|
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة (Re: الرشيد شلال)
|
Quote: يأبى البنان الامساك باليراع للكتابة إليك وعنك .. فنحن لم نألف التخاطب مع بعضنا عبر الرسائل.. ثم كيف لي أن أختزل في أسطر معدودة مسيرة العمر الحافلة بحيويتك الطاغية، والعامرة بحضورك البهي، والفياحة بأريجك العطر .. منذ بواكير الشباب في خورطقت الفيحاء التي " جمعتنا وكان يلهو صبانا باعتزاز كمارد متعالي" ..
لقد رسمت لنا أقدارنا أن نلتقي على طريق هيأ لنا صداقة نعتز بها، وتوحداً في الرؤى كان لنا نعم الزاد وخير المعين ، ومودة سأظل أنعم بدفئها إلى أن نلتقي مجدداً .. هو طريق سلكته يا صديقي رغم إدراكك لما يحف به من تحديات وصعاب ، وما يتطلبه من تضحيات ونكران للذات .. غير أنها صعاب تبعث في النفس صفاءً ورضاءً وسلاماً .
أخي ومودتي .. محمد الفاروق محمد كدودة
لا تزال صورتك مطبوعة في ذهني عندما التقينا لأول مرة ونحن نحط رحالنا في داخلية "أبوسن" التي تصادف أن تم توزيعنا بها .. بدأ تعارفنا مختصراً يشوبه شيء من غموض، وبعض من رهبة؛ ربما كانت مجسمة أكثر بالنسبة لك أنت الفتى إبن الخمسة عشر ربيعاً القادم من حلفا دغيم إلى هذه البقعة في ريف كردفان .. غير أن الخضرة الخريفية النضرة .. ومنظر جبل الداجو وجبل كرباج اللذين يلوحان في الأفق البعيد .. ورائحة الدعاش المنعشة في شهر يوليو .. لا بد وأن تكون قد خففت من تأثير ذلك الغموض وتلك الرهبة .
ذهبت أنا إلى العنبر رقم (2) بينما ذهبت أنت وصديقنا زكي عبد الرحمن إلى العنبر رقم (6) ، حيث استقبلكم الطلاب القدامى بترحاب.. وكم عجبت للوقت الوجيز الذي تمكنت أنت فيه من اختراق كل الحواجز الوهمية والفوارق التي مردها لاختلاف النشأة والبيئات الثقافية بينك وبين زملائك في العنبر القادمين من مختلف مناطق السودان..أذكر منهم خليل مكي (من أبوزبد) ، وغبوش ترتور (من الدلنج) ، ومحمد خير المليح (من النهود) .. وانبهرت للسرعة الفائقة التي نجحت أنت فيها من تأسيس صداقات حقيقية معهم .. وكان ذلك أول انطباع لي عن الكاريزمية الكامنة، والمودة والصفاء التي يتمتع بها ذلك الفتى إبن الخمسة عشر ربيعاً القادم من حلفا دغيم .. هذا الانفتاح على الآخرين بالسماحة والصداقة كان البذرة التي تفتقت مبشرة بنجاحك الاجتماعي اللاحق .
كان مجتمع خورطقت في تلك السنوات يمثل بانوراما زاهية من التنوع الفريد.. شباب قادمون من مختلف ربوع السودان، توحد بينهم خلفيات دراسية متماثلة، ورؤى فكرية لما تزل في مرحلة التكوين، يشتركون في رومانسية سياسية حالمة، وخيالات بكر، وتطلعات عظيمة لوطن يخطو نحو الاستقلال .. وهم جميعاً يطمحون أن يروه وطناً شامخاً.
في خورطقت كان الانفتاح على الفكر الإنساني الجديد، والتشبع بقيم الحق والخير والجمال والاشتراكية والعدل الاجتماعي .. هذه القيم السامقة التي كنا نطمع في أن نرى ركائزها تترسخ في مجتمعنا السوداني . كانت بلادنا سعيدة بشبابها ، وكنا أيضاً سعيدين بشبابنا ؛ فنحن ننعم بأرفع مستويات التعليم .. وبأجواء الحرية الفكرية والأنشطة الثقافية والرياضية المزدهرة. . مما شكل بيئة مواتية أورقت تحت ظلالها زمالات وصداقات باقية .
في ذلك المناخ الإيجابي كنت أخي محمد الفاروق محمد كدودة، بتواضعك وبساطتك تحتل مكان الصدارة، وتستشعر مسؤوليتك في قيادة ذلك المجتمع وتوجيهه.. كيف تسنى لك يا أخي حمل الأمانة التي طوقت عنقك، وأنت لما تزل في تلك السن الباكرة؟ .. كما كنت يا أخي يا مودتي ريحانة النخبة التي شاركتك الفكر المستنير والوعي المبكر.. تلك النخبة التي اختطت لنفسها عموداً أخلاقيا ألتزمت به ، وهو أن تقدم في مجتمعها ذاك ، النموذج الأمثل في السلوك الحضاري المهذب، والعلاقات الودودة مع الآخرين ، إلى جانب التفوق الأكاديمي، وإحراز قصب السبق في ميادين الثقافة والرياضة .. لا عجب أن كان من رموزها بابكر حمور ، وهاشم بابكر - عليهما رحمة الله - ، وعلي خليفة مهدي ، وعمر الحاج سليمان ، ويوسف حسين ، ومحمد سليمان ، وآخرون كثر.
تجاوبت الحركة الطلابية بمسؤولية مع الأحداث الوطنية والقومية الهامة التي شهدتها تلك السنوات ؛ وعلى رأسها الاستقلال ، والعدوان الثلاثي ، إلى جانب عنبر جودة ، وحلايب ، وقانون الطوارئ ، وغيرها . . كان الصراع الفكري محتدما يؤججه عنفوان الشباب ؛ إلا أنه كان يجري تحت مظلة من الاحترام المتبادل .. وكان للهدوء الذي تمتعت به أخي فاروق، وعدم جنوحك للتصعيد والتشنج والانفعال، دور بارز في سيادة تقاليد احترام الاختلاف ؛ وبذلك أهديت للحركة الطلابية – ولمنظمات المجتمع المدني لاحقاً - ركيزة صحية هامة .
أخي ومودتي .. محمد الفاروق محمد كدودة
عندما واصلت مسيرتك الرائعة في جامعة الخرطوم كان عودك قد استوى، وتجربتك قد نضجت ، وسماتك القيادية قد تبلورت .. وأتاحت لك رحابة الجامعة مسرحاً أكبر لنشر الوعي وبناء الحركة الطلابية الرشيدة ، وممارسة القيادة .. خاصة وأن سنوات الجامعة كانت حافلة بالأحداث والمعارك .. وعلى رأسها مقاومة الحكم العسكري الأول واستعادة الحريات الديمقراطية، والتضامن مع أهالي حلفا .. إلى جانب التضامن مع الثورة الجزائرية ، وحركة التحرر الوطني في الكونغو، ومناهضة التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا. كان طبيعياً في تلك الأجواء المثيرة أن تمارس أخي فاروق دورك القيادي بكل ما عرف عنك من جسارة واستعداد للتضحية .. فكان أن عرفت طريق المحاكم والمعتقلات .. ثم الفصل من الجامعة .
وعندما انتقلت إلى الدراسة بجامعة موسكو ، كانت تلك فرصة للتزود بأفق جديد من العلوم الاقتصادية أضافت إلى معارفك القانونية السابقة ثراء جديداً.. وتجربة أكسبتك علاقات إنسانية عريضة .. ورجعت إلى الوطن وأنت أكثر عزماً وتصميماً على مواصلة جهدك الدؤوب الموجه لتقدم السودان ورفعته ، بعد أن تبلورت في ذهنك خارطة الطريق لمستقبله .
وعندما طرقت باب التعليم العالي والتدريس في الجامعات- ومن منطلق إيمانك الراسخ بوحدة الوطن - كان اختيارك – وأنت القادم من حلفا - أن تكون البداية في جامعة جوبا . ثم قادتك قناعتك الفكرية للانضمام إلى الجامعة الأهلية تعزيزاً لرسالتها الهادفة ؛ وخضت مع الجامعة الأهلية مختلف معاركها التي ظلت مستغرقة فيها منذ بداية تأسيسها .
ورغم ما ظللت تتعرض له من عنت ومضايقات، صمدت مدافعاً صلباً عن حرية التعليم الجامعي واستقلاليته. كما عرفت مختلف المنابر مشاركاتك الفكرية ، وأنت تبحث في مشكلات السودان الاقتصادية التي استوعبتها ورسمت المقترحات الواقعية لمعالجتها .
