أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ !

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-18-2024, 12:18 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-22-2012, 08:54 PM

مامون أحمد إبراهيم
<aمامون أحمد إبراهيم
تاريخ التسجيل: 02-25-2007
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ !

    إلى الذين يُسّفِهون الفن والفنانين ، ويقللون من شأنهم ، ولا يعرفون قدرهم ! ولا يفهمون حقيقة الأشياء ! ويجهلون دقائق وأسرار الوجود !

    هذا كتاب ( الإسلام والفنون )

    للأستاذ المفكر الشهيد / محمود محمد طه ..

    وهو بالتأكيد ، معبرنا وجواز مرورنا الوحيد نحو الفنون ، بكل قوة قلب ، وثقة ، ومعرفة حقيقية ، بطبيعة الأشياء .. والحياة البشرية ، وآفاقها العميقة الثرية !


    الإهداء مني :

    إلى جميع الموسيقيين والفنانين والمتذوقين على مشارق الأرض ومغاربها .. فإلى هذا الفكر الجديد الفريد ، العميق ، الشافي ، الكافي ، الوافي !

    هذا بمثابة عرض للكتاب فقط .. وإن كانت هنالك حوارات ، أو تساؤلات حول هذا الموضوع ، فإني أحيلها تأدباً ، إلى إخوتي الجمهوريين .. ولتكن في نهاية هذا الخيط ، بعد عرض فحوى الكتاب ، لمن أراد ...

    إبتداءً :

    ( فلنترحم على لحن الحياة الخالد ، المبدع محمد عثمان وردي .. بما حوى صدره المترع ، من روعة وجمال وغنا لأهل السودان ونهر مجدهم القديم العظيم ! )


    مع خالص التحيات ..



    الكتاب :

    الإسلام والفنون :

    للأستاذ محمود محمد طه

    الأهداء :

    إلى المنفتحين على الله ، السالكين إليه كل السبل ، فانه ان من شىء إلا وهو إلى الله سبيل !


    ( وان من شىء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم )

    ( تسبح له السموات السبع ، والأرض ، ومن فيهن .. وان من شىء إلا يسبح بحمده ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم .. انه كان حليماً غفورا .. )

    صدق الله العظيم


    المقدمة :

    هذه مقدمة كتاب ( الإسلام والفنون ) وهو عبارة عن متن محاضرة القيت على طلبة ( كلية الفنون الجميلة والتطبيقية )، وضيوفهم ، وذلك في يوم الثلاثاء ، 24/9/1968 .. ولقد أُخذت هذه المحاضرة عن الشريط ، وهي تجري بلغة الكلام ، لا بلغة الكتابة .. كذلك وردت في الأصل ..
    ولقد اسمينا هذا الكتاب : ( الإسلام والفنون ).. ولقد كان من الممكن أن نسميه : ( الفنون والإسلام ) ، ولكننا آثرنا الأول لأن تقديم كلمة الإسلام فيه توخ للحكمة التي توجب تقديم الفاضل على المفضول ، فذلك أمر لا معدى عنه ، ولكننا كنا ، حين تعديناه في فكرنا ، وحين هممنا بتسمية الكتاب على النحو المشار إليه آنفاً ، كنا نعتذر بهذا الصنيع بخطتين اثنتين : كون هذا الكتاب يُعنى ، في المكان الأول ، بالفنون ، ثم يضعها موضعها في الإسلام .. هذه واحدة ، والثانية أن الفن ، والإسلام ، لصيقان ، وتوأمان ..... وهذا يقتضي تعريف الفن ، وتعريف الإسلام ..

