|
" سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر
|
سهام عبد الرحمن جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر
عبد المنعم خليفة خوجلي
**** كان في الإمكان أن تبقى كآلاف النساء ما هو الوجد الذي يدفعنا حتى الفداء ؟ " الشاعر السوري شوقي بغدادي" **** علمونا أن للحرب رجالاً ليتهم علمونا أن للحرب نساء "شاعر العراق محمد مهدي الجواهري" **** بدأت سهام يومها فرحة مستبشرة وهي تقبل على عملها ، كدأبها دائما ، بروح معنوية عالية وإحساس رفيع بالواجب .. وعندما اعتلت السلم لتلج إلى الطائرة ، والتي كانت تسميها بيتها الثاني ، تبادلت التحايا والابتسامات والقفشات الصغيرة والطرائف مع الزميلات والزملاء من الطاقم.. ومضت ، وهي في مظهرها الملائكي، تنشر البشاشة وتوزع الابتسامات على الركاب وتلاطف الأطفال ، ناقلة رسالة من الطمأنينة لهم جميعاً بأنها معهم وبجانبهم .
كانت سهام تستشعر باهتمام ، وتستعيد في ذهنها تفاصيل واجباتها ، تماماً كما تلقتها أثناء دورات التدريب ، خاصة ضرورة الدقة في توجيه الرسائل المتعلقة بالسلامة – رغم أن الركاب لا يعيرونها انتباهاً ولا يصغون إليها . غير أن سهام كانت ترددها بتركيز ووضوح لأنها الأكثر إدراكاً للحكمة التي تكمن وراءها . وكانت عندما تشعر بأدنى قدر من عدم الانتظام في مسار الطائرة ، تمضي في المزيد من طمأنة الركاب، والقيام بكل ما يتطلبه الوضع الجديد من ترتيبات إضافية.
سيظل يوم الثلاثاء العاشر من يونيو 2008م محفوراً في ذاكرتنا ، بل في ذاكرة الإنسانية جمعاء ... ليس لأنه اليوم الذي شهد كارثة جوية أودت بحياة العشرات؛ حيث لم تعد مثل تلك الأحداث مصدراً للإثارة ولا مدعاة للحسرة .. فقد ألفها قراء الصحف ومشاهدو القنوات الفضائية من كثرة ما ظلوا يشاهدونه من أهوال الحروب وحوادث الحرائق والأعاصير المدمرة .. وحتى كامل مأساة حريق الطائرة المشئومة هذه نقلتها الفضائيات في بث مباشر. بل أن ما يجعل ذلك اليوم محفوراً في ذاكرة الإنسانية هو كونه اليوم الذي قدمت فيه سهام عبد الرحمن للسودان وللعالم أجمع نموذجاً ناصعاً ونادراً للشجاعة والإقدام ونكران الذات ، عندما دفعتها روح الواجب أن تقتحم جحيم النيران المستعرة، والمحرقة، والمتناهية الألم، لتنقذ أرواحاً هي مؤتمنة عليها. كان في مقدور سهام النجاة بنفسها - لو كانت قد آثرت خيار السلامة - حيث أنها الأكثر معرفة بالمخارج، ووسائل النجاة . . غير أنها في جزء من الثانية اتخذت قرارها النبيل بالتضحية بالنفس منتصرة للقيم الإنسانية الوضاءة والمثل العليا .
كان في الكفة الأولى شبابها الغض ، وطموحاتها المستقبلية ، وكل مباهج الحياة التي تنتظرها . . تراءى لها في ذلك الجزء من الثانية زوجها الحبيب وأطفالها الذين ينتظرون عودتها بشغف وهم يحتضنونها بشوق وهي تفرحهم بالشيكولاتة واللعب التي ظلت منتظمة في شرائها لهم من السوق الحرة .. وتراءت لها أمها التي ودعتها في الفجر وهي على سجادة الصلاة تدعو لها بالسلامة ..
وفي الكفة الأخرى كان الاضطراب والخطر واللهيب والموت الأحمر السافر مهتوك القناع.. في ذلك الجزء من الثانية حسمت سهام الصراع الدرامي العنيف بداخلها واتخذت قرارها الفدائي الشجاع ، ألا وهو التضحية بالنفس ، وترك جميع مباهج الحياة لتقضي حريقاً ، وهي تحتضن طفلاً يصرخ ، وتساند مسنة مريضة ظلت تئن وتستغيث.
خيار سهام هذا وفر لها قدراً عالياً من الرضاء والسكينة الداخلية التي ارتقت بها إلى الفضاءات العلى ..
