دموع وفاء موريتانية .. على روح " الطيب صالح " ..

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 03:08 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الراحل المقيم الطيب صالح
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-28-2009, 08:20 PM

خضر عطا المنان
<aخضر عطا المنان
تاريخ التسجيل: 06-14-2004
مجموع المشاركات: 5191

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دموع وفاء موريتانية .. على روح " الطيب صالح " .. (Re: خضر عطا المنان)

    أحبتي الكرام أجمعين :

    وهكذا يكون الوفاء لمن هم أهل للوفاء في زمان غاب فيه الوفاء أو يكاد !!..

    هاهي ( الدموع الموريتانية ) تتواصل لتسقى أرضا كم رويت من دموع الأوفياء على روح هذا الـ ( طيب )
    الـ ( صالح ) .. وهي دموع تكشف عن عمق ما يكنه أهل هذه الصحراء الطيبة من محبة .

    فهاهو الكاتب الدبلوماسي الموريتاني المخضرم ( محمد محمود ودادي ) يكتب عن راحلنا العزيز تحت عنوان :
    ( وداعاً عبقري الرواية العربية .. ذكرياتي مع الطيب صالح وعبدالله بن أربيه).. وهو مقال بعث به الي صحيفة
    (القطرية) وتم نشره يوم الخميس المصادف 26/2/2009م .. وفيه يقول :



    Quote: ترك الطيب بصماته على الأدب العربي وغاص في أعماق وتراث الحياة السودانية
    رواياته جعلت الغرب يكتشف جوهر الإنسان الافريقي المسلم ويعيد رؤيته للاستشراق
    بن أربيه أعادني لدراسة الشعر العربي وتذوقه وجعلنا نتعلق بتراثنا وأدبنا

    وُوري الثرى في أم درمان يوم 19 فبراير 2009، جثمان الروائي السوداني الكبير الطيب صالح عن عمر يناهز الثمانين، إثر فشل كلوي أصيب به في السنوات الأخيرة، وهي مصيبة عظمى لذويه ولأصدقائه الكثيرين والمعجبين به عبر العالم، وخاصة في موريتانيا التي أحبه أهلها وأحبهم، رحمه الله وأدخله فسيح جنانه، إنالله وإنا إليه راجعون .
    وتأتي هذه الفاجعة ونحن على أعتاب الذكرى الحادية والعشرين لوفاة صديقي وصديق الطيب صالح، عبد الله بن أربيه الذي توفي في المهجر بالدوحة في 19 مارس 1988م.

