|
Re: قـراءة في قـصة ( ######ة فاطمة ) للقاص عبد الغني كرم الله ... (Re: عروة علي موسى)
|
القراءة ... تمثل قصة ك ل ب ة فاطمة لعبد الغني كرم الله دعوة من القاص الراوي للتعرف على مقدرته السردية التي أكتسبها منذ الصغر من خلال ما يلحظ ( فقد رويت الحادثة 375 مرة ، وهي عدد الطلاب والمدرسين) ، فيمعن في ما لا نلقي له بالاً كما في تحسره على رحلة ( البعرة ) عبر أمعاء الحمار حتى تستقر بالأرض كما أشار في آخر قصته حيث جعل اهتمامه بها موازياً لاهتمام ذوات الخدور حينما ينظرن للذهب المعروض بلهفة ، ولا يخفي القاص سخريته هنا في هذا المشهد عندما يصف لنا مكونات تلك البعرة فهي مجرد فيض من ذات الحمار لافتاً انتباهنا إلى أن الحمار ـ في هذا الذي تزدريه ـ لا يكلفك شيئاً بل يكون مطبقاً لمبدأ عجز الإنسان عنه ألا هو ( الاكتفاء الذاتي ) فترانا نمد اليد للغير متسولين ونحن يشق ديارنا نيلٌ أعطاه القاص قدسيته في حديث له سابق عندما كان يرسمه على ضوء فانوس، وهو منحني على الأرض ، فعندما رآه خاله دفع الله ، في عتمة الليل ، وهو يرسم خريطة نهر النيل قال : الجنا دا راكع ليهو ساعتين في شنو؟! بدأتُ قراءة القصة من نهايتها للتأكيد على أن القاص / الراوي قدّم نفسه من خلال هذا السرد كقاص متمكن اختزلت ذاكرته تفاصيل السوق وخارطته وحركته وشخوصه وتعابير وجوههم ، وذكريات المدرسة . عبد الغني كرم الله قاص من نوع فريد يغرقك في بحر من التفاصيل الدقيقة ، وله مقدرة على التحليق بك عالياً والعودة بك إلى سكونك سالماً غانماً من فيض عذوبة سرده وذاكرته المتقدة ، ومقدرته على الوصف وصفاً يجعلك تفرق ما بين كل ما يصف والآخر دون أن تحس بتقارب أو ملل لتشابه الأوصاف للشخوص والمكان وحتى الزمان ، وك ل ب ة فاطمة وحال الناس المعدمين فتراه يقول : ( ك ل ب ة جائعة منسية ، ليس في السوق قطعة عظم، لا كوش ول افضلات، إناس فقراء، موخراتهم مقفولة منذ عام، فما يدخل الفم لا يكفي حاجة الجسم من الطاقة والصبر ومكابدة الحياة ) . ( ك ل ب ة فاطمة ) ليست مجرد ك ل ب ة عادية كالكلاب التي نعرف لأن ما قامت به من دور محوري أعطانا دلالة رمزية للتفريق ما بين المظهر الخارجي للإنسان وممارسة السلوك الإنساني الذي يجب أن يكون متسقاً مع سمتك الذي عرفك به الناس ، وليس أشنع من أن يقال لفلان ك ل بًاً أو ابنه !! فرمزية ال ك ل ب دائما يكون الغرض منها التركيز على موضوع بعينه لإشباعه نقداً لأنها أداة صراعية لتحقيق غاية النفس البشرية وطموحها اللامحدود والكامن في الدواخل . وحضرة الناظر مثال لهؤلاء ، فهم في مجتمعنا كُثر : ساسة وأناس عاديون ، ولكنهم لا ينطبق داخلهم ( المنفلت ) مع خارجهم الذي ربما اغراك أو أرهبك .. فالقصة في مجملها وبعدها اللامريء تفصح عن مواقف استبطانية لوعي سياسي واجتماعي وثقافي لا بد من حدوثه وإلا اختل نظام المجمتع وأصبحت ( ك ل ب ة فاطمة ) هي المنقذ ، والكاشفة لعورة السوء المغطى بالوهم المعاش ! وهذا الاختلال هو ما دفع القاص / الراوي للتصدي لمناقشته ونقده عبر هذه القصة التي تراها بعين مجردة محض سرد وتسلية ، ولكنها في مكنونها الداخلي رسالة ومعالجة ونقد لهذا الزيف والافتقار للتوازن ما بين الدواخل والحالة الظاهرية . نعم برع عبد الغني في اختيار بطلة قصته ( ك ل ب ة فاطمة ) بعناية ودقة فائقة أرفق معها من يساندها ويدعم خطها في كشف تفاصيل المستور ألا هو الضيق والتبرم الذي كان بداخل صدور التلاميذ من صرامة الناظر وجبروته ، فتجد أن القاص / الراوي قد جعل من هذه ال ك ل ب ة بطلاً حقيقاً لقدرتها على فعل ما عجز عنه بنو البشر وكأن ( ك ل ب ة فاطمة ) صارت الامتداد الطبيعي للإنسان بنضاله وانسلاخه من مكنوناته وقدرته على المشاركة في هم المجتمع .