كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
جبروت (نقّة) مني سلمان!!!!
|
تقدم (مهدي) بخطوات خفيفة متلصصة نحو الباب .. مدّ يده وجرّ (السلك) بهدوء وتسلل لداخل البيت بخفة القط، وفؤاده الواجف يلهج بالدعاء سرا ببركة السبع المنجيات أن ينجيه الله من شر مواجهة ليلية ساخنة أخرى مع (نعيمة)، تذهب بمتعة ساعات الأنس الجميل التي قضاها في صحبة شلة من زملاء الدراسة وأصدقاء زمن العزوبية، كانوا قد تداعوا للأجتماع في إحدى الحدائق المفتوحة للتسامر بعيدا عن هموم المعايش ودوشة العيال ونقة الحريم .. إنشغل بضبط إيقاع خطواته الخفيفة وهو يتجه نحو الغرفة الوحيدة في نهاية الحوش، حتى لا يوقظ (الظالم) ويقطع عليه عبادة النوم، ولكنه انتبه فجأة لخلو العناقريب المتناثرة في الحوش من المراتب وعمّارها من شياطين الإنس الصغار، أو مجموعة الذنوب التي انجبها من ظهره ليعاقب بهم في الدنيا قبل الآخرة .. كما كانت أمه تدعوا أبنائه الخمسه الصغار، كلما قلبوا لها البيت رأسا على عقب عند زيارتهم الإسبوعية للبيت الكبير .. توجه ببصره تلقاء موقع كان يتحاشى النظر إليه بالقرب من حيطة الجيران، حيث كان يقبع سريره المفروش بجوار سرير (نعيمة) الخالي والذي كان يعاني من الصمت المطبق بسب إفتقاده لشخير صاحبته !! ضرب على جبينه عندما تذكر ما قالته له (نعيمة) بوجه عابس في صباح اليوم قبل مغادرته للعمل: بعدين وكت تمرق المغربية من المصنع تعال دربك عديل علي البيت .. ما تسوي للدرب كليوات متل عوايدك .. آي تعال طوالي عشان تلفى سيد اللبن، الليلة نحنا ماشين نبيت مع ناس (محاسن) اختي باكر سمايتا. ثم عاد بالذاكرة لليلة السابقة واسترجع (الشمطة) بينهما والتي وصلت لعنان السماء، عندما عاد للبيت متأخرا بعد صلاة العشاء، فقد ثارت ثائرة (نعيمة) حين أخبرها بعذر تأخره حيث أنه ذهب لبيت خاله (سعيد)، ليساعده في تركيب مروحة جديدة لديوانه .. كانت (نعيمة) لا تشعر بالارتياح من زيارة (مهدي) لبيت خاله وبناته السمحات فقالت بغضب: آآي .. عارفاك بتدور تساسق علي بيت خالك كل ما لقيت ليك فرطة .. بنات خالك ديل ما كانن قدام عينك زمان .. مالك ما أخدتا ليك واحدة فيهن ما دامك متشحتف عليهن متل ده ؟!! أقامت عليه الليل نكدا ونقّة ولم تتوقف عن لومه وتقريعه حتى نام جميع الصغار، بينما ظلت تهري وتنكت ثم تعيد وتزيد في سيرة البحر وهي مضجعة على جانبها في السرير .. وفي الجانب الآخر من الحائط وفي بيت الجيران، كانت نقة (نعيمة) قد اقلقت منام جارهم (حمدنا الله) وأفسد صوتها العالي السنين مزاج طاسته، التي صرف نصف رزق يومه على تعميرها، فجلس متزمرا يدعوا على صنف الحريم ونقتهن من زمن أمنا حواء وحتى آخر وليدة ستنزل للدنيا قبيل عصر يوم القيامة بقليل، وعندما (كتر عليه) هب جالسا من رقدته ونادى على (مهدي) من مجلسه قائلا: طلّق وإستقر يا مهدي .. طلّق وإستقر يا مهدي .... وظل يكررها حتى تمنّت (نعيمة) أن ليته سكت فقد أرخى (مهدي) أذنه لكلام جاره (حمدنا الله) وكأنه قد وقع له في جرح ولفق معاه ! تذكّر(مهدي) كل أحداث الليلة الماضية وما تلاها من مواصلة النقة صباح اليوم في نفس الموضوع قبل أن تخبره (نعيمة) برغبتها في الذهاب للنوم مع شقيقتها (محاسن) .. أحس كأن حملا ثقيلا قد إنزاح عن صدره عندما ادرك فجأة بأنه قد أفلت من النقة لليلة كاملة .. رفع كتفيه ونصب قامته الطويلة وسار نحو فراشه بخطوات واسعة ثم القى بنفسه فيه من الأعلى حتى تأرجح به السرير .. تمدد فاردا ذراعيه وسحب انفاسه بقوة امتلاءت بها رئتاه بالاكسجين النقي ثم زفرها مع (آهة) استرخاء من الأعماق .. نظر حوله للصمت والسكون الذان يخيمان على البيت وشعر بالطمأنينة تسري في أعصابه المشدودة، وهبت نسمة هواء باردة على وجهه فإنتصب واقفا على قدميه في منتصف السرير .. قفز بضع قفزات كالطفل ثم رفع قبضة يده اليمنى وهتف عاليا: تحيا الحرية !!
|
|
|
|
|
|
|
|
|