوبيل جريد يعرش سقف بيتاً جديد
    أول دخلتو عريس سعيد
    مبسوط يقرقر بانشراح
    أو حتى واقوداً تقيدو السمحة في نار بارتياح
    لي يوم عزيز ..
    يطلع خبيز
    نبيذ الليل صفاح
    يطلع ملاح .. بروبو ناساتاً ضيوف
    ولي زول وراهو شغل بعيد .. جابرا الظروف
    يطلع قهيوتو وشاي صباح
    وآخر المطاف ..
    الموت بيلفح بسمة من توب الزفاف
    الموت بيشرق نسمة في كل الصبا
    النخلة ترباية العباد .. بي جلالا تنحول رماد
    ورمادا ينحول سماد
    وسمادا يدخل كم بلاد
    وديانا تخضر والبطاح
    شوف كيف كفاح النخلة .. شوف كيفن بتتحدى الرياح
    تعبر على مر الحياة وتنمطق الموت بي جلد
    من بعدما ملت البلد .. شتلاً معمر بالألوف
    وشايل مخلف بارتياح
    طول المصير .. النخلة حوتة الصحرا .. نوارة الجروف
    تلقاها في أجمل وشاح
    بي جراحا رجّتنا الصباح .. يا القلتو ما بترجى الصباح
    النخلة تحت الأرض سر .. والنخلة فوق نخلة نصاح
    والدنيا أوسع ما تكون .. والجو براح
    وكل الرياح فوقا بتمر .. يكفيها دا .. ويكفيها صاح
    ما استسلمت لي ريح غريب .. وكل الرياح فوقا بتمر ..
    والنخلة ما بتخبر خلاف ريح اللقاح
    والهمبريب وريح الصلاح
    يا معوض الليل بالصباح
    يا معود النار اللهيب .. روض نخلنا على الرياح
    وفي لجة البحر الغريب .. أدي الرواويس الصلاح
    يكفينا دا .. ويكفيها صاح
                  

05-22-2012, 05:03 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    نص النهار .. عند المغيب .. عز الرياح
    النخلة تتجاسر تصون عش الطيور البينا .. تفرد للجناح

    بقلم /على عبد الوهاب عثمان

    لاحظوا عدد المرات التي كرر فيها الشاعر ( النخلة والرياح ) هذا الصراع الابدي بين تلك التي توزع الخير والاصالة وتمثل العطاء وبين الرياح وهي جند من جنود الخالق عز وجل ( ريح صرصر عاتية ) .. وهنا رمزية النخلة عند حميد كما رمزية عزة عند خليل فرح .. والنخلة تمثل الاصالة والخير والحق وكل القيم الجميلة والرياح تمثل القوة القاهرة ( او ما يسمى بحق القوة وليس قوة الحق ) هو صراع ابدي يستقي منه كل من اراد ان يعبر بعمق عن وضعه او اوضاع غيره من المحرومين .. وحميد يعرف قيمة النخلة ويرمز اليها ولا يعرف هذه القيمة إلا من عايشها مثل حميد .. والنخلة ليست كما يعرفها العامة هي شجرة تهدي الثمر والخشب وحتى حطب الحريق وقد اجاد حميد في هذه النقطة فأعيدوا قراءتها مرة اخرى لأنه كما ذكر حتى رماد بقايا النخلة فيها من السماد الذي ينفع البلاد والعباد وهذا تصور لم يسبق احد حميد في ذكره او التأمل فيه .. ولكن كما بدأت الحديث فإن النخلة قيمة وانتماء فالنخيل مثلاً في المزارع الاستثمارية الواسعة لا تمثل لانسان الشمال اي قيمة معنوية واصالة بل هي قيمة مادية رخصية تسخر فيها النخلة والتي أرى فيها شخصياً نوعاً من العبودية والاستغلال كما كان يسخر البشر .. فمنظر النخلة التجارية والتي ينزع منها بناتها وتكون مفردة وتسقى بالانابيب كمريض في العناية المركزة وكميات السماد المواد الكيماوية .. بالله عليك كيف يكون قلب النخلة وقلبها هو ما يسمى بالدنقلاوية ( قوللي ) وهي مخ النخلة وبها كمية من الغذاء والسكر والحلاوة كنا نتذوقها عندما تقطع النخلة لسبب ما .. فهذا النوع من النخيل لا تتيح لك الفرصة للتتأمل او التأصيل لها .. عكس تلك النخيل التي في السواقي وربما غرسها الجد الاكبر الرابع او الخامس وهي التي جاء تشبهها في القران الكريم ( اصلها ثابت وفرعها في السماء ) .. او تلك الشتلة اليافعة التي تسقيها ذات الحسن والجمال من مياه النيل بصفيحة على رأسها ورذاد الماء يتناثر على صدرها الجميل الممتليء بالعفة والحياة ( شايلين تخا ورخا .. شايلين بنات وبنين .. ) .. وحتى في الشمال فإن النخلة التي يتم شراؤها في السواقي من الغرباء كاستثمار لا تعطي الزخم والانتماء لصاحبها .. واعرف تماماً ان حميد يحمل نفس الشعور والاحساس .. ومن لم ينتمي لهذا الشمال لا يفهم حميد وشعره إنما يطرب فقط للقافية والوزن والوصف الجميل دون سير غور هذا الشاعر الاصيل ..

    لنأخذ كمثال بسيط فقط هذا البيت :

    نص النهار .. عند المغيب .. عز الرياح
    النخلة تتجاسر تصون عش الطيور البينا .. تفرد للجناح

    أي تضحية واي فداء هذه النخلة التي تتجاسر وتقاوم الريح بجريدها وكأنها في مبارزة بالسيف مع موجات الرياح ليست لتعيش هي ولكنها تتحمل كل هذه الاضرار والانهاك الجسدي من اجل الاخرين واي آخرين ليت هذا الاخر كان جسداً ضخماً او كتلة يمكن حمايتها بسهولة فائقة ولكن هذه الحماية لبيض الطيور للعش ورمزية العش هي الحياة هي البدايات الاولى هي البيضة التي وضع فيها الخالق سر الكون .. هل تعرفون اين يكون العش في النخلة ي؟؟ في منطقة من الصعب حمايتها من جور الرياح ولكنها تتجاسر والجسارة هي مرحلة فوق المقاومة وتحمل بشريات الانتصار .. نعم هكذا هي النخلة تحمي الضعفاء وكل من استجار اليها طلباً لامان الجسدي والمعنوي والمادي .. وقد علمت النخلة انسان الشمال ( نساء ورجال ) معنى التضحية من اجل الاخر والدفاع عنه دون الالتفات الى مصالحه .. ولا شرح .. حتى لا ندخل في مجال الانا والشوفينية ..


    قادم بالمزيد ..
    رحم الله حميد .. فهو اكبر من اي مزيادة سياسة.
                  

05-22-2012, 05:12 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    ما زلنا مع قراءة الستاذ على عبد الوهاب عثممان



    وكل الرياح فوقا بتمر .. يكفيها دا .. ويكفيها صاح
    ما استسلمت لي ريح غريب .. وكل الرياح فوقا بتمر ..
    والنخلة ما بتخبر خلاف ريح اللقاح
    والهمبريب وريح الصلاح
    يا معوض الليل بالصباح
    يا معود النار اللهيب .. روض نخلنا على الرياح
    وفي لجة البحر الغريب .. أدي الرواويس الصلاح
    يكفينا دا .. ويكفيها صاح

    لقد تخيلت ان حميد كان معنا في الصراع اليومي مع اتجاه الرياح .. طبعاً قبل ظهور ( اللنشات ) وايام المراكب الشراعية .. لقد كان اتجاه الرياح هو العامل الرئيسي الذي يتحكم في حياة البشر في منطقتنا خاصة في الجزر لأن المدارس والاسواق والشفخانات والمصالح الحكومية والمحاكم والسفر الى مصر والخرطوم كان يتم من شرق النيل او غربه .. وكان اول شيء ينظر اليه الشخص مع أولى ارهاصات الفجر هو جريد النخلة ، وليس كل النخيل ولكن اطولها ساقاً واعلاها قمة تنظر الى جريدها لتعرف من حركتها اتجاه الرياح واذا كانت الرياح شمالية آتيه من جهة الشمال جهة مصر هي رياح الصلاح ( تبرد ماء ، تعدي المراكب ، تروق المزاج ، تنام براحة تحت الاشجار .. ) لاحظوا كلام حميد تحت ( كيف يتطابق مع سكان الجزر عندنا )


    وفي لجة البحر الغريب .. أدي الرواويس الصلاح
    يكفينا دا .. ويكفيها صاح

    لذا احب اهلنا الشمال وتعلقوا بهذا الاتجاه .. وبسببها احبوا مصر وكل ما كان يأتي من مصر .. وفي معظم اغاني وردي اتجاه الى هذا المنحى ( اغانيه بالنوبية ) وهذا ما نؤكده ان بيئة حميد ووردي واسماعيل حسن هي بيئة واحدة ومعطياتها متشابهة وكذلك ادواتها وموروثها ..
    وفي اشارات حميد وحديثه هنالك تكرار عن الرياح لأن الرياج عقاب وثواب ورحمة ونقمة في نفس الوقت خاصة الرياح عندما تكون قوية آتية من ناحية الجنوب . واتجاه الجنوب عند أهلنا لا فائدة له لأنه يأتي بالفيضان والرياح النو وهي الرياح التي تهب ايام الفيضان او عندما تكون هناك امطار في اواسط السودان .. وهي من اسوأ الايام بالنسبة لأهلنا لأنها هي الرياح التي تسقط النخيل وتأتي بالامطار التي لا يريدها اهلنا لما فيه من تلف للنخيل خاصة وانها تأتي مع الاثمار ..

    -
    والنخلة ما بتخبر خلاف ريح اللقاح
    والهمبريب وريح الصلاح
    يا معوض الليل بالصباح
    يا معود النار اللهيب .. روض نخلنا على الرياح
    وفي لجة البحر الغريب .. أدي الرواويس الصلاح
    يكفينا دا .. ويكفيها صاح


    أما الرياح التي فيها فائدة للنخيل فهي تهب في منتصف ونهايات امشير تقريباً وتكون شمالية وهي تحمل حبوب اللقاح من ذكر النخيل ( بنتي ننودي ) الى باقي الاناث وحبوب اللقاح هذه تشم عطرها في كل انحاء الجزيرة عندما تأتي هذه الرياح ويعتبرها اهلنا رائحة الخير والنماء والشبع رغم انها تسبب نوع من الرمد في العين ونوع من الاحتقان للانف لبعض الناس .. ولكن كل هذه الظواهر تهون عندما تتلقح النخيل .. و ربما فرح بها اهلنا اكثر من حمل وولادة الاناث .. ولأن كثير من النخيل التي نبتت ( بالنوى ) وليس بالشتل تحدد هويتها اذا كانت انثى او ذكر عند الاثمار ..

    كلام حميد الفوق لم يسبق اليه بشر على الاطلاق .. واكرر لا يفهم حميد إلا من كان له ثقافة نوبية عميقة لأن حميد زول آرتاوي بس بالعربية .. ولكن هذا الرجل لم يسبق ان قال مثل كلامه شخص ..

