|
اعتصام المناصير وامرى والحامداب (الحصاد المر ) وقبح الانقازيين
|
د. عبدالوهاب الأفندي
(1) قبل يومين، بث الإعلام السوداني الرسمي خبراً بدا لأول وهلة واحدا من 'أخبارها' إياها التي لا تخبر ولا تضيف علماً: تصريحات لوالي ولاية نهر النيل يعدد فيها 'إنجازات' حكومته لحل 'قضايا المناصير'، وهي 'إنجازات' لو صدقت لما صح أن تعدد، لأنها من أبسط واجبات أي حكومة. (2)
إلا أن المتابع للخبر تنتابه الريبة من المشهد الذي حف برواية هذه البديهيات، إذ جاء الوالي إلى الميدان محاطاً بأركان حكومته التي تبارى وزراؤها في سرد إنجازاتهم العظيمة أمام حشد من رسل أجهزة الإعلام. فلماذا يلبس الوالي لأمته، ويجيش حكومته وكل إعلام الدولة، ويعلن الحرب لمجرد إبلاغنا بأنه يؤدي واجبه؟
(3)
الإجابة في أن 'الخبر' لم يكن حقيقة هو الخبر، إلا كما كان خطاب المشير طنطاوي خبراً بدون الإشارة إلى ميدان التحرير. ذلك أن الخبر الحقيقي هو أن عاصمة الولاية في مدينة الدامر كانت قد تحولت، منذ الأحد الماضي، إلى ساحة اعتصام لمئات المتضررين من إنشاء سد مروي من منطقة المناصير، جاءوا إليها بعد أن ضاقت بهم السبل، ونكصت الحكومة بكل وعودها لمعالجة مأساتهم التي تسببت فيها. وما زالت الأعداد تتوافد يومياً حيث ينتظر أن يبلغ العدد بضعة آلاف اليوم الجمعة.
(4)
تعود جذور الأزمة إلى السلوك العدواني الذي انتهجته إدارة السدود تحت قيادة وزير الكهرباء الحالي أسامة عبدالله الذي حاول اتباع سياسة تطهير عرقي تفرغ أرض المناصير من أهلها بعد صدور قرار جمهوري، ملك كل أراضي المنطقة لإدارة السد. وقد يمثل احد أساليب الفساد المستخدمة في هذه الحرب في توزيع الأموال على الموالين، حيث انتزعت إدارة السد صلاحيات وزارات أخرى مثل الداخلية والعدل، فكانت تصدر بطاقات هوية لمن تشاء وتوكيلات بدون ضوابط وتوزع الأموال يميناً ويساراً على كل من يقف ضد إجماع أهل المنطقة.
(5)
كانت النتيجة أن التعويضات وزعت بصورة عشوائية (أو متعمدة) لأشخاص لم يكونوا من سكان المنطقة أصلاً، واكتشف كثير من السكان أن هناك من صرفت تعويضات بأسمائهم. وقد أضاف هذا شكوى أخرى إلى شكاوى المتضررين، إضافة إلى إغراق مزارعهم وحقولهم ومدارسهم ومستشفياتهم، وعدم توفير بدائل رغم مرور سنوات، واستثناء المنطقة من خدمات الكهرباء والطرق. (6)
كان من المقرر تنفيذ الاعتصام في اب/ أغسطس الماضي، ولكن قيادات برلمانية تدخلت وتوصلت معهم إلى اتفاق لتسوية القضايا العالقة، وأهمها تحميل إدارة السد مسؤولية ما صرف من تعويضات بالتزوير لغير أهلها، وأن يتم صرف التعويضات لمستحقيها. وعليه وافقت القيادات على تأجيل الاعتصام. ولكن وزير الكهرباء استخدم 'حق الفيتو' ضد هذه التسوية بحسب بعض إفادات الوسطاء، قائلاً الا يعترف بحق السكان في البقاء في المنطقة أصلاً. عليه عاد المتضررون للاعتصام، مهددين بنقل اعتصامهم إلى العاصمة الخرطوم إذا لم تستجب السلطة. وقد قدمت كل قوى المعارضة الدعم لهذا العمل الاحتجاجي من أجل المطالب المشروعة.
|
|
|
|
|
|