الروائية " زينب حــــاج بِليل " (1) " نرى وجهها ينتشر أريجه في كل البسيطة التي نشهد ، تقف مثل ما وقفت الأمهات عند الفجر من كل يوم لإعلاف الذين نهضوا من منامهم للواجبات الثقال .لتكنْ نصيرة الكادحين ، والراضعين من أثداء كنُبل القمر عند العاشقين . مثلها رفيقات و سيدات العزوة والغرض النبيل .هنَّ في الحياة شركاء مثل رصفائهنَّ في الحقول وفي البوادي وفي المدارس والمعاهد وفي مدرجات الجامعات وعبر مُختبرات العلم ، وفي مشارح المستشفيات و رياض الأطفال و عند خيام البداة الراحلين إلى مساقط الغيث." (2) للروائية " زينب حاج بليل " كتب وأسفار ، منها : "الاختيار" و" كش ملك" و "نبات الصبار" ومسرحية" نكون أولا نكون"و" المحاكمة ". نبتَ الواقع الحيّ في أوكار قصصها ، بلغة روائية أو مسرحية أقرب إلى النفس وخفايا الوجدان . (3) كان يوماً مميّزاً وأنا أشهد " قناة النيل الأزرق"و أستمع للكاتبة الروائية " زينب حاج بِليل " في بثٍ مُباشر ،وهي تقرأ تجربتها ضمن فعاليات " جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي " .أعادني سردها تجربتها إليّ حياة أشباه المدائن والقرى والأرياف البعيدة الوادعة في ساف العصر والأوان. تلك التي أحيّتها سكك حديد السودان بالوصال . كانت دنيا تلك القرى هادئة هانئة . كانت الأُسر تُربي الماشية والطيور وتزرع أشجار الفاكهة وتأكل من صنيع أيديها . اقتصاد متماسك ، في حين يسعى عالم اليوم لاسترداد ذات التماسُكْ في برامج مقترحة أسموها " المشاريع الصغيرة " .مسميات جديدة لحقيقة كانت في ماضي أيامنا تعيش بين أهلنا في الأرياف وأشباه المُدن . متوفرة هي في سنوات الخمسينات من القرن الماضي. في ذلك الزمان ،ليست هنالك من حاجة لاستيراد مواد تُذكر ،فالحياة رغم بساطتها وضعف مؤسسات التعليم و الصحة ووسائل الحياة العصرية المفقودة ، كانت لحياة البشر طعمٌ وذوق افتقدناه هذه الأيام ،للحياة الاجتماعية ألفة ومحبة وتماسك ورحابة صدرٍ بالمهاجرين من الأعراق المتنوعة ، يضُمهم صدرٌ حانٍ ورفقةٌ حميمة . سَردتْ الروائية " زينب حاج بليل " بلغة سلسة تتراوح بين اللغة الوسيطة ، تكاد تُمسِك بالعربية الفصيحة وهي مُطعمة بأزهار العامّية ، وتنثر هنا وهناك لغةً فخمةً جزلةً عند أطراف نسيجها. (4) بين أيدينا قبسٌ من تجربة الروائية " زينب حاج بليل " بخط بنانها :
{ في مدينة تغمّس أرجلها في النيل الأزرق ، وتتكئ على غابة كثيفة من السنط و السدر والهجليج وتمد زراعيها تطوق بها أشجار المانجو والباباي . مدينة اسمها "سنجة ". في قطية تحيط بها سبع شجرات نيم وليمونة وشجرات قشطة وجوافة وباباية واحدة تتزاحم ثمارها على طول ساقها وفي عصر جمعة في السابع من مارس في سنة ما ،جئت أنا "زينب حاج بليل ". أسمتني أمي على أختها التي تكبرها وأسماني أبي على أخته التي تصغره وأسمتني القابلة على نفسها . جئت في زمن وفي بيت يشتاق سكانه لطفل صغير . أبي "يوسف" خالي وزوجته "أم كلثوم" لم يرزقا بذرية فكنت أنا ذريتهما . أمي لم ترزق ذرية فكنت أنا ذريتها . أبي "رزق" لم يكن له ذرية فكنت أنا ذريته.
