إن الحُذّاق من أهل الغناء والمواويل والتواشيح مثل قوم موسى لا يصبرون على طعام واحد.. ولعل هذه الجملة الجامعة المانعة كانت هي لسان الشاعر إسماعيل " /> إسماعيــــن ود حد الزيــــــن.. النّوارس ترحـــــل لكنهــــا لا تغيب ! إسماعيــــن ود حد الزيــــــن.. النّوارس ترحـــــل لكنهــــا لا تغيب !

إسماعيــــن ود حد الزيــــــن.. النّوارس ترحـــــل لكنهــــا لا تغيب !

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 11:24 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-18-2012, 03:11 PM

وائل فحل

تاريخ التسجيل: 11-29-2007
مجموع المشاركات: 1426

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
إسماعيــــن ود حد الزيــــــن.. النّوارس ترحـــــل لكنهــــا لا تغيب !

    Quote:

    (ولألوان كلمة . أ حسين خوجلي )

    إسماعيــــن ود حد الزيــــــن.. النّوارس ترحـــــل لكنهــــا لا تغيب


    > إن الحُذّاق من أهل الغناء والمواويل والتواشيح مثل قوم موسى لا يصبرون على طعام واحد.. ولعل هذه الجملة الجامعة المانعة كانت هي لسان الشاعر إسماعيل حسن (ود حد الزين) حين افترق أو بالأحرى حين افترقا هو وصديقه محمد عثمان وردي كل واحد في طريق (عبارة ناجي الأشهر)..
    > فالأخير قد رفرف طويلاً في سموات إسماعيل حسن صاحب أطول شجرة نخيل مُثمرة في حديقة الرومانسية التي وسمت الغناء السوداني منذ منتصف الأربعينيات إلى اليوم.. فالحبيب عندهم أبداً جميل وموجع ونافر ونصف خائن ويتحمّل بعض الوزر في إحراق حصاد الموسم الناجح الذي استقى من مراقبة القلب وسهر اللّيل وشلال الأدمع، وإن كانت المفارقة الوحيدة ما بين إسماعيل حسن وأنداده من كتاب شعر الخمسينيات والستينيات حسين عثمان منصور وعوض حسن أحمد «صاحب صغيرتي» وقرشي محمد حسن صاحب «أدب المدائح» البرنامج و«القبلة السكرى» الأغنية، وحسين بازرعة ومحجوب سراج والطاهر إبراهيم وسيف الدين الدسوقي والقرشي صاحب «الذكريات» و«عيد الكواكب»، وعوض أحمد خليفة والسر دوليب، كلهم بلا استثناء لم يعاتبوا الحبيب الممكن والمستحيل قط على جريرة إرتكبها في عمر العلاقة، فكل خطأ أو خطيئة كانت نهايتها «مسامحك يا حبيبي».. ولذلك كانت ثورة ود الرضي ومَن جاراه عارمة ضد قصيدة (بعد إيه) التي ولأول مرة جلدت علانية وأمام الجميع القُدسية المفتراة للمرأة وهي تضرب بتضحيات الشريك عرض الحائط.. ولكن كان الحساب عبر مرافعة بالغة الجرأة والشفافية:
    أنا خلّدتك بشعري في زمانك
    أنا غنّيتك وكان كلو عشانك
    كان جزاي منك صدودك وهوانك
    أنا أستاهل
    وضعتك في مكاناً ما مكانك
    روح الغدر بي نفسو ما ببكوا عليه..
    ومَن منّا لم يقف طويلاً أو عميقاً في ألحان وردي بصوته الجُواني السعيد، والذي لا يجد غضاضة أن يحزن له حتي التلاشي وهو يغنّي لاسماعيل روائع في قامة «المستحيل« و«خاف من الله» و«لو بي همسة».. إنه حزن حق تقرير المصير للأفندية والفنّيين والعُمّال المَهَرة وصغار المُلاك من الفلاحين والطلاب وأهل الاستنارة الوسيطة من الذين كانوا يحلمون ليل نهار بمنضدة مجرد في ساحة الميري وصدر حنون تظلله عرائش من الوداد والفرح وجهاز مذياع عتيق يُطلق شعارات أحمد سعيد أيام الوحدة وقبل النكسة بسنوات، وأغنيات وردي وعثمان حسين والنقيب وتعليق طه حمدتو حين كان أمين زكي زكي ماشي وماشي حتى كأس أفريقيا عام سبعين حيث كُتبت لنا الريادة وجفّ من بعدها النّبع الموّار بالسقيا والحياة.
