توفى الى رحمة مولاه مساء امس اللاعب الطاهر حسيب

Quote: بسم الله الرحمن الرحيم.. "إنا لله وإنا إليه راجعون" إعتصر قلبى الألم حين نعى الناعى قيثارة الكرة السودانية وبوشكاش الثغر..الطاهر حسيب.. رحل عنا واحد من أفذاذ معلمينا..رحل الطاهر الإنسان ذو القلب الكبير الذى طالما سقى الناس كؤوسا مترعة بالحب والود والجمال.. رحل عنا عزيز لدىّ خاصة..ومعزته ليست محل شك..ولست وحدى ..أنا واثق من أن مئات الألوف يقولون الآن أن الطاهر كان عزيزا على كل واحد منهم..معزّة خاصة.. ربما عرفه كل واحد منا بطريقة أو بأخرى وربما إلتقاه أو سمع به فقط أو شاهده من بعيد..ولكن الطاهر خلف ذكرى عطرة فى وجداننا جميعا.. جميعا بلا إستثناء.. أشكر الله وأحمد نعمه..كما هو حالى دائما..على أننى أنا لم ابحث عن الطاهر كى أعرفه..فقد رأيته يوم تفتحت عيناى وفى مسقط رأسى بورتسودان وفى ديم المدينة حيث كان الطاهر يعيش..رأيته وأنا صغير فى منزل خالتى الراحلة "رقية محمد الحسن" عليها رحمة الله..ليس مرة أو مرتان أو عشر مرات..كنت أراه كل يوم تقريبا ،لأن كل فريق الثغر كان يتجمع هناك ويستعد هناك للتمارين والمباريات.. عرفنا الطاهر كلنا منذ صغرنا..لم يخطئ فى يوم مناديا واحدا منا بغير إسمه..ولم يصرخ أبدا فى وجه أى منا .. وهكذا اصبح صديقا لنا ..وتلك خصلة يعرفها كل من يعرف الطاهر..كان أصدقاؤه من كل المراحل السنية..الكبار يعرفونه ويرافقونه ويلعبون معه أو يشجعونه ،والصغار يتنافسون فى ملاحقته و كل واحد يمنى نفسه بمشهد كروى قد لا يتكرر..ربما يكون فى الشارع أو السوق أو الساحة..أو أى مكان آخر ..لأن الطاهر كان يلبى دعوات الجميع فيلعب معهم وضدهم ولهم.. وحين شببنا عن الطوق أحببناه أكثر وصادقناه أكثر ولحقنا به..وتلك أيضا من نعم الله سبحانه وتعالى علينا..فصرنا نشارك فى تمارين نادى الثغر إبان زياراتنا المتعددة لمرتع الصبا ..الحبيبة بورتسودان..وأحيانا نلعب المباريات الودية..فى حضرته ومع بوشكاش شخصيا ..فيا للعظمة..! وفى الملاعب التى يتواجد بها الطاهر كنا نتلقى دروسا ليست مكتوبة فى الكتب ..ولا تدرس فى الأكاديميات..ولا يمكن أن تراها فى ملاعب أخرى.. كان ذلك أقرب ما يكون إلى السحر..بل هو السحر الكروى الحقيقى..وقولوا لى يا من زاملتموه وشاهدتموه ولعبتم معه أكثر منى ..قولوا يا أمين حسين ولينى وأبوهيف وعمر مرزوق..وبافلى وخليفة ونوناى..قولوا إننى لست صادقا فيما إدعيته.. قولوا يا من تتلمذتم على يديه ونلتم شرف التعلم من سحره..قولوا يا عماد خوجلى وحسين عبدالحفيظ وبكرى وشمس وحمزة واسامة الثغر.. تعودت منذ صغرى أن أبحث عن الطاهر فى يوم وصولى إلى بورتسودان..ومن ثمّ أبقى بقربه إلى أن أغادرها..بل لم يكن من السهل علىّ أن أفارقه ..أن أفارق الصحبة الجميلة والنكتة الحاضرة والنقد الساخر والكلمة اللاذعة.. لم يتلق من التعليم الكثير ولكنه كان موسوعة فى فهم الإنسان والإنسانية..كان يعشق الموسيقى الراقية والأفلام العربية خاصة ومن نجومه المفضلة شادية وعماد حمدى.. وحين يحضر إلى ناعمة الشرق كسلا..أول ما كان يفعله هو أن يلتقينى ..فننعم ونسعد بسويعات أو أيام تهدينها إياها الأقدار..وتشهد شوارع كسلا وساحاتها وأسواقها على تلك الصحبة الجميلة..التى تتخللها قطعا مهرجانات رياضية يصر الناس فيها على رؤيتنا سويا فى الملاعب..وحينها يرون العجائب.. تم تكريمنا سويا فى عدة مناسبات رياضية وفى مدن مختلفة فى كسلا وبورتسودان وحلفا الجديدة..وفى كل مناسبة كانت لنا ذكريات وحكاوى تحتاج إلى مجلدات لتسعها... أما مواهب الطاهر االكروية..فلا أنا ولا غيرى يستطيع أن يصفها..لم تكن تلك مواهب عادية..ما أنا متأكد منه هو أنه كانت هناك علاقة خاصة بين الطاهر والكرة..علاقة لا يعرف مداها وخفاياها إلا الله سبحانه وتعالى وهو الوهّاب والقادر على كل شئ..وهو الذى وهبه تلك الاسرار.. رحل الطاهر وكل السودان الآن يتحدث عن قدراته الخرافية فى كرة القدم..ومعظم الذين تناقلوا هذه الأخبار لم يروه حقيقة وهو يلعب..ولكنهم يجمعون على أن الطاهر كان فلتة..كان ساحرا..كان فريدا.. فبم يفسر ذلك؟ إنه حال الاساطير..وقد كان الطاهر اسطورة حقيقية بكل المقاييس..ليس فى ذلك ادنى شك...ولعل من أبلغ الدلائل، أن يقول الكابتن الكبير الراحل الفنان بابكر سانتو عنه فى لقاء إعلامى قبل عدة سنوات أن الطاهر حسيب هو أعظم من لعب الكرة فى السودان.. ومن هو بابكر سانتو ؟ إنه ساحر سودانى آخر..وهو الذى أحرز أجمل هدف تشهده الملاعب السودانية خلال نصف القرن الماضى وكان ذلك فى مرمى عبدالعزيز عبدالله حارس مرمى المريخ وأحسن حارس مرمى فى فريقيا آنذاك..فى مباراة شهيرة باستاد ودمدنى بين الأهلى مدنى والمريخ العاصمى..فى نهاية الستينات من القرن الماضى والذين كانوا باستاد ودمدنى يومها شاهدوا ذلك الهدف والذين لم يشاهدوه فقد فاتهم أجمل هدف سودانى على الإطلاق.. صدق الراحل الكبير الطاهر حسيب حين قال :الشاف شاف والما شاف خلاص..!!!!!! ألا رحم الله الطاهر وأسكنه فسيح جناته وجعل قبره روضة من رياض الجنة.. فقدناك يا الطاهر وقلوبنا تدمى ولكنا لا نملك سوى أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون ..وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.