|
Re: القراءة للمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرة الرابعـــــــ (Re: قرشى محمد عبدون)
|
والحكمة البشرية قالت الكثير حول طبيعة الكلام ومنطقه، ولا تقتصر على ملاحظة طريقة استقباله، بل وترصد بواعثه وحالاته وطريقة إرساله، فقيل مثلاً إن العاقل إذا تكلم حاول أن يكون منطقياً أما الأرعن فيحاول أن يكون قوياً؛ وقيل أيضاً إن القوة تُفقِد الحمقى فن الحديث وآدابه، ولكنهم مع ذلك لا يفقدون شهوة الكلام، فينصرفون إليه باندفاع، وتنهمر الكلمات والجمل من أفواههم متصلة دون علامات توقف وترقيم، وعادة ما يطرحون الأسئلة على الآخرين ويجيبون بالنيابة عنهم، ويتحدثون عن أنفسهم ونيابة عن محاوريهم، الذين لا يجدون في الأثناء فرصة في الكلام. ويروي الكاتب الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز حادثة ذات دلالة، فيقول: زارني شاب في مقتبل العمر، كان قد نشر روايته الأولى قبل ستة أشهر، وكان يشعر بالزهو لأنه سلم لتوه مخطوط روايته الثانية إلى ناشر. أبديت له حيرتي لتسرعه وهو ما يزال في أول مشواره، فرد عليّ باستهتار: "أنت مضطر للتفكير كثيرا قبل أن تكتب، لأن العالم بأسره يتلهف لقراءة ما تكتبه. أما أنا فأستطيع أن أكتب بسرعة، لأن ما من أحد يقرأ ما أكتب". ويضيف ماركيز، قائلاً: عندئذ، وبإيحاء مبهر، فهمت مغزى العبارة: ذلك الشاب يعرف سلفا أنه ليس كاتباً في حقيقة الأمر. وبالفعل، فقد كف عن إضاعة وقته بالكتابة بمجرد أن حصل على وظيفة في مؤسسة لبيع السيارات المستعملة.
|
|
|
|
|
|