    > ومما يحفظ لاسماعيل حسن أنه قام خير قيام بتسويق أغنيات حزام الشايقية الجغرافي والإبداعي الثري بقناديل الألحان والبركاوي والرؤى والعامر بالهجرات والاحباطات والأشواق الكسيرة التي صارت دفئاً ملازماً في ليالي الشمال القارصات.. قام اسماعيل بتسويق الموجود ولكن بدهان وطلاء وترميم قالب الجديد بالأصل وأضاف له كيفاً في «القمر بوبا» و«الريلة» أو بالاستلاف والتعديل كما في «قسى قلبك عليّ ليه» و«الحنين يا فؤادي».
    > ومن كرامات ود حد الزين أنه قام بتحوير وردي الحلفاوي فأدخله خلاوى أولاد جابر و(صريف ود حليب) وجنينة النعام وضفاف حسن الدابي وآخرين مع أن الكثيرين فشلوا تماماً في إعادة عثمان حسين ولو للحظة عابرة لمقاشي، وهو الشايقي القُح حيث أصبح عثمان دون غيره الناطق الرسمي عن الصّفوة وأهل السّماع الراقي والطرب الجديد من أبناء الخرطوم وبقية عواصم المجتمع المدني الحديث، واستعصم عثمان بهذه الصفوية غير المنغلقة غير مبالٍ بالأعراس وبيوت السهر وأشهار حلال الحسناوات فقد كان يغني للهواء الطلق والمشاعر المجنّحة الطليقة دون أن يُغريه هتاف الملايين بالتسفهل في موهبته أو الانزلاق لهفوات التساهل والتبسّط الرخيص في الكلمات والألحان والأداء..
    > وقد حفظ تاريخ التوثيق للحركة الفنية ومجتمعاتها وأسمارها وسُمّارها فصلاً كاملاً لصداقة وعلاقة إنسانية رفيعة جمعت بين إسماعيل ووردي صداقة إقتسما فيها الذكريات بل اللحظات والاقامة والترحال و(الجيب الواحد) والليالي، بل أن الكثير من الأغنيات لحناً وكلمات كانت بينهما على (الشيوع) كما يقول أهل الأراضي، حيث لا يستطيع أي مالك أن يحدد في الرقعة الموروثة أنصبته إلا بالاعتراف أو التراضي.
    > ومثل كل تطور طبيعي أو قسري للناس والأشياء والأزمنة فقد تدافعت سنوات الستينات سراعاً متمردة على خَدَرها اللذيذ وكفايتها ويُسرها وسهولتها إلى مراحل بكرة من استكشاف الصراع الفكري والسياسي والتراكض نحو الغايات ما بين القيم القديمة والقيم الجديدة في كل شئ في كل الناس وفي كل الأجيال حتى لكأن الفرد الواحد هو مرجل يغلي لإسقاط أشياء والتلفّح بأخريات.. كان للخمسينات والستينات في بلادنا أثر واضح على حاضرنا ومستقبلنا، فالفرح بالشعارات وآثارها السهلة المتمثلة في الاستقلال الهدية لم تجعل قيادات الخريجين يقرأون الواقع بتدبّر لأن الكوادر المفكّرة كانت يومها مُدّخرة للخطابة وليس للكتابة، والكتابة كما تعلمون تخلد والخطابة تمضي في بلد أقوى ما فيه من آليات التسجيل الآذان والحفظ العابر (وطق الحنك) والرواية الشفاهية التي تجعلك تحفظ الذي تستغله فقط في المراء واللجاج الذي يورث البغضاء وحجتي في ذلك السؤال الصعب والإجابة المعجزة مَن هم الذين وثّقوا لتاريخنا بكل أفرعه مثلما وثّقه (الفرنجة) والمصريون؟ لم يبذل القادة جهداً يذكر في قراءاتنا للديمقراطية المبتغاة التي تصلح لمجتمع عليل تقوده الطائفية والقبلية والجهوية وتتحكم فيه المسافات التي لا تحاط بأمن أو بثروة أو بثقافة أو بسقف.. لم نقرأ باهتمام ناقد وجدلي لعلاقتنا بجيراننا.. بل أننا لم نقرأ باهتمام حتى لعلاقتنا بأنفسنا علائق الجنوب والشمال والشرق والغرب، لم نقرأ في الديباجة الوطنية عن المركزي والفيدرالي ولم نقرأ بذكاء وحرص دعوة الإخوة الجنوبيين المعتدلة لحكم ذاتي في إطار السودان الواحد، ذلك الإهمال الذي أدى لحرب ضروس كلفتنا وكلفتهم عشرات الآلاف من القتلى ومئات الملايين من الدولارات التي كان يمكن أن تصنع من السودان بستان الله على أرضه الطيبة.