    قادم اليكم بالمزيد
                  

05-22-2012, 05:19 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)
                  

05-22-2012, 05:19 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    قراءة الستاذ على عبد الوهاب عثمان



    ما زلت في عالم الشاعر الجميل ( حميد ) أحاول ان أتعمق في شعره ومفرداته التي يستخدمها بكل عمق وسوف أكرر ما كتبته سابقاً ان حميد لا يمكن أن يفهم قصائده بمجرد القراءة والاعجاب بالجرس الموسيقي والنظم .. المتعة الحقيقية في قصائده هي المعايشة .. وهو اكثر عمقاً من اسماعيل حسن ولكن اسماعيل أجمل منه في طريقة الالقاء .. لأن ربما كان إسماعيل يحمل الوطن بين جوانبه ويستحضره ويعيش لحظاته لينظم تلك القصائد الجميلة عن التراب والسواقي والنخيل والترابلة والرواويس .. المعاني اعمق عند حميد لأنك تجده في الاماكن والمواقع التي يختارها بحنين وشوق ويعيد اخراجها في صورة رجل عايش وشارك المكان والزمان بصفة يومية ( وليست سماعية ) .. فمثلاً في قصيدة عبدالرحيم :

    عم عبد الرحيم
    اتوكل نزل
    فى المشرع لقا
    زملان الشقا
    الجا من الجريف
    الجا من الجبل
    عل الناس بخير
    صبح هاظرم
    نقنق ناقرم
    غاظوه نعل
    وعم عبد الرحيم
    ما بخبر زعل
    كل الناس هنا
    ما بتخبر زعل
    تزعل من منو

    ( في المشرع لقا .. زملان الشقا ) والمشرع يعتبر احد الحاضنات الاجتماعية في الشمال وهي تماثل ( مواقف البصات ) في المدن مع الاختلاف في علاقة الاشخاص مع بعضهم .. فالمشرع هو مكان انتظار المراكب التي تنقل الركاب من الشرق الى الغرب او العكس .. وهناك غالباً ما تكون شجرة ظليلة ضخمة تحتها (سبيل) او مزيرة تملأ ازيارها من النيل مباشرة وبالتطوع وكما يتم نظافة الظل ايضاً بالتطوع لكل من استطاع ذلك .. وهذه الحضانة الاجتماعية تضم كل طبقات البشر في المجتمع الريفي وخاصة الجزر .. وتجد نفس الصورة التي رسمها شاعرنا حميد :
    الجا من الجريف
    الجا من الجبل
    ويقصد بالجريف سكان المنطقة التي تقع فيها المشرع .. والمشرع في الجزر يختلف قليلاَ لأن كل اراضيها املاك وسواقي تكون هناك وثيقة او قل ميثاق شرف بأن ينتقل المشرع بين السواقي التي تقع في منتصف المسافة في الجزيرة لأن المشرع معناه ان يسلك الناس طريقاً من الحلة الى النيل عبر الساقية بالحمير او الجمال لنقل الاغراض وهذا ( ماقصد به حميد من الجبل ) ولأن الجمال من الصعب عليها استخدام المراكب إلا اذا كانت المعدية ( بنطون) فإن موقع المشرع يسبب نوع من التلف للمنطقة التي يقع فيها والتلف يأتي بسوء استخدام الناس للممرات التي تقودهم الى المركب بين السواقي ويحدث تلف للزراعة ونوع من الفوضي غير المحبب للترابلة .. وحذاري أن تطأ القدم نبتة ساهر من أجلها رجل كادح .. وهذه اسوأ ممارسة تجلب الاحباط للتربال وتحدث من الراجلين والراكبين على ظهر الدواب ، لذا يتم التناوب على استخدام المشرع بين السواقي وخاصة في الجزر .. وعندما يكون هناك عائق لاستخدام المراكب مثل ( اتجاه الريح ) وخاصة في موسم الصيف وتكون الرياح جنوبية ( نو) كما قال شاعرنا اسماعيل حسن ( المراكب كاسحة مادام ريحنا نو ) يكون التجمع البشري اكبر عدداً في المشرع في انتظار ان تأتي المركب الى البر او من الضفة الاخرى ( تماماً الحالة متشابهة عندما تكون هناك ازمة مواصلات في المدن يحدث تكدس ) .. وهنا يكون المشرع عبارة مسرح كبير في الهواء الطلق تجد فيه المنهك النائم الذي يتوسد بردعة حمار او من افترش جوال فارغ وتوسد عمامته .. وهناك من هم اصحاب النكات والقفشات .. كما ذكر حميد في القصيدة :
    صبح هاظرم
    نقنق ناقرم
    غاظوه نعل
    وعم عبد الرحيم
    ما بخبر زعل
    كل الناس هنا
    ما بتخبر زعل
    ورمزية عبدالرحيم هنا لأهلنا على ضفاف النيل في الشمال فهذا القادم من الجبل وذاك القادم الجزيرة وذلك المعلم وهذا ممرض الشفخانة .. هو المتجمع المتصالح مع بعضه في هذه الحاضنة ( المشرع ) والفرق بين محطات المدن وتجمعات مواقف البصات هناك والمشرع هنا .. ان مرتادي المشرع بينهم علاقة الدم والقربي في الغالب او المعرفة العميقة والبعد الاسري حتى على المستوى الاجداد .. وعبدالرحيم هو نسخة مكررة في كل قرى وجزر الشمال بطيبته وبساطته ويعرف كل ذلك هذا الشخص الذي يغايظه بالكلام والمناظرة ليس تقليلاً من قيمته ولكن امعاناً في الاخوة وترسيخاً لمبدأ للعلاقة التي تمتد الى اعماق تتحمل معها غلاظة القول والمزاح الثقيل .. ولقد عايشنا تلك الحاضنات بكل زخمها والتي يمكن ان تلتقي فيها حتى مع من هم خارج السياق بتناولهم بعض ما كان مسموحاً في ذلك الزمان .. ومن منا من لم يستمع الى قصص اعمامنا من عاشوا في مصر بحكاياتهم وهم يثيرون ضغائن بعض من لم تتاح لهم الفرصة للسفر هناك .. و لا بأس ان تجد النساء في هذه الحاضنة في مجلس ليس بعيد عن الرجال وهن يسترقن السمع الى احاديث اخوانهن مهما كانت الكلمات وغلاظتها .. وهن جالسات مباشرة على الارض كأنهن يستمتعن بهذا التراب لأن المشرع ليس به كراسي او أي نوع من المفروشات ..

    قادم بالمزيد

    يا جماعة حميد كنز ومنجم ومعين لا ينضب .. هو تماماً مثل جلال مراوارتي الشاعر الدنقلاوي الجميل .. فقط لو فهم الناس ماذا يقول جلال ولكن حميد يمثل جزء من جلال والاحلى انه بالعربية .. حميد نوبي مستعرب
                  

05-22-2012, 05:19 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    قراءة الأستاذ على عبد الوهاب عثمان
    ==============

    أخي سيف الدين .. كما ذكرت فإن حميد قال في النخلة كل شيء يمكن ان يخطر على البال .. الىأن وصل الى رماد النخلة وقد لخصت الموضوع في هذه العبارة المنقولة من مداخلتكم اعلاه :

    (( في شعره المباشر تجد حلاوة الموسيقى الآسرة وجمال المفردة العامية التي يحار المرء كيف يصل اليها حميد وينتشلها من مكامنها الدفينة في زمن تلاشت فيه الكثير من المفردات العامية ، سواء كانت منحوتة من النوبية، أو عربية فصيحة. في قصيدته النخلة، لخص حميد كل المنافع التي تتيحها النخلة من ثمر يحتوى على كل الفيتمينات، وجريد وجذوع وألياف وخلافها.. النخلة هي الحياة بكل معانيها.. ))

    وسوف آتي بالتأثير النوبي في شعر حميد :

    وطن النِفوس البِكرة يا وادي الحشا البرَّاق
    إذا ما الريح جرح للِّيح وصيفاً حَتحَت الأوراق
    حطبنا نصيح أتبنِي الساق أمانة ياغيمة مُو بتَّاق
    يا وطناً قريب للحي وسِرّك للبعيد لحّاق
    حِلُو حلاوة ما بـ تِنضاق ومُرًا كُلو كلٌو إن ضاق
    مِن كُناكَا ما خُنَّاكا مافينا الضلالي العاق
    ا
    وياحاسِب سُكاتنا رُضا أمانة بِطُونَا ماها غُراق
    صدورنا علي البِعادي زُقاق وضِهورنا إلي المنادي رُقاق
    رضينا بلا قرِن نِنساق وحين نحـرِن جبل يا ساق

    حطبنا نصيح إتبني الساق .. أمانة يا غمية مو بتاق ..
    حميد هنا يتحدث عن الوطن الذي يتعرض لهزات وكبوات في بعض المراحل .. ويشبه الوطن بشجرة او نبات يأتي اليه الصيف او الرياح ليأخذ لحاه ( ويحتحت اوراقه ) ويصبح الساق عارياً من الاوراق ولكنه لا ينهار بل يبقى ثابتاً في مكانه .. ثم يأتي حميد ليستجدي الغيمة كرمزية ووسيلة للخروج من هذا الوضع .. ولكن بثبات ودون ابتذال او انكسار لأنه بدأ البيت بعبارة بقوة ( حطبنا نصيح .. ) ويرمز هنا الى قوة الاصل والمنشأ وصلابة الجوهر وهي ليست صلابة وجفاف ذلك الكائن الذي مات وفقد روحه وتصلبت وجفت شرايينه .. ويمضي شاعرنا ليثبت لهذه الغيمة أن هناك حياة في هذا الساق الصلب او بالاحرى فإن الدور المناط بهذه الغيمة هي احياء للروح الكامنة فيه ويأتي بعبارة ( إتبني الساق ) وهنا وهو يتحاور مع الغيمة التي سوف تهطل مطراً او ماءاً على هذا الساق ويقول لها ( إتبني ) وهي كلمة نوبية خالصة وتم تصريفها الى العربية بتنغيم وطريقة شاعرية لا تخلو من الجمال .. فكلمة ( تبيه مشدودة الباء ) بالنوبية معناها ( ألمس .. او تحسس .. او مرر يدك عليه ) وهي كلها عبارات تنم عن الرقة في الفعل .. وجاء هذا العبقري وتصرف في هذه الكلمة بشاعرية لا تضاهى فقد جاء بكسرة في آخر الكلمة وهي التنغيم الشايقي الجميل والذي لا يخلو من المسحة النوبية وكذلك اضاف سمة التأنيث مع أن منظومة التأنيث في النوبية لا تستخدم في الافعال ( تماماً كما في الانجليزية ) والفعل الواحد يخاطب به كلا الجنسين بدون أي تحريف او اضافة .. ولكن روعة اهلنا الشايقية تكمن في انهم طوعوا جمال اللغة النوبية وأدخلوا فيها الادوات والانغام التي تهيأ الكلمة لتكون منسجمة في سياق الحديث وليس في الحديث المتداول فقط بل وفي سياق الكلام المنظوم المقفى ليكسب الشعر الخاصية الجهوية والاثنية التي تميزها وهي من الامور المهمة لفهم الشعر وغوص في رموزه ودلائله المكانية .. وايضاً تأتي الاستعانة بهذه الكلمات النوبية ليكون الخطاب المقصود ذو عمق حضاري وذو مدلول يرمز الى الانتماء المتأصل ..
    فهو كما ذكرنا لا يستجدي الغيمة او بالاحرى لا يطلب الغوث والمساعدة بدون شروط ولكن شرطه ان تأتي الغيمة وتتحسس على هذا الساق (إتبني) لاثبات أن حياة سوف تدب فيه ولأنها كامنة في خلاياه .. وهنا يستحضرني بيت الشعر ( آسي يجس عليلا ) .. وكأن هذه الغيمة هي الطبيب ( آسي ) .. ثم بعد ذلك فالتتكرم الغيمة بالسقيا وفي هذا السياق يأتي شاعرنا بنتيجة الفعل مباشرة وفي نفس الشطر من البيت وكأنه يغري الغيمة بأن مجهودها لن يضيع سدى بل أن هذا الساق سريع النمو فهو خصب مليء بالحياة وقد رمز الى هذا بقوله (أمانة يا غيمة مو بتاق ) .. أمانة هذه كلمة للاغراء والتزيين لحث الاخر على العطاء .. وعبارة (مو) ليست للنفي ولكن لاثارة الاستغراب والدهشة .. ثم جئنا الى كلمة ( بتاق ) وهي مشتقة ومأخوذة من كلمة ( بودي) وهي النمو والاخضرار والاكثار وكلها ترمز للخير والنماء .. وقد دخلت هذه الكلمة في القاموس الزراعي لأهلنا الشايقية تحت لقظ ( بوتق) وتحمل نفس المعني النوبية ( بودي) وفي هذا البيت جاء حميد بصيغة مبالغة (بتاق) او ( بوديل بتشديد الدال) بالنوبية .. وقد اغنت هذه الكلمة الشاعر عن استخدام جملة طويلة بالعربية لوصف الحدث .. وترمز ( بتاق ) الى المرحلة الاولى من النمو عندما تكون في طور البرعم .. وهي اقرب لتشبيه شاعرنا نوبي (نوري سيد علي ) عندما قال ( وو .. كنا .. وو .. بودل ) ومعناها ايتها الصغيرة النامية كالبراعم .. فهنا كما ذكرت سابقاً يريد حميد ان يقنع الغيمة بأن تعبها لن يضيع وان نتيجة سوف تكون ايراق ونمو لبراعم والبراعم هي رمز لبداية الحياة لهذه الشجرة والتي جفت بفعل الظروف الخارجة عند ارادتها .. وهنا تشابه ما بين خليل فرح وحميد لأن خليل دائما ما يعطي العذر للوطن ولا يحمله الخطأ ( كفاك نومك ) و (انت يا الكبرتوك البنات فاتوك ) الى آخر ابداعات هذا النوبي العملاق .. وحميد يمثل حالة خليل تماماً ليسوق الاعذار للوطن ويرمي باللوم على ابنائه ..
    ولربط ما ورد في قصيدة حميد بالواقع المعاش عند اهلنا في امتداد النوبة فإن هناك .. عبارة بليغة مطابقة لهذا البيت من قصيدة حميد وكانت هذه العبارة تستخدم عن طريق امهاتنا على سبيل المجاملة ورفع المعنويات في حالات كانت نادرة في مجتمعنا في الشمال وهي حالات الطلاق .. وعند التواصل المرأة مع اختها المطلقة كانت تذكرة عبارة ( قللي .. كلن .. بر .. دسييه ) وكلمة (قللي هي الفرع ) و ( كلن .. هي يتآكل) و (بر ..هي الساق ) و (دسييه هي الاخضرار والنمو ) ويمكن ان يكون معنى هذه العبارة بالعربية ( حتى لو تآكل الفرع فإن الفرع مازال اخضراً ينبض بالحياة ) وكانت هذه العبارة تذكر لرفع الروح المعنوية للزوجة المطلقة ولاحساسها بأن مازال فيها من الخير الكثير ..