لم تشأ أن تنأى بنفسها عن الخطر وتركن إلى السلبية .. اقتحمت الخطر وجابهت الموت الأكيد .. لأن نفسها الأبية آثرت الفداء النبيل على "الميتة أم رماداً شح" ؛ وبخيارها ذاك أبقت سهام على احترامها لنفسها ووضعته في أعلى مرتبة.
بالبسالة والتضحية ونكران الذات قدمت سهام عبد الرحمن نفسها فداء للقصور والتقصير في إدارة المرافق ، بل والفشل الجسيم في إدارة الشأن الوطني العام . ولقد جاء استشهادها الأسطوري والقاسي متزامناً مع النذر الكالحة الآخذة في التراكم والمشيرة إلى الضياع الذي يتهدد الوطن . ولعل في ذلك الاستشهاد المثالي ما يولد فينا الغضب النبيل ، ويصدمنا جميعاً بقوة علنا نستفيق من الدعة والحيرة والتواكل ، ونتعلم كيف نتزود بالرغبة العظيمة في البذل والعطاء المتفاني .
لقد أهدت لنا سهام عبد الرحمن نموذجاً معاصراً لامرأة عظيمة ستظل فخر أبنائها وزوجها ووالديها وأشقائها.. بل وفخرنا جميعاً ؛ حيث لن نحتاج بعدها إلى التنقيب في تراث الأساطير ، وأضابير التاريخ القديم والحديث بحثاً عن شخصيات ملهمة نستمد منها العزم في الدياجير المدلهمة ، ونقدمها لأبنائنا وأجيالنا الجديدة لكي يتشربوا بما تمتعت به من مثل عليا ، ويتزودوا بثقة جديدة من أن بذرة الخير لا تزال تنبت فوق أرضنا، وأن القيم العليا لا تزال تزدهر في رحابنا .. وذلك لأن لنا سهامنا التي قدمت النموذج المثالي الذي يجسد كل ذلك .
في استشهاد سهام النبيل تأكيد جديد على أن البطولة والفداء ليست حكراً على الأبطال التاريخيين المشهورين الذين نعرفهم ، والذين تمجدهم أممهم وتقيم لهم التماثيل وتطلق أسماءهم على الساحات .. فلقد أصبحت لنا نحن أيضاً جان دارك .. وأنجبت لنا أرض السودان الولود قبطاناً جديداً لتايتنك العصر.
علمتنا سهام عبد الرحمن أن النساء - كما الرجال - قادرات على اقتحام أقسى المخاطر عندما تأتي ساعة الصدق والحقيقة.
نحن اليوم نضيف أسم سهام عبد الرحمن في صدر قائمة النساء السودانيات اللاتي يعتز بهن الوطن.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
" سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | Abdul Monim Khaleefa | 07-26-08, 06:09 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | صديق محمد عثمان | 07-26-08, 06:35 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | Abdul Monim Khaleefa | 07-26-08, 07:44 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | محمد المرتضى حامد | 07-26-08, 08:18 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | ابراهيم قناوي | 07-26-08, 08:53 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | Abdul Monim Khaleefa | 07-26-08, 11:06 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | Abdul Monim Khaleefa | 07-26-08, 11:23 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | محمد المرتضى حامد | 07-26-08, 04:10 PM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | بكرى ابوبكر | 07-28-08, 06:57 PM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | Abdul Monim Khaleefa | 07-29-08, 05:06 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | Abdul Monim Khaleefa | 07-29-08, 07:58 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | شهاب الفاتح عثمان | 07-29-08, 05:43 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | محمد أبوالعزائم أبوالريش | 07-29-08, 06:07 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | عبدالله احيمر | 07-29-08, 06:59 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | أبو ساندرا | 07-29-08, 07:21 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | Abdul Monim Khaleefa | 07-29-08, 08:10 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | Abdul Monim Khaleefa | 07-29-08, 08:18 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | الطيب شيقوق | 07-29-08, 08:32 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | عبده عبدا لحميد جاد الله | 07-29-08, 09:20 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | عمر ادريس محمد | 07-30-08, 02:47 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | خالد علي محجوب المنسي | 07-30-08, 06:55 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | نادر الفضلى | 07-30-08, 08:23 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | محمد عبد الماجد الصايم | 07-30-08, 11:09 AM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | انعام حيمورة | 07-30-08, 01:55 PM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | محمد المرتضى حامد | 07-30-08, 02:11 PM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | لؤى | 07-30-08, 02:05 PM |
Re: " سهام " جان دارك السودان وقبطان تايتنك العصر | Medhat Osman | 07-30-08, 02:07 PM |
|
|
|