|
Re: بمناسبة ألبوم ( عقد الجلاد ) الجديد وعودة ( السمندل ) : مقال احتفالي قد (Re: تراث)
|
ثانيا : أوركسترا السمندل
ضمن واقع , يتميز بالثراء الثقافي الكبير , وُجدت بين القبائل المتعددة والمتنوعة في السودان الموسيقي الآلية البحتة , أي غير المصاحبة بالغناء , وشكلت هذه اللونية الموسيقية جزء أصيلاً من تراث بعض القبائل السودانية . ونلمسها بوضوح في معزوفات ( الوازا ) و ( البالمبو ) مثلا عند قبائل منطقة ( الأنقسنا ) في جنوب شرق السودان . ورغم أن الموسيقي الآلية البحتة , ظلت في العالم كله من أكثر الفنون حظاً من الاهتمام والتطوير . ورغم الثراء الكبير للتراث الموسيقي العالمي في هذا المجال , إلا أن هذا الضرب من الفنون ظل في السودان محصوراً ومحاصراً في مناطق نشوئه الثقافية عند بعض القبائل , وفي أشكال بدائية ضمن أشكال فلكلورية عديدة تذخر بها الساحة الثقافية في السودان . ويمكن القول إن أكثر التجارب تطوراً وتحديثاً في تقديم موسيقي آلية بحتة في السودان , هي تلك التي تمت في تقديم موسيقي المارشات العسكرية , وفي تجارب رائد التأليف الموسيقي إسماعيل عبد المعين , وتجارب الرائدين من بعده برعي محمد دفع الله وعلاء الدين حمزة . في 1969م تم افتتاح المعهد العالي للموسيقى والمسرح , الذي أشر لبداية مرحلة جديدة للموسيقي والغناء في السودان , حيث تم فيه , وللأول مرة , تقنين التوظيف الآلي الصحيح لتجارب إعادة إنتاج وتوزيع عدد النصوص الموسيقية لبعض المغنيين السودانيين . وخلال الفترة من 1981 - 1982م ظهرت البدايات الحقيقة لطرح موسيقي آلية ضمن قواعدها العلمية . وبجهود واهتمام بعض طلاب معهد الموسيقي ظهرت حينها فرقة ( تربو السودان ) التي تواصلت جهود مؤسسيها , مع آخرين إلي أن تم إعلان ميلاد ( أوركسترا السمندل ) في نوفمبر 1986م , كأوضح تجلي للحداثة الموسيقية في السودان . أعلنت ( السمندل ) مبررات قيامها كتابةً في بامفلت توضيحي جاء فيه :
" الحاجة كانت ملحة منذ أمد بعيد لقيام أوركسترا سوداني تتعاطى الموسيقي السودانية والعالمية وتدعمها بالمعرفة الموسيقية وتبني منطلقاتها علي أساس الثقافة السودانية المتميزة بتنوعها . ولذلك توحدت لدي الأربع عشرة شابا وشابة الإرادة حول ضرورة تأسيس أوركسترا تعبر عن التطلعات الثقافية بالبحث والتنقيب للإرث السوداني وتقديمه بالصورة المثلي " .
وفي بامفلت أخر بعنوان ( السمندل حداثة الميلاد وحداثة الموسيقي ) أعلنت السمندل أن
من أهدافها الاحتفاء بالتراث الموسيقي في السودان وتشذيبه وتنقيته وتقديمه في إطار المعاصرة وملامسة التراث الموسيقي العالمي ونقله ليكون في متناول الذوق السوداني , ارتفاعا وتحليقا بالذوق خارج دوامة الميلودية الرتيبة . والاهتمام بالتأليف الموسيقي الخاص بالأوركسترا , وهذا من أبرز هموم السمندل , فضلا عن التوزيع الموسيقي لنغمات خماسية محلاة بالهرمنة والتوظيف الآلي . حيث تجد الآلة الشعبية فرصتها في التحديث لمواكبة الآلات الأخرى . وأنها لنزهة نخرج بها من الأنماط التقليدية دون فك ارتباطنا بمسارها العذب , مع إمكانية الرحيل الناعم من المحلية إلى العالمية " .
ذلك هو بالضبط ما سعت لتطبيقه وتكريسه أوركسترا السمندل من خلال مجهوداتها في تأدية بعض المقطوعات الموسيقية من تأليف ومعالجة أعضاء الأوركسترا , وأداء بعض المقطوعات الموسيقية العالمية لموزارت , باخ , وبيتهوفن , والشرقية لمحمد عبد الوهاب , وفي إعادة توزيع وأعادة إنتاج بعض النصوص الموسيقية السودانية ضمن أسس المعرفة الموسيقية الحديثة . ورغم أن أوركسترا السمندل أعلنت ان التأليف الموسيقي الخاص بالفرقة , والتوزيع الموسيقى لنغمات موسيقية خماسية محلية هو من أبرز هموم الفرقة , إلا أننا نستطيع أن نقول أنها , لم تستطع بما يكفي تجاوز أسر سهولة البداية , النسبية , في التركيز علي إعادة إنتاج بعض النصوص الغنائية السودانية المعروفة لدي المستمع السوداني . ورغم ما لهذا الجهد من أهمية في إضافة جرعات جمالية وعلمية لمادة التلقي في الأذن السودانية , وخلق جسور تواصل بين الأجيال الجديدة والتراث الموسيقي السوداني , رغم ذلك فأننا نعتقد أن المهمة الأصعب والأهم التي تواجه ( السمندل ) هي دورها في تأسيس جديد لأسس استماع موسيقي سوداني حداثي قادر علي تعاطي الموسيقي البحتة والتفاعل معها دون التوسل بنصوص غنائية سابقة ومعروفة . وهذا بالطبع يخدم فيه أكثر تقديم المقطوعات الموسيقية الأصيلة والمؤلفة حديثاً . بجد واجتهاد وإخلاص تعمل (أوركسترا السمندل ) وباحتفالية وفرح تتلقفهم الآذان في السودان , وتنداح دائرة استماعهم , وهاهي تغادر قليلاً قليلاً دوائر الصفوة ومنابر الجامعات لتدخل البيوت السودانية من خلال الراديو والتلفزيون والأشرطة الخاصة . والشباب الذين يملأهم الإصرار ويقودهم الإبداع ( أعضاء الأوركسترا ) مصرون علي خوض التجربة وافتتاح الجبهة الواسعة ضد المشروع الثقافي التقليدي من أجل هزيمة رؤيته وزعزعة السكون والتقليدية .
هوامش وملاحظات ومعلومات هامة :
- كتبت هذا المقال الاحتفالي في بداية عقد التسعينات من القرن المنصرم . وتم نشره علي جزئين في مجلة ( الوطن العربي ) الباريسية في مارس 1990م . ثم أعدت نشر الجزء المتعلق بـ ( عقد الجلاد ) في جريدة ( الثورة ) اليمنية بمناسبة زيارة المجموعة لليمن في 1992م , وكذلك فعلت مع الجزء المتعلق بالسمندل عندمازارت (السمندل) اليمن في نفس الفترة تقريباً . - أن تناول هذا المقال لمجهودات ( عقد الجلاد ) و ( السمندل ) في تطوير الأغنية والموسيقي في السودان , وأثرائها بمكتسبات جديدة , يأتي من موقع المستمع العادي , وبغرض الاحتفاء وليس ممارسة النقد . وهذا ما يبرر اللغة الإنشائية التي تطفو في بعض الفقرات , ويبرر كذلك بعض الأحكام الأطلاقية التي أتت ضمن المقال . ويظهر هم الاحتفاء , من موقع المستمع العادي , في غياب المصطلح الغنائي والموسيقي الدقيق والذي لابد أن يلاحظه المتخصصون منكم , علما أن ما ورد من مصطلحات ومحاولات شروح موسيقية وغنائية استقيتها بشكل شفاهي من حوارات خاصة مع صديقي عثمان النو , وأذكر أنني استفدت كذلك من مقال نشره الماحي سليمان في مجلة ( الدستور ) اللندنية عن شريط ( أمطرت لؤلؤاً ) لعبد الكريم الكابلي . - ليتني أستطيع أن أكتب كما كتب يحي فضل الله عن عمر الدوش , أو كما كتبت رقية وراق عن ( ود وردي ) لأعبر عن احتفال كبير ضخم وفرح تضج به الدواخل لعودة ( السمندل ) , وقبل ذلك لاستطاعة ( عقد الجلاد ) النهوض من تحت الرماد بعد أن غادرها , معذورون , أهم كوادرها الغنائية . فمن كان يتوقع أن تظهر وتستمر ( عقد الجلاد ) بعد أن فارقها أنور عبد الرحمن , وعمر بانقا , وحمزة سليمان , ومن قبلهم مجاهد عمر , ومنال بدر الدين , ومني سيد علي , ونهلة عبد المنعم ؟ أنها معجزة لا نستطيع حيالها إلا أن نقف إجلالاً و إكراماً وتعظيماً لذلك (القصير) العملاق عثمان النو . والتحية لهم جميعا .
(عدل بواسطة تراث on 02-20-2004, 11:05 PM)
|
|
|
|
|
|