    حُكم إنقلابات التَساب ..دوّارة دُنيا فرَندقَس
    نِنجارىَ فيها صبق صبق ..نخسر بعض في هِين تُراب

    (نِتلاوىَ عِنْ فتح اللَبق)..فاكرين برانا أهل العقاب

    تاري البحر عوّافي عندو معانا حق
    ما زلنا في سبيل البحث عن استخدا

    م المفردات النوبية والتي دخلت العامية الشايقية من خلال المصطلحات الزراعية من معدات وادوات وممارسات .. وحميد هنا يبدي رأية عن الانقلابات العسكرية عبر تاريخ السودان الحديث .. ويستخدم كلمة ( توسابا ) وهي مشتقة من كلمة نوبية تطلق كصفة ذميمة على الشخص الذي لا يسوى شيئاً او الشخص الواشي الذي يشي في الخفاء بخبيث القول وينتشر مردود قوله بين الناس ولا علم لديهم بمن اطلق هذا القول او الفعل المنكور وتجلب هذه الممارسة نوع من تبادل التهم بين المجموعة ويصاب الابرياء من الناس ويضمر كل لأخيه السوء دون تحديد او معرفة بمن بدأ تلك الممارسة الكريهة .. ورغم ان كلمة لا يمكن ذكرها مباشرة لآنها منكورة ولكني وللعلم والتوضيح سوف آتي بذلك الحيوان الذي يطلق عليه ( توسابا ) وهو حيوان جميل اللون والشعر في مظهره الخارجي ولكنه يطلق رائحة كريهة تزكم الانوف كوقاية ودفاع عن النفس والشخص الذي يوصف او يشبه ( بالتوساب ) هو من يأتي بنفس ممارسات هذا الحيوان ولكنه لا يدافع عن نفسه بل على سبيل الاعتداء ونشر الرعب والفتنه بين الناس وتصدر الرائحة منه ولكن لا يعرف من في المجلس بالتحديد من هو صاحب هذا الفعل المشين والذي تكون نتيجته انتشار الرائحة الكريهة بالتساوي بين الحضور وتكون التهمة عالقةعلى عموم المجلس ويكون كل فرد مرتاب من اخاه وينسحب هذا على القول والفعل .. وهي صفة مذمومة .. واشتق منها ( توسابا ) كمسمى على ذلك الحيوان بالنوبية وبالعامية الشايقية ( التساب) .. وشبه الحال بعد رحيل العسكر والذي وصفهم ( بالتساب ) بنفس الوضع ايام العسكر إن لم يكن أسوأ ويقصد الشاعر بهذه الرمزية اننا لا نستطيع ممارسة الديمقراطية التي تتحول الى عهد منازعة وخسران للبعض في اشياء ########ة لا تقدر بثمن ( نخسر بعضنا في هين تراب ) .. وترتفع الاصوات ويحتد الجدال في وقت الوطن يكون احوج فيه الى هذا الجهد المهدور والى الطاقات المستنزفة في توافه الامور وشبه ذلك بــ ( نتلاوى عن فتح اللبق ) هذا التشبيه بليغ وله رمزيته ومدلوله .. دعنا نعرف اللبق بالشايقية أما بالنوبية فهي ( اوبوق ) هو سد ترابي يحجز الماء في الجدول او الحوض الرئيسي حتى يكتمل ري ذلك الجزء ثم يتحول الى الجزء الاخر وهكذا حتى نهاية المزرعة .. وفي النوبية يطلق على الشخص الساكن الذي لا يتحرك من تلقاء نفسة او الغير مبادر او يكون بطيئاً للتجاوب بما يجري من حوله يطلق عليه ( اوبوق) لأن الاوبوق لا يتحرك إلا عن طريق شخص وله مهمة واحدة فقط هو حجز المياه فقط . ونرجع الى قول الشاعر (نتلاوى عن فتح اللبق ) وهو التأخير او التسويف في فتح اللبق في مواعيده وهذا ينتج عنه أمتلاء الاحواض واندفاع الماء منها الى خارج المزرعة من عدة جهات لا يمكن السيطرة عليها في وقت واحد إلا بإيقاف الساقية او مصدر الماء .. وخاصة عند بداية الموسم ( البوغة ) لأن الارض مازالت هشة لذا فإن مراقبة ( اللبق ) تكون من اولى الاولويات ولا يجدي الاغفال عنه لأي سبب مهما كان .. وشاعرنا بهذا يرمز الى عهود الديمقراطية والجدال العقيم الذي يتم بين السياسيين من كيديات شخصية وحزبية تاركين مشاكل البلد واهتمامات الناس وبهذه الطريقة يتفجر الوضع ويرجع الحكم مرة اخرى الى العسكر .. وهو لعمري تشبيه بليغ لأن التأخير في فتح اللبق ينتج عنه عدم القدرة على التحكم في الماء وذلك مشابهة تماماً لعدم القدرة في اتخاذ القرارات الحازمة ومعالجة الاخطاء والذي يفجر الاوضاع وتعم الفوضي .. وتصعب السيطرة عليها تماماً مثل الماء المتفجر من جوانب الاحواض من عدة ثغرات فمن الصعب السيطرة عليه .
    اجزم لكم انني لم أقرأ لشاعر مثل حميد فهو فوق الوصف ..


    ياما شايلك بينى حايم
    لا الليالى المخمليى
    لا العمارات السوامق .. لا الأسامى الأجنبيى
    تمحى من عينى ملامحِك
    وإنتى جايى المغربية
    .. دايشى .. داقسى .. المغربيى
    وشِّك المكبوت .. مكندك
    سمسونايتك زمزميى
    كون شِبِر .. طوريى .. مُنجَل
    سِبحِى .. فانوساً مدردح
    قلتى بيهن لى زمانِك
    يا زمان الحاجى عِندك
    يا زمان الآهة حدّك
    لا تَطَى الوردة الصبيى


    (ياما شايلك بينى حايم ) حميد كان يحمل الوطن بين جنباته ويستحضره في كل لحظة .. ورغم اغراء البيئة الصناعية المحاطه به .. سوامق العمائر .. والاسامي الاجنبية وبرهجة العصر الحديث بكل مافيه من غثاء وضحالة بالنسبة لشاعر مثل حميد .. وفجأة ينتقل الى بيئته واصله يستحضرهما من مكنون عميق لا ينضب بل يتجدد في كل لحظة من لحظات حياة الشاعر ومواقفه .
    تمحي من عبني ملاحمك ..
    وانتي جايي المغربية .
    .. دايشى .. داقسى .. المغربيى
    وشِّك المكبوت .. مكندك
    كل من عاش في بيئة الشمال يعرف جيداً ما يرمي اليه حميد وهو يصف تلك الراجعة من وعثاء العمل عند المغربية .. والفترة ما بين العصر والمغرب هي الفترة التي تبلغ فيها العمل الذروة لأن المزارع وعائلته يكونوا في ذروة العطاء لتنفيذ جداول طويلة جداً من المهمات .. عشاء الابقار والحيوانات الاخرى .. سقاية الماء .. تنظيف المراح .. تجهيز العجول للرضاع .. حلب الابقار والاغنام .. فترة رضاعة للصغار من الامهات لعزلهم .. وترتفع سرعة ووتيرة العمل كلما اقترب غروب الشمس لأن الظلام والزراعة لا يجتمعان على الاطلاق وفضلاَ عن ظهور العقارب والثعابين والحشرات الضارة ..فإن المزارع يعتقد ان الليل لا يصلح للعمل لأنه فترة هدوء يتجلى فيها قدرة الخالق عز وجل وفيها تنمو النباتات والشتول ويتمدد الخير والنماء ولديهم اعتقاد جازم بأنه من المهم هجر المزرعة ليلاً لاتاحة المكان والزمان والجو الهادي للزراعة لتنمو وكأن الضجيج والعمل يعكران صفو هذه العملية ويطردان مبعوث الخير القادم من حضن الغيب .. لذا تجد أن المزارع عندما يحضر في الصباح الباكر يتجول في مزرعته ويراقب ويبحث عن أي جديد طرأ على كل انواع الزراعة لتحديد كمية النمو الذي حدث خلال الليل المنصرم.
    وحميد عندما يرسم صورة لذلك الجسد المتعب من جراء الانهاك الذي اصاب تلك تربالة الراجعة من ساقيتها .. يعرف تماماً انها فترة تعب وترهل لاعضاء الجسم (دايشي .. داقسي ..) وهي تمشى لا تكاد ترى امامها بعد عناء ذلك اليوم المليء بالركض والعمل .. ويكاد يرى حميد جمالاً في عمق هذه الانثى والتي ازدادت رونقاً وألقاً وهي تكاد تجرجر اطراف جسدها من وعثاء التعب والارهاق ..

    سمسونايتك زمزميى
    كون شِبِر .. طوريى .. مُنجَل
    سِبحِى .. فانوساً مدردح

    ومن شاهقات المدن والاسامي والاشكال الاجنبية ومقتنياتهم الحديثة ربما عرف حميد التربال إسم السمسونايت وجعلها رمزية هنا لتوضيح علاقة ادوات العمل بين كل من تلك التربالة وتلك الحسناء المدنية فهذه تقتني السمسونايت وهي رمزية عن قبح العالم الصناعي .. وتلك تقتني زمزمي .. كون شبر .. طوري .. منجل .. سبحي فانوس .. وهنا تلاحظ حميمة العلاقة بين التربالة وادوات عملها وبعض مقتنياتها .. حتى تنتهي بتلك السبحة وهي رمزية ذكر الخالق عز وجل ودليل على التمسك بالقيم .. بينما لا يسحب نفس الوصف العميق على تلك الحسناء الاخرى لأن ثقافة المدن مختصرة في ( شارع وبشر وفضاء ضيق وسماء بلا نجوم وقمر ..الخ) والمقارنة ما بين السمسونايت والسبحة والطورية والمنجل فيها مدلولات قيمة بل واخلاقية وانسانية ..
    ومن هذه الرموز التي ذكرها شاعرنا ( كون شبر ) بالرجوع الى المصطلحات النوبية التي تناولها اهلنا الشوايقة واضافوا اليها جمالاً ولحناً ومعنى وقيمة وحملوها بأنغامهم الجميلة الى كل انحاء القطر الواسع وبها ادرك بعض المهتمين بهذا النوع من المفردات وقاموا بتأصيلها لخلق نوع من الترابط بين النوبة والقادمين عليهم . ولفظ ( كون شبر ) في النوبية هو ( كوديه شبر ) وهي عبارة مقطف (قفة) من سعف الدوم في الغالب .. ومنها نوعان .. نوع صغير يمكن للمزارع يعمل بها في حفر ( الكوديك بالعربية ) اوالكوديه بالنوبية هو الجدول الذي يربط الساقية بالنهر وفي فصل الشتاء يحتاج ذلك الجدول الى حفر يومي مع الصباح الباكر وهنا يستخدم المزارع ( كوديه شبر او كون شبر ) لنقل التربة او الطين خارج الكوديه ويمكن استخدامها في مهمات اخرى داخل المزرعة .. والنوع الاخر هو على شكل قرطاس او مخروطي الشكل مفتوح من الاسفل وحجمه اكبر ويستخدم في نقل التربة من مكان الاخر ويمكن ان يستخدم ظهر الحمار او الجمال في بعض المناطق ويتم تفريغها دون انزالها وهي غالباً ما تكون معلقة في عارضة خشب واحدة من اليمين والثانية من اليسار ويكون مفتوح من المؤخرة ويتم سحب قطعة القماش وتتدفق التربة ويتم التفريغ .. وفي السابق كان ( كودي شبر ) يستخدم في ردم الجدول الرئيسي الذي يفصل بين السواقي وهو الحدود بين الساقية والاخرى ( ملتي ننودي) او الجدول الضكر مثلما ينطقها بعض الاعمام الناطقين بالعربية ..
    وعندما يذكر شعارنا ( كون شبر ) ويقصد به ( كوديه شبر ) فهو رمز للخير واحدى المعينات التي يحتاج اليها المزارع طوال يومه .. للردم وجلب التراب من اطراف الساقية ..

    قادم بالمزيد ..