    > لم ندرس حتى اليوم حكمة الدين وقداسته من جهة وتخوفات وأسئلة العلمانية المشروعة وواقعياتها الاتي إن لم تكن بائنة في ثقافتنا فهي كاملة التجلي في تطبيقات الآخرين، حتى نحفظ الدين أقرب للإعمار وأبعد من الإتجار.. لم نمحص العلاقة بعد ما بين الأصل والعصر وما بين الثابت في الدين والمتحول في الفقه والاجتهاد والرمادي ما بين العقل والنقل .. لقد غرقنا في طاحونة الأحزاب التجريدية ذات اللا برامج أو ذوات البرامج غير القابلة للتحقق والتطبيق.. عجزنا أن نطوّر أفكارنا لمشروع معاصر متفق عليه يحمل إبداعات العصر واضافاته وثقافته دون أن يصادم موروثاتنا.. فما زال بيننا مَن يسكن أجمل البيوت ويركب أفخر السيارات ويستفيد من كل رياش ومباهج ثورة التقنية ويمشي بعقل بائس يظنّ من خلال زجاجه المُعتم أن المشيئة يسّرت له النصارى لخدمته حتى تكون له الدنيا والآخرة خالصة دون أن يفكّر ولو للحظة واحدة ماذا أضاف للفكر الإنساني من صنائع ولمكارم الأخلاق من قدوة ومثال. إن الله عزيزي القارئ أعدل من أن يُدخل أمثال هؤلاء القاعدين والمعطِّلة الجنّة.
    > ودعونا نتوسّل للتعبير ما بين صراع المحافظ والمتمرد باسماعيل ووردي.. فمن الجزئيات السياسية اليومية التي إنتبه لها وردي في عاصفة الستينات أن المجالس ظلت في كل يوم تودّع ضابطاً غيّبه الرصاص بالجنوب وطيّار احترقت مروحيته وطائفة من الجنود ماتوا في كمين وهنالك صانع الاستقلال قيد الاستيداع المدني والعسكر يحصدون فرح التروّي الكسول بمذكرة كرام المواطنين ونكتشف جملةً أن ثراءنا الكذوب حادث لأن أحلامنا أدنى من أحلام العصافير، وأن بساطة حياتنا ليست زُهداً ولا قناعة ولكنها عجز ورضى (بالفالصو).
    > هنا بدأت القوى الحديثة ترى العالم حولنا يستيقظ وما زال رجل أفريقيا المريض غارقاً في الصراعات الهيكلية والسؤالات في أن يكون أو لا يكون وهو سؤال في أعماق المثقفين المفصحين قديم قدم الأزمة فقد نادى به من قبل في جمعية الإتحاد السوداني خليل فرح أفندي حين نظر لبلاده مشفقاً وساخراً قال: (إنتي يا الكبرتوك والبنات فاتوك في القطار الطار)، نعم قالها وغنّاها وأشاعها.
    وبدأ الصراع بين المجتمع المدني المتمثل في القوى الحيّة والحكم العسكري المتمثل في «طُغمة» 71 نوفمبر، وهي مفردة اضطررت لها اضطراراً حيث لم أجد غيرها في هذه اللحظة بالتحديد.
    وعَجَبي للذين ما زالوا ينظرون لسنوات نوفمبر بكل هذا الإعجاب المفرط المطلق الذي لا نسبية فيه ولا انتقاد، مع اعترافي بأن فيها القليل من المؤشرات الموجبة والمكاسب المشهودة.. إلا أنها في مجملها كانت أدخل في مؤامرة حرْق المراحل وإيقاف مسيرة التاريخ والتطور الطبيعي لحياتنا السياسية والفكرية والتنظيمية يوماً.
    > وفي هذا المناخ إكتشف وردي المزدهِي بشبابه وأغنياته أنّ طلاب جامعة القاهرة هتفوا ضده بشعارات كثْر أشهرها أنه صوت الفاشست الجدد وصاحب نشيد 71 نوفمبر (هبّ الشعب صرع جلادو) كلمات إسماعيل وألحانه هو شخصياً.. النشيد الذي أعقب المراسيم الاستبدادية الأولى التي حلّت كل شئ وهي لا تدري ماذا ستبني مكانها!! وتوالت القواصم التي لا عواصم لها على رأس الفنان الريفيّ النظيف الذي كان حتى يومها لا يتّهم أحداً.. جاءت قارعة حلفا والتهجير القسري وشُح البدائل ومذلّة الشروط.. جاءت تظاهرة الطلاب وندوات أكتوبر واكتشف وردي أن هنالك أصواتاً شعرية جديدة ومنابر جديدة وأفكار جديدة ومواقف جديدة ومجتمع ينهض من تحت أكوام رماد النسيان.. فكان أول الفكاك، الأول فكاكه من قيد الرومانسية المفتوحة إلى رحابة الرومانسية المقيّدة بنقيّ الأفكار والحوار والألفاظ العصافير والصقور ومحاولة الفهم بأن اكتشاف مساحة وسطى بين جنس الطيور صار ممكناً.. ولأن البحث عن الأفكار في السودان يسبقه دائماً البحث عن الأصدقاء والرجال فقد تعرف وردي على الطالب الجامعي وهو في سنواته الأولى عبدالواحد عبدالله يوسف والذي أهدى له (اليوم نرفع راية استقلالنا) فكان أول نشيد مفتاحي للاستقلال الذي لم يُغنِّ له أحد بهذا الشمول والجمال..
    وتعرّف وردي على طالب القانون (ود رفاعة) الموهوب جيلي عبدالمنعم عباس الذي أهدى له (أخادع نفسي بي حبّك وأمنّيها) وأهدى له الفصيحة الرائعة (لم يكن إلا لقاءً وافترقنا) مثلما أهداه صديق مدثر «الحبيب العائد».
    ويومها صادق الفيتوري فأهداه (لو لحظة من وسن» و«أصبح الصبح» والأخريات العتيقات المتتابعة، ولم تُغرِ نجومية وردي الفيتوري أن يتواضع للعامية فاستمسك بلغته الراقية ورفع لها الغناء ولم يتواضع كما فعل الكثيرون.. وهذا مما يُحفظ في مسيرة الفيتوري، فحتى صلاح أحمد إبراهيم صاحب الشاعرية الضخمة أغرته يوماً (نيون) الإشهار والجماهيرية فقدم لوردي «الطير المهاجر».. وفي فترة لاحقة من هذه اكتشف وردي بذكائه الفطري أن المرحلة المتقدمة للرومانسية المقيّدة يجب أن تخلط بالواقعية الاشتراكية ليحتفظ بجماهير الأغلبية وجماهيرية الأقلية المُمسكة بالقلم والقدح والمدح والبوابات والتصديقات.. ولذلك فقد أبقى إلى جانبه مُصالحاً إسحق الحلنقي الصورة المتقدمة والجديدة من إسماعيل حسن، والتيجاني سعيد وحتى إبراهيم الرشيد وأبوقطاطي لم يقطع حبل الوصل والتواصل بهما.. وهنالك كان حفيّاً بشعراء موجة اليسار الفكري والتنظيمي علي عبدالقيوم (عويناتك) ومن بعد (أي المشارق لم نُغازل شمسها) وكذلك الشعراء (الأكتوبريون) بقيادة محمد المكي إبراهيم وأصحاب الأشعار الرامزة عمر الطيب الدوش ومحجوب شريف الذي اختصّ في صناعة الشعارات أشعاراً تصلح للتداول والتهادي والتعبير.