    ترك الطيب صالح بصماته على الأدب الروائي العربي، الذي بعث فيه الروح من خلال مجموعته موسم الهجرة إلى الشمال و عرس الزين و مريود و دومة ود حامد و ضو البيت و بندر شاه وعشرات المقالات والمحاضرات، التي نشرت بلغات كثيرة، خاصة العربية والإنجليزية، التي كان يتميز بالتعمق فيها عن غالبية نظرائه العرب. وقد سماه العديد من النقاد عبقري الرواية العربية .
    نعم، إن الطيب صالح ابتكر نهجا أعطاه ميزة عن غيره، هي الغوص في أعماق الحياة السودانية، بما تحمل من تراث غني متشعب المصادر، بأسلوب جريء وصادق، معبرا بطريقته المباشرة الراقية عن جوهر الإنسان بطيبه وخبثه، وبساطته وتعقيده، وغضبه ورضاه، مما جعل العالم، خاصة في الغرب، يكتشف جوهر الإنسان العربي الإفريقي المسلم، ويجعل العديدين منهم يعيدون النظر في خلاصات الاستشراق التي بنوا عليها نظرتهم وتعاملهم مع الجنوب وأهله.
    يشترك الطيب صالح مع أبطال رواياته، في الكثير من الصفات، فهو خليط بين المثقف الخلوي (المحظري عندنا) الذي تربى في سودانه على أدب المريدين وزهد المتصوفين، وبساطة القرويين، وكد الفلاحين، وبين طموح المثقف المتضلع في فنون الأدب والرواية والمسرح، الغارق في هموم الإنسان والوطن، المنافح عن عالمه المظلوم، في فلسطين وجنوب إفريقيا، جنديٌ في الصراع بين الشمال المهيمن، والجنوب المناضل، مخلدا ذلك في موسم الهجرة إلى الشمال وفي مقالاته ومحاضراته. والكاتب في كل هذا معتدل دوما في طرحه كما في مزاجه، يفر من المغالاة والتطرف، متمسكا حتى النخاع، بلغته العربية وثوابته الحضارية، وقيمه الإنسانية.
    إن عبقرية الطيب صالح تكمن في أنه يكتب كما يعيش، لا يتصنع، لا يقلّد، ولا تجذبه المغريات إلى الخروج عن النسق الذهني والمنهج الذي اختاره، فقد دون ما يرضيه، قائلا: إن ما يهم، أن نحتفظ بميزاتنا التي تميزنا عن باقي الأمم، فإذا استعرنا صفات الآخرين نصبح مسوخا .
    بذلك ابتكر الطيب صالح منهجا للروائيين، قبل غابريل ماركيز وروائيي أمريكا اللاتينية، ومثّل بجدارة إفريقيا بجناحيها الشمالي والجنوبي في عالم الأدب، مما جعل منه أجدر مرشح لجائزة نوبل للآداب، حتى ولو قال إنها لا تشغل باله .
    لقد أدخلت أعمال الطيب صالح ثورة حقيقية على الرواية العربية، لأنها لم تجترَّ ما سبقها من تراث روائي، سواء في المضمون، أو الشكل، فجاءت بأحجامها الصغيرة وشخوصها الأصيلة وهمومها المحلية، بعيدا عن المسوح التي أبعدتنا عن ذاتنا وواقعنا، و غربتنا عن أوطاننا ، عملا فريدا في عصرنا المائع.

    بعد قراءتي لـموسم الهجرة إلى الشمال و عرس الزين شعرت وكأني قرأت في سفر حياتي في الحي البدوي الذي عشت فيه، وفي قرية وادي الرشيد، بشخوصها وهمومها وتفاصيل العلاقات اليومية بين البشر والأشياء، وصراعهم الدؤوب. وعندما أبديت له يوما استغرابي لجرأته في طرق موضوع العلاقات بين الرجل والمرأة، المسكوت دوما عنها، رد ضاحكا إننا في هذه أكثر ارتباطا منكم بعادات وسلوكيات إخوتنا في جنوب القارة، لكننا نسجل لكم السبق بـ لاءيْ عقد الزواج: لا سابقة ولا لاحقة، التي تضع المرأة الموريتانية في أفضل مكانة. وكان الزين بالذات في رواية عرس الزين تجسيدا لشخصية عشت معها في القرية، جعلتني كلما حننت إلى صبوتي، أعيد قراءة هذه الرائعة.
    وفي أحد تعليقاته على رأي بعض النقاد، الذي عاب عليه طريقة مقاربته العنيفة للصراع مع أوروبا، لم يخش الطيب صالح أن يصف كتاب الضفة الجنوبية الشرقية للبحر المتوسط بأنهم أوربيون من منطقة قريبة من اليونان، أما نحن (أهل الجنوب) فواضحون وحريصون ومختلفون . مضيفا إنني كتبت بهذا الإحساس (عنف الصراع مع الغرب) لأنني عشت في لندن سنوات أطول، وتعمقت في حياتهم أكثر من هؤلاء الأساتذة .
    وذكّرني هذا التعليق بما حدثني به زميل كان لنا في الجامعة العربية من السودان، عن ردة فعل مماثلة لخيي بابا شياخ، أيام تدريبهما في هيئة الإذاعة البريطانية، سنة 1963، حيث قال لبعض زملائهما من عرب الضفة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط: سبحان الله! أنتم تتصورون أنكم أرفع شأنا منا لسمرة بشرتنا، بينما نحن أحفاد رجال لبوا نداء الجهاد، فانطلقوا إلى أصقاع الدنيا، ونشروا الرسالة المحمدية، واختلطوا بشعوب الأرض في مشارقها ومغاربها، حتى صارت ألواننا كما ترون، بينما ورثتم أنتم بياض البشرة وزرقة العيون من آبائكم الصليبيين الذين احتلوا أرضكم، بعدما تقاعس أجدادكم عن الجهاد، وبقوا مع القاعدين!.
    وخلال لقاءاتي المتعددة به، كنت اشعر بأنه ـ وهو في هدوئه وحركاته ونظراته ـ يناجي نفسه، ويتأمل حتى في البديهيات، يستمع إليك بأدب واحترام رغم شرود نظراته، يخاطبك بصوت جهوري وبلغة تغلب عليها نبرة أهل السودان الشجية؛ يلبس بتقشف ولكن بأناقة، سواء في زي الفرنجه أو في الثوب والعمامة والنعل المرقط، وهذا ما جعل محمد بن عيسى سيد أصيلة ومهرجانها السنوي، يصف الطيب صالح بـولي الصالح حتى بدون عمامته ويقول إنه كلٌّ كامل، لا ينافق ولا يحابي، لا يحاسب ولا يلوم .
    أما اللقاء الأخير بالطيب صالح وعبد الله بن أربيه فقد كان ذلك في باريس، خريف سنة 1988، بمناسبة اجتماع المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ومجلسها التنفيذي الذي كنت عضوا فيه، بينما كان الطيب صالح في زيارة للمنظمة التي يعمل رئيسا لمكتبها اٌلإقليمي لدى دول الخليج العربية، مع الإقامة في الدوحة، وكنا نزور دائما عبد الله بن أربيه في مستشفاه خارج باريس، ثم في فندق بالدي بالحي الخامس عشر بباريس، حيث كان يتابع العلاج من المرض الذي ألم به، ولم يمهله طويلا، ؛ وما أن تقابلنا ثلاثتنا في اليوم الأول للقاء، حتى احتضننا بحرارته، وروح دعابته المعروفة قائلا مرحبا بالسوداني الذي اختار الهجرة إلى الشمال حتى استوطن لندن عاصمة الضباب، وهجر الدفء والصحراء، ومرحبا بـ الموريتاني الذي أبدل هدوء الرشيد بضوضاء باريس
    تلك كانت بداية حديث لا ينسى، كان محوره اليوم الأول مدونة الشعر العربي، التي كان عبد الله راوية لها، بينما كان الطيب صالح يستمع وكأن الطير فوق رأسه، إلا إذا قاطعه مستوضحا عن معنى لم يستسغه.
    ثم استرسلنا في حديث عن عادات موريتانيا والسودان والتشابه بينهما، واتخذنا من بعض روايات الطيب صالح منطلقا لذلك التماهي، فخرجنا بأنّ ما بين الشعبين من تشابه في العادات والتقاليد، ونمط الحياة الاجتماعية، واللباس، خاصة النسائي منه، والارتباط بالقارة السمراء والتمازج مع شعوبها وثقافتهم وفنهم الموسيقى، الذي نشترك معهم في أدواته ونبراته وسُلّمه الخماسي ـ أن كل هذا لا يشفي الغليل. وأننا لن نفاجأ بأن يثبت أحدهم يوما ما قيام هجرات في الزمن الغابر من الجزيرة العربية إلى السودان ثم موريتانيا، والعكس.
    ثم ودعنا عبد الله، لنقضي وقتا طويلا في أحد المطاعم، متحدثين هذه المرة عن هموم السودان وموريتانيا، حيث كان الطيب صالح منزعجا مما وصلت إليه الأوضاع في بلاده، بعد أن تعطلت مشاريع التنمية (وأهمها قناة جونغلى) وسيطر الجيش الشعبي لتحرير السودان على مناطق واسعة من البلاد، حيث قال يجب أن تنتهي هذه الحرب قبل أن يفقد السودان أعز ما لديه، وهو استقلاله وهويته، حتى ولو كان ذلك بالانفصال .
    كما تطرقنا إلى هموم الأمة العربية والإسلامية، فكان متشائما من المستقبل الذي ينتظرنا، ونحن نعيش تلك الأيام إرهاصات بدايات تفكك الكتلة الشرقية وسقوط الاتحاد السوفيتي، وخلصنا إلى أن الجهل والاستبداد هما مصدر كل الشرور.
    في شهر أكتوبر سنة 1975، قام الطيب صالح الذي كان يشغل منصب مدير وزارة الإعلام القطرية، بزيارة موريتانيا، ملبيا دعوة كنت قد سلمتها له باسم الحكومة، عندما كنت أتولى الإدارة العامة للإذاعة الوطنية، حيث قابلته في ربيع تلك السنة في الدوحة، بمناسبة انعقاد الجمعية العامة لاتحاد الإذاعات العربية، إلى جانب حملي رسالة من وزير الثقافة والإعلام أحمد بن سيدي بابا، إلى نظيره القطري، تتعلق بإقامة علاقات تعاون بين الوزارتين، وتعبر عن رغبة موريتانيا في الدفع بعجلة نمو قطاعها الثقافي، الذي ظل بعيدا عن دائرة الاهتمام منذ الاستقلال.
    وقد اصطحب الطيب صالح معه في هذه الزيارة، بعض التمويل، خُصص جله للمعهد الموريتاني للبحث العلمي الذي كان في طور الإنشاء، وبفضله انطلقت حملة شهيرة لجمع المخطوطات وغيرها من مواد تراثية، تكللت بنجاح مشهود، ثم قُدم الباقي لدعم مؤسستي وكالة الأنباء والشعب، الناشئتين.
    وقد استقبل رئيس الجمهورية المختار بن داداه، الطيب صالح كما استقبله عدد من الوزراء والوجوه البارزة الأخرى في الدولة والمجتمع، كما أقيمت له عدة حفلات، ثم زار روصو والمذرذرة ونواذيبو وشينقيط وأطار، صحبة وفد يضم أمين عام وزارة الثقافة والإعلام، ابنو بن ابنو عبدم، ومدير عام الإذاعة، ورئيس قسم الأدب الشعبي محمدن بن سيد إبراهيم.