    (عدل بواسطة سيف الدين عيسى مختار on 05-22-2012, 05:38 PM)

                  

05-22-2012, 05:20 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    يا علي

    حقيقي شكرا على هذا الابداع ، وعلى هذه الاشراقات النقدية لشعر حميد، وهي مقاربة فنية تتأمل شعر حميد من الداخل، وليست قراءة سطحية في ظاهر النصوص.. وهذا التأمل الباطني عبر دلالات بعض الكلمات ينطلق من فهم عميق لموروث عريق تحمله المفردات، فالقراءة هنا قراءة بنوية تكتشف الصورالجميلة التي تخلقت من هموم جمعية تشكلت عبر التاريخ، وقت كان شريط النيل يحتوى شعبا ذا نكهة واحدة مميزة انشطر بفعل التلاقح والتثاقف الى مكونات ظل كل مكون منها يحمل شيئا من ذلكم العبق الواحد، وكأن قدرا عظيما من ذلكم الموروث العريق قد انتهى الى حميد، أو كأنه يخيل اليك أن حميد يمتح من معين مجموعة من الناس الموغلين في ذلكم المعجم، فحين يترنم أو حين يلج الي الحالة الشعرية يخيل اليك كأنه يلتقى من خلالها بمجموعة من النسوة الطاعنات في السن يخرفن بكلمات لم تعد قيد الاستخدام الآني.
    في شعر حميد معجم متكامل من الكلمات النوبية أحسن توظيفها في شعره الرائق، وهي كلمات دخلت العامية السودانية فصبغتها بنكهتها المميزة وايقاعها الفريد كما ذكرنا ذلك في (الواوور). وانه لأمر مدهش ما فعله اخوتنا الشايقية في تعريب بعض الكلمات النوبية لتستقيم في ايقاعها مع موسيقى العربية في السودان، فالكلمات المضمومة في النوبية تم نصبها مع اضافة حرف ( القاف) في نهاياتها لتصبح عربية فصيحة، مثل (كارديق، واسوق، دشكوق، مدروق، متيق، بتيق.. وهلم جرا) ، فكلمة الأوبق ونطقها في النوبية بضم الألف اضيفت اليها لام ونصبت الألف لتصبح (اللبقة) كما اضيفت اليها تاء التأنيث للافراد، وفي النوبية تطلق هذه العبارة لوصف الانسان عديم الفائدة والمروءة . وكذلك مثلا كلمة التولكي بضم التاء وهي المنصة الخشبية التي يستخدمها الجزار في تقطيع اللحم، واذا شتم انسان انسانا قائلا له (يا تلكي) فذلك أبشع سب وأقذع هجاء. الشايقية ينصبون التاء في تلكي ويقولون في أمثالهم (عاملاهو تلكي) ويضرب للمرأة التي تجعل من زوجها ستارا لآفعالها الشنيعة، كأنما قد جعلته منصة تقطع عليه جسدها والعياذ بالله.
    ما يميز حميد أنه لا يقصد تلك المعاني قصدا في شعره لكنها تأتي عفو الخاطر فيكتسب بها شعره خاصية وعمقا قلما تجده عند غيره، شعر حميد كأنه يمتح من حلم كثيف وعميق ورامز رمزية تحيط بمجلها وتستعصى عليك مفرداتها، كالشخص الذي يأتيك في الحلم فتعرفه على وجه الاجمال لكنك لا تعرف من هو تحديدا، قد يكون مجموعة أفراد معروفين جمعهم الحلم في شخصية واحدة، أو شخص واحد تشتت في مجموعة أشخاص، كأن يكون حديثه عند شخص وملامحه في عدة أشخاص، في النهاية مثل هذه التوليفة تحقق لديك اللذة، وينتهي الحلم في اللحظة التي تود فيها أن تصل الى النهاية المنطقية فتصحو وانت متحسر على عدم اكتمال الحلم، شعر حميد لا يكتمل أبدا، لأنه يترك للمتلقى مساحة أن يكمل هو القصيدة، لأنه ببساطة شديدة بارع في فتح كوى الخيال لمتلقي شعره الذين يعتبرهم جزءا من الحالة الشعرية التي تعتريه، فهو لا يكتب لشخص بعينه ولا لجهة محددة، هو يكتب لجميع الناس ، وفي بعض الأحوال يتقمص الناس جميعا ويكتب لنفسه، ويمده الناس الذين تقمصهم بالكثير من الصور والمفردات وحتى التراكيب الشعرية، قال لي في احدى الامسيات بجدة، أنه حين تعتريه الحالة الشعرية ينصب سلما يعرج به الى عوالم لا يدرك كنهها والى فضاءات بعيدة يرى فيها العديد من الوجوه والملامح.
    للكتابة الشعرية شروط عديدة اذا اجتمع بعض منها لدى شاعر ما جعلت منه شاعرا يشار اليه بالبنان، فكيف اذا اجتمعت كلها لدى شاعر ، وأهم هذه الشروط ، المعجم اللغوي ، والخيال ، وتوليد المعاني الجديدة، والتمكن من اللغة ، والأسلوب المتميز ، والقدرة على توليف كلمات ، او اعادة تخصيص معاني بعض الكلمات، وحلاوة الموسيقى الداخلية، وانتظام ايقاعات القصيدة، مع غزارة في الانتاج وجودة المنتوج، واستنباط الحكم العميقة من أحوال الناس، ففي قصيدة واحدة مثل (عم عبد الرحيم) استطاع حميد أن ينثر الكثير من الحكم التي تمس كل الناس مثل قوله (وايه الدنيا غير لمة ناس في خير أو ساعة حزن) أو (يزعل في شنو ، ويزعل من منو، ما كل الناس صحاب، وكل الناس أهل، والماهم قراب قربهم الشغل) أو (عم عبد الرحيم على كيفك تقوم ، لا دفتر حضور ، لاحصة فطور، تقرع بالقمر تزرع بالنجوم) ، أو يا طاحن الخبر، ما بين القضا ومحراكة القدر) و ( عم عبد الرحيم يا كمين بشر، صح الموت سلام، ما يغشاك شر) ، تأملوا معي هذا النص لتجدوا كيف أنه استطاع أن يولد بالتضاد معاني وأخيله يمكن أن ينسج كل فرد منها أـخيلة ومعاني وليدة
    يا وطناً قريب للحي وسِرّك للبعيد لحّاق
    حِلُو حلاوة ما بـ تِنضاق ومُرًا كُلو كلٌو إن ضاق
    مِن كُناكَا ما خُنَّاكا مافينا الضلالي العاق
    وياحاسِب سُكاتنا رُضا أمانة بِطُونَا ماها غُراق
    صدورنا علي البِعادي زُقاق وضِهورنا إلي المنادي رُقاق
    رضينا بلا قرِن نِنساق وحين نحـرِن جبل يا ساق
    والأمثلة في هذا الخصوص لا حصر لها في شعر حميد، مثل قوله (وطني ولا ملي بطني)، (سكاتي ولا الكلام الني)، (قليلتي ولا ضبايح طي) وهكذا.. وتأملوا أيضا هذا المقطع الذي يحسن فيه توليد المعاني من أمور يشاهدها كل سوداني يوميا لكنه قد لا ينتبه لها ، فالنيل يظل هادئا ما لم تهطل الأمطار ،ثم يتعكر صفاؤه ويتغير لونه، والناس محتاجون له فيلجأون الى الطين ذاته (الرواق) ليصفو لهم شرابهم من جديد، والسحاب يضيق بالمطر ليتخلص من حمله، لكن التراب يظل في شوق لاحتضان ذات المطر يقول
    وطنا حبيبنا رغم البيك هي الأشواق
    وما طال المطر بيصب
    طبيعي إنو البحر ما راق
    كما إنو العكار من طين
    كمان من طين بيجي الرواق
    صحيح إنو المطر ضايق
    لكن التراب مشتاق
    إذا ما العشق مندافع
    كذلك حضرة العشاق
    وطن علام ... وطن ساكت
    وطن ما فيهو أي كلام
    وطن آخر ... وطن قدام
    وطن ماهل ... وطن قوام
    مدد للفي البعيد لحاق
    وطن نضام ... وطن ساكت
    وطن ما فيهو أي كلام
    وطن آخر ... وطن قدام
    وطن ماهل ... وطن قوام
    مدد للفي البعيد لحاق
    نظل في حبلك الواحد
    حبيبين ما في بينا فراق
    مع إنك ما في بس لابد توافي
    وتصدق الأشواق ...لا زنزانة تتلقانا
    لا جبخانة لا أطواق ...بلد وأحضانا تتلقانا
    جنة جدولها الرقراق
    بنطلق همبريب الشوق
    على لفح النوى الحراق
    بنتعود لهيب الشمس
    ما كوش من الرقراق
    يا وطن الأراضي البكرة
    يا وطن السماء البراق
    من كناك وما خناك
    وما فينا الضلالي العاق
    وأنت المالي عيونا معزة
    وين متراوح سايب عزة
    ودابا أشتغلت فينا الغنية
    دابو ضمير الدنيا أهتز
    وبدا لي الكدح الكونو يتبن
    شوقا يضوق للعالم لذة
    وين متراوح وين
    يا طالي باب النيل بحنين الوزة
    وعمرك كلو تغني عليها
    وتترجاها تعالي ... تعالي
    أول ما هي بدت عينيها
    استعجلت مشيت طوالي
    كوركنالك ... يا الله
    سبعة أيام في سبعة ليالي
    رجع الصوت النازف آه
    سرسار جدول داخرو العالي
    كنا غلابة وليل وربابة
    متلمين فوق قوز ونغني
    قلنا : الصحراء تبتق غابة
    حلم قريب ما هو تمني
    تنسف فجأة القوز دبابة
    وفينا غنانا يصن فد صني
    اتجمعت سحابة سحابة
    وبدا يتلقط طير الجنة
    نفس الريح الحرق الغابة
    قطم فرحك ليل الحني
    رغم بهاظك وعظمة فقدك
    إلا إنو الحياة ما وقفت
    إلا أنو في ناس بيغنو
    ويقول أيضا:
    بالطمي من فيض إشتهاي
    أرقوق عناي
    ماروق غُناي
    الصورة رائعة، فالطمي الذي يحمل الخصب والنماء والخير العميم يتشكل من فيضان اشتهائه للوطن، وهو بعد ذلك يشكل السماد الذي ينمو به ساق تكوينه الذي يشتد ويقوى به عوده حتى يستطيع القيام بواجبات الوطن وحده دون معين ، فالأرقوق كلمة نوبية تعني مفرد الثور في الساقية، في العادة يدير الساقية ثور وبقرة، ولا يجمع بين ثورين في الساقية حتى لا يتعاركان فيتوقف دورانها، فاذا كان هنالك ثور قوي فانه يقوم لوحده بتدوير الساقية وذلك هو (الأرقوق) ، وهذا المعني يستقيم تماما مع ما ذكره حميد في (أرقوق عناي)، ومن المعاني البعيده أنه حين يستوي الغناء بسماد فيضان الاشتهاء ، يدفع بالعمل الذاتي بأقصى طاقة وكل الجهد دون الدخول في مشاحنة أو مطاحنة أو عراك مع أحد يعرقل مسيرة الوطن، حقيقة ما أجمل هذه الصورة وما ابلغها وأعظمها دلالة وهي توظف المورث الجمعي بشكل واع مضبوط وان جاء الكلام عفويا من غير تصنع. وتأملوا ان شئتم هذا المقطع أيضا
    بالأربل ... الواسوق ... إيدي
    أمشاط رؤيا ... أسرحك
    بعرق شقايا أريحك
    فوق أنتِ سمحة أسمحك
    برهق لقايا ... أريحك

    الأربل ، نوبية أصلها ألبل قلبت اللام راء عند التعريب وهي تشبه المشط وتستخدم في الغالب في تسوية الأرض وتنظيفها مما علق بها من أوراق ومخلفات ، والواسوق آلة لتسطيح الأرض ورفع حواف الأحواض كما هو معلوم، هذه الصورة الجميلة التي رسمها للأرض/ الوطن ما كانت لتتم الا بهذه المفردات النوبية العالية القيمة والدلالة، الأرض معشوقة تتجمل بالالبل والواسوق وهي أمشاط رؤيا الشاعر ليزيدها جمالالا على جمالها الطبيعي حين يعمل الألبل والواسق في نشر الخضرة والجمال لتزيين وجه الأرض التي يتحدر عليها عرق الشاعر المتيم بها فيعطرها ، وفي مثل هذا المعنى قال شاعر آخر (يا عرق من بين مسامي ما مرق غير شان يعينك) لكن فكرة عطر العرق عند حميد أقوى واستخدام اريحك بمعنيين مختلفين الأولى للعطر، والثانية لراحة الأرض ، وأية راحة ، راحة متولدة من رهق اللقيا، فهي لقيا لا تتم الا بمزيد من التعب والكفاح ، فالرهق قمة التعب، لتكتسب الأرض من ذلك قمة الراحة ومنتهاها، انظروا الى أي مدى يكون عشق الأرض والتوله بها، وهذه خاصية نوبية، فالنوبة متعلقون بالأرض، بالنيل والخضرة على جانبية ايما تعلق، والعرب متعلقون بالسماء يتبعون السحاب ويرتحلون معه أينما ارتحل، فانظر كيف انحاز حميد الى النوبة حتى في هذا التعلق بالأرض والوطن أوليس هو القائل (وطني.. البموت واخليه حي) .. هذا وصلى الله على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا.