أخي محمد الفاروق محمد كدودة
أهلك أصدقاؤك وزملاؤك وطلابك يقرؤونك السلام ،.. وهم يلتقون هذا المساء .. يتبادلون المواساة .. ويستمدون من سجل عطائك حافزاً وإلهاماً .. وهم يفتقدونك كثيراً، ويعانون من لذعة فراقك .. يفتقدون محياك الصبوح المشرق الذي يبث التفاؤل في النفوس .. وتزداد حاجتهم إلى حسك المصقول، ودعابتك الأصيلة النابعة من مقدرتك الفريدة في تحويل أعقد المواقف وأقسى الظروف إلى طرائف بديعة تطلقها ، أو عبارات ساخرة يسير بها الركبان ... ولم تكن في ذلك المنحى عابثاً ولا هازلاً.. فالعبث والهزل نعوت بعيدة عنك وأنت بعيد عنها .. لأنك لو كنت كذلك لما حزت على ثقة الآخرين، ولما حققت ذلك النجاح الاجتماعي الباهر .. وفوق كل ذلك لما تعرضت لكل ذلك العنت والمعاناة التي صاحبتك طوال مسيرتك .. لقد علمت الجميع كيف يمكن أن يحولوا الفكاهة والسخرية إلى سلاح من أسلحة النضال الشامل .. وكيف يمكن لهم بالمودة والسماحة أن يهزموا التشنج، ويمتصوا شحنات الغضب والانفعال الذي ربما يجنح إليه المعارضون لهم في الرأي.
أخي ومودتي .. محمد الفاروق محمد كدودة
لتهنأ نفسك المطمئنة بالسكينة .. وليتغمدك الله العلي القدير بواسع رحمته ومغفرته ورضوانه ويدخلك فسيح جناته.. وأن يجعل البركة في أهلك، وفي زوجك.. السيدة الفضلى الدكتورة أسماء السني ، التي تستمد من سيرتك المضيئة القوة التي تعينها في معركة قهر المرض ، ورفع كاهله عن أبناء وبنات شعبنا .. تلك القضية التي ظلت توجه نحوها جل طاقتها واهتمامها .. والبركة في العزيزات الدكتورة غادة ، والدكتورة ساندرا اللاتي ورثتهما اسماً ساطعاً، وسمعة مشرفة وصافية في نقاء البلور .. وزودتهما بالعلم الرفيع ، وأنشأتهما على مكارم الأخلاق .. وحب البسطاء .. ولا بد أنهن سائرات على دربك شابات نافعات لأهلهن ولوطنهن .. لهن الرفعة والمجد .. وسلام عليك .
عبد المنعم خليفة خوجلي مسقط – سلطنة عمان 25 ديسمبر2008م |
دكتور منعم
الراحل كدودة فقد امة باكملها
لكم وللشعب السوداني العزاء والصبر الجميل
اتمنى فيما لو تم نشر هذا العزاء في صفحة سودانايل عاجلا
شيقوق
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | Abdul Monim Khaleefa | 12-27-08, 06:34 AM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | جعفر محي الدين | 12-27-08, 07:01 AM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | Abdul Monim Khaleefa | 12-27-08, 09:25 PM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | طلعت الطيب | 12-27-08, 09:39 PM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | عمرو كمال ابراهيم | 12-27-08, 10:26 PM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | الرشيد شلال | 12-27-08, 10:28 PM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | الطيب شيقوق | 12-28-08, 06:28 AM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | dardiri satti | 12-28-08, 10:01 AM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | Abdul Monim Khaleefa | 12-28-08, 10:18 AM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | الطيب شيقوق | 12-28-08, 11:50 AM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | tayseer alnworani | 12-31-08, 08:03 AM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | معتز تروتسكى | 12-31-08, 10:17 AM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | dardiri satti | 12-31-08, 01:40 PM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | tayseer alnworani | 01-01-09, 07:18 PM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | tayseer alnworani | 01-01-09, 07:26 PM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | أحمد طراوه | 01-02-09, 06:16 PM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | Abdul Monim Khaleefa | 01-05-09, 09:44 AM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | Abdul Monim Khaleefa | 01-05-09, 09:57 PM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | Abdul Monim Khaleefa | 01-06-09, 07:06 AM |
Re: الدكتور فاروق كدودة - عليه رحمة الله - ريحانة النخبة | Abdul Monim Khaleefa | 01-07-09, 10:23 AM |
|
|
|