    الفن :

    فأما الفن فقد سبق لنا أن عرفناه في متن هذه المحاضرة ، وذلك حيث قلنا : أن الفن هو وسيلة التعبير عن ملكة التعبير .. وقلنا يومها أن ملكة التعبير إنما هي الحياة .. والحياة تُعبر عن نفسها بوسائل مختلفة ، في مستويات مختلفة .. فهي تُعبر عن نفسها بالحركة ، وتُعبر عن نفسها بالغذاء ، وتُعبر عن نفسها بالتناسل ، كما تُعبر عن نفسها بالشعر ، وبالنثر ، وبالغناء ، وبالرقص ، وبالنحت ، وبالرسم ، وبالتصوير ، وبالتمثيل ، وبالموسيقى ، وبغيرها من ضروب الطاقة الفكرية ، والجسدية ، التي تفيض وتنبجس ..
    فهل يعني هذا أن كل أساليب الحياة للتعبير عن نفسها فن ؟! .. نعم !! هذا على التعميم ، وفي جملة الأمر ، صحيح .. بيد أن صور التعبير التي تمارسها الحياة البدائية تعتبر فناً فجاً ، وتزيد فجاجته كل ما انحصر في التعبير عن مجرد نوازع المعدة ، والجسد ..
    إننا لا نسمي أساليب الحياة ، في التعبير عن نفسها ، فناً ، بالمعنى المخصص لهذه الكلمة ، إلا إذا ما دخلت هذه الأساليب على مستوى التعبير عن القيمة – القيمة في الحياة – وأعلى قيم الحياة الحرية ..
    هناك الطاقة الحياتية ، وهناك الطاقة العقلية ، وإنما بالطاقة العقلية دخلت القيمة في الحياة .. فالفن إنما هو تعبير الطاقة الحياتية عن نفسها من خلال مصافي العقول المرتاضة ، الصافية ، القوية الإدراك ..
    الفن هو التعبير عن حياة الفكر ، وحياة الشعور ، في آن معاً ...... والطاقة الحياتية إنما هي أصل الحياة ، في سذاجة ، وبساطة ............ وهي لا تفلسف ، ولا تتأنف ، ولا تحتفل ، حين تعبر عن نفسها ...... وأسلوبها في التعبير أسلوب القصد الصريح ، في ممارسة اللذة ، واجتناب الألم ..... ولكننا نحن لا نتعتبر اندفاعات الشهوة في هذا المستوى فناً من الفنون .. وإنما الفن تعبير الشهوة المحكومة بالعقل المهذب ، المروض المنضبط بقواعد الخلق الرصين .. وإنما من أجل ترويض ، وتهذيب ، العقول حمدت مساعي الفنون ، في صورها المختلفة ، وبأساليبها المختلفة ...... وإنما قيمة كل أسلوب من أساليب الفنون هي قيمة ما يقربنا من تلك الغاية .. وفي هذا المضما يقع التفاوت بين أفانين الفنون ، وفيه أيضاً يقع إختلاف ما بين الفن والدين – الإسلام .. ومعلوم أنه انما هو دائماً اختلاف مقدار .. ولقد تعرضنا لتعريف الفن في الأسطر القليلة الماضية ، ولقد قررنا هناك أن الفن والإسلام لصيقان ، وهذا يعني أنهما وجهان لأمر واحد .... هذا الأمر إنما هو الحياة ...... فالفن أسلوب تعبير للحياة به به يزيد عمقها ، واتساعها .. والإسلام أسلوب تعبير للحياة به يزيد عمقها ، واتساعها ..
    ولكن أسلوب الإسلام أشمل ، وأعمق ، وأبعد مدى ، من أسلوب الفنون ..... ولقد وردت الإشارة إلى الأسلوبين : أسلوب الفنون ، وأسلوب الإسلام ، في الآية الكريمة :
    ( سنريهم آياتنا ، في الآفاق ، وفي أنفسهم ، حتى يتبين لهم أنه الحق .. أولم يكف بربك انه عل كل شىء شهيد ؟؟ ) .... فهذه آيات الآفاق ، وآيات النفوس .... وهي جميعها موضوع الفنون ، وموضوع الإسلام ...... فأما الفنون فانها تُعنى بآيات الآفاق ، أكثر مما تُعنى بآيات النفوس ، ولكن عنايتها بهذه غير غائبة .... وأما الإسلام فانه يُعنى بآيات الآفاق ، و يتخذها مجازاً إلى آيات النفوس ، وعنايته بهذه ، وبخاصة في أُخريات مراقيه ، أكبر وأعظم .. وللعلم التجريبي في هذين مجال ، ولكنه ليس هنا بذي بال .. ويكفي فيه أن يقال :
    أن الفن ، والدين ، والعلم ، متداخلة ، والإختلاف بينها إنما هو اختلاف مقدار .