    ورغم أن الطيب صالح كان عارفا بمآثر الشناقطة الذين استوطن العديد منهم السودان، ومن أشهرهم محمد صالح الشنقيطي، رئيس أول مجلس تأسيسي للسودان عند استقلاله ـ فقد انبهر بمعارف الموريتانيين، الذين قابلهم في تجواله، ومنهم خيي بابا شياخ، إبان تدريبه في لندن سنة 1963، عندما كان هو رئيس قسم الدراما في البي بي سي، كما تعلق أيما تعلق بالفن الغنائي والموسيقي الموريتاني.
    ومن ذكرياتي عنه خلال تلك الرحلة، هدوؤه وتأمله الذي لا ينقطع، وتواضعه وصدقه؛ فعندما قدمته لرئيس الجمهورية خلال استقباله له، على أنه أديب وشاعر، لم يتردد في القول عفوا لست بشاعر .
    ولم يبد أي تذمر من الرحلة البرية الشاقة عبر الطريق غير المعبدة بين نواكشوط وروصو ثم المذرذرة، بل اغتبطها لأنها ـ كما قال ـ مكنته من اكتشاف مخزون من الثقافة الدينية والعربية لم يكن يتوقعه، بعد أن التقى بالكثيرين من حملته، خاصة في ليلة المبيت عند حاكم المذرذرة إسلمو بن الغوث رحمه الله، وحضور المغفور له الفنان الموهوب محمد بن اعلي وركان.
    وقد مرت الرحلة كلها بسلام، سواء في روصو حيث استقبلنا محمد غالي بن البو والي الترارزة، أو نواذيبو التي استقبلنا فيها المغفور له واليها حمّاده بن الزين، ثم شنقيط وأطار؛ وكان الحادث الوحيد الذي أقلق الجميع هو عندما انحرفت طائرتنا عن مهبط شنقيط. إذ تسببت الغيوم المفاجئة وحرارة الطقس، في انحسار الرؤية، فضيعنا الوادي ونخيله، محلقين فوق رمال متراصة التلال كأنها أمواج بحر، عرفتُ أنها مفازة لمقالك الشهيرة؛ محاولين كتمان الخوف الذي لم يعد قاصرا على أحد الزملاء الذي كان غاضبا من تماديَ في التصوير وأنا جنب الطيار، حتى لا أسجل تلك اللحظة الاستثنائية؛ لكن العجوز الماهر ل كلودك الذي تجاوز السبعين من عمر، قضى معظمه في موريتانيا، كان غير مرتبك ولا قلق. وبعد دورات عديدة، شرع في النزول فوق قاع يخلو من أي علامة، سوى سيارات لاندروفر التي كانت تنتظر الوفد.
    وفي شنقيط، زرنا مكتبة أهل حبت الشهيرة، وتحدثنا مع عدد من أبناء المدينة أشفوا غليلنا من تاريخها وماضيها الزاهر، مؤكدين تشبثهم بما بقي منها مهما كلفهم ذلك.
    وخلال هذه الرحلة التي دامت ثلاثة أيام، كان الطيب صالح يطلب أحيانا الاستماع إلى بعض الأغاني التي صحبناها مسجلة على أشرطة جهاز نقره مصغيا بكل جوارحه، متسائلا أحيانا عن نوع البحر وشرح بعض الكلمات، منبهرا بصورة خاصة بقصائد البرعي التي كان سيداتي يغنيها.
    ومن الصدف، أن أول أغنية سجلت لديمي بنت آبه سنة 1975، كانت خلال حفلة أقامتها الإذاعة على شرفه، حيث دُعي الشريط باند الطيب صالح فكان المعجبون يطلبونه بهذا الاسم.
    وكان أثناء الليالي السبع التي قضاها بين ظهرانينا، لا يكل من طلب المزيد من الحديث عن مناقب العلماء ومشائخ المحاظر وتاريخ موريتانيا وعلاقاتها ببقية العالم، خاصة الإفريقي، مستغربا سعة حفظ جلسائه، قائلا سبحان الله، لماذا، لا تكون موريتانيا هي أول مكان انطلق منه العرب؟
    وقد كتب الطيب صالح بحميمية عن هذه الرحلة عدة مرات، مشيدا برفاقه فيها، مرددا دوما، .. موريتانيا هي أحد المعاقل التي يعوّل عليها في الحفاظ على اللغة العربية .