    > ورغم أن وردي - رحمه الله - مشهور بأنه على طيبته لاذع وساخر، رغم ذلك كان الوسط الفني والأدبي والسياسي يحبّه ويحترمه ويحتمله لأن وردي من الفنانين القلائل الذين لم يُشركوا بالفن وفي الفن شيئاً، ودائماً ما كانت معارك لا تتطاول ولا تُفجّر.. ولذلك فقد عجب الناس للقطيعة المتطاولة بينه وبين إسماعيل حسن التي لم يقطعها إلا برائعة إسماعيل في السبعينيات (وا أسفاي) التي جاءت على قدْر كانت أوضح تفسير متداول لاكتشاف وتعريف هذا الفنان الكبير (إرادة المولى رادتني وبقيت غنّاي.. أسوي شنو مع المقدور براهو الواهب العطّاي)..
    > وتفسيري لعمق القطيعة وتطاولها بين إسماعيل ووردي أن إسماعيل هو الذي كان يقف وراء ذلك لأن وردي كان (دنيا) إسماعيل، فالقصيدة أبداً معنى مخبوء وخمر معتّق ولكنه مُغلق ومدفون، والأغنية هي الشّعر حين يرفل بين الناس، وهو الرّاح حين يتظاهر على شفاه الكؤوس بالحباب وصفاء اللون وصانع ذلك الفنان.
    > لقد رأى إسماعيل في تمرّد وردي وبحثه عن أغنيات جديدة وشعراء جدد وأفق أرحب بأنه فصل في عدم الوفاء والالتزام..
    أما وردي فقد كان يرى في ما فعله حقاً طبيعياً وحرية من حريات الفنان وخروجاً على القديم لا التمرد على ثوابته وإلا كان سيموت فنياً خاضعاً لمجموعة من القيم القديمة غير العملية.. وبعد معركة قصيرة ردّ فيها على إسماعيل بعُنف، صمَتَ واحتفظ بمساحة احترام مسكوت عنها للرجل ولم يُعرف عنه أنه عرّض بسمعة اسماعيل أو تعرّض له حين كان أحد أبواق مايو في زمان انفضّ عنها كل النُّبلاء.
    > أما طبيعة إسماعيل حسن الأفندي والتزامه بوظيفته والرهان عليها لا على موهبته جعلته دائماً يطأطئ رأسه للريح فحتى حين أبعد عن أضواء العاصمة ونُقل إلى مشروع كساب الزراعي البائس المغمور بسنار نفذ (النقل) في طواعية ولم يترك الخدمة أو يستقِلْ مُغاضباً.. ويبدو أن دراسته للزراعة بمعهد مشتهر الزراعي بمصر ووظيفة والده العسكري بالجندية المصرية واختلاطه بالمجتمع الخديوي هناك علمته الاعتدال والمصانعة وجعلت الحكومة حاضرة بمعني الدولة والمستقبل والسلطة كل هذه القيم كانت حاضرة في وجدانه ولأنه ابن مجتمع مدني فقد أدرك أن المنازلة ورد الصاع صاعين لن تكون بإثارة المعارك الهوائية والانجرار وراء حملات صحفية ضد فنان كبير تقف وراءه آلة اعلامية ضخمة وحزب حديث ومنظم ميسور الحال ومعسكر كامل كان يومها يريد أن يحكم العالم كل العالم من الدنمارك حتى داهومي قبل زلزال الاشتراكية الكبير الذي صدع الجميع من الأفكار والأصنام والأوهام زلزالا تواضع عنده الكثيرون حتى وردي.. نعم لقد أدرك إسماعيل أن الحل الناجع في البدائل لا غيرها وعبر عقلانيته وذرائعيته كانت معارضته على غضبتها على حذر.. ورغم أن وردي كما أسلفنا قد حسبها قطيعة فنية مع شح نفس ونفث من أبالسة الوسط الفني ولكن رغم أنف الواقع فإن الوقيعة قد باعدت الخطى.. وصمت وردي المبرر أنه كان لا يأبه لأن منابره قد تعددت بالداخل والخارج وتعدد الشعراء وتكاثفت الأغنيات.. ولأنها بعبارة السودانيين قد (دخلت) على ود حد الزين فقد أصبح يبحث عبر فقه البدائل سالف الذكر عن صنو روح جديد وأنّى له.. وبعد بحث مضنٍ كمن يبحث عن إبرة في كوم من القش فأخيراً جداً (شبه له) بأنه وجد شبيهاً لوردي فقد التقطت عينه الفاحصة بعد جهد فتى من فتيان كريمة بينهما وشائج ودم ومزاج فتى طلق الوجه طليق الصوت مزيجا ما بين الريف والمدنية وفيه تواضع في المسلك والثقافة لكنه تواضع غير مقعد.. إسمه أحمد فرح وقد هلل إسماعيل كثيراً للوجه والصوت الجديد وراهن عليه وفي أول تصريح أطلقه: «جئت به لأنافس وردي».. فكان هذا التصريح والذين روجوا له القشة التي قصمت ظهر العلاقة بين العملاقين ومن بعد قصمت ظهر موهبة أحمد فرح وأملت بل وفرضت على إسماعيل صمتا طويلا. ولو قدر لأحمد فرح أن ينطلق ببساطته وحضوره الريفي المعافى وإمكاناته الخاصة دون إطلاق معركة مصنوعة لكتب له نجاح تسير بأنبائه الركبان ولصار له اسم في مقام أحمد الجابري وعلي إبراهيم والطيب عبدالله وصالح الضي.
    ولكن إسماعيل أطلق تصريحه الناري دون أن يُقدّر ويتوقع أو يبالي فأحلى شعر الشعراء وأحلى تصريحهم أكذبه.
    وللحقّ فإن إسماعيل حسن لم يكن تصريحه مجرد تلويح بمعركة زائفة أو (بندق في بحر) وإنما أعدّ الرّجل العدّة واستعان على أمره بموهبة الشاب وبالإمكانيات الجاذبة والخلاقة للمبدع الملحّن حسن بابكر، صديق عمره وزميله في البنك الزراعي. وقد حدّثني الأمير محمد داؤود الخليفة حفيد الشهيد عبدالله ود تورشين أول رئيس جمهورية شرعي للسودان، حين كان مديراً بالبنك الزراعي.. وللرجل لقطة نادرة مع اسماعيل حسن، حيث كان الأخير يعمل مديراً للعلاقات العامة بالبنك، ومن الأسرار أن إسماعيل سجّل لبرنامج المزارع بالإذاعة كل العملية الزراعية وبتفاصيلها منذ إعداد الأرض وتسويتها حتى الحصاد بلغة علمية وشعرية عالية، وهذا تحريض مجاني لأصحاب الإذاعات والإذعان للبحث عن هذا الكنز المعرفي والإبداعي الثمين.
    > ومن الذين استعان بهم إسماعيل أيضاً صديقه الشاعر وموظف وزارة التجارة «أيام الرَخَص» سليمان عبدالجليل - رحمه الله.. سليمان (بتاع حليل الراحو خلو الريح تنوح فوق النخل)..
    وهو نص متأخر لإحدى التعبيرات النائحة في رثاء حلفا.. ورغم أنها جاءت متأخرة إلا أنها حرّكت مواجد الكثيرين، وهو نص أعطى حمد الريح دفقة جديدة تخطّى بها كل منتصف السبعينيات بعد أن خفَتَ ضجيج وضياء (إلى مسافرة) مطوّلة الراحل المُقِل عثمان خالد صاحب الحضور والغياب العجيب..
