تسقط الحكومة!

Quote: التوازن السياسي للحركة الشعبية يسن حسن بشير أثار انتباهي خلال الفترة الماضية تصريحات بعض قادة الحركة الشعبية حول مسألة التحالف مع القوى الوطنية الديمقراطية... وقبل أن أسترسل في الحديث أود أن أكرر ما ذكرته في مقال سابق في بداية الفترة الانتقالية من أن موقف الحركة الشعبية صعب ومعقد للغاية ويحتاج إلى درجة عالية من الوعي السياسي والوضوح الفكري والإبداع التنظيمي والحركي... لماذا؟ لأن الحركة قد وُضِعت في موضع الشريك في السلطة الحاكمة وهي في نفس الوقت الحليف للقوى الوطنية الديمقراطية. والمعادلة الصعبة هي كيف يتم التعامل مع الحالتين... حالة الشراكة وحالة التحالف دون أن تفقد الحركة توازنها السياسي... والحفاظ على التوازن السياسي للحركة ليس مهماً فقط للحركة كتنظيم سياسي وإنما مهم لمستقبل السودان ككل. إن رصدي الشخصي لمجموعة التصريحات التي صدرت من بعض قيادات الحركة الشعبية خلال الأيام الماضية قد أقلقني وولد لدي الشعور بأن الحركة الشعبية قد بدأت تفقد توازنها السياسي، لذلك رأيت أنه من الضروري أن أعبر عن هذا الشعور مع احترامي للأخوة والأخوات بالحركة الشعبية... وألخص ما أود أن أقوله في النقاط التالية:- أولاً: هناك هيصة تنظيمية في موضوع التصريحات السياسية باسم الحركة الشعبية... فأحياناً تصدر التصريحات من عناصر الحركة بالسلطة التنفيذية الاتحادية... وأحياناً من أشخاص ليس لهم صفة تنظيمية محددة... فكمثال فقد علمنا أن السيد عبد العزيز الحلو هو المسؤول الأول عن قطاع الشمال، وأن هناك مسؤول إعلام لقطاع الشمال... ولكننا لا نسمع صوت السيد عبد العزيز ولا صوت مسؤول الإعلام، وفي نفس الوقت نسمع أصوات أشخاص آخرين ولا نعرف ما هي الصلاحيات التنظيمية لمثل هذه الأصوات... فهل مجرد أن العضو القيادي بالحركة شمالي يعطيه الحق في التصريح بما يشاء في شؤون الشمال دون التزام بالهياكل التنظيمية الموضوعة؟ في تقديري أن الحركة في حاجة إلى وقفة تنظيمية جادة لإيقاف مثل هذه التصريحات والتحليلات العشوائية ذات الأبعاد الشخصية في بعض الأحيان التي تضر كثيراً بجماهيرية الحركة في الشمال... بالإضافة إلى ضرورة فصل المسؤوليات السياسية عن المسؤوليات التنفيذية... بمعنى أن لا يتدخل الطاقم التنفيذي للحركة في تفاصيل العمل السياسي اليومي في الشمال ويترك ذلك للجهات التي كلِّفت به حزبياً. ثانياً: إن الحديث عن أعداء السلام أو أعداء اتفاقية السلام أو أعداء حكومة الوحدة الوطنية وسط القوى الوطنية الديمقراطية هو حديث غير صحيح سياسياً... فأولاً لم أسمع حتى الآن أن أية جهة سياسية سودانية قد صرَّحت بأنها ضد السلام... حتى الأخوة بمنبر السلام العادل لم يقولوا إنهم ضد السلام ولكنهم قالوا بأن لهم رؤية أخرى للسلام تتلخص في الانفصال ويطالبون بتعديل الاتفاقية لتخدم هذا الهدف... أما ما توجهه القوى الوطنية الديمقراطية من انتقادات لاتفاقية السلام أو لحكومة الوحدة الوطنية فهذا لا يعتبر موقفاً ضد السلام فإذا أخذنا حزب الأمة كمثال وهو من الأحزاب التي انتقدت الاتفاقية بأسلوب حضاري محدد ومرتب وانتقدت تكوين حكومة الوحدة الوطنية وتكوين البرلمان فهل كل ذلك يعني أن حزب الأمة ضد السلام... بل وأنا شخصياً أنتقد يومياً وبقسوة في هذا العمود أداء حكومة الوحدة الوطنية فهل هذا يعني أنني ضد السلام؟ إن التعامل مع القوى الوطنية الديمقراطية بأسلوب التكفير السياسي ورفع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت السلام» هو أمر ضار للغاية بتطور الحركة السياسية السودانية، بل وبالسلام نفسه فهذه القوى الوطنية الديمقراطية التي تُتهَم بعدائها للسلام هي التي أسهمت بجدية وصلابة في صنع السلام عبر مواقفها المعارضة سلمياً وعسكرياً طوال عقد ونصف لسلطة الإنقاذ القهرية فالسلام لم يأتِ من السماء وإنما جاء عبر تراكمات سياسية عديدة ولم يصنعاه الحركة والإنقاذ وحدهما. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى طرح قضية السلام كقضية محورية في هذا الوقت المتقدم من المرحلة الانتقالية هو أمر غير صحيح بل وتضليلي فنحن الآن لسنا في مرحلة توقيع اتفاقية السلام وإنما في مرحلة تنفيذ بنود اتفاقية السلام وحماية وصيانة السلام الذي تحقق والقضية المحورية الآن هي قضية التحول الديمقراطي الحقيقي فبدون تحول ديمقراطي حقيقي لن تنفذ اتفاقية السلام بالشكل الصحيح وسيكون السلام في خطر... لذلك هذه القوى الوطنية الديمقراطية التي تتهم بأنها ضد السلام لأنها تنتقد الاتفاقية أو أداء حكومة الوحدة الوطنية أو غير ذلك هي أكثر قدرة على المساهمة في إحداث التحول الديمقراطي وحماية وصيانة السلام من المؤتمر الوطني الشريك مع الحركة في السلطة، فالمؤتمر الوطني حزب فوقي كونته سلطة شمولية قهرية مرتكزة على أدوات وأموال السلطة، وعلى فكر سياسي إسلامي متهالك ومجموعات من بقايا الأنظمة الشمولية السابقة والعناصر الوصولية والانتهازية التي يسيل لعابها لكل حزب حاكم أياً كانت طبيعته... فهل يعقل أن يراهن بعض قادة الحركة على المؤتمر الوطني في مسيرة السلام وتتهم القوى الوطنية الديمقراطية الحقيقية في السودان بأنها ضد السلام... أي منطق سياسي هذا؟ صحيح نحن نقر بالأداء الضعيف والمتخبط لفصائل القوى الوطنية الديمقراطية وننتقدها دون مجاملة ولكننا لا نسقط دورها الوطني الديمقراطي ونظهرها بأنها ضد السلام وأن المؤتمر الوطني هو الحريص على السلام فقط لأنه وقع الاتفاقية فهذا غير صحيح لأننا نعلم جيداً أنه -أي المؤتمر الوطني- قد أُجبِر على توقيع الاتفاقية ليضمن بقاءه في السلطة، فالطبيعة السياسية والفكرية للمؤتمر الوطني هي في الأصل ضد السلام. خلاصة ما أود أن أقوله في هذا المقال هو عبارة عن رسالة للأخوة في قيادة الحركة الشعبية بأن ينتبهوا إلى ما يصدر من تصريحات باسمهم هنا وهناك... وأن الضمان الوحيد لتنفيذ اتفاقية السلام بالشكل الصحيح والسليم هو تحالف الحركة الشعبية مع القوى الوطنية الديمقراطية بكل فصائلها وعناصرها لأن في ذلك دفعاً لعملية التحول الديمقراطي التي هي القضية المحورية في السودان في هذه المرحلة دون أن يؤثر ذلك على شراكة الحركة في السلطة الحاكمة... وهذه معادلة صعبة ولكنها ليست مستحيلة إذا عولجت المسائل بعمق سياسي وفكري وتنظيمي... وبهدوء بعيداً عن هذه الزوابع الإعلامية. إن أية محاولة لعزل الحركة الشعبية عن القوى الوطنية الديمقراطية بحجة أنها ضد السلام وتقريبها سياسياً إلى المؤتمر الوطني بحجة أنه الحريص على السلام ستؤدي إلى اغتيال السلام نفسه وإلى ضياع السودان... فانتبهوا