، وهذه دلالة أخرى على أننا ربما نلحظ سوء سلوك بعض الناس الذين يبدو ظاهرهم لا يشير إلى ذلك ولكننا نغض الطرف خوفاً من جبروتهم أو طمعاً في قربهم . وان شئت توضيحاً دقيقاً لهذه الحالة من التناقض التي يعمر بها المجمتع اقرأ ما كتبه القاص / الراوي في القصة ( فقد رويت الحادثة 375 مرة ، وهي عدد الطلاب والمدرسين زائداً ثلاثة ، والثلاثة الزائدة هي أستاذ طلب مني أن أقصها ثلاثة مرات وهو يكاد يقع على قفاه من الضحك ) فهل تحرر ( صاحب الثلاثة ) الآن وأطلق العنان لمكنون الضحك والسخرية الذي كان محبوساً خوفاً وطمعاً ؟! فعبارة ( ك ل ب ة فاطمة ) عبارة تجد سندها الشعبي والريفي ، فقلما توجد منطقة في السودان لا يوجد بها ك ل ب أو ك ل ب ة أرتباطا باسم سيدهما ، فهي بالتالي لها صلة بالواقع المعاش آي القصة عموماً لما تحمله من كبت في الصدور وعناء من ذلك ، وشخوص لها السطوة والجبروت ... وهنا يمكن القول إن هذا العرض يمثل أداة لتشكيل النص القصصي مع تسليمنا بأن عنوان القصة ذو بعد رمزي يكاد يقوم عليه الهيكل العام للنص. وعلى الرغم من دقة الوصف ل ك ل ب ة فاطمة وهوانها على الناس الذين دأبو على ضربها على ( قفاها ) إلا أنها في الوقت المناسب تحولت إلى بطل قام بما عجز عنه العقلاء ! وانطوى ذلك على ثورة وهيجان وتذمر ورفض لعنجهة الناظر ، وإلاّ لماذا اختارت ك ل ب ة فاطمة الناظر ـ المتليء الجسم ـ وحده دون خلق الله حيث أن السوق مليء بالضعفاء والعجزة الذين كانوا أسهل على ك ل ب ة فاطمة افتراسهم ؟! وعليه فإن الأمر لم يكن يراد به إشباع رغبة ـ تعدي ـ ل ك ل ب ة فاطمة وإنما رسالة قوية أراد القاص / الراوي عبر هذه المفترى عليها تعليمنا إياه ! وهذا في حد ذاته يعطينا شكلاً حركياً ومكانياً هلامياً لا يخضع للمقياس أو العدد ولا يخلق حس الموضوعية والمحدود ـ رغم وضوح مكان الحدث ( السوق ) فقد سخّر عبد الغني جل ما اختزل من طاقاته الفنية والتركيبية لبناء النص ولعل هذا أدى إلى نجاح القصة لأن القاص / الراوي أعطانا الوصف الصحيح للقصة وعمّق يقيننا بأن القصة ليست محض إنشاء يعكس فيه الكاتب جملة من المشاعر والعواطف والأفكار لا على التعيين وكيفما اتفق بل يختط لها ويطرح فيها المفاتيح الأساسية للنص ويشيع فيها مناخاً مُحرراً لحركة الفعل القصصي الذي يجب أن يتمادى في حريته داخل كيان النص . لقد برزت ( ك ل ب ة فاطمة ) كرمز وكمقترب استهلالي على جملة محاور أساسية يمثلها تنوع الحدث في القصة وتداخلها البنائي إذ ينقسم أساسا إلى محورين رئيسين محور : ( ك ل ب ة فاطمة وهوانها على الناس) في مواجهة دلالية الإقصاء والتجاهل وما يعكسه من تغاير سلوكي ويمثل هذا المحور أول محاولة من القاص / الراوي في الإغراء لمتابعة الفعل القصصي بالاندفاع والمتابعة ليدلف بك القاص إلى الانطلاق من خلال منعطف مركزي يسهم في تشكيل أول محطة من محطات ارتكاز التجربة الحيوية داخل تجربة النص وهذه المحطة التي تشكلها (ك ل ب ة فاطمة ) بكل ما تمتلكه من ارث إنساني وطاقة مذهلة على الإيحاء ليظهر أمامنا النص من خلال جملة من الوحدات الموضوعية التي قد توحي بالمناقضة وعدم التوافق إذ إن البعد الذي يشكل ( بيئة مجتمع ال ك لا ب ) والتي تنقسم في وصفها إلى قسمين : القسم الأول المتمثل بالسطوة والقوه والتحكم ، والقسم الثاني المتمثل بالانسحاق والتردد والحرمان ( كحالة ك ل ب ة فاطمة ) ولا يخفى علينا كيف استطاع القاص أن يجعل القسمين ملتحمين التحاماً جدلياً عندما يتداخلان ( الهوان على الناس ، والتصدي لقضية من قضياهم ) في إرادة شخصية واحدة هي بطلة القصة ( ك ل ب ة فاطمة ). أما محور الداخل فانه يؤسس لبعد فسيح من السرد البهيج من خلال مفردات القاص الحادة والمباشرة التي تطمح إلى خلق الإثارة في الفعل القصصي وتحديد أهدافه وإشاعة روح المغامرة ، فالعلاقة الرابطة هنا بين ك ل ب ة فاطمة والبيئة القصصية (كدلالة على مركبات اجتماعية ونزاعات متراكمة ) قد هندسها القاص بشكل يفضي إلى الخلاص لذلك الهم ـ المتمثل في جبروت الناظر ـ الذي تحفل به كل مفردة من مفردات النص وهو يصارع مكوناته الاجتماعية ، فيوحي بعجز المجتمع عن فعل ذلك ليعبر القاص / الراوي عن الخلاص الإنساني من خلال ك ل ب ة فاطمة . لا يفوتني أن اذكِّر بتكنيك القاص / الراوي بإثارة الخبر بالاقتضاب وتسجيل المشهد بشكلٍ متوامض ثم إهماله تماماً والبعد عنه ، فنجد أن القاص قد أستثارنا وعقد العقدة في بداية القصة عندما جعل الراوي والناظر موجودين في أعلى الشجرة ـ وهذا أمر غريب يناقض شكل العلاقة التي كانت بين القاص / الراوي كتلميذ وبين الناظر مما يفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة لمعرفة سبب وجود الناظر بين أغصان الشجرة جنباً إلى جنب مع القاص / الراوي في مكان اعتاد القاص / الراوي التواجد فيه ؟ ولكن ما نلبث أن نجد أن القاص / الراوي قد عاد بنا مجدداً إلى هذا المشهد ولكن ـ هذه المرة ـ بتركيز شديد بتغطية كل جوانبه ليستدعي ذلك المشهد للحضور مرة أخرى من مقدرته على توظيف السرد ومن دهشة تلقيك الأولى لذات الحدث فتمسك بزمامه لتعرف ماذا حدث ، وكيف ، ولماذا ؟ وهذا ما فعله الطيب صالح في عرس الزين ، وفكتور هيجو في البؤساء . عروة علي موسى ،،،
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قـراءة في قـصة ( ######ة فاطمة ) للقاص عبد الغني كرم الله ... (Re: عروة علي موسى)
|
كل الكلمات المظللة هي كلمة ( ك ل ب ة ) وما أدري السبب في عدم قبولها مع العلم بأن النص وجدت به كلمة حمار واجتازت ( التضييق ) ! حاولت تفريق الكلمة المعنية في النص إلى حروف ولكن لكثرة ورودها سقط البعض منها سهواً ولكن التي ظهرت في العنوان قصدت تركها هكذا حتى يتم تظليلها.. لإثارة التساؤل حول هذا الاجراء ومدى فعاليته وما الغرض من وجوده ؟! وتقبلوا تحياتي عروة ،،،
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قـراءة في قـصة ( ك ل ب ة ع) للقاص عبد الغني كرم الله ... (Re: عروة علي موسى)
|
الحبيب المبدعروة على موسى..