    الإسلام :

    وعند الإسلام آيات النفوس مقصودة بالاصالة ، وآيات الآفاق مقصودة بالحوالة ، بمعنى أن الإنسان يعبر على آيات الظاهر ليصل إلى فهم آيات الباطن ، فينسقها مع الظاهر حتى تستقيم له حياته ، وتتعمق ، وتتسع ...... وفي الإسلام الظاهر إنما هو ظل الباطن – الكون الظاهر إنما هو الكون الباطن في حالة بروز وتجسيد ...... والإسلام إنما يعني الإنقياد ، والإستسلام . وهو يبدأ بمحاولة الحى أن يوجد نوعاً من العلاقة الحميمة بينه وبين البيئة الطبيعية التي يعيش فيها وذلك باقامة نوع من المصالحة ، والمصادقة ، والمودة معها .. أو نوع من التقية، والمحاذرة ، والخشية منها ...... ومن ههنا نشأت العبادة ، ونشأ العلم ، ونشأ الفن .

    إن الوجود المادي ، المحسوس ، إنما هو لحن من الموسيقى العلوية .. هو لحن متسق ، منسجم ، مهذب ، لا نشوز فيه ، ولا شذوذ ...... ونحن الآن انما نتعلم العلم لكي نستطيع به أن نسير بحياتنا في مصاقبة ، وفي سلام مع هذا اللحن العلوي العظيم ..
    نحن انما نتعلم العلم الذي يعيننا على تنغيم حياتنا مع بيئتنا ...... ولقد علمنا أن هذا العلم لن يكون علم الظواهر الطبيعية ، فحسب ، وانما هو علم الظواهر والبواطن – علم آيات الآفاق ، وآيات النفوس – وبواطن الظواهر تقول : أن الكون المادي ، المحسوس ، إنما هو الإرادة الإلهية جمدت ، وتجسدت .. ان الكون هو مظهر قدرة الله ، تبارك ، وتعالى ، فانه ، تبارك وتعالى ، عندما أراد إظهار المخلوقات أحاط بها علماً ، باسمه العالم .. ثم خصص الصورة البدائية لظهورها ، وذلك باسمه المريد ، ثم أبرز هذه الصورة ، إلى حيز المحسوس ، وذلك باسمه القادر .. وباسم القادر تم تجسيد العلم الإلهي .. والعلم الإلهي صفة قديمة ، قائمة بذات الله القديمة .. فما هو غيرها ، وانما هو هى ، في مرتبة التنزل ، لتظهر ، لتُعرف .
    إن البيئة التي يعيش فيها انما هي بيئة روحية تجسدت ، وكان من تجسيدها السموات ، والأرض ، وما فيهما ، وما بينهما ، وأصبح علينا ، كي نعيش في وئام مع بيئتنا ، أن نعلم ظاهرها – آيات الآفاق ، ونعلم باطنها – آيات النفوس .. قال تعالى ، في ذلك :
    ( سنريهم آياتنا ، في الآفاق ، وفي ، أنفسهم ، حتى يتبين لهم أنه الحق .. أولم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد ؟؟ ) ونحن ، من أجل هذا العلم ، نحتاج العلم التجريبي ، وهذا أكثر تركيزاً على الظواهر ، منه على البواطن .. بل هو يكاد يقتصر على الظواهر وحدها .. ونحن، من أجل هذا العلم ، نحتاج الفنون ، بكل صورها ، وضروبها ، وهذه موزعة مابين الظواهر والبواطن ، وتركيزها على الظواهر أعظم ، ودخولها في البواطن غير موجه بالنهج الذي يضمن لها التغلغل في هذه البواطن ، مما يزود الفنان بالقدر الكافي من علم أسرارها ، وانما هى تقتصر على إلهامات نفس الفنان ، وموهبته .
    ونحن نحتاج إلى الدين من أجل هذا العلم .. والدين يبدأ بالظواهر ، ويتخذها معبراً إلى البواطن .. وهو انما يزيد تركيزه على البواطن كلما تمرس المتدين بمنهاج العبادة ، وكلما روض عقله ، وقلبه ، على أدب الشريعة ، وأدب الحقيقة .. ( أولم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد ؟؟) إشارة إلى الإستغناء بالبواطن عن الظواهر ... إشارة إلى الإستغناء بالله عن جميع الخلق .. وذلك إنما يكون عند الإستواء ، حيث لا يبقى ، في الوجود ، غير العبد ، والرب – العبيد الآخرون موجودون ، ولكن وجودهم لا يتخذ وسيلة إلى معرفة الله ، وإنما معرفة الله وسيلتها ذاتها – هذه تبدأ عند نهاية البدايات ، ويطالع بها المصطفون ، الأخيار ، في هذه الدار ، ثم لا تكون لنهايتها نهايات ، وإنما هو الترقي السرمدي ..