حتى عمر السابعة ما كنت أميّز بين من هي الأم التي ولدتني بين النسوة الثلاث . في بيتنا أغنام كثيرة لها صغار كثر وتجود بحليب وفير أشرب منه طوال اليوم حتى حد الارتواء. ويوم الجمعة نذبح تيساً أو حملاً نجتمع حوله وكأننا في وليمة . لدينا كثير من الدجاج يبيض في كل الأماكن ،علي أن أكتشفها وأجمعها . فطورنا مع شروق الشمس . وظهراً نأكل البيض المسلوق حتى نشبع ، و نذبح الفروج لوجبة المساء.
في موسم المطر تشاركنا قطيّتنا الشياه المولودة حديثاً وكلـ ـبنا "نمر" والكتاكيت تجمعهم أمي في "صفيحة " تدفقهم تحت العنقريب خوفاً عليه من الغرق. في فصل الصيف نقضي وقتنا تحت النيمتين اللتين لا تسمحان لأشعة الشمس أن تخترقانهما . في ظلهما تتجمع الجارات يومياً يشربنَّ القهوة بعدها الشاي السادة .يعسكرن حول "رامية الودع" . يستكشفن المخبوء من الأحداث ويحلمنَّ بتغيير ألهيّ مجاني لا يدفعنَّ فيه ثمناً ، ثم يأمرننا بمطاردة الديوك لوجبة المساء. ينظفنها فنأخذ ما يعجبنا من الريش نجمّل به مخادع عرائسنا . قرب موعد رجوع الآباء للبيوت ، يحملن أشياءهن ويذهبن وفي النفوس وعدٌ مضمرٌ للقاء غداً في نفس المكان .
في ذات مغرب سمعن النباه ينبه بأن غدا تسجيل الطالبات الجدد وعلى كل ولي أمر بلغت ابنته السابعة أن يحضرها للمدرسة . أنا فقط من صديقاتي التي ذهبت . حملني أبي "رزق" فوق كتفه وذهب بي للمدرسة . استلمت المعلمة شهادة ميلادي التي لم أعرف ما الذي كتب فيها . وما عرفت والدي بين أبائي الثلاثة إلا حينما نادت المعلمة في المدرسة "زينب حاج بليل "، وهمس لي أبي " رزق " : أجري المدرِّسة بتناديك . ولم أعرف قبيلتي إلا بعد أن أكملنا الثانوي ورُدت لنا أوراقنا الثُبوتية لأن "سنجة" كانت عبارة عن أسرةٍ واحدة من كل الأعراق والسحنات .جاءوا من كل أنحاء الدنيا ورحب بهم السكان الأصليون وتمازجوا وتحابوا وتعايشوا إذا مات شخص تبكيه المدينة كلها وإذا أقيم فرح هو فرح الجميع ... } (5) يمُر يوم المرأة العالمي في الثامن من مارس في كل عام ، ونذكر كل اللواتي مددنَّ لحياتنا أكسيداً للتنفس وطوقاً للنجاة .وللقصّ قلائد مُذهّبة ، وللصبر الأيوبي أمهات الأمس واليوم والغد. ألف شهادة تكريم مكتوبة في الرمل وتراب الأرض ، توضح أن للمرأة عندنا مكانٌ في سنام الحياة وأيضاً في القصّ منذ ثلاثينات القرن الماضي. وللمُقْبلات على جسامة مُدن الإبداع ليعشنَّ في جُحورها ،َ ينسُجنَّ من المنبْت المَحَلي ، ثم تُحلّق أخيلتهُنَّ لتؤاخي الطيور الراحلة في مسيرة الأفق كل يوم .
التهنئة القلبية للسامقة الكاتبة الروائية " زينب حاج بليل " بسَمْتها النبيل ، وكتابها النابع من القلب .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبدالله الشقليني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست