|
Re: المطاليق (Re: احمد ضحية)
|
كان الأطفال المشردون قد فقدوا عائلاتهم في حروب العشيرة الملكية, ضد بطون وأفخاذ وعشائر الوادي, ففقدو دفء الأسرة والماوى, وأفترشوا الطرقات الكئيبة, الخارجة لتوها من الحروبات والإنقسامات الداخلية, لتتهيأ لحروبات وإنقسامات جديدة. كانوا يعانون الجوع والحرمان, وبكل الإنهاك الذي إعتراهم, دفعهم يقين خفي,غامض لإعتقاد كاذب بأنهم يوما ما سيحصلون على طعام شهي, عندما جاءهم المطاليق في غمرة هذا اليقين المضلل, ودعوهم لوليمة فاخرة, في تلك الأمسية المتفردة بظلمتها المبكرة, وبعد أن غادروا الوليمة بوقت ليس قصير, بدأوا يتساقطون موتى واحدا تلو الآخر, على الممرات الطينية الضيقة, التي تشق وادي الذهب طولا وعرضا!. همهم الشايب جقندي وهو يسر لنفسه: "يظنون أنها الوسيلة المثلى للتخلص منهم!, في الحقيقة التخلص من سؤتهم هم, لكنهم لم يقتلوهم.. لم يموتوا فقد كسروا حاجز الصمت.. قتلهم "كسر ضهر السلطان ومطاليقه كسرا لا ينجبر".. وبالفعل كان الوادي وقتها يتململ.. بكل غموض جراحاته, نازفا في خوفه وهلعه, مرتاعا من فكرة"التفتيش" في دواخل سكانه المنهوبين, الذين لطالما صموا آذانهم وأغلقوا عليهم أبواب بيوتهم, بعد أن أغلقوا عيونهم وأفواههم, وفتحوا كل الغرف المغلقة لكوابيس المطاليق!.. قبلها كان جقندي مشبعا بالخيبة, وهو يحمل رسالة "الجنزير التقيل", التي لا يريد أحد سماعها.. كان يحملها كتهمة أو لعنة أزلية.. حملها وحده وقرر المغادرة إلى السهل الفسيح, في أطراف الوادي. لم يكن ثمة خيار أمامه سوى الرحيل, فمنذ تعرض الأهالي لكل ذاك القمع والتقتيل, الذي سبق وتلى مقتل "سوميت" أغلقت كل الأبواب بوجهه!.. مضى دون أن يأبه للأهالي الذين جعلهم الخوف من بطش المطاليق, يتراجعون عن فتح أبوابهم المغلقة كي تضيء النار المقدسة بيوتهم.. كانوا يخشون "شعلة المعرفة", وربما يتصورون"محقين" أنها قد تحرقهم وتحرق بيوتهم, كما فعلت ببيت الدود أبو حجل قبل عشرات السنوات.. كان الدود أبو حجل الجد الأكبر لأبو شوتال, المغرم بتقطيع الأوصال, عندما يخلد للنوم يظل يفكر في"قطع الشك" وما بين فخذيه ينتفخ, حتى ليكاد يتفجر مع تصاعد النبضات المتسارعة, في كل عروق جسمه, لكنه كان يجهل تماما ما عليه القيام به. بعد ذلك يغوص في نوم عميق, فتدهم قطع الشك أحلامه: يرى نفسه يحاول رؤيتها.. تخرج إليه متلفعة بشفق المغيب, تتبعثر الكلمات في فمه. تدهشه هالة الضوء التي تكلل رأسها, تنعكس على وجهه, تبدد قتامة المكان والعباءة السوداء, فيلوح جسدها خلف ستار رقيق شفاف يرى خلاله كل شيء, حتى الأرض الموحشة المقفرة, خلف دارها المتدثرة في صمت وعزلة الوادي, فلا يجد شيئا ليقوله لها, فينسحب, وعندما يفيق يجد نفسه مبتلا بللا غزيرا. منذها قرر سرقة شعلة المعرفة. ليهرب فيما بعد إلى السهول الواسعة. هذه السهول التي يهرب إليها جقندي الآن, مختليا بنفسه عندما تتناهشه الهموم.. حيث لا تصل إلى مسامعه في السهل الممتد الأصوات العالية للأطفال, وهم يلعبون "الشليل" على ضوء القمر, أو يركضون خلف "المرافعين" عندما تغطي سحابة هاربة, كتلك السحب التي أغتصبت قطع الشك في ظلمتها, بعيدا عن البدر المنير وحفيف سبيط النخل, أو أنين السواقي التي كانت لا تزال تجهش بالبكاء الحار, الذي يثير أشجان الأرض, ويشعل فيها اللهفة بكل ظمأ الجفاف والقحط الأزليين للحنان الدفاق. أرض "الروح العظيمة" الواسعة, التي خلقها لِعِيَاِلِهِ الرُّحَلْ, الذين خلفوا الشايب جقندي وراءهم لعدة مواسم تلبية لرغبته في إيصال رسالة "الجنزير التقيل", إلى هذا العالم الكئيب والحزين حد الفوضى والجنون. الخالق الآن غاضب جدا على عِيَالِهِ, غضبا أشد من غضبه في ذلك الوقت السحيق, إثر إغتصاب الدود لقطع الشك. كان غاضبا من النزاعات حول أرض الذهب, وإنقسام الناس دون سبب. وكان جقندي لكل ذلك حزينا جدا.. كان مرتاعا ومروعا, يشعر بأن ثمة كارثة تلوح في أفق الوادي الحزين, فقرر الرحيل لا يمنعه شيء, سوى إنتظار عودة قومه المراحيل, الذين كانوا وقتها يعبرون شوك القتاد, لا يأبهون لزفيف رياح الخماسين.. أو عجاج القبلي, ولا يتجنبون في مسيرهم مسارات الرعي, و"هبوب العِيْنَة" البعيدة, وهي تبشرهم بخرائف مثمرة, ومطر يغسل غباش الأرض.. والريح .. ريح "الهبباي" الرطبة التي تلسع الوجه والقفا .. لم يكن ثمة شيء بإمكانه إيقافهم.. يثنيهم أو يعوق مسيرهم: لا البرق "العبادي" ولا أعاصير الشيطان.. مضوا في رحلتهم الأبدية, من أقصى السافل إلى أقصى الصعيد, ومن أقصى الصعيد إلى أقصى دار الريح. وهاهم الآن في طريقهم إلى دارصباح, يغذّون المسير بإتجاه النّهر, الذي لطالما عبروا إلى منبعه, وهم يحيوّن أسراب الأوز والعصافير البريئة !.. هكذا يعاودون ترحالهم الأبدي, من أقصى دار صباح إلى أقصى دار الريح , حيث لا نهر يعومون فيه سوى تلك الوديان, التي يغتسلون من "مشيشها وجمامها", كما تغتسل غزالات وادي الذهب والصبايا العذراوات.. يظلون يتغنون ب"القش والسعية" وخرير "السباليق" في المدن القديمة المنسية, ببيوتها الواطئة التي يمرون بها في طريقهم. فلا يخلو غنائهم العذب الأسيان, من حزن مقيم على ضياع الوادي, الذي تجيء بأخباره المراسيل, التي تؤكد أنه يوشك على نهايته الفظيعة والمريعة !.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
المطاليق | احمد ضحية | 08-23-11, 11:58 PM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 00:01 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 00:03 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 00:07 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 00:12 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 00:14 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 00:16 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 00:18 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 00:20 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 00:22 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 01:21 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 01:23 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 01:26 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 01:29 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 01:32 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 01:35 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 02:56 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 02:59 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 03:02 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 03:04 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 03:06 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 03:09 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 03:13 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 03:15 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 03:17 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 03:19 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 03:21 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 03:23 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 03:26 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 03:30 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-24-11, 08:24 PM |
Re: المطاليق | salah ismail | 08-24-11, 08:59 PM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-25-11, 03:12 AM |
Re: المطاليق | Afraa Sanad | 08-24-11, 11:28 PM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-25-11, 03:17 AM |
Re: المطاليق | salah ismail | 08-25-11, 04:50 PM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-26-11, 06:41 AM |
Re: المطاليق | محاسن أحمد محمد | 08-26-11, 02:00 PM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 08-27-11, 03:22 AM |
بورداب مصر .. توجد فرصة عمل | محمد هارون حميدان | 08-27-11, 10:02 PM |
Re: بورداب مصر .. توجد فرصة عمل | سفيان بشير نابرى | 08-27-11, 10:43 PM |
Re: بورداب مصر .. توجد فرصة عمل | احمد ضحية | 08-29-11, 06:31 PM |
Re: بورداب مصر .. توجد فرصة عمل | احمد ضحية | 08-29-11, 05:18 AM |
Re: بورداب مصر .. توجد فرصة عمل | Adil Hamza | 08-29-11, 08:42 PM |
Re: بورداب مصر .. توجد فرصة عمل | وائل أحمد خلف الله | 08-30-11, 03:18 AM |
Re: بورداب مصر .. توجد فرصة عمل | احمد ضحية | 08-31-11, 07:42 PM |
Re: بورداب مصر .. توجد فرصة عمل | احمد ضحية | 08-30-11, 08:37 PM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 09-07-11, 06:34 PM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 09-18-11, 02:22 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 09-17-11, 03:30 PM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 09-06-11, 06:12 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 09-01-11, 05:51 PM |
Re: المطاليق | salah ismail | 09-01-11, 09:00 PM |
Re: المطاليق | حاتم محمد | 09-02-11, 07:36 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 09-03-11, 02:17 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 09-04-11, 02:16 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 09-05-11, 06:07 PM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 09-15-11, 02:21 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 09-16-11, 02:53 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 09-16-11, 04:41 PM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 09-24-11, 06:10 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 09-30-11, 05:45 PM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 10-05-11, 06:17 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 10-05-11, 11:14 PM |
Re: المطاليق | Adil Hamza | 10-05-11, 11:42 PM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 10-06-11, 04:59 AM |
Re: المطاليق | محمَّد زين الشفيع أحمد | 10-06-11, 08:34 AM |
Re: المطاليق | محمَّد زين الشفيع أحمد | 10-06-11, 08:37 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 10-07-11, 04:41 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 10-06-11, 03:28 PM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 10-08-11, 04:27 AM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 10-08-11, 02:06 PM |
Re: المطاليق | محمَّد زين الشفيع أحمد | 10-08-11, 05:01 PM |
Re: المطاليق | احمد ضحية | 10-13-11, 00:55 AM |
Re: المطاليق | عمر دفع الله | 10-24-11, 12:13 PM |
|
|