مرور عام على كارثتي الزلازل والتسونامي باليابان : مشاهد ومواقف وعبر
هذا المقال منقول من صحيفة سودانايل السايبرية وقد أعجبني وأفادني كثيراً، فرايت تعميم الفائدة. " بمناسبة مرور عام علي زلزال وتسونامي اليابان .. بقلم: الغزالي التجاني سراج [email protected]] بسم الله الرحمن الرحيم يصادف اليوم الحادي عشر من مارس، الذكرى السنوية الأولي لكارثة الزلزال والتسونامي الطبيعية التي ضربت منطقة شرق اليابان. حيث سجل مقياس ريختر للزلازل 9 درجات في مركز الزلزال في إقليم "توهوكو" شرق اليابان. نجم عن الزلزال امواج تسونامي عالية بلغت في بعض المناطق 14 مترا. للمعلمومية فان تسونامي كلمة يابانية الاصل مكونة من شقين هما "تسو" وتعني ميناء، و "نامي"، وتعني موج. يذكر ان اول استخدام للكلمة كان من قبل بعض الصيادين اليابانيين الذين كانوا في عرض البحر، وعندما عادوا الي الميناء لم يجدوا شيئا من جراء الامواج العالية والعاتية التي ضربت الميناء ولم يشعروا بها عندما كانوا في البحر. هذا وقد سبب الزلزال والتسونامي الذي ضرب منطقة توهوكو دمارا هائلا لم تشهده اليابان منذ الحرب العالمية الثانية كما ذكر ذلك رئيس الوزراء الياباني حينها في وصفه لما احل باليابان من كارثة طبيعية مدمرة. ذكر الخبراء ان الزلزال الذي اصاب اليابان يعتبر خامس اكبر زلزال منذ بدء عملية تسجيل الزلازل. وأشارت شبكة الرصد الجيولوجي في اليابان، والتي تضم اكثر من 1200 محطة رصد، الي ان ساحل اليابان تحرك من موقعه اربعة امتار باتجاه الشرق. واضاف حرس السواحل الياباني ان الزلزال حرك قاع البحر في المنطقة القريبة من مركز الزلزال 24 متراً. ويُعتقد ان الزلزال ادى الي ان تتحرك الارض عن محورها بنحو 6.5 بوصة، واصبحت الكرة الارضية تدور قليلا مما يعني قصر اليوم بمقدار 1.8 مليون من الثانية. علي صعيد اخر اوردت بعض هيئات المسح الجيولوجي انه، ونسبة للآثار الجيولوجية للزلزال، يتعين تعديل معلومات تحديد المواقع الجغرافية او ما يعرف باسم الـــ " جي بي إس" وذلك لاجل قراءة صحيحة للخرائط التي تستخدم في قيادة السيارات وإعادة تحديد سجلات العقارات نتيجة لهذه الازاحة. مما لاشك فيه، أن زلزالاً بهذه القوة قد خلف دمارا وخسائر بشرية ومادية فادحة. يقدر عدد الضحايا من قتيل الي مفقود بــ 28 الف، هذا بالاضافة الي التدمير واسع النطاق في المنازل والمدارس والسيارات والطائرات و السفن والبنية التحتية. تشير اخر تقديرات الحكومة اليابانية الي ان التكلفة الاقتصادية الاجمالية للكارثة بلغت 309 مليار دولار. بالطبع، فان هنالك خسائر ممتدة ستعاني منها اليابان لفترة ليست بالقصيرة خاصة اذا ما نظرنا الي الاثار المترتبة علي السياحة من جراء الدمار الذي حدث للمفاعلات النووية وتسرب الغازات والغبار النووي المتساقط علي الارض والبحر والذي يؤثر بدوره في النشاط الزراعي لسكان المنطقة التي تعتمد علي الزراعة وكذلك في نشاط صيد الاسماك وخلافة. قصدت من هذه المقدمة الطويلة توضيح حجم الكارثة التي اصابت اليابان في العام الماضي والتي امتدت اثارها لكافة المناطق المجاورة لاقليم توهوكو وشملت العاصمة طوكيو. استمعنا للاخبار وشاهدنا التلفاز لمتابعة تداعيات الزلزال والتسونامي. ورغم هول الكارثة إلا أن قوة الشعب الياباني وقدرتهم على مجابهة المصائب امر يثير الاعجاب والاهتمام. وهي قوة لاتضاهيها قوة ولا مقدرة في جميع انحاء العالم، لا في اغني الدول ولا في افقرها، لا لشي سوي لانها مرتبطة بالميزات الاجتماعية والثقافية المتفردة للشخصية اليابانية. حيث تطوع اليابانيون بالعمل، عقب الكارثة الطبيعية، لساعتين اضافيتين دون اجر ليذهب ريعها لاعادة بناء مادمرته امواج التسونامي العاتية. وخفضت المحلات والمتاجر في منطقة الزلزال اسعارها الي النصف، دون وجود اي نزعة استغلالية للوضع ولاحالات فوضي وسرقة ونهب ،كما رصُد في بلدان اخري لدي وقوع ازمات شبيهة، مثلما حدث في بريطانيا خلال فيضانات 2007، او في شيلي بعد الهزة الارضية المشهورة في عام 2010، او حتي في الولايات المتحدة، أكثر الدول تقدما وتحضرا بالمعايير المادية المعروفة، عندما حدثت سرقات واستغلال للوضع خلال احداث اعصار كترينا في عام 2005م. يعيد ذلك للاذهان التجربة اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية، وما خلفتها من دمار وانهيار لليابان، خاصة عندما تطوع اليابانيون وعملوا لساعات طويلة بلا مقابل لازاحة الانقاض التي خلفتها الحرب واعادة بناء المنازل ومساعدة المتضررين، ومواصلتهم العمل بعد ذلك لانقاذ الاقتصاد الياباني بالعمل لساعات اضافية دون اجر في المزارع والمصانع والشركات حتي اصبحت اليابان قوة اقتصادية وكانت التجربة ولاتزال محل اعجاب الكثيرين. هنالك عدد من القصص التي تحكى عن أصالة هذا الشعب، والقيم التي يتمتع بها، والتي أعتقد انها ناتجة عن تربية وثقافة ضاربة في الجذور يورثونها اجيالهم جيلا بعد جيل. تري الناس يصطفون في المتاجر لاخذ حاجياتهم ولاياخذ الفرد منهم سوي ما يكفيه ليومه حتي يجد الاخرين نصيبهم. تجدهم في صف كانهم بنيان مرصوص لايتزاحمون ولاينكبون علي السلع، بل وانهم يرجعون البضائع الي الرفوف بمجرد انقطاع التيار الكهربائي، ولايدخلون المتاجر التي خلت من الموظفين لحظة وقوع الزلزال وان كانت ابوابها مشرعة. مشهد غريب ومهيب وكأنهم ليسوا بشرا يعتورهم الغيرة والحسد وحب النفس، تجدهم في اوقات الازمات يحافظون علي النظام لشراء السلع وكافة احتياجاتهم، يجلسون في مراكز الايواء، وفي الطرقات، في هدوء غريب وحزن تراه محفوراً في الدواخل، ودمعة خافتة في قاع العين لا صراخ ولا نواح ولا عويل. التقيت احد اليابانيين، بعد مرور حوالي شهرين علي الاحداث، وخلال تجاذبي اطراف الحديث معه علمت انه ينتمي للمنطقة التي ضربها الزلزال، سألته عن حاله وحال اسرته، اجابني انه عندما وقع الزلزال كان في العمل وعندما سمع الاخبار حاول الاتصال باسرته ولكن لم يكن هنالك رد ولم يتلقي اي اخبار منهم لمدة يومين كاملين. سألته ماذا كان يفعل خلال هذين اليومين، أجابني بانه كان يداوم عمله كالمعتاد ولا يحاول ان يفكر في الأمر الى ان تلقى اتصالا يفيد بسلامة افراد اسرته. حكي لي احد زملائي، وهو القائم بالأعمال للسفارة التونسية باليابان حينها، أنهم في زيارتهم لمنطقة "مياقي"، اكثر المناطق تأثرا بالكارثة، كان الناس يصطفون لكل من ياتي من السفارات والجمعيات الخيرية والمنظمات الطوعية محملا بالمؤن والغذاء والكساء. ذكر لي انهم كانوا يحملون علي سياراتهم غذاءا اصطف اليابانيون في المنطقة ليأخذ كل نصيبة، وقد رأي في ذلك المشهد طفلا في العاشرة من عمره تقريبا، يبدو عليه اثار التعب والانهاك والجوع والظمأ، يقف في الصف وسط الكبار، فما كان منه الا ان قام بتناول غذاء من السيارة وذهب لذلك الطفل واخرجه من الصف واعطاه اياه. أفادني بان ذلك الطفل تصرف بطريقة لم تكن ابدا تخطر علي باله، حيث قام باخذ ما أعطاه اياه صديقي التونسي وقام بارجاعه للعربة وعاد واصطف مكانه مع الاخرين قائلا بانه ليس بافضل من الاخرين، وحينها لم يتمالك صديقي من الاجهاش بالبكاء. كان المشهد مؤلماً، فهنالك من فقد، في لحظة من لحظات القدر، كل ما يملك مسكنه وملبسة ومصدر رزقه، بل حتي هنالك من فقد كل افراد اسرته. وأصبح عدد من المواطنين يبحثون عن المناطق التي توفرها الحكومة للايواء، بعد ان كانوا يعيشون حياة مترفه. رأيت بام عيني مناطق بأكملها اختفت عن الوجود واصبحت حطاما ركاما، وتعددت معسكرات الايواء لتوفير الظل ولقمة العيش لاولئك الذين كانوا ينعمون بحياة مترفه ينالون فيها ما يشتهون وأصبحوا في عشية وضحاها بلا ظل يقيهم البرد والمطر، ولا لقمة عيش تشد عظمهم وتقوي شكيمتهم لمواجهة الكارثة. تدافعت الدول والمنظمات والافراد لتقديم المساعدة لهذا الشعب الابي، الذي ظل طوال الحقب الماضية يقدم الكثير من المساعدات الانسانية والتنموية للدول النامية دون مَن او ازي. رغم هول الكارثة والمصاب الجلل، إلا ان اليابانيين قد أظهورا روحا من المثابرة والتعاون وكانت تصرفاتهم، التي شهدناها ابان الازمة، محل اعجاب وتقدير واشادات من جميع انحاء العالم. كان تعامل اليابانيين مع الكارثة متفردا حيث الهدوء الصامت والشجاعة المتفردة والجأش والعزيمة والصلابة كانت سماتهم رغم الكارثة وتداعياتها. اختار اليابانيون كلمة "كيزونا"، وتعني التضامن شعاراً لهم للعام 2011م. أثار اهتمامي تصرف اليابانيين خلال الازمة لمعرفة الخلفيات والاسباب التي يمكن الاستناد عليها لتفسير مثل هذه الظاهرة. ما اذا كان ذلك يعود الي الثقافة اليابانية؟ ام الي التجربة التاريخية اليابانية؟ أم المناهج التعليمية، أم ربما للميزات الفردية للشخصية اليابانية، التي ظلت علي الدوام محل اعجاب العديد من الشعوب بمثابرتهم وحبهم للعمل وتفانيهم ومقدرتهم علي الابتكار. أم ان للامر ابعاداً دينية مرتبطة بالديانة السائدة في اليابان " الشنتو" . بالطبع فان تفسير سر التصرفات الحضارية للشعب الياباني، خاصة ما شهدناه خلال فترة الكوارث، يعود الي مجمل الاسباب المذكورة أعلاه. فالديانة غرست فيهم المبادي الهادية، والتجربة التأريخية علمتهم الصمود والمثابرة وحب العمل، والثقافة غرست فيهم الهدوء والامانة والانضباط واللياقة. يعتقد اليابانيون ان الالتزام بهذه القيم في وقت السلم والحرب هي التي ميزتهم عن بقية الشعوب، وكانت سببا في الرخاء والسلام والاستقرار لبلادهم وتفوقها وسط رصيفاتها في المجتمع الدولي. إن الباحث عن سر تقدم ونهضة اليابان يدرك بسهولة ان سرها يكمن في انسانها. إن المفتاح الاساسي في تفسير ظاهرة مواجهة اليابانيين للكوارث الطبيعية ومرجعياتها تعود في المقام الاول الي ان اليابان عبارة عن جزيرة، والثقافة اليابانية متجانسة، وانهم جميعا يتحدثون لغة واحدة. ظل اليابانيون يعتمدون في معيشتهم منذ قديم العصور علي الزراعة والتي تعتبر في المقام الاول هبة ورحمة الطبيعة. ساهمت هذه الخلفية الجغرافية والثقافية علي تشكيل السلوك الياباني باحترام وتقدير واحيانا عبادة قوة وجبورت الطبيعة، والتي تعتبر واحدة من اساسيات ديانة الشنتو، حيث يرتبط ذلك بصورة مباشرة بروح الفضيلة من الطبيعة التي يؤمن بها اليابانيون، والتي تعني قبول الاشياء علي طبيعتها وهو المنظور الياباني المتفرد للطبيعية، والذي يناقض المنظور الغربي الذي يعمل علي تطويع الطبيعة. كون المجتمع الياباني في الأصل هو مجتمع زراعي، فان العلاقة التعاونية والمصير المشترك هو القاسم الذي يجمع بينهم. لذلك فان الصيغة الجمعية للعلاقات الاجتماعية في المجتمع الياباني هي الصيغة التوافقية. هذه السمة للمجتمع الياباني هي مصدر قوة باعتبار ان القرارات تتم بصورة جماعية، وبالتالي تكتسب الشرعية والمقبولية اللازمتين. يفسر هذا انصياع اليابانيين لحكومتهم سواء كانت القومية او المحلية والتزامهم بالتوجيهات التي تصدر منها، لذلك تجدهم يتصرفون بقلب واحد كشخص واحد، حيث ان الفردانية لاوجود لها في المجتمع الياباني والعمل الجماعي هو ديدن السلوك الياباني في كافة المناشط. حتي في العابهم الرياضية، فان المنافسة في العادة لاتكون بين الافراد بل بين المجموعات. يعمل الفريق الواحد سواء كان في المعلب او في العمل او في المزرعة بروح وقلب واحد. ولاشك ان المجتمع القائم علي التوافقية ميّال نحو اتباع الاغلبية. تعرف هذه الظاهرة في المجتمع الياباني بــ " Yokonarabi shakai " حيث تعني لفظة "يوكو" في المقطع الاول افقيا" ولفظة "نارابي" صف، اي صفا واحدا كاسنان المشط. لا يفوتني في خاتمة هذا المقال، أن اذكر الوقفة التضامنية القوية والصلبة مع المجتمع الياباني من كافة دول العالم وشعوبة والمنظمات الطوعية والخيرية والمؤسسات والافراد. رصدت الخارجية اليابانية، حتي فبراير الماضي، 163 دولة 43 منظمة دولية تبرعت لليابان. هذا بالاضافة الي المساهمات العديدة من المنظمات الطوعية الاجنبية والمحلية والافراد اليابانيين وغيرهم من المشاهير في العالم الذين سجلوا اروع المثل بتبرعاتهم السخية للمتضررين اليابانيين. ولم يكن السودان متخلفا عن هذا الركب، بل كان من اوائل الدول التي اعلنت عن مساهمتها المادية، ردا للجميل وعرفانا باليد البيضاء لليابان، التي قدمت ولاتزال تقدم المساعدات للسودان في مختلف المجالات. تبع ذلك العديد من الانشطة التي قامت بها السفارة السودانية بطوكيو، حيث قامت بالتضامن مع الجالية السودانية باليابان بزيارة مدينة ايواكي في محافظة فوكوشيما التي شهدت تسرب الغبار النووي، وقدمت السفارة والجالية السودانية مساهمات انسانية للمتضررين بعد وقوفها علي حجم الدمار والخراب الذي خلفته امواج التسونامي. كما قامت السفارة وبالتنسيق مع مجلس الصداقة الشعبية بتقديم المساعدة اللازمة لمنظمة روسنانتس الطوعية اليابانية، لتنظيم رحلة لاثنين وعشرين طفلاً سودانياً لزيارة منطقة ناتوري المتأثرة بالكارثة الطبيعية. وقد تمت الزيارة التي اثلجت صدور اهل المنطقة وزرعت الامل في نفوسهم، وأصبحت الفرحة بادية في قسمات اوجه الاطفال اليابانيين الذين قاموا مع اخوانهم السودانيين بتقديم العديد من المناشط. كانت الزيارة محل اعجاب وتقدير الحكومة اليابانية باعتبارها مبادرة متفردة من السودان استهدفت اطفال اليابان لتشجيعهم ورفع روحهم المعنوية. اقامت كذلك الجالية السودانية باليابان، بالتضامن والتنسيق مع جهاز شئون السودانيين العاملين بالخارج، وجهات اخري ذات صلة، اسبوعاً تضامنياً مع شعب اليابان بالعاصمة السودانية الخرطوم شاركت فيه الحكومة السودانية ومجلس الصداقة الشعبية والسفارة اليابانية بالخرطوم وعدد من المنظمات الطوعية".

[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان

اراء حرة و مقالات	Latest Posts in English Forum
Articles and Views	اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases	اخبار و بيانات

الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة

About Us
Contact Us
About Sudanese Online

اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين

News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums

If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]