في أواخر شهر مايو جمعتني رحلة إلى مصر بالأستاذ عازف الكمان المعروف محمدية وبحفنة لا بأس بها من عازفي السودان الأجلاء الذين نكن لهم كل تقدير واحترام. منهم على سبيل المثال لا الحصر، جمعة عازف الكلارينت وآخرون، من الجيل الجديد، مثل الفنانة منار التي بدأت في تمثيل السودان في مهرجانات دولية.
شاءت السانحة أن نجلس هو بكمجته وأنا بعودي قرابة بعض. بادرت بالسلام والإجلال لشخصة وقلت له بعد أن سرحنا في الحديث: - يا أستاذ، الأغنية السودانية غير معروفة في الغرب، بيد أن أغان غرب أفريقيا من مالي والسنغال مثلا، قد ذاع صيتها في كل أنحاء أروبا، عبر فناني تراثها، مثال حميد كوتي ويسوندور، الذين صاروا الآن من نجوم الموسيقى العالمية. وكذا موسيقى الراي المغاربية، تتمتع بشعبية كبيرة. قلت له في آخر حفل لحبيب كوتي بصالة كبرى بمدينة زيورخ بلغني أن الأماكن كانت محجوزة، عن بكرة أبيها، وبدأ الفنان الحفل والشباك مقفول. هذا أجمل ما يمكن أن يحدث لفنان وهو يعلم أن تعبه وسفره قد كلل بالنجاح، وأن الباقي عليه في إقناع الحضور باللحن الجميل والأداء المتميز.
إذا ماهي العقبات التي تقف أمام الأغنية السودانية المعاصرة لتصل لأذن المستمع الغربي؟ قال لي محمدية كنت أسجل يوما مع الفنان محمد رودي العملاق بعد غياب له دام الثلاثين سنة. فكان وردي أمام المايك فناداني مشيرا لي بالحضور إليه؛ وقال لي: شايف يا محمدية. البساط المربعات، الأبيض بي أسود ده، كان موجود عندما سجلت المرة الأخيرة قبل ثلاثين سنة بالتلفزيون!
أردف محمدية قائلا:دعني أضرب لك مثلا؛ شايف، كل القنوات تشتكي شح الدخل وعدم إمكانية اشراك فنانين في البرامج المختلفة نسبة لباهظية الأجور التي تقتضي إشراك العازف والملحن والشاعر ووو. لذلك تُدخل آلة البيانو بتوزيع البلاستيك، كمَخرج للمآذق، بدل أن يجلب عازفون أو يتم التسجيل بعازفين معروفين، لذا يسجل اللحن بآلات وهمية، تفاديا لدفع الفاصوليا الباهظة!
استرسل محمدية قائلا: أنت عارف يا أستاذ، عندما كنت أسجل هذا العمل مع وردي قال لي هذا الأخير: - في أمريكا، لو المخرج قال للمنتج، دُقَّ لي مسمار في الحيطة دي، ولو كان المسمار بي ١٥ مليون دولار المنتج بدقو وما بسأل؛ ليه؟ والله السعر ده غالي! يا أخي خلينا نشوف مسمار زيو يكون رخيص، الخ!
هنا يعكس الأستاذ وردي والفنان محمديه أهمية أولويات الرتبوية في توزيع المسؤليات وما تنعكس عليها من نتائج في الترويج أو الدعاية للمادة السودانية بالخارج.
باختصار، إن عدم وجود الإمكانيات التقنية والمادية الوافية، وعدم توفر الكفاءات العالية المتدربة باستمرار، في مجال الإعلام الذي يتجدد في كل ساعة وكل يوم، يقف عقبة في وجه من أوجه الثقافة السودانية ويحيل دون انتشارها بالخارج.
لذى نرجع بالسؤال مرة ثانية ونحاول أن نضعه في نسق تطبيقي حقيقي:
لماذا لم يجد عبدالقادر سالم أو ستونة مجروس – رغم إختلاف "التموزر" بينهما في المضامين والفهم الموسيقوي - أي رواج بمهرجان أفريقيا بمدينة فينترتور السويسرية؟
هل الإعلام هو التكالة الوحيدة لعدم اقتحام موسيقانا لسماءات الغرب؟ أم العيب في السلم الخماسي؟ أم المعضلة في الأداء والتنفيذ، من لحن، أعتماد على الكلمات العربية، لشعوب لا تفهم هذه الأخيرة. هل الزخم الموسيقي هو السبب: ١٥ كمنجة وبنقز واحد؟ ألقلة المادة المهرمنة؟ أم لتجاهل الإعتماد على الإيقاعات، الخ؟ الكل يعزف كل الجمل الموسيقية ذات الصوت الواحد، الخ؟ من التجارب الجديدة الواعدة تجربة الفنان إحساس، لماذا؟
أسئلة كلها مطروحة للإفادة منها. والموضوع مطروح للنقاش.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة