|
Re: الخروج من أمدرمان .. تأليف : فييلب زيقلر .. ترجمة: بدر الدين الهاش (Re: Ridhaa)
|
أسر كتشنر الآلاف من الدراويش. و كتب إلى كرومر مزهواً بأن لديه نحو ثلاثين ألفا من الطباخين والمحظيات "السريات/السراري" (concubines) وهو لا يحتاج إليهم (اليهن) فى شيء. وبدا أن نصف سكان مدينة أمدرمان كان على استعداد للعمل مع جيش الغزاة. قام السردار بطرد هؤلاء من معسكره ولكنهم عادوا يستجدون الطعام والوظائف ويسألون عن أنباء ذويهم المفقودين. كان قلة من الأسرى من طينة مختلفة تماما، إذ رفضوا التعامل مع العدو الكافر والانضمام لجيش الخديوي، بينما قبلت الأغلبية منهم بتبديل الولاء وارتداء ملابس جيش الخديوي. ولم يمض يومان حتى كان هؤلاء ينضمون في زريبة العجيجة إلى من كانوا يصوبون نحو صدورهم البنادق فى أمس قريب. ومن حسن الحظ أن ولاء هؤلاء المستجدين فى جيش الخديوي لم يختبر فى ساحة المعركة. كانت قبة المهدي قد أصيبت بقذائف المدافع مما أحدث فتحة كبيرة فى قمتها البيضاوية، وتم اقتحام القبة ونهب محتوياتها ونبش القبر بداخلها، وكان يوماً سعيداً وكنزاً قيما لهواة جمع التحف والتذكارات والآثار. لم تشف تلك المذلة والمهانة صدر كتشنر؛ وطفق سلاطين يوغر صدره بنصحه إياه بإزالة القبة تماما ومساواتها بالأرض كي يزول آخر معلم من معالم المهدية. ورغم أن تشرشل وصف تلك النصيحة بأنها "خبيثة" إلا أن كتشنر استجاب لنصيحة سلاطين مؤملا قطع عشم كل من كان يظن بأن المهدية ستبقى حية فى القلوب وأن المهدي إنما ذهب إلى "زيارة الجنة" وسيبعث جسده تارة أخرى. أجمع الكثيرون على أن كتشنر قد أخطأ خطأ فادحاً بفعلته تلك، وأنه قد خسر كثيرا من سمعته الحسنة كفارس. كتب الرائد سبارك:" إن عظام المهدي قد ألقيت فى النهر، وهذا في نظري عمل يفتقر إلى المروءة". أوكلت مهمة تدمير ما بقى من قبة المهدي إلى مونكى غوردون مما عزز الانطباع بأن الأمر لم يك إلا محض انتقام شخصي. زال – و إلى حين- رمز من رموز المهدية، ثم تمت إعادة بنائها بعد ذلك بسنوات. تم الاحتفاظ بجمجمة المهدي الكبيرة الحجم. وأراد كتشنر استخدامها كدواية حبر (محبرة) أو ككوب للماء بيد أنه تراجع عن ذلك عندما تبين له مقدار ما ستلقاه فكرته تلك من استهجان في بريطانيا. وقرر أخيراً إهداء الجمجمة لجمعية الجراحين الملكية (وكان يظن أن تلك الجمعية تحتفظ أيضا بأمعاء نابليون!!). سمعت الملكة فيكتوريا بتلك الأخبار فأعربت عن سخطها للورد ساليسبورى, فأبرق ذلك اللورد كرومر طالباً منه "إيقاف ذلك العبث على الفور". ورد كتشنر في برود على كرومر قائلا: " أنا آسف جدا إذا كانت جلالة الملكة تعتقد أن بقايا المهدي لم تعامل بطريقة لائقة. سوف أصدر أمراً بدفن جمجمة المهدي كما طلبت الملكة فيكتوريا". وفى نهاية الأمر تم دفن الجمجمة بكرامة (ولكن من دون طقوس احتفالية) فى مقبرة للمسلمين فى وادي حلفا. تم نهب بنادق وسيوف وحراب جيش الخليفة (والتي وجدت مكومة بإهمال فى قصره) من قبل جامعي التحف والتذكارات. كانت أغلب هذه الأسلحة مما غنمه الخليفة فى حربه ضد الأحباش قبل سنين. كان من ضمن الغنائم سيف ملك الحبشة، ومقراب (تليسكوب) يخص غوردون، وعلب ساردين ملفوفة فى عدد من جريدة Etoile Belge بتاريخ 24 مارس 1894م، ونظارات أحد الضباط الإنجليز، وجلود لحيوانات نادرة، وحزام (للتعذيب) به أسنان معكوفة وحادة. بيعت بعض هذه "المقتنيات" وذهب ريعها إلى صندوق خيري للجنود، وأرسل بعضها للمتاحف البريطانية. تقرر إقامة قداس لروح غوردون. وبعد الكثير من الخلافات بين معتنقي مختلف الطوائف المسيحية تقرر أن تقيم كل طائفة قداسها الخاص؛ وعزفت فرقة الحرس مارشاً عسكريا هو Dead March، بينما عزفت فرقة السودانيين Scipio لهاندل (يمكن الاستماع لهذا المارش في http://footguards.tripod.com/06ARTICLES/ART15_scipio.htm) لاحظ الناس أن ذلك القداس قد أراح كتشنر راحة عظيمة، فزالت عن وجهه ملامح الكآبة والكدر وأنقلب حاله إلى حال إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معان.أخرج الرائد سنو (وكان ضمن من اشتركوا فى حملة إنقاذ غوردون الفاشلة قبل سنين زجاجة شمبانيا كان قد أقسم أن لا يفتحها إلا حين استعادة الخرطوم, وها قد أبر بقسمه! بعد شهرين (أى فى نوفمبر 1899م) تم قتل الخليفة فى أم دبيكرات ....وتلك قصة أخرى. ____________________________________________________________ نقلا عن "رؤى واتجاهات" بصحيفة "الأحداث"
|
|
|
|
|
|
|
|
|