    سيف الدين عيسى مختار

    (عدل بواسطة سيف الدين عيسى مختار on 05-22-2012, 05:41 PM)

                  

05-22-2012, 05:20 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    يا سيف يارائع
    لقد اثبت بالقاطع ان حميد شاعر بعمق نوبي وكما كان لك الحقوق كاملة في اطلاق اسم الادب النوبي لكتابات ادريس علي .. نقدر نقول حميد عمقه نوبي بما اوردته من مفردات ودلالات قاطعة في مداخلتكى .. واجزم انك بهذه اللغة الرائعة لا تسلب حميد حقاً ولكن تضيف اليه شيئاً ربما لم يسمعه من احد في حياته .. فهي اضافة حقيقة لانتاجه ويستحقها رحمه الله .. قراءتك اعلاه جديرة بالنشر وسوف نرى في نهاية البوست في هذا الموضوع .

    وكما اوردت من شعر حميد :
    سرسار جدول داخرو العالي
    كنا غلابة وليل وربابة
    متلمين فوق قوز ونغني
    قلنا : الصحراء تبتق غابة
    حلم قريب ما هو تمني
    تنسف فجأة القوز دبابة
    وفينا غنانا يصن فد صني
    اتجمعت سحابة سحابة

    حميد رسم صورة جميلة تكاد تكون متكررة على امتداد ضفاف النيل من حلفا حتى تخوم العاصمة الخرطوم .. وهذه الصورة هي لحاضنة طبيعية تجتمع فيها الناس تلقائياً وخاصة في ليالي الصيف المقمرة .. فتجد معظم الشعراء يتطرقون اليها عفوياً لأنها مستقرة في بؤرة ما في شعورهم الداخلي وهي رمز للانطلاقة والحرية دون عوائق تذكر .. والمقصود بالحاضنة هنا ( قيزان الرمال ) التي تحاذي القرى في مناطقنا و خاصة في الضفة الشرقية من النيل وكذلك في الجزر كترسبات من بقايا الفيضانات .. وتجد هذه الحاضنة حاضرة في معظم قصائد شعراء الشمال .. لأنها كانت تعتبر المتنفس اللامحدود للشباب والشابات ويستحضرها هؤلاء الشعراء كرمز للحرية والانطلاق عندما تضيق عليهم دائرة التسلط ونائبات الدهر ويلهبون ذاكرتهم بتلك الايام التي كانوا يجتمعون فيها بكل براءة ونقاء وتحدها فقط محاذير ومسافات وخطوط قيمية لا يمكن تعديها .. فالشاعر الحقيقي عندما يطلق العنان لمفردة لا يقصد بها النطاق الضيق او المعني المباشر لهذه المفردة ومثال لذلك مفردة (قوز) لدى حميد و( التلال) لدى خليل فرح .. وآخر يتغنى بــ ( رمال حلتنا ) إنما يقصد الشاعر المجال الواسع ويفتح للقاريء المتأمل فضاء ارحب وخيال لا حدود له .
    وهذه الخاصية جمعت بين العملاقين خليل فرح وحميد وكلاهما من بيئة متشابهة حيث النيل والنخيل والسواقي والليالي المقمرة ويقول خليل :
    عزة ما نسيت جنــة بلال
    وملعب الشباب تحت الظلال
    ونحن كالزهور فوق التلال
    نتشابي للنجوم وانا ضافر الهلال
    وهنا يصف الخليل قريته في صاي ( بيرم إكي ) حيث جنائن النخيل ( جنة بلال) وملعب الشباب تحت ظلالها .. وليلاً الى حيث القمر والرمال ( فوق التلال) وهي تلال تحاذي قريته في صاي .. حيث النجوم .. والهلال .. وينطبق نفس الوصف على حميد من خلال ما ورد في قصيدته :
    سرسار جدول داخرو العالي
    كنا غلابة وليل وربابة
    متلمين فوق قوز ونغني
    قلنا : الصحراء تبتق غابة
    حلم قريب ما هو تمني
    تنسف فجأة القوز دبابة
    وهنا تشابه المكان ومفرداته لدى خليل وحميد .. ( متلمين فوق قوز ونغني ) وايضاً نفس الليالي المقمرة في ( نوري ) كما في ( صاي ) ونوري منطقة ظليلة جداً وكثيفة الجنائن مشابه لوصف خليل (جنة بلال) في صاي .. ونوري ايضاً بها قيزان الرمال عندما تتجه نحو منطقة الغويبة في تجاه اهرامات الكرو .. حيث تجد كثبان الرمال واشجار الدوم .. ومرتع الصبا هنا متشابه وهي لوحة مكررة على طول شاطيء النيل ولا اريد ان ادخل في مقارنة ما بين خليل وحميد ولكن خليل لديه عمق تاريخي وحضارة نوبية يستحضرها بطريقة تدل على ثراء الرمزية في شعره .. فالهلال يدل على الاسلام والنجمة تدل على المسيحية ومن هنا يكون التعبير عند الخليل اعمق .. لأن اختلاف الزمان والحوداث لدى خليل وحميد يجعلهما متشابهان في بعض المحطات .. فخليل الذي شب عن الطوق في مرحلة تكاد تكون اكثر حساسية في تاريخ السودان عند نهاية المهدية وبداية الحكم الثنائي وكأن صافرات بواخر كتشنر التي اختزنها في ذاكرته منذ الطفولة كانت كامنه فيه .. بالاضافة الى الجانب الليبرالي والانطلاق وعدم التقيد المطلق إلا بالثوابت الاخلاقية في البيئة التي نشأ فيها خليل هي التي دفعته الى منعطفات كثيفة الرمزية وغزيرة التأمل .. على عكس حميد الذي نشأ في بيئة تغلب عليها الصوفية امتداداً من جمال اللفظ واللحن في قصائد اولاد الماحي انتهاءاً بطنابير الرواويس.. ومع تشابه البيئة فإن انتقال خليل الى امدرمان وتبنيه لغة الوسط للتعبير عن مكنونه الحضاري جعلت منه اقرب الى القومية لأن العربية تعتبر لغة مكتسبة لدى خليل حتى لو أجادها اكثر من الناطقين بها .. على عكس حميد الذي فكر وعبر من خلال بيئته المحلية التي تسمح له بإستخدام مفردات وادوات اكثر .. أما عن رمزية خليل فكانت في تضاد مع المستعمر وقد عايشه في حياته اليومية من خلال مديره الانجليزي في مكان العمل .. ورمزية حميد الى الحكم الديكتاتوري الذي ربما يحد نوعاً ما من انطلاق بعض افكاره الى مساحات أوسع ولكن الكبت وعدم الحرية كانت مساحتها اكبر لدى خليل .. لذا فإن الرمزية عند خليل اعمق كما في ( عزة ) وليست بذلك العمق والمدلول في قصيدة حميد ( نورة ) واحسب ان حميد عندما كتب تلك الرمزية (نورة) كان قد تقمص خليل عزة .. فكلاهما يشبه الوطن برمزية المؤنث ولكن ربما جبروت الحكم الوطني اخف وطأة من ذلك المستعمر الذي لا تجد له أي عذر او مخرج مقنع . فكان لخليل القدح المعلى .
    فأمنيات خليل كانت ذات مدلول معنوي وتميل الى القيم الاخلاقية الغير ملموسة ( نشابي للنجوم وانا ضافر الهلال ) هو السعي الى كمال القيم فبعد استظل بالهلال ويرمزالى الاسلام أراد ان يأتي بالمكارم والقيم الموروثه حتى اذا كانت بعيده المنال وفي مستوى النجوم وهي منتهى خط الرؤيا للبشر بالعين المجردة من خلال هذا الكون المحسوس اللامتناهي ..
    ونرجع للقراءة عن احلام حميد :
    متلمين فوق قوز ونغني
    قلنا : الصحراء تبتق غابة
    حلم قريب ما هو تمني
    تنسف فجأة القوز دبابة
    حميد هنا اكثر واقعي ويمكن تحقيق مراده اذا كانت رمزية او حقيقية (الصحراء تبتق غابة ) وتبتق كلمة نوبية بمعنى تنمو .. فهي يريد ان يحول صحراء حياته ( الكبت وعدم الانطلاق ) الى حرية ( الغابة الخضراء) وهذه الامنية في المتناول اذا ما تمت مقارنته بأمنيات خليل الواسعة .. والفرق هنا ان امنية خليل مفتوحه حتى نهاية الكون ولا حدود لها وهي امنية انسانية تمتد في فضاء البشر عموماً لخلق مجتمع فاضل مملؤ بالقيم .. ولكن حميد يقضي على حلمه وامنيته بأن نهايتها دبابة وهي رمزية القوة القاهرة ويسدل الستار على هذا الحلم بنهاية غير سعيدة .. ولكن يبقى حلم خليل الى ان تقوم الساعة ..

    المزيد ..

    على عبد الوهاب عثمان

    (عدل بواسطة سيف الدين عيسى مختار on 05-22-2012, 05:44 PM)

                  

05-22-2012, 05:20 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    على
    أرجو أن تحلق بنا قبيلا في فضاء كلمة (سرساق) في قصيدة حميد (سرساق جدول دواخرو العالى )..والسرساق كلمةنوبية تعني ضمن معانيها الاصطلاحية بقايا مياه الليل ،وهي مفردةجميلة ذات حرس آسر تتوافق تماما مع انسياب المياه الرقراقة الصافية في الجداول..حين تفصل الحديث في مدلولات هذه الكلمة النوبية،تكون ملامح مشروعنا لتأصيل المرجعيات النوبية في الأدب السوداني قد بدأت تتضح، وبارك الله في حميد الذي برهن بالنصوص الناصعة صحة ما كنا نؤكده من كثافة وعمق الحضور النوبي في الادب السوداني عامة،فبقدر كثافة هذا الحضور يكون موقع المبدع في خارطة الابداع السوداني،ولقد رأينا حجم هذا الحضور النوبي عند حميد وكيف استطاع به أن يرتقي قنة الشعر السوداني، وحين جاء وردي بنوبية كاملة الدسم في حليب الأغنية السودانية أصبح (زبدة ) هذا الحليب بلا منازع. ولا تدفعني العصبية أو العنصرية في حديثي هذا، انما آن الأوان لنكتب عن هذا الجمال الذي غاب أو غيب عمدا، وذلك بحثا عن فهم أشمل وأعمق لمنتوجنا الثقافي.

    تأمل عزيزي القاريء قصائد حميد جيدا، ستلاحظ أنه لا يشير فيها الى شعراء غربيين ليعطي شعره مزيدا من الرمزية أو الحداثة،ولا يضمن أشعاره قضايا فلسفية معقدة،ولا يشير فيها الى أساطير محلية أو أجنبيه، كما يفعل بعض الشعراء الذين يحولون قصائدهم الى الغاز ورموز عصية على الفهم، حميد لم يعمد الى كل ذلك، ورغم ذلك ظل شعره مبهرا ومعجزا، لم يفعل شيئا سوى أنه اتقن هذه العامية بكل ما تحمله من موروث ثقافي مدرار. لم أقرأ لحميد قصيدة بالفصحى قط لأنه وجد في العامية الوعاء الذي يبلغ رسالته بكل دقة ووضوح فجاء شعره (مفتولا) من (عشميق) قندبلة في جروف الساب، وبهذا الحبل المتين المجدول حاول اصلاح (كراب) الشعر (المرتخي).
    وقبل أن استرسل في هذا المشروع النقدي المتمثل في (استنجاد اللغة العربية باختها النوبية لرفدها بمفردات مهمة لتشكيل بنية وريتم العامية السودانية) دعوني أقف معكم في المحطات التالية مع حميد..

    المحطة الأوبى في جدة قبل حوالي عشر سنوات حين اقمنا حفلا لتكريم الفنان محمد كرم الله،وكان وقتها معتزلا للغناءـ رافضا حتى سماعه، عندما قدمنا الفنان يوسف كرم الله ليقدم طائفة من أغنيات محمد كرم الله، كان محمدكرمالله جالسا في قاعة الملك فهد الساحلية ولم يحرك ساكنا الا عندما غني يوسف قصيدة حميد (شن طعم الدروس) فقام وبشر .