    الموسيقى :

    الموسيقى أسمى الفنون ، وأعلاها ، وأقدمها ... وهي ، في حقيقتها القديمة ، هذا اللحن العلوي ، الذي تحرك في سلمه السباعي ، يحكي منازل الإنسان وهو يسير في طريق الإغتراب ، ثم يحكيها وهو يسير في طريق الرجعى إلى الوطن القديم .. هذه الحركة هي المحكية في قوله تبارك ، وتعالى : ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا، وعملوا الصالحات ، فلهم أجر غير ممنون ) .. في هذه الثلاث آيات جاءت صورة الإغتراب ، وصورة العودة من الإغتراب .. هذه الحركة في الهبوط ، وفي الرجعى ، هي حقيقة الموسيقى .. وهي ، في جميع مراحلها في البعد والقرب ، ذات سلم سباعي ...... مرحلتها الأولى ، في طريق البعد ، الصفات السبع : الحي ، العالم ، المريد ، القادر ، السميع ، البصير ، المتكلم ... ومرحلتها الثانية ، الحواس السبع : القلب ، والعقل ، والسمع ، والبصر ، والشم ، والذوق ، واللمس ... ومرحلتها الثالثة ، النفوس السبع : الكاملة ، والمرضية ، والراضية ، والمطمئنة ، والملهمة ، واللوامة ، والأمارة ... ومرحلتها
    الرابعة ، الأيام السبعة : الأحد ، والإثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، والخميس ، والجمعة ، والسبت ... ومرحلتها الخامسة ، السموات السبع : السماء السابعة ، والسادسة ، والخامسة ، والرابعة ، والثالثة ، والثانية ، والأولى ... ومرحلتها السادسة ، الأرضين السبع : الأرض الأولى ، والثانية ، والثالثة ، والرابعة ، والخامسة ، والسادسة ، والسابعة ... ومركز هذه هو أسفل سافلين ، المشار إليها في الآية الكريمة ، حيث قال ، جل من قائل : (( ثم رددناه أسفل سافلين )) ... وقد نزل الإنسان هذه المنزلة في مرحلة التنزل السابعة .. ثم انه استأنف سيره، في طريق الرجعى ، من هذا البعد السحيق ... ولقد جاءه الإذن بأن يأخذ في طريق الرجعى ، وذلك حيث حكى الله تبارك وتعالى عنه : (( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ، إنه هو التواب الرحيم .. )) وانما تاب عليه ليتوب – يعني ليرجع ..
    وفي أسفل سافلين ، وهو مركز الأرض السابعة ، كان آدم في أدنى درجات التجسيد – ذرة غاز الهيدروجين .. ثم انه استأنف سيره في طريق الرجعى فنزل المنازل المختلفة .. وحين دخل مرتبة المادة العضوية ، وظهر في حيوان الخلية الواحدة ، بدأت الحواس بحاسة اللمس ( الحس ) .. واطرد ترقية حتى دخل مرتبة الحيوان السوي ، المكتمل .. وهذا معنى قوله تبارك وتعالى : (( فإذا سويته )) .. ثم اطرد ترقية ، ودخل مرتبة البشرية ، وصار له عقل .. فذلك معنى قوله تعالى : (( ونفخت فيه من روحي )) ... ثم أنه نزل منزلة التكليف ، حين صار له عقل ، وحين أصبح له في ملكوت الله ذكر ، بعد إن لم يك .. فذلك معنى قوله تعالى : (( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً ؟؟ ))
    هذه هي الموسيقى في حقيقتها العليا .. هذا اللحن المنسجم ، المتسق ، المهذب الحواشي ، المنطلق في طريقي الصدور والورود – الصدور من موطنه الأول إلى موطن البعد والإغتراب، والورود من هذا البعد آيباً إلى موطنه الأول من جديد بعد طول هذا الإغتراب ، وطول هذا البعد – هذا اللحن – هذه الحركة المحتشدة – هو الموسيقى في حقيقتها العلية .. وطريق الأوبة ، من أسفل سافلين ، إلى الموطن الأول ، في أحسن تقويم ، طريق مرسوم عبر الأرضين السبع ، والسموات السبع ، في تعاقب الأيام السبعة ، في مراقي النفوس السبع ، والحواس السبع ، والصفات السبع ، إلى مرتبة الإنسان الكامل ذات المقامات السبعة ..