    نعم لم يخذل أحمد فرح شاعره ومكتشفه صاحب الرهان الأرفع والأشهر عليه، غنى ابن كريمة مجموعة من الأغنيات النديّة «يا حليلك يا بلدنا» وهي مُضاهاة تاريخية وجغرافية لبدايات وردي نفسه في القمر بوبا وسمرا والرّيلة وتلك أغنيات شعبية أصلاً ولكن إسماعيل قام بتحسينها وتجويدها وإحكامها وغنى بعد «ربّونا اتولدنا» «المصير»، وهي غير المصير (ست الإسم) لسيف الدين الدسوقي والفنان الذرّي الباهر إبراهيم عوض عبدالمجيد الكنزي المترع بالأصالة والتجديد واللافت للنظر حتى قبل يوم من رحيله المدويّ بيوم واحد.. وغنّى أيضاً «سنة وزيادة» كما غنّى طقطوقة حسن الزبير الخفيفة الظل (أو يجوز أهمل بريدنا ولا أصبح ما بريدنا يا ناس).
    وغنّى جبل الصلاح و(معاك سارح من أمبارح) وساهم مع إسماعيل حسن في دفعه السر دوليب الذي منحه (حلفان) التي صاغ الحانها أيضاً حسن بابكر.. وكانت كلها أغنيات ملفتة ووسيمة ولكنها أيضاً كانت مجرد تمارين على الضفة لم يجسر صاحبها على السباحة في قلب الدميرة.. فقد كان الناس يستمعون لها ولأحمد فرح (الغض الإهاب) استماعاً غير مُحايد باعتبار أنه الحصان الأسود لشاعر كبير في مقام إسماعيل حسن وفنان منافس لعملاق مُرفرف وعصى المنال والموهبة مثل وردي، وكان قرار المحكمين للأسف ليس في صالح فرح وبعد رفع المحكمة والنّطق بالحكم صمتَ إسماعيل زماناً عن الشعر الغنائي بل كاد أن يصمت جملة واحدة عن كل الشعر ولم تشفع له من هذا الحكم المطلق إلا مجموعة أراجيز كانت كهتاف طفل في ليل عاصف كثيف سمّاها بـ(يا سلام) كانت تُنشر بالصفحة الأخيرة لجريدة الأيام على زمان رحمي سليمان الشاعر المزهر وفضل الله محمد في الزمان المايوي، وهى مجزوءات صغيرة من النقد الاجتماعي لبعض الظواهر الاجتماعية السالبة حينها وكانت أقرب إلى النظم المصنوع منها إلى الشعر المطبوع.
    > ولا يُنكر أي دارس جاد أن مفارقة وردي لاسماعيل أحدثت له ربكة مبدئية وأقلقته سياسياً فقد فارق منهج الاتحاديين المعارض فجأة، بل إنه انتقل من مرحلة الصمت إلى الهجوم.. بل أنه مضى مسافة أبعد لاحقاً فقد هاجم بضراوة نثراً وشعراً صديق عمره الشريف حسين الهندي الذي سمّى عليه ابنه تيمّناً في أيام الصفاء.. هاجمه حين كان الشريف موجوعاً ومطعوناً في المهجر بعد إنكسار انتفاضة يوليو 67 المسلحة الجسورة ضد القمع المايوي للقوى الوطنية.
    > بل إن مايو راهنت عليه وعلى موهبته حين عزّ النصير وقد أصبح فيما بعد أحد أصواتها الضالعة في التسويق للنظام وتجميله بإمكاناته الشعرية ورمزيته وحضوره المتصل بالناس، الغريبة أن الرأي العام لم يحاكم إسماعيل على ذلك ولم يلدغ بهذه المواقف كثيراً ويحسب للرجل رغم أنه قد جمّل منابر النظام بتلك الأشعار إلا أنها وللحقيقة كانت في مجملها حباً للوطن وأهله من حزانى الأصقاع ومساكين الجهات.. ويشهد الناس أن الرجل لم يستفد أبداً من قربه للنظام وعضويته بمجلس الشعب والإتحاد الاشتراكي أكثر من كفاف الستر وكان هذا لزاماً أن يناله لقاء تجربته الشعرية الغنائية الباذخة حتى ولو عارض النظام هاتفاً وصارخاً ومحرضاً، فاسماعيل كان صوتاً وطيفاً مبدعاً لا تخطئه أعين الشهود في تاريخ الثقافة السودانية.. خاصة في العامية ولغة الناس المتداولة والتي اعترف له بها الناقد النابه عبدالقدوس الخاتم حين قال في إنتقاده المر لأشعار إسماعيل حسن إن اسماعيل في القصيدة الفصيحة ليس له منزلة تذكر أو علو كعب أو سبق جهير ولكنه في العامية صاحب مقدرات يجب الاعتراف بها وتبعاً لذلك فقد نصحه بالتمسك بها دون مغادرة (وكلٌّ ميسّرٌ لما خُلق له) وقد انصبّ انتقاد عبدالقدوس لتجربة إسماعيل حسن في ديوانه الأول (مع الانسان) ومع الاعمال الفصيحة في ليالي الريف الديوان اللاحق، وهي من أشعار البواكير وكانت محاولات أقرب للهتافية منها إلى الشعر في أزمة اتّسمت بمحاولة اللحاق بعصر الجماهير وهي تطالب بحق التحرر في شمال وجنوب الوادي. واسماعيل بحكم النشأة والدراسة والتكوين كان من حداة الوحدة الأوائل.. ذهبت نوفمبر ومضت أكتوبر ومايو ويوليو وأبريل والديمقراطيات المثيرة والأسيرة والكسيرة وجاءت الإنقاذ بكل ألوانها الحديقة وقد ندبوها للملمات الخطيرة فأصبحت في نظر البعض هي واحدة من هذه الملمات وفي نظر البعض هى من بعض المهمات الوطنية وللناس في خلقه شؤون وللناس في أفعالهم ظنون.. وبقيت هذه الأعمال الشعرية الزاهية وتلك الألحان العذبة لا تشيخ بل تزداد نضاراً وعذوبة مع مرور الأيام والليالي وعذوبة.
    > مضى اسماعيل النّاحل المريض الزاهد الفنان، وارتحل أحمد فرح عن بلاده حيث لم يستطع المنافسة والإضافة فعمل (شيفاً) بالسعودية وكان يُجيد الطبخ الأفرنجي.. هذه المهنة الراقية بذوق.. وبعدها ذهب إلى ليبيا حتى مات وحيداً في مجاهيل الصحراء الكبرى حيث كان يُدير مطعماً صغيراً ويغنّي باختياره لبعض الأصدقاء.. ورحل وردي مثل طير النّورس بعد أن غالب الأنواء والرياح، لم يصدّه عن مبتغاه عدو أو ريح، رحل بعد أن جرّب السّجون والهجرة والمعارضة والمُهادنة والعقلانية والصّمت. وقد حفظ عبر هذه المواهب والأوجاع لفنّه مساحة من الحرّية والانعتاق من المعتاد والمألوف..
                  

العنوان الكاتب Date
إسماعيــــن ود حد الزيــــــن.. النّوارس ترحـــــل لكنهــــا لا تغيب ! وائل فحل04-18-12, 03:11 PM
  Re: إسماعيــــن ود حد الزيــــــن.. النّوارس ترحـــــل لكنهــــا لا تغ أحلام إسماعيل حسن04-19-12, 08:34 AM
  Re: إسماعيــــن ود حد الزيــــــن.. النّوارس ترحـــــل لكنهــــا لا تغ بله محمد الفاضل04-19-12, 08:48 AM
    Re: إسماعيــــن ود حد الزيــــــن.. النّوارس ترحـــــل لكنهــــا لا تغ abdulhalim altilib04-19-12, 10:14 AM
      Re: إسماعيــــن ود حد الزيــــــن.. النّوارس ترحـــــل لكنهــــا لا تغ وائل فحل04-19-12, 11:51 AM
        Re: إسماعيــــن ود حد الزيــــــن.. النّوارس ترحـــــل لكنهــــا لا تغ Ahmed Mahmoud04-20-12, 07:15 AM
          Re: إسماعيــــن ود حد الزيــــــن.. النّوارس ترحـــــل لكنهــــا لا تغ Kabar04-20-12, 09:33 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de