    المحطة الثانية في جدة، ومساكين أهل جدة فقد مكث حميد بين ظهرانيهم فترة لكنهم لم يستمتعوا بشعره، و لقد حظيت بتقديمه في بعض مناسبات منتدى السودان الثقافي ، واذكر اننا أقمنا له أمسية شعرية برفقة السر عثمان الطيب وبعض الفنانين في حدائق الريم بجدة، وعندما بدأ في القاء قصيدته (عيوشه) نهضت امرأة بدينة من كرسيها وصاحت في وجهه طالبةمنه التوقف والا ستفعل ما لا يحمد عقباه،
    المحطة الثالثة في جدة أيضا، فقد حضرت كل بروفات الأوبريت الذي أعد لوردي أثناء علاجه بأمريكا كما شاركت في الحفل الذي أقيم تكريما له في منتجع درة العروس،وقدم الأوبريت في الحفل وهو من ألحان الفنان الهادي الجبل، والتوزيع الموسيقى لعادل الصديق، أداء كل من الهادي الجبل، وعادل الصديق، محمود تاور، محمد مهدي ، محفوظ عليش بمصاحبة فرقة أماسي جدة، والأوبريت كان من تأليف مجموعة من الشعراء من بينهم حميد،والذي تولى أمر اختيار النص الشعري هو الشاعر عالم عباس فقدطلب من مجموعة من الشعراء أن يقدم كل منهم قصيدةكاملة عن وردي ففعلوا، فقام باختيار مقطع من كل شاعر ضمنه في النص النهائي ، ومما اختاره من قصيدة حميد المقطع التالي
    المروق والخطوة وللأسف هذا الأوبريت الرائع لم يقدم الا مرة واحدة ، كما أن قصيدة حميد الكاملة لم تنشر ولا آظن أن حمديدنشرها بعد ذلك،

    المحطة الرابعة عن قصيدة حميد (نوره) القصيدة غناها الفنان محمدجبارة، وقد ذكر لى صديقي الشاعر صديق محمد طه أنها كانت (نوري) حولها محمد جبارة الى (نوره) وقد فعل ذلك عمدا لما فيها من المضامين السياسية التى ما كان باستطاعته تحمل تبعاتها، واذاتأملت عزيزي القاريء نص القصيدة أدناه ستجد انه يتحدث عن نوري القرية وليس نوره الفتاة،

    هي .. أقيفن .. نورة فيكن
    نورة نقاحة الجروف ..
    نورة حلابة اللبيني .. للصغيرين والضيوف
    نورة ساعة الحر يولع .. تنقلب نسمة وتطوف
    تدي للجيعان لقيمة
    وتدي للعطشان جغيمة
    والمخلي الحال مصنقر ..
    في تقاة الليل تندقر .. تدي لي باكر بسيمة
    تكسي للماشين عرايا وفوقا إنقطع هديما
    ما عرفتن نورة إنتن .. قولن إنتن شن عرفتن
    نورة بت الواطة أخيتي .. نورة اخت كل الغلابة
    نورة حاحاية الشقاوة .. نورة هداية الضهابة
    الاراضي الياما أدت .. نورة بقت من ترابا
    وماشي في الأعماق سحابا
    مشتهنها .. والله جابا
    للجنوب طبلاً يهدهد .. لي مشاعر ناس تعابة
    وللشمال طنبور يسكت .. دمعة الميتين كآبة
    ما عرفتن نورة إنتن .. قولن إنتن شن عرفتن
    نورة عايز تقرأ قالت
    فوقا حيطة الدنيا مالت
    ختت الكراس وشالت
    منجلاً صالتبو جالت
    لامن إنجرحتبو شالت
    للتراب فوق إيدا كالت
    ومرة يوم في الدونكا لدغت
    جاء الفقير بالليل حواها
    ويوم ملاها الهم قطايع .. جاء البصير بالنار كواها
    ونورة ما قدرت تمانع .. تقنع الناس المعاها
    ومرة شافت في رؤاها طيرة تاكل في جناها
    حيطة تنمغى وتفلع .. في قفا الزول البناها
    في جنينة سيدي سمعت .. تمرة تصقع للوراها
    الأرض لابد ترجع للتعب فوقا ورعاها
    شافت النيل موجو لاها
    الخليقة بقت إلاها
    الشمس طبقت ضحاها
    نار عقاب إنساب مكسر .. فوق تكليات متاهة
    وضو من الله .. رهاب مكتف في وتيد الليل معاها
    بين حضر بلدا وخلاها
    فسرت للناس رؤاها
    وقالوا جنت ومو براها
    ونورة زادت فوق شقاها
    وصدت الأيام تخش
    تبني لي عصفورة عش
    في السواقي تشوف عزاها
    لما شوقا يسوي .. وش
    تسقي تزرع
    تسعى تصنع
    للنهار في الليل تخش
    عرفت الشقا والشقاوة إلا ما عرفت تغش
    شايلة طولة البال من الله .. ومن أراضينا الإثارة
    وماشي تكدح طول نهارا
    وترجى لما الليل يفلل .. تسرق ألمي عشان خدارا
    عشان صغارا
    ولما ترجع لي ديارا
    تنزف أحلام الفقارى
    من عويناتا الحيارى
    لي غبار الحال تقش
    فوقو للآمال ترش
    نورة تقعد صاحي تحلم .. بي بيوت بي نور ودش
    وبالمحبة تشق دروبا .. ولي قلوب الكل تخش
    نورة تحلم بي وجود
    ما مشت بينو القيود
    أفضل أفضل بي كتير .. بي وطن من غير حدود
    نورة تحلم بي عوالم
    زي رؤى الأطفال حوالم
    لا درادر .. لا عساكر .. لا مظاليم لا مظالم
    نورة تحلم .. ولما تحلم نورة ترجف
    ولما ترجف نورة تحلم ..
    ولما ريح الواقع المر .. لي عشيش أحلاما ينسف
    نورة تنزف
    ولما تنزف بالا يهتف .. يوم حا تنصف يوم حاتنصف
    وتبدأ تحلم .. ولما تحلم نورة ترجف
    ولما ترجف نورة تحلم
    صاحي تحلم.. وصاح بتحلم
    صاح بتحلم


    ونواصل

    سيف الدين عيسى مختار

    (عدل بواسطة سيف الدين عيسى مختار on 05-22-2012, 05:54 PM)

                  

05-22-2012, 05:20 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    تساؤل الأستاذ سيف الدين المقاودة (الدول)

    [الأخ / علي المحترم

    الا تتفق معي في أن جدلية الغابة والصحراء هي الرمز الذي استعمله الشعراء في محاولة التأصيل لماهيةالسودان وتحديد ملامح القومية فيه .... خاصة اذا تم الرجوع لمدرسة الغابة والصحراء وما كانت تدعو اليه ... لان شعر حميد في مجمله ينادي بالاندياح نحو الشكل القومي بعيد عن التكتل حول القبلية والجهوية .... وجعل الصحراء المنوط بها أن تبتق غابة دليل على مسئولية هذه الحضارة الواسعة المتنتشرة بعمق جغرافي كبير تجاه ارساء دعائم القومية والاندماج مع الغابة في تكوين جديد لا تكن فيه فواصل بين الصحراء والغابة ... وايضا رمزية الدبابة دائما تشير لحكم العكسر وما سببه من تعطيل لكل اشكال الحرية ونمو الفكر والوعي الذي يقود الى كل هذه المعطيات التى ذكرنها .... واذا اتفقنا على ما ذهبت اليه ايضا يكون حميد في موكب خليل المنطلق نحو رحابات السودان الكبير والوطن الممتد ---الصحرغابة...

    (عدل بواسطة سيف الدين عيسى مختار on 05-22-2012, 05:59 PM)

                  

05-22-2012, 05:20 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    [يا سلام يا سيف مختار .. أيها اديب الاريب .. شكراً وانت تفتح لنا نوافذ نطل منها .. ونخرج من خلالها مكنون هذه النوبية الجميلة .. وأهلنا الشوايقة هم احسن من يوصلوا لغتنا الى انحاء هذا الوطن الجميل :


    وتترجاها تعالي ... تعالي
    أول ما هي بدت عينيها
    استعجلت مشيت طوالي
    كوركنالك ... يا الله
    سبعة أيام في سبعة ليالي
    رجع الصوت النازف آه
    سرسار جدول داخرو العالي
    كنا غلابة وليل وربابة


    من بداية القصيدة يبدو ان المخاطب او المنادى بعبارات ( تعالي .. تعالي ) هي رمزية الوطن .. فللشعراء اوطان خاصة بهم حتى اذا كانوا يقصدون الوطن المعتاد إلا ان تصورهم للوطن يختلف كثيراً عن تصور الانسان العادي .. كما أن الاسلوب الاثنوي لمخاطبة الوطن فيه نوع من الرمزية الجمالية ومثال ذلك اشعار خليل فرح .. لأن هذه الرمزية تثري جمال التعبير ويدخل بها الشاعر الى عالم لا حدود له من الروعة والجمال على عكس الذكورة فإن نطاق الجمال فيه محدود والمغالاة فيه يعتبر ابتذال وخروج معيب لا يقبله الواقع الاجتماعي بالاضافة الى القوة الكامنة في الانوثة والصبر والجلد .. فالذكر دائماً فيه استقامة الشكل وليس فيه نتوءات او جبال او ديان او سهول على عكس الانثى التي تتمتع بكل هذه المعطيات كلوحة الهية جميلة ابدع فيها الخالق وهكذا الوطن كلما تنوع ارضها ومناخها وبشرها ..
    وحميد هنا ينادي عليها ويترجاها .. تعالي .. تعالي .. الى أن جاء الرد .. (رجع الصوت النازف آه .. سرسار جدول داخرو العالي .. )
    بعد رجاء وطول ايام وليالي رجع الصوت ولكنه نازف يتبعه آهات .. وشبه هذا الصوت بعبارة ( سرسار جدول ) وكلمة سرسار في النوبية تعني المياه التي تجري في الجدول ببطء شديد لأن الماء في المصدر الرئيسي يكون قليلاً او هناك من يعترض هذا السريان .. وسرسار يعني احد مراحل الضعف في جريان الماء .. واصل الكلمة كانت مستخدمة في السواقي في ذلك العهد البعيد .. وعندما انحسرت السواقي وعندما ظهرت المشاريع الحكومية والتعاونية انتقلت الكلمة بنفس المعني والممارسة الى هذه المشاريع كموروث واصطلاح لتنظيم ادارة الزراعة وتوزيع المياه بالتساوي بين المزارعين .. وفي النظام الزراعي تكون ايام الري مقسمة بين بطريقة تراعي المحصول الرئيسي ( الذرة القمح الفول .. ) وباقي الزرع كما الخضروات وغيرها هي من مسئولية المزارع وتكون السقاية للمحاصيل الرئيسية فقط وتحدد ايام معينة لهذه السقاية او الري وتحول المياه كل فترة الى جهة المعنية من المزرعة واقصد هنا مياه الري الرئيسي .. ولكن هناك بواقي للمياه في الجدول الكبير تكون راكدة او ساكنة لضعف الدفع لأن قوة الدفع محولة الى مناطق اخرى .. وهنا يقوم المزارع بفتح ( البربخ ) الى الجدول الفرعي ثم الى مزرعته ويكون جريان الماء ضعيف جداً ويحدث صوت ضعيف (سر ... سر ...سر ) بكسر السين .. فجاء اسم ( سرسار ) من هذا الصوت .. وهذا الصوت يكون احياناً اقرب الى صوت صغار ( الفئران ) ونتيجة لضعفها او وهنها فإن يرقات الضفداع يمكن أن تسبح عكسها كما العناكب يمكنها ان تسير عليها بل وعكس اتجاهها .. ولكن اجمل ما فيها هي النغمة التي تصدر منها عندما تتجمع خلف حاجز وتناسب من فوقه وهذا ماشبهه شاعرنا حميد بصورة لن تجده الا عند هذا العبقري عندما قال ( داخرو العالي ) .. وهذا ( الصوت النازف آه ) صوت الوطن الضعيف الواهن يشبهه الشاعر بصوت السرسار الذي يعتلي الحاجز ويفقد قوته وينساب ببطء ووهن وضعف وكأنه ينزف من جرح .. التشبيه فيه ايغال وعمق وصورة لا يمكن ان يتخيله إلا طفل نشأ وترعرع في بيئة كانت مهيأة لسكان مناطقنا في ذلك الزمان ولأن المعطيات بالنسبة للاطفال والشباب كانت محدودة وفي نطاق نشاط الزراعي ومكوناته فقد عرف شاعرنا هذه التفاصيل الدقيقة التي لا يعلم بها إلا من عايشها وعرفها ومارسها ومن ثم بدأ يستحضرها في قالب جمالي ويسقطها على الحالة بصورة دقيقة ربما لا يفهمها إلا من سبر غورها وعايشها مكاناً وممارسة ..
    ولا يعاقب المزارع اذا خالف نظام الري واستغل السرسار لري زراعته في غفلة من ادارة المشروع ولا يعتبر سرقة او جرم ولأن السقاية لها جدول زمني محدد للمحاصيل الرئيسية يسمى ( يوم الموية ) ولكن هناك محاصيل لا تستطيع الانتظار حتى يأتي ( يوم الموية ) مثل الخضار عموماً ( ملوخية او بامية او جرجير ... ) ومن اجل ذلك يغض سمد الساقية الطرف عن هذه الممارسة ويعرف سببها ومبرراتها لأن الماء هي الحياة واذا توقف الماء توقفت الحياة .. واكثر ما يؤلم المزارع ان يموت الزرع امام ناظريه مما يجعله يكره الارض وكراهية الارض هي الجوع والموت .. وكأن سرقة الماء حلال بشرط ان يكون على مستوى ( سرسار ) وهذا من قواعد المجتمع الزراعي . كما في المجتمع الرعوي سرقة البهائم من اجل الفقراء بطولة ورجولة وهي ممارسة ( الهمبتة ) ..
    وهناك معنى آخر مشتق ( سرسر .. بفتح السين ) ومعناه ( المتشابك ) او ما يعوق السرعة والتقدم بعمل الحواجز امام الشخص او الحيوان كأن يلتف الحبل حول رجل الحيوان ولا يستطيع التحرك بل يظل واقفاً .. وهناك من نفس الاشتقاق ( سرسر ) بضم السين .. وهو مشي الطفل الصغير المتخبط .. او مشي الشخص وهو سكران او ثمل .. او مريض .. ومشتق منه لفظ (سورسور اووكي ) ويطلق عليه بالعامية العربية (اتعنقل ) ..

