|
Re: الخروج من أمدرمان .. تأليف : فييلب زيقلر .. ترجمة: بدر الدين الهاش (Re: Ridhaa)
|
تقدم رجال إسميث دورين نحو مقبرة المهدي، وكانت تقع فى نهاية طريق ضيق أمام بوابة القصر. إذا كانت هنالك لحظة "لقاء أخير" فلقد كانت تلك بالقطع هى اللحظة. وقف خلف السردار كتشنر الجنود السودانيون. بدأت فى تلك اللحظة حركة مقاومة غير فعالة، إذ ظهر فجأة إثنان من فرسان البقارة على ظهر جواديهما من بين الظلال وانتصبا أمام البوابة، وباغتا الجنود الغزاة بهجوم إنتحاري. أصاب أحد الفارسين جندياً من جنود الغزو بحربة عرضها نحو 15 بوصة، أزالت رأس الجندي عن جسده كما يزال أعلى البيضة، وقتل عريف قبل أن تملأ رصاصات الجيش الغازي جسدي الفارسين. حدث كل ذلك فى ما لا يزيد عن دقيقتين أو ثلاث، بيد أن تلك الدقائق كانت كافية للخليفة كي يمضي قدما فى طريقه بعيداً عن القصر. لم يتسن للغزاة غير رؤية الغبار الذى أثارته حوافر خيول موكب الخليفة الهارب. هجرت أمدرمان جموع وقوافل من الدراويش، ومن الشباب والعجائز والنساء اللواتي كن يحملن ما تيسر من متاع بائس قليل متجهين جنوبا. كان الخليفة من بين أولئك الفارين، وكان من المتعذر التعرف عليه وسط تلك الجموع. وقف الضابط "بيتي" على أعلى الباخرة "المتمة" وحلق بناظريه على المباني المتناثرة من تحته. كان مأمورا باطلاق النار على تلك الجموع الفارة، ومضى ينفذ الأمر دون كبير حماس. قال في نفسه: "أولم تكن مذبحة اليوم كافية؟" أطلقت مدافع المكسيم نيرانها "لتنظيف" الطريق القادم من النهر... ولكن عثر الفارون – بذكاء وحنكة- على طرق ملتوية لتفادي دائرة النيران. ومع مرور الوقت كان الخليفة يبتعد أكثر وأكثر عن عدوه الذي لم يكن يبغ غير رأسه. تقدمت فرق العدو – وعلى رأسها ماكسويل - إلى المساحة الخالية بين مقبرة المهدي وقصر الخليفة. كان حال مدينة من أعظم مدن أفريقيا آنذاك مدعاة للحسرة والأسف والسخرية. لم يجد الغزاة غير تكلا (جمع كلمة "تكل" وهو المطبخ) بائسة من القش وبعض عصي ملتوية وقطاطي صغيرة يستطيع المرء بالكاد الدخول فى إحداها، وأشياء أخر لا تدل إلا على بؤس شديد وفقر مدقع.
|
|
|
|
|
|
|
|
|