    وفي أثناء طريق العودة ، ومن خلال تعاقب الأيام السبعة ، نشات العناصر المختلفة ، ثم نشأت الحياة ، ونشأت الأديان ، ونشأت العلوم ، ونشأت الفنون ، وذلك في الآماد السحيقة ، من الأزمنة السحيقة .. ونحن ، في هذا المجال الضيق ، لا يسعنا إلا أن نقفز قفزة كبيرة ، نصل بها إلى نهايات البدايات ، حيث الأديان والعلوم التي نألفها اليوم ، وحيث الفنون في المستوى الذي نعرفه عن الكلمة المنظومة ، والكلمة المنثورة ، وحيث النحت ، والرسم ، والتصوير ، والغناء ، والرقص ، والموسيقى ، والتمثيل ، وبقية ضروب الفنون ..
    وأعرق الفنون ، وأعظمها ، وأشرفها ، على إطلاقها الموسيقى .. وانما يجىء شرفها من أمرين : احدهما إرتباطها بالأصوات ، والصوت لازمة لا تنفك عن الحركة ، والحركة أصل الوجود الحادث ، على إطلاقه ... وثانيهما أنها تُدرك بحاسة السمع .. وحاسة السمع أشرف الحواس السبع ( ما عدا القلب والعقل ) فهي تلي القلب ، والعقل ، وتجىء بعدها حاسة البصر، ثم حاسة الشم ، ثم حاسة الذوق ، ثم حاسة اللمس ( الحس ) ..
    ويجىء شرف حاسة السمع عل حاسة البصر ، وبقية الحواس الأخرى ، من سعة ما تؤدي إلى العقل من معلومات ، وإلى القلب من أحاسيس ... هذا من أجله قدم السمع على البصر في سائر آيات القرآن ، وأعطي منزلة الشرف فيها ..
    السمع يتأثر بالأصوات ويؤديها إلى العقل ، والقلب ... والأصوات هي الأكوان جميعها ، المرئي منها ، وغير المرئي .. والمسموع منها ، وغير المسموع ... فانه ما من شىء في الكون الحادث إلا وهو في حركة لا تنقطع ، حتى أكثف المواد التي نراها ، ونعرفها ، فانها في الحقيقة ، مهلهلة ، مخللة بفجوات تتحرك فيها ذرات تكوينها حركة متصلة كما تتحرك ذرات البخار في السحابة (( وترى الجبال تحسبها جامدة ، وهي تمر مر السحاب .. صنع الله الذي اتقن كل شىء .. إنه خبير بما تفعلون .. )) ..... وكل متحرك لابد مصوِّت ، ولكننا نحن لا نسمع إلا قطاعاً خاصاً ، وصغيراً جداً ، من أصوات هذه العناصر المتحركة ... إن ما نسمعه منها بالنسبة إلى ما لا نسمعه ، كالنقطة من المحيط بل هي أصغر .. ولقد قيدنا بعض الأصوات التي نسمعها فيما سمي بالحروف الرقمية وهي ، عندنا في اللغة العربية ، ثمانية وعشرون حرفاً ، هي الحروف الأبجدية المعروفة ، هذا إذا لم نعد لام الألف والهمزة المقطوعة .. وهناك كثير من الأصوات التي نسمعها لا تخضع في ضبطها للحروف الرقمية .. وجاء تسجيل الموسيقى للأصوات بصورة أوفى من تسجيل الحروف الرقمية .. وهو ذو سلم سباعي هدفه دقة التنغيم في الإنتقال بين مستويين من مستويات الصوت ، وكأنه ، في ذلك ، حكاية لأطوار الخلق السبعة التي سبقت الإشارة إليها ، في أمرالصفات ، والحواس ، والنفوس ، والسموات ، والأرضين ، والأيام ...... وغرض الموسيقى من اللحن المنغم ، المتسق ، المهذب الحواشي ، أن توجد في داخل النفس البشرية نوعاً من التنغيم ، والإتساق ، والتهذيب ، يحل محل التشويش ، والنشاز ، الذي يعتمل فيها ...... هذا هو السر في الراحة التي تجدها النفس عند الإستماع إلى قطعة من الموسيقى الراقية ، ومع ذلك فإن الموسيقى في جميع مستوياتها ، قاصرة عن تأدية هذا الغرض ، إلا لفئة قليلة جداً من الناس ... وهي حين تؤديه إنما تؤديه في حد ضيق جداً ، وذلك يرجع لسببين رئيسيين ، أولهما : ضيق نطاق الأصوات الذي تعمل فيه الموسيقى ، إذا ما قورن بالأصوات من الحركات التي هي موروث النفس البشرية في منازلها المختلفة التي أوردنا إليها الإشارة آنفاً .. وثانيهما : هو أن الموسيقى لا تملك منهاجاً يقوم بترويض النفس البشرية ، وتدريجها ، حتى تستطيع أن ترتفق بالموسيقى الراقية فتحقق بسماعها قدراً من التنغيم الداخلي والمواءمة .


