لم أشاهد القذافي شخصيا في حياتي رغم أنني عشت سنتين عجفاوين في أول جماهيرية في التاريخ. فمشاهدته لا تتحقق في كثير من الأحوال الطبيعية، مثل حضوره حفلا دُعيت له كل السفارات .فكان أن اصطف الدبلوماسيون في الساحة الخضراء لتحيته عند مروره،فما كان من موكبه إلا أن يمر بشارع موازٍ لدواعٍ أمنية ،تاركا المستقبلين فاغرين أفواههم من الدهشة و الاستغراب.
و كثير من الأحيان تجده في أماكن ليس من المفترض أن يكون فيها مثل الجامعات و المؤسسات الأكاديمية.مرات كثيرة شاهدت في التلفزيون -"و يسمونه الإذاعة المرئية"(1) - القذافي، و هو يمسك بمؤشر و خلفه سبورة كبيرة و هو يحاضر أساتذة كبار من الجامعات، و من ضمنهم أصدقاء عرض المخرج صورا لهم للدلالة على مدى انتباه الأكاديميين و استغراقهم في التفكير في مقولات "قائد الثورة" العبقرية.
و حين شاهدت على يوتيوب فيديو الاعتداء عليه كنت أريد أن أقول للثوار :لا تقتلوه لأنه أولا يجب أن يُرْسَل إلى السجن ثمّ يحاكم ،وثانيا لكي تحافظوا على نظافة و جمال ثورتكم،و ثالثا لكي أحكي له شذرات من سيرة القهر في "جماهيريته". ******** (1)يعتبر التلفزيون من أهم أدوات التسلية و الترفيه في "الجماهيرية " في ذلك الوقت بين أواخر 1992 و بداية عام 1995 .لكنه كعادة التلفزيونات الشمولية كان مملا و سخيفا إلا من بعض الفلتات.و حتى الرياضة لم تكن متيسرة مشاهدتها لأن مقولات "الكتاب الأخضر "تسخر منها و تعتبر الجماهير الرياضية مغفلة حين يقول "إن الآلاف التي تملأ مدرجات الملاعب لتتفرج و تصفق و تضحك هي الآلاف المغفلة التي عجزت عن ممارسة الرياضة بنفسها".و حتى أسماء لاعبي كرة القدم الليبية كانت لا تذاع بل تذاع أرقام فانلاتهم فقط حتى لا تشتهر اسماؤهم و تفوق اسماء "الصقر الوحيد". و "الصقر الوحيد " هو واحد من أسماء القذافي مثلما ورد في الهتاف الجماهيري المسجوع "زيد تحدى زيد يا الصقر الوحيد".و لخلو مدن "الجماهيرية" دعك عن قراها من أماكن الترفيه،كانت حياة السودانيين هناك كما ورد على لسان حال أحدى المغتربات المتزوجات حينما سئلت عن الأحوال في الجماهيرية فقالت على سجيتها : "الأكل بطاطس و الز..... غاطس".كما وظفوا خيالهم الاغترابي لنسج الألغاز و "الغلوتيَّات" مثل "بالليل طافي و بالنهار القذافي "،و الحل هو "التلفزيون الليبي". *********** و نواصل سيرة القهر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة