بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة..

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 10:32 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة الراحل المقيم الطيب صالح
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-14-2009, 01:40 PM

مدثر محمد عمر
<aمدثر محمد عمر
تاريخ التسجيل: 03-11-2008
مجموع المشاركات: 1434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. (Re: مدثر محمد عمر)

    عندما يستبدل الماضي بحاضر بشع
    الطيب صالح
    14/06/2008


    بلى، المدن مثل البشر، لها ظاهر وباطن، تُخفي عنك وجهاً وتلقاك بوجه. إلاّ أن هذه المدينة، كأنها بلا أسرار، وكأنّ ظاهرها هو باطنها .
    السائق الذي استقبلني في المطار، إذ إن الهوتيلات في “ بانكوك “ ترسل لك سيارة تستقبلك في المطار، لم يمهلني طويلاً. لم تكد السيارة تتحرك، حتى التفت إليّ وعلى وجهه ابتسامة بريئة، نعم بريئة براءة حقيقية، وسألني :
    “ ما هي رغبات سعادتك ؟ ما هو الصنف الذي تفضله ؟ قل لي بصراحة. كل شيء متوافر “.
    كانت إجراءات المطار قد تمت بسهولة، فالسياحة عندهم مصدررئيسي من مصادر الدخل، والكتب السياحية تقول لك إن في مدينة “ بانكوك “ ما يرضي كل “ الأذواق “ حتى الفيزا، تحصل عليها دون مشقة في المطار.
    لم أضع وقتاً في سؤاله عن قصده، فقد فهمت قصده. قلت له :
    أنا متعب الآن. بعد أن أستحم سوف أخبرك بـ “ رغباتي “. كان الفصل صيفاً، وهذا مناخ استوائي. والمكان كأنه .. كأنه .. بماذا يذكرني هذا المكان والطائرة، هذه الركوبة المجنونة، تنقلك في لمح البصر من مناخ إلى مناخ، ولا تترك فرصة لخيالك كي يلحق بك.
    نثرت أشيائي في الغرفة فصارت أقل وحشية، غرفة غريبة في بلد غريب، في أفق بعيد.
    نظرت من النافذة إلى النهر، الذي أصبح منذ الغد “ نهر الملوك “. إنه الآن قبيل الغروب نهر عادي، وهذا يكفيني. تستطيع أن تتخيل لوهلة أنك في القاهرة أو الخرطوم. الناس على الجسور، والسيارات تروح وتجيء، وهذا النهر كسائر الأنهار، يعطي المدينة وزنها وطابعها، ويحدد أبعادها، فكأنه مغناطيس يجذب إليه الحياة على الضفتين.
    لأنني نشأت على ضفة نهر، فأنني أعتاد أسرع على المدن التي تقوم على ضفاف أنهار. أول ما قدمت مدينة الدوحة، قضيت زمناً وأنا أحس أن المدينة كأنها بلا مركز ثقل. وكأنها معلقة في الهواء. ثم أدركت أن سبب هذا الإحساس أن المدينة لا تقوم على ضفة نهر، وليس فيها سكك حديدية فلا تسمع ذلك الصوت المثير، صوت قعقعة القطارات أواخر الليل، طبعاً ألفتها بعد ذلك وأحببتها كما هي.
    كنت قد تمهلت وأنا أتعرف على سكني الجديد الذي سوف يؤويني بضع ليالٍ ثم أرحل عنه، وقد لا أعود إليه أبداً. ونسيت أمر السائق الذي أوصلني من المطار. ولم يخطر لي أنه سوف يأخذ مزاجي مأخذ الجد ،لذلك دهشت حين وجدته ينتظر عند باب النزل. أسرع نحوي :
    “ ها ؟ هل ارتحت الآن ؟ “.
    قلت له :
    “ لسَّع. لا أزال متعباً “
    “ غداً إذاً ؟ “.
    “ نعم، غداً “.
    تسكعت قليلاً غير بعيد من الـ “ هوتيل “، إعلانات “ مقاصر التدليك “ وصور النساء، شبه عاريات، تحاصرك من كل جانب. وسط المدينة، مثل كثير من مدن العالم، ليس فيه شيء يميّزه، وهذه البضاعة المعروضة في السوق، تزيد المكان قبحاً على قبح. وقد اتضح لي فيما بعد، أن مصيبة هذه المدينة أنها قطعت الوشائج بين ماضيها وحاضرها. وهي مدينة ليست وليدة اليوم، فقد أنشئت منذ أكثر من مائتي عام. الماضي تجده في المتاحف والمعابد والأبنية القديمة، وهنا هذه الحياة “ الحديثة “ بكل آفاتها منفصلة لا تمت إلى ذلك الماضي بصلة. الأمر ليس سهلاً، ونحن أيضاً. انظر إلى القاهرة المحروسة. في الوسط، تلك العمارات التي تُعد تحفاً في فن المعمار، انظر إلى منظرها الكئيب وهيئتها الرثة، وإلى الخراب الذي حاق بالمدينة على أيدي المقاولين والتجار ،رحم الله حسن فتحي الذي كان يصرخ في البريّة. والخرطوم أتعس حالاً. تلك المدينة التي تقوم في موقع من أجمل مواقع المدن في العالم، أي بشاعة حاقت بها من سوء التخطيط وقلة الذوق ! هل نحن حقاً فقراء إلى هذا الحد ؟
    وقفت سيارة أمريكية فارهة، فيها امرأتان. التي تجلس وراء عجلة القيادة كأنها خليط من دم صيني ودم أمريكي. أنثى لا مراء في ذلك، ولكن شعرها قصير جداً “ ألا جارسون“ كأنها غلام .