    يتبع
                  

العنوان الكاتب Date
أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم02-22-12, 08:54 PM
  Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! عبدالله عثمان02-23-12, 01:47 AM
    Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! عبدالله عثمان02-23-12, 01:52 AM
      Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم02-23-12, 04:33 PM
    Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم02-23-12, 04:17 PM
      Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! عبدالله عثمان02-23-12, 04:29 PM
        Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم02-24-12, 06:05 PM
  Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! Elmosley02-23-12, 12:59 PM
    Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم02-23-12, 04:52 PM
      Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم02-23-12, 05:22 PM
        Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم02-24-12, 03:17 PM
          Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم02-25-12, 01:06 PM
  Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! Elmosley02-25-12, 04:04 PM
    Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم02-26-12, 04:22 PM
      Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! هيثم طه02-26-12, 08:48 PM
        Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم02-26-12, 10:48 PM
        Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم02-27-12, 08:39 PM
      Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم02-26-12, 09:11 PM
        Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم02-28-12, 08:13 PM
          Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! Elmosley02-28-12, 10:24 PM
            Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم02-29-12, 04:46 PM
              Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم03-02-12, 02:59 PM
                Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم03-04-12, 09:48 PM
                  Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم03-17-12, 08:12 PM
                    Re: أعظم وأرقى وأصدق ما كُتب عن الموسيقى والفنون في التاريخ ! مامون أحمد إبراهيم03-17-12, 10:39 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de