    ولكن شاعرنا حميد اخذ الجانب الجمالي والمعنى السامي من (سرسار) كتعبير للوطن الذي لا يستطيع رفع الصوت للاستجابة للنداء وانما رد بصوت منخفض كسريان المياه بين الحواجز .. وليس الصوت هدير ماء او خرير الماء ( لأن الخرير ) بالخاء .. والماء في سريانه من الرقة واللطافة لا تصلح معها كلمة ( خرير ) لغلظة حرف الخاء .. ولأن النوبية لغة مموسقة فهي تأخد نطق الحرف مطابقاً للصوت والنغم من المصدر ..

    سرسار .. كلمة مستخدمة حتى يومنا هذا في المشاريع الزراعية بالشمالية ..


    على عبد الوهاب عثمان

    (عدل بواسطة سيف الدين عيسى مختار on 05-22-2012, 06:03 PM)

                  

05-22-2012, 05:20 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    الأخ الكريم الدول

    في مداخلتيك الأخيرتين ، استوقفني توضيحك لمعنى كلمة التساب الواردة في شعر حميد بمعنى الفيضان أو الدميرة، والملاحظ في شعر حميد أنه يصر على استخدام كلمة التساب بدلا من الفيضان او الدميرة، ربما لشعوره بأن هذا المصطلح أصدق وصفا للفيضان ، فالدميرة ليست مجرد فيضان، فهي كأنها متنفس للنهر الهائج ، وبالضرورة لا يكون هذا المتنفس ذا رائحة طيبة، لأن الفيضان ليس مثل سقوط المطر على التراب، الفيضان (التساب) يجرف معه كل مخلفات الوادي ، بينما وقع المطر على الأرض يولد عطرا مميزا ودعاشا طيب الرائحة، والتساب أخى الدول كلمة نوبية بحتة غير أن بعض النوبة قد ينطقها بالطاء فيقولون (طوسي) وهنالك الفنان القدير في مشو (طوسي) وفي الزورات عائلة كريمة باسم (توسه) وكلها بمعنى الدميرة، وأصل هذه العبارة النوبية هي كما وضحها الأرتاوي في مداخلة سابقة ، حين ربط بين ما ورد في شعر حميد وبين (التسابة) ، وفي الأبيات التالية يربط حميد بين رائحة (التساب) وعرق الرواوويس ، وكل من خبر (المراكبية) لا يخفى عليه تلك العلاقة بين رائحة المراكبية والدميرة، تأملوا معى هذا المقطع من قصيدة حميد (السرة بت عوض الكريم):


    وكان الوكت
    زالَف عصر
    عين الشمش
    مشدوهة
    بي دوْشَة سحاب
    عرَق المراكبيِّة
    البعاد
    راحِل معَ ريحة التساب
    ما تدري مارقِة
    من البيوت
    الحلِّة
    ولاّ من التراب !؟
    التاس تقول
    مدقُوقَة
    طالعِة على الحُقاب
    مفلوقة بي حجر الصعاب
    نازلِة على البحر
    مشروقة
    بي موية السراب

    وفي نفس القصيدة يستخدم مفردة نوبية غاية في الروعة وهي " الأشكدي" ، هكذا ننطقها نحن بضم الألف وتشديد الدال ، والبعض ينطقها (أشكندي) بنون زائدة، والأشكدي هو الورم الذي يظهر في بعض أجزاء الجسم وخاصة في الابط نتيجة لوجود جرح غائر في مكان ما، فالأشكدي اذن هو نتيجة انفعال الجسم أو تداعيه، يقول حميد

    وإنشرَّ
    من نشر الحجاب
    في عروقَه
    أشكدِّي الخراب ؟!
    من بعدِ
    ما انبلج الفرج
    من ضِْيقتا
    خدعوها بي حيلة كتاب
    رفعوهو فوق
    سِن الحراب
    ودهت الهزائم
    خِلْقَتا
    فالناس بدَل
    عن نِقَّتا
    التلقى فكَّة ريقتا
    وبدل القصور
    الفي الخيال
    التبقى ماهلِة
    كِرِْيرْقَتَا !!
    وما جاتَه راحةً
    طَلَقَتا
    إلاَّ التعمِّر
    طَلْقَته
    في بندقيةً
    حقَّتا
    وبي ها الشوارع
    وبقَّتا
    تنسدَّ منَّك
    دقَّتا

    وتراه يستخدم كلمة (الكري) بعد تعريبها وتصغيرها لتصبح (كريريقتها) والكرقه هي السقيفة المعروشة بسعف النخيل ، واذا تأملت عزيزي القاريء في المقاطع التي ذكرتها تجد أن الكلمات النوبية المستخدمة فيها وهي (التساب، أشكدي، وكريرقتا) هي التي أضفت على النص بعدا آخر وعمقا ما كان ليتأتى للشاعر لو انه استخدم الكلمات البديلة لها في العربية أو في أي لغة أخرى.

    وفي قصيدته (يا مطر عز الحريق) التي تغنى مصطفى سيد أحمد - رحمه الله- بمقاطع منها فقط ، نجد أروع استخدام واجمل تناول للكثر من المفردات النوبية، وتحديدا كلمتي (التلكى) و(الكركي) وقد تناولت معنى التلكي في مداخلة سابقة ، لكنه في هذه القصيدة يكمل بهما حلاوة حرف الروي وجمال القافية، يقول

    لا سراب الصحراء موية .. لا حجار سلوم موائد
    إنتي في الغابة اليصارع .. جوفو للآهات تلكي
    يا مدفق غيم رجاهو .. لكن الأيام كركي

    فالجوف الذي أصبح منصة تتقطع عليها الآهات، والأيام التي أصبحت (كروكيا) تبتلع كل ما يمكن أن يرفد به غيم الأمنيات، صورة جميلة تستمد حلاوتها من عمق معاني هاتين العبارتين النوبيتين .
    يا أيها الدول لقد تجاوز حميد كثيرا عقبة الهوية التي كانت هي شاغل أصحاب الغابة والصحراء، لأن حميد منذ وقت مبكر كان قد حدد هويته بشكل قاطع، فالشاعر محمد المكي ابراهيم احتار كيف يرمم الجزء الأكبر من قضية الهوية لأنه رأى الخلاسية في قصيدته (بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت) رآها بعض نوبية ، وبعض عربية، ومحمد عبد الحى في العودة الى سنار لم يستطع دمج اللغة التي يتغنى بها في اللغة التي يصلى بها في قوله
    أغني بلسان
    واصلي بلسان

    لأن الغناء هو الموروث منذ القدم ولغة الصلاة جاءت مع العرب المهاجرين ، واسماعيل حسن تجاوز كل المكونات ليجعل هويته (عرب ممزوجة بى دم الزنوج الحارة ديل أهلى) ، حميد هو الذي ارتاح الى هويته بقوله (يا بت النوبة العربية، ويا بت العرب النوبية) هي وحدة لا انفصام لها، وهوية متكونة من هذا الاندماج والانصهار التام، هذه الهوية الناتجة من مكونات عريقة لم يفقد أي مكون منها خصائصه ومميزاته، هوية حميد اذن خلاصة لأجمل ما في هذه المكونات، ولقد تابعنا من خلال قراءاتنا السابقة أن هويته لم تكن تنظيرا فقط، بل ممارسة فعلية عندما يستخدم الكلمات النوبية وبنفس دلالاتها ومعانيها وطرق استخدامها باعتبارها لغته هو وليست لغة مكتسبة، يصوغها في قالب عربي رصين لأن العربية أيضا هي لغته . اذا فهم الناس ماذا فعل حميد لأدركوا جيدا الهوية السودانية الحقيقية التي تجعل الانسان يحلم بالغد المأمول (يا بت بتحلم بى باكر) .. ونواصل

    سيف الدين عيسى مختار

    (عدل بواسطة سيف الدين عيسى مختار on 05-22-2012, 06:07 PM)

                  

05-22-2012, 05:20 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    [نخلة حميد

    مشكلتنا مع حميد، أو مشكلة كل النقاد مع حميد أنه لخص في شعره أكثر مما يمكن أن يقوله النقاد، ورمز ابعد مما يمكن أن يصل اليه متمكن الأفهام.. في شعره المباشر تجد حلاوة الموسيقى الآسرة وجمال المفردة العامية التي يحار المرء كيف يصل اليها حميد وينتشلها من مكامنها الدفينة في زمن تلاشت فيه الكثير من المفردات العامية ، سواء كانت منحوتة من النوبية، أو عربية فصيحة. في قصيدته النخلة، لخص حميد كل المنافع التي تتيحها النخلة من ثمر يحتوى على كل الفيتمينات، وجريد وجذوع وألياف وخلافها.. النخلة هي الحياة بكل معانيها.. وقد رمز بها للفنان مصطفى سيد أحمد، الذي يظل متجددا رغم رحيله، ففي موته السماد الذي يغذي الأجيال القادمة ويمنحها العنفوان، وفي ألحانه السرمدية مداميق الوقاية التي تقف سدا حين تهب الرياح الصرصر العاتية.. النخلة في صراعها الأبدي مع الرياح، أما ان تقوى على هبات الريح، واما أن تنقلع من جذورها وتصبح خاوية تعوي الرياح في جوفها المنقعر.. نخلة حميد تستعصي على الفناء.. عبقرية حميد تكمن في تناوله للنخلة من كل الزوايا التي تخطر على البال.. والنخلة على أية حال قاسم مشترك في كل شعر حميد.. لا تكاد تخلو قصيدة من قصائده من ذكرها أو الاشارة اليها أو الرمز لها.. وأهم ما يميز شعر حميد المعجم الغني والتراكيب اللغوية ، تأمل القصيدة التالية
    أخفيكي ... ولا أوضحك
    إنتِ الموالفة علي الفريق
    لا ليل كلابو بتنبحك
    لا كلمة زي رايش حريق
    تغلط عليك وتجرحك
    يا ولا قبل أول شعاع
    أطفالو تنسابق سراع
    حين تلمحك
    تتموّحك ... كفيك غصن
    تتمرجحك ...
    تصعد إليك
    من راحة إيديك المورقة
    ولي مسرحك
    ويا صارَة في صدرك وفا
    يا قبلة من ثغرك كفى
    تبراك أريجات الزهور
    نسم الأناشيد ينفحك

    ************************

    تديكي أصواته الطيور
    أسقط دموعي وأرشحك
    باسم العرق
    قطر الندى
    خلق الصفق
    طول المدى
    في الهمبريب الجاي حق ...
    غيمة ودعاشها
    أو أرشحك
    فوق حيرتي رأي
    ويفرحك
    يا شارحة صدر البشرحك

    ***************************

    بالطمي من فيض إشتهاي
    أرقوق عناي
    ماروق غُناي
    نبر ورجاي
    حاحاي صُحاي
    أرقد علي قفا
    وعليك
    أعبي سعن الصبور بيكي
    أربي ليكي
    وأجيهك
    بالأربل ... الواسوق ... إيدي
    أمشاط رؤيا ... أسرحك
    بعرق شقايا أريحك
    فوق أنتِ سمحة أسمحك
    برهق لقايا ... أريحك
    تحتار عيون الموية فيك
    يا الله ...
    إلا يشبهك
    شجر الحقيقة الما حصل
    من تالا عارض جهجهك
    وإن دهدهك
    علي أوجهك !!!
    طير العشم فيهو إستراح
    يخفس
    قبل جيت الرياح
    مرسالو يجري ينبهك
    شتلك عن الشدر الكبار
    فيهو الصمغ
    لا يشبهك

    ونواصل

    سيف الدين عيسى مختار

    (عدل بواسطة سيف الدين عيسى مختار on 05-22-2012, 05:24 PM)

                  

05-22-2012, 05:20 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    قراءة الستاذ على عبد الوهاب عثمان



    ما زلت في عالم الشاعر الجميل ( حميد ) أحاول ان أتعمق في شعره ومفرداته التي يستخدمها بكل عمق وسوف أكرر ما كتبته سابقاً ان حميد لا يمكن أن يفهم قصائده بمجرد القراءة والاعجاب بالجرس الموسيقي والنظم .. المتعة الحقيقية في قصائده هي المعايشة .. وهو اكثر عمقاً من اسماعيل حسن ولكن اسماعيل أجمل منه في طريقة الالقاء .. لأن ربما كان إسماعيل يحمل الوطن بين جوانبه ويستحضره ويعيش لحظاته لينظم تلك القصائد الجميلة عن التراب والسواقي والنخيل والترابلة والرواويس .. المعاني اعمق عند حميد لأنك تجده في الاماكن والمواقع التي يختارها بحنين وشوق ويعيد اخراجها في صورة رجل عايش وشارك المكان والزمان بصفة يومية ( وليست سماعية ) .. فمثلاً في قصيدة عبدالرحيم :