    قالت : “ هل تحب أن تمضي وقتاً طيباً ؟ “.
    يا له من سؤال ! ومن ذا الذي لا يحب أن يقضي وقتاً طيباً في هذه الحياة الدنيا ؟ ولكن ما أبعد هذا الذي يدعونني إليه من ا لوقت الطيب! أليس كذلك يا أخا كِندة؟ ما لك أخلدت إلى الصمت ؟ ألم تقل شعراً يصلح لهذا المقام؟
    لا عليك، فأنا أعلم أنك تسمو عن هذا، وتربأ بنفسك عن مثل هذه القاذورات ولا تثريب عليك أنك جريت وراء خيالك أبعد قليلاً مما يجوز، حين قلت :
    عُد وأعدها فحبذا تـــلـــف
    ألصق صدري بـ ( .. ) الناهد.
    قلت للمرأة مازحاً :
    “ هل أنت بنت أم ولد ؟ “
    لم أتوقع ما حدث، وانتابني ما هو أكثر من الدهشة، إذ إن المرأة كشفت فجأة بحركة غاضبة عن صدر عار، صدر أنثى لا مراء في ذلك وأغلقت باب السيارة، وانطلقت لا تلوي على شيء.
    أضحكني ذلك، ولا أدري ماذا كان يجب عليّ أن أفعل، فأنا بعدُ كاتب، وهذه التجارب على غرابتها حصادُ يُجمع ويُخزن إلى حين.
    وجدت السائق عند باب الهوتيل، ضحك كأنه كان شاهداً على ما حدث، ضحك ضحكة بريئة بحق. البراءة ليست فضيلة في حد ذاتها، ولا بدّ لها من عزيمة تحميها. قال :
    “ غداً إذاً ؟ “.
    قلت له :
    “ نعم. غداً “.
    في اليوم الثالث قال لي السائق، ليس بغضب، ولكن كمن يعتب عليّ أنني أضيع على نفسي فرصة ثمينة :
    “ ما هي حكايتك ؟ أنت دائماً تعبان .. تعبان ؟ لك ثلاثة أيام. ألن تستجم بعد؟ “ قلت له ضاحكاً :
    “ تريد الصراحة ؟ ليس لي رغبة فيما تعرضه عليّ. ولكن تعال أستضيفك على شراب “.
    جلسنا في مقهى النُزل، وكنت قد أشفقت عليه، وأحسست ببعض الذنب أنني ضللته. مسكين. لابد أن له زوجة وأطفالاً، ويعول والديه المسنين. واضح من وجهه الوديع أنه بار بأبويه، رؤوف بأبنائه. ليس من “ بانكوك “ على الأرجح، فأغلب سكان المدن في عالم الفقراء، العالم الماذا ؟ الثالث ؟ نزحوا إليها من الريف. كأنه من “ كوستي“ أو “ المُجلد “ أو .. “ جوبا “ .. نعم، هذا هو. هذه المدينة الاستوائية تذكرني بـ “ جوبا “ وهؤلاء الناس يذكرونني بأهل جنوب السودان، دعْك من اختلاف الألوان. هل كان عندهم في سالف العصر والأوان فردوس ثم أضاعوه ؟ إذاً لماذا لا يبكون عليه كما نبكي نحن على فراديسنا الضائعة؟
    رأوا الشوارع والزحام والعمارات الزجاجية والمحلات التجارية المنسقة بأصناف السلع المستوردة. خالوا السراب ماء. صدّقوا الوعود وظنوا أن ذلك الجحيم هو الفردوس الموعود .. تركوا زراعاتهم وصناعاتهم وجاءوا يسعون وراء الحلم المستحيل.
                  

العنوان الكاتب Date
بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. مدثر محمد عمر03-07-09, 04:41 PM
  Re: بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. مدثر محمد عمر03-07-09, 04:43 PM
  Re: بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. مدثر محمد عمر03-07-09, 04:44 PM
    Re: بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. مدثر محمد عمر03-07-09, 05:35 PM
      Re: بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. مدثر محمد عمر03-07-09, 05:38 PM
        Re: بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. مدثر محمد عمر03-07-09, 05:41 PM
  Re: بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. مدثر محمد عمر03-07-09, 04:45 PM
    Re: بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. مدثر محمد عمر03-07-09, 05:25 PM
    Re: بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. مدثر محمد عمر03-07-09, 05:26 PM
      Re: بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. مدثر محمد عمر03-07-09, 05:31 PM
        Re: بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. Seif Elyazal Burae03-07-09, 06:06 PM
          Re: بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. Seif Elyazal Burae03-07-09, 06:52 PM
          Re: بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. مدثر محمد عمر03-07-09, 07:26 PM
            Re: بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. مدثر محمد عمر03-14-09, 01:40 PM
              Re: بعض من مقالات الطيب صالح الجميلة.. مدثر محمد عمر03-14-09, 09:57 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de