    أما عبد الله بن أربيه فقد ربطتني به علاقات حميمة، رغم أننا لم نكن نلتقي إلا في مناسبات محدودة في نواكشوط أو في الداخل، لكنني كنت كلما قابلته، يغمرني بحرارة ترحابه، الذي يُزيل أي حرج، مع بشاشته الفطرية وكرم ضيافته، وفوق ذلك ما يشهد به كل من عرفه، كأحد الفتيان الفوارس، الذين لا يشق لهم غبار في فنون الشعر الفصيح والعامي، وثقافة البيظان والكور2 وأيام العرب والمسلمين.
    هذا إلى جانب سمعة طارت في الآفاق، وعزة نفس، تجعله لا يبيت على ضيم، عصي على مغريات الشباب الذي تمتع فيه بأزهى لحظاته، ناهلا من شتى أنواع العلوم المحظرية، قبل أن يزاول التعليم باللغة الفرنسية، ويلتحق بمراكز تدريب في أوروبا، ليكون من أوائل دبلوماسيي الدولة الحديثة، حيث مثل موريتانيا بجدارة في أوربا، ثم القاهرة، كثاني سفير فيها مع الاعتماد في سوريا، وفي مجالات عدة من الإدارة وخاصة الإقليمية.
    وكم سمعت عنه من مواقف نبيلة مع الضعفاء والمحرومين، وتفان في العمل دون مماطلة أو تعسف. وقد تولى بعد ذلك إدارة المراسيم في رئاسة الدولة، وأبلى فيها البلاء الحسن إبان فترة رئاسة العقيد محمد خونا بن هيدالة، الذي كان ينفر من ترتيبات المراسيم.
    وقد التحق بعد ذلك باليونسكو عن طريق مديرها العام آنذاك أمدو مختار أمبو الذي كان يعرفه ويقدر كفاءته ومواهبه فانتُدب للعمل في مكتبها الإقليمي بالدوحة، الذي كان الطيب صالح يديره. وهنا بدأت رحلة صداقة لم يقطعها إلا رحيل عبد الله. لكن الطيب صالح ظل يذكرها في كل مناسبة، وخاصة في أعمدته الثابتة في المجلات المهاجرة، وفي الأحاديث العامة والخاصة، ويذكر معها مواهب عبد الله وموسوعيته. فقد كتب يوما في مجلة المجلة لقد أعادني عبد الله إلى التتلمذ، في الشعر العربي وتذوقه، فاكتشفت عن طريقه مقاصده وأسراره، وأرشدني إلى شعراء لم تكن لهم مكانة لدي، خاصة غيلان ذا الرمة، الذي ربطني به إلى اليوم .
    وقد يكون تعلق الصديقين بهذا الشاعر رقة شعره وتعلقه بالبادية، وعفاف لسانه، حيث قيل إنه لا يُحسن المدح ولا الهجاء.
    وأذكر أن عبد الله كان يردد كلما تذكر مواطن صبوته في أمشتيل و آوكار و أكان ، الشبيهة بأرض ذي الرمة في الدهماء وتلال حزوى:
    مطلع رائعة الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيديه النونية:
    أدمعا تُُبقيان بغرب عين
    وقد عاينتما دار الكنين
    أليس من الوفاء لقاطنيها
    إزالة ما يُصان بكل عـين
    بلى، إن البكاء على المغاني
    بمنهاج الصبابة فرض عيني
    وإن لم يبق منها غير رسم
    كوشم في نواشر مـعصمين
    فإن لها يدا دينا عليـــنا
    وحـتم أن يـؤدى كل دين
    ويشفعها بأبيات ذي الرمة عن موطنه بالدهماء وتلال حزوى:
    ألا ليت شعري هـل أبـيتـن لـيلة
    بجُمهور حزوى حيث ربتني أهلـي
    وصَوت شمال زَعزعت بعد هجـعة
    ألاءً وأسباطاً وأرطى من الحـبـل
    أحب إلـينـا مـن صـياح دجـاجة
    وديك وصوت الريح في سَعف النخل
    ومما ينسب إلى ذي الرمة أو أحد إخوته أبيات، قد تليق بهذا المقام:
    نعى الركبُ أوفى حين آبت ركابهم
    لعمري لقد جاؤوا بشرٍّ فأوجعوا
    نعوا باسقَ الأخلاق لا يُخلفونه
    تكاد الجبال الصم منه تصدّع
    خوى المسجد المعمور بعد ابن دلهم
    فأضحى بأوفى قومُه قد تضعضعوا
    تعزيتُ عن أوفى بغيلان بعده
    ولكن ٌنكاءُ القرح بالقَرح أوجع
                  

العنوان الكاتب Date
دموع وفاء موريتانية .. على روح " الطيب صالح " .. خضر عطا المنان02-21-09, 05:56 PM
  Re: دموع وفاء موريتانية .. على روح " الطيب صالح " .. علاء الدين يوسف علي محمد02-21-09, 06:14 PM
    Re: دموع وفاء موريتانية .. على روح " الطيب صالح " .. خضر عطا المنان02-21-09, 06:42 PM
    Re: دموع وفاء موريتانية .. على روح " الطيب صالح " .. خضر عطا المنان02-21-09, 07:32 PM
  Re: دموع وفاء موريتانية .. على روح " الطيب صالح " .. حسين نوباتيا02-21-09, 06:42 PM
  Re: دموع وفاء موريتانية .. على روح " الطيب صالح " .. حسين نوباتيا02-21-09, 06:56 PM
    Re: دموع وفاء موريتانية .. على روح " الطيب صالح " .. خضر عطا المنان02-21-09, 07:36 PM
      Re: دموع وفاء موريتانية .. على روح " الطيب صالح " .. خضر عطا المنان02-21-09, 08:02 PM
        Re: دموع وفاء موريتانية .. على روح " الطيب صالح " .. خضر عطا المنان02-28-09, 08:20 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de