    عم عبد الرحيم
    اتوكل نزل
    فى المشرع لقا
    زملان الشقا
    الجا من الجريف
    الجا من الجبل
    عل الناس بخير
    صبح هاظرم
    نقنق ناقرم
    غاظوه نعل
    وعم عبد الرحيم
    ما بخبر زعل
    كل الناس هنا
    ما بتخبر زعل
    تزعل من منو

    ( في المشرع لقا .. زملان الشقا ) والمشرع يعتبر احد الحاضنات الاجتماعية في الشمال وهي تماثل ( مواقف البصات ) في المدن مع الاختلاف في علاقة الاشخاص مع بعضهم .. فالمشرع هو مكان انتظار المراكب التي تنقل الركاب من الشرق الى الغرب او العكس .. وهناك غالباً ما تكون شجرة ظليلة ضخمة تحتها (سبيل) او مزيرة تملأ ازيارها من النيل مباشرة وبالتطوع وكما يتم نظافة الظل ايضاً بالتطوع لكل من استطاع ذلك .. وهذه الحضانة الاجتماعية تضم كل طبقات البشر في المجتمع الريفي وخاصة الجزر .. وتجد نفس الصورة التي رسمها شاعرنا حميد :
    الجا من الجريف
    الجا من الجبل
    ويقصد بالجريف سكان المنطقة التي تقع فيها المشرع .. والمشرع في الجزر يختلف قليلاَ لأن كل اراضيها املاك وسواقي تكون هناك وثيقة او قل ميثاق شرف بأن ينتقل المشرع بين السواقي التي تقع في منتصف المسافة في الجزيرة لأن المشرع معناه ان يسلك الناس طريقاً من الحلة الى النيل عبر الساقية بالحمير او الجمال لنقل الاغراض وهذا ( ماقصد به حميد من الجبل ) ولأن الجمال من الصعب عليها استخدام المراكب إلا اذا كانت المعدية ( بنطون) فإن موقع المشرع يسبب نوع من التلف للمنطقة التي يقع فيها والتلف يأتي بسوء استخدام الناس للممرات التي تقودهم الى المركب بين السواقي ويحدث تلف للزراعة ونوع من الفوضي غير المحبب للترابلة .. وحذاري أن تطأ القدم نبتة ساهر من أجلها رجل كادح .. وهذه اسوأ ممارسة تجلب الاحباط للتربال وتحدث من الراجلين والراكبين على ظهر الدواب ، لذا يتم التناوب على استخدام المشرع بين السواقي وخاصة في الجزر .. وعندما يكون هناك عائق لاستخدام المراكب مثل ( اتجاه الريح ) وخاصة في موسم الصيف وتكون الرياح جنوبية ( نو) كما قال شاعرنا اسماعيل حسن ( المراكب كاسحة مادام ريحنا نو ) يكون التجمع البشري اكبر عدداً في المشرع في انتظار ان تأتي المركب الى البر او من الضفة الاخرى ( تماماً الحالة متشابهة عندما تكون هناك ازمة مواصلات في المدن يحدث تكدس ) .. وهنا يكون المشرع عبارة مسرح كبير في الهواء الطلق تجد فيه المنهك النائم الذي يتوسد بردعة حمار او من افترش جوال فارغ وتوسد عمامته .. وهناك من هم اصحاب النكات والقفشات .. كما ذكر حميد في القصيدة :
    صبح هاظرم
    نقنق ناقرم
    غاظوه نعل
    وعم عبد الرحيم
    ما بخبر زعل
    كل الناس هنا
    ما بتخبر زعل
    ورمزية عبدالرحيم هنا لأهلنا على ضفاف النيل في الشمال فهذا القادم من الجبل وذاك القادم الجزيرة وذلك المعلم وهذا ممرض الشفخانة .. هو المتجمع المتصالح مع بعضه في هذه الحاضنة ( المشرع ) والفرق بين محطات المدن وتجمعات مواقف البصات هناك والمشرع هنا .. ان مرتادي المشرع بينهم علاقة الدم والقربي في الغالب او المعرفة العميقة والبعد الاسري حتى على المستوى الاجداد .. وعبدالرحيم هو نسخة مكررة في كل قرى وجزر الشمال بطيبته وبساطته ويعرف كل ذلك هذا الشخص الذي يغايظه بالكلام والمناظرة ليس تقليلاً من قيمته ولكن امعاناً في الاخوة وترسيخاً لمبدأ للعلاقة التي تمتد الى اعماق تتحمل معها غلاظة القول والمزاح الثقيل .. ولقد عايشنا تلك الحاضنات بكل زخمها والتي يمكن ان تلتقي فيها حتى مع من هم خارج السياق بتناولهم بعض ما كان مسموحاً في ذلك الزمان .. ومن منا من لم يستمع الى قصص اعمامنا من عاشوا في مصر بحكاياتهم وهم يثيرون ضغائن بعض من لم تتاح لهم الفرصة للسفر هناك .. و لا بأس ان تجد النساء في هذه الحاضنة في مجلس ليس بعيد عن الرجال وهن يسترقن السمع الى احاديث اخوانهن مهما كانت الكلمات وغلاظتها .. وهن جالسات مباشرة على الارض كأنهن يستمتعن بهذا التراب لأن المشرع ليس به كراسي او أي نوع من المفروشات ..

    قادم بالمزيد

    يا جماعة حميد كنز ومنجم ومعين لا ينضب .. هو تماماً مثل جلال مراوارتي الشاعر الدنقلاوي الجميل .. فقط لو فهم الناس ماذا يقول جلال ولكن حميد يمثل جزء من جلال والاحلى انه بالعربية .. حميد نوبي مستعرب
                  

05-22-2012, 05:20 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)
                  

05-22-2012, 05:28 PM

تاج السر محمد حامد
<aتاج السر محمد حامد
تاريخ التسجيل: 12-28-2006
مجموع المشاركات: 7430

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    بإذن الله حضورا ان أمد الله فى الاعمار .. لكنك لم تحدد المكان
    والزمان أخى سيف .. أرجو ذلك

    تحياتى

    تاج
                  

05-22-2012, 06:18 PM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: تاج السر محمد حامد)

    الأخ العزيز تاج السر حامد
    نحن طبعا يزيدنا حضورك تشريفا ونسعد بأن تكون معنا ، والموقع أخي تاج السر في مثلث المطار القديم بجدة.
    أخي تاج السر ..
    تتأرجح الثقافة العربية المعاصرة- والمثقفين بطبيعة الحال- بين قطبين الا من رحم ربي، وكلاهما يؤديان في النهاية الى العزلة عن حركة المجتمع، النخبوية الثقافية، والتأدلج القح، النخبوية تقود صاحبها الى نوع من التعالي على المجتمع وفرض الوصاية عليه، والايدلوجيا حسب التعريف المعاصر لها هي ( نظام أو نسق من الأفكار العامة لتصور الواقع وحلول عامة واجابات مطلقة) ، والتأدلج هو تحول المثقف الى تبرير كل فعل أو تصرف تأتي به السلطة أو الحزب الذي يؤمن بأيدلوجيته وخطه العام، كيف تخلص حميد في شعره من وهم النخبوية وهوس الأدلجة؟ هذا ما سنحاول الاجابة عنه من خلال استعراضنا أو قراءتنا للجوانب السياسية في شعر حميد في أمسية الأربعائية
    ولأن الأربعائية دأبت على طرح موضوعاتها ونشرها قبل فترة من اقامة الأمسية لتتيح الفرصة لكل أعضائها للأطلاع على مضمون الأوراق التي ستقدم ، فقد نشرنا المادة التي أنزلتها في هذا البوست دفعة واحدة في بوست الأربعائية بمنتدى دنقلا ، وعبرك أخي تاج السر اقدم اعتذاري للأخوة قراء البوست الكرام ان كان ما فعلته يسبب لهم ارباكا أو تشويشا

    ودمت أخي تاج السر.

    سيف الدين عيسى مختار
                  

05-23-2012, 00:50 AM

تاج السر محمد حامد
<aتاج السر محمد حامد
تاريخ التسجيل: 12-28-2006
مجموع المشاركات: 7430

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    الأخ الأستاذ / سيف الدين عيسى مختار
    تحيتى وتقديرى ..

    كثيرون هم أولئك الذين لايفرقون بين الثقافة والتعليم .. فيخلطون
    الامور بينهما .. معتقدين أن كل من دخل المدرسة ونال اى شهادة
    - ما - يمكن أن يكون مثقفا متناسين أن الثقافة هى إدراك كل شئ
    أو الالمام بمختلف النواحى والامور .. وهذا ماتعلمناه من ذلك الاديب
    الراحل الذى فقدناه قبل أيام هو من ذلك النبع الذى سقى بعذب ينبوعه
    ملايين البشر .. وارتوى من فيض أدبه وشعره الثر كل قوافل العالم
    المتلهفة للادب والشعر والفكروالثقافة .. حميد كان أستاذا لكل الاجيال
    التى عاصرته ..

    أن الاديب الراحل شاعرنا الماخمج ( حميد)عاش قضايا وهموم الامة
    لم تنا به قضاياه الشخصية عن معالجة قضاياالوطن .. فقلمه السيال
    عبر عن هذه القضايا المؤلمة منها والمفرحة بأشكال متعددة فكان
    واقعيا فى أشعاره فاض ينبوع شعره من خلال هذا الواقع لتروى كل
    أنحاء الجدب الفكرى .. لقد عشناه وعايشناه ورقصناه على ايقاعات أشعاره
    فعرفنا معه أنغام شعره ونفيس الدرر التى كان يفوح بها هذا الأدب
    الرائع .. فهو الراحل لكل مكان وزمان وهو الذى يتمطى صهوة ( اليراع)
    حتى تفجر اشعاره موسيقى حالمه واضواء تكشف الدهاليزالمظلمة .. وقد
    رحل الشاعر الاديب ( حميد) عن عالمنا الى عالم الملكوت ..أن حياة الراحل
    حميد حافلة بكل أنواع الابداع ..ألا رحم الله شاعرنا الفذ ( حميد) وشكرا
    لا أخى وصديقى سيف الدين عيسى مختار .. ودمتم

    تاج السر
                  

05-23-2012, 09:18 AM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: تاج السر محمد حامد)

    الأخ العزيز تاج السر

    لك التحية والتقدير على هذا المرور الكريم..

    وقد تلاحظ أخي السر في المداخلات السابقة ورود اسم الأخ محمد عبد الرحمن قجة، وهو أحد أعمدة الأربعائية، وهو صاحب فكرة قراءة ابداعات حميد وافتتح لذلك بوستا بمنتدى دنقلا شكل به الاطار المنهجي لأمسية الأربعائية.
    أخي تاج السر .. كنت قد ناقشت فكرة فتح بوست عن حميد مع الأخ الشاعر عبد القادر شادول كتلخيص للمناقشات الهاتدفة التي جرت في قهوة الزمالك مع مجموعة من الأخوة الأفاضل شعراء وفنانين، والفكرة ما زالت قائمة ، الا ان الأربعائية رأت أن تفرد مساحة في جلساتها العادية لتصبح مقدمة لأمسية كاملة في مكان يسع أكبر قدر من المهتمين بالأدب.. في قهوة الزمالك تناولنا ذكرياتنا مع حميد في جدة والليالي الشعرية التي أقامها وعلاقته بفناني الطمبور (صديق أحمد، عبد الرحيم أرقي، عبود القرير، عثمان عبد العظيم محمد جبارة، محمد كرم الله) وغيرهم .

    التحية للشاعر شادول
    والتحية لصاحب فكرة أمسية الأربعائية الأستاذ محمد عبد الرحمن قجة
    والتحية مجددا لك أخي تاج السر

    سيف الدين عيسى مختار
                  

05-23-2012, 09:31 AM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (حميد شاعربحجم الوطن وكلمة بعمق التاريخ)غدا في أمسيةأربعائية الدنا (Re: سيف الدين عيسى مختار)

    وكتب الناظر العوض محمد نميري، رئيس منتدى الأربعائية

    العزيز سيف الدين عيسى استاذنا الكبير الذي نفتخر ونفاخر به.

    معلومة اضافية عن الاشكدي (يتشديد الدال ).

    ونحن اهلكم في امدرمان ننطق كلمة الأشكدي كما يلي :

    الاشقدي ( كسرة على الالف بعد اللام وقاف بدل الكاف وتضعييف الدال ) .

    وسيفتتح الناظر الأمسية بقراءة لقصيدة من قصائد حميد (النخلة)

    سيف الدين عيسى مختار
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de