تحيات نواضر....
بالصدفة، ولا صدفة، وفي مطار الخرطوم، ونحن في استقبال اختنا الفاضلة، السيدة نزهية محمد الحسن، وهي امرأة حملت الكتاب في طرق الخرطوم، تبشر بيسوع مخبأ في كل فرد، تظهره الأخلاق الفطرية، التي تنبع من توق الروح، لقبس قديم، تحن له، وتشتاق، في تلكم الأمسية، قال لي مبدع شاب، محمود احمد محمد الحسن، بأنه قرأ نقدكم العميق هذا، ولفت نظري له، وفتح الموبايل، كعادة العصر، وقرأت جزء منه، فالكون صار في راحة اليد، كله، أو بعض منه..
وللحق قرأت الدراسة بتروي، وكأني أعيد قراءة ######ة فاطمة من جديد، وشعرت بعمق الإحاطة لعالمها، بل فتحت نفسي على اشياء كنت أجهلها بها، لأن الكتابة في حالات كثيرة، تكون دفق اللاشعور، ويكون الكاتب نفسه بعيدا عن تحليلها وسبرها، مثل الأحلام والرؤى، تعاش في النوم، واليقظة، وتحتاج لتفسير وتأويل، كشأن الحياة كلها..
وسأعود، كي افصل طقوس كتابة هذه القصة بالذات، وفكرة الخوف، والسيرة، والسريرة، في بني آدم، التي دفعتني، بلا شعور، لتسطير طقوسها, وروايتها، لكم، وللتلاميذ، ولي...
ومتعة، أن اتقمص الناظر، وتكون انياب ال######ة قريبة من عرقوب رجلي، حقيقا، لا مجاز، فالكتابة حال، مثل جذبة المتصوف، وإلا كان الكذب رفيقنا، ...
وللحق سعدت، بإنارتك، لي، عوالمها، وهكذا شأن النقد المسئول، المتأني، والمحب..
عميق محبتي، ولي عودة..
الخرطوم حي الأزهري مساء الاثنين..
...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: قـراءة في قـصة ( ك ل ب ة ع) للقاص عبد الغني كرم الله ... (Re: عبدالغني كرم الله)
|
Quote: وللحق قرأت الدراسة بتروي، وكأني أعيد قراءة ك ل ب ة فاطمة من جديد، وشعرت بعمق الإحاطة لعالمها، بل فتحت نفسي على اشياء كنت أجهلها بها، لأن الكتابة في حالات كثيرة، تكون دفق اللاشعور، ويكون الكاتب نفسه بعيدا عن تحليلها وسبرها، مثل الأحلام والرؤى، تعاش في النوم، واليقظة، وتحتاج لتفسير وتأويل، كشأن الحياة كلها..
|
العزيز عبد الغني كرم الله سلام ومحبة
ك ل ب ة فاطمة كقصة مثلت لدي عمق فني وإيحائي وتوظيف وترميز، أسميته ( الداخل ( المتوجس ) ووهم الظاهر ( المتسلط ) روشتة ( قصة ك ل ب ة فاطمة ( ثم أنها تكشف نفسها عن أطياف عدة : كل طيف منها موجه لفئة من القراء دون خلق فواصل ، فالقارئ الذي يبحث عن إمضاء الوقت التسلية له ذلك كحال النظر إلى الناظر وهو يجري وسط السوق ، وكذا الحال القارئ الذي يبحث ما بين السطور له كفل منها فيجد الفرصة لالتقاط الإيحاءات الجانبية ( نفسية واجتماعية وسياسية ) والترميز باستخدام ال ك ل ب كأداة صراعية ، وهذا الفهم الأخير سيتوفر للقارئ الباحث بين السطور الذي سيجمع بين إمضاء الوقت والتسلية وبين المكنون في تفاصيل السرد الخفي الذي يكون القاص قد حاول معالجته من خلال ذلك التوظيف ( نقداً ) والنص ( ك ل ب ة فاطمة ) لا يعدم مسوّغات ذلك كلها ، فلكل طيف من طيوف السرد دلالة تربط اللاحق منها بسابقه حتى اكتملت بنية النص ، فسهلت مهمة قراءاتي له ، فكانت هذه القراءة محاولة لسبر أغوار ما خطط له القاص ، والهدف هو تقريب البون بين من يقرأ محض تسلية وبين من يقرأ بعمق ... عروة ،،،
| |
|
|
|
|
|
|
|