حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 11:24 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-31-2011, 06:19 AM

طه جعفر
<aطه جعفر
تاريخ التسجيل: 09-14-2009
مجموع المشاركات: 7328

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! (Re: طه جعفر)



    ثمة إحساس انتابني وأنا أتابع ندوة روايتي فركة وقونقليز الفائزتان بجائزة الطيب صالح للرواية، والتي يرعاها مركز عبد الكريم مرغني سنوياً ويفتح أبواب التنافس للمتبارين لها، وكانت هذا العام من نصيب الكاتبين طه جعفر وهشام أدم.

    رواية فركة التي منعتها السلطات وأفرجت عنها لاحقاً كانت هي محور الحدث الاحتفالي الذي أتخذ مظهر الندوة النقدية، ولم يكن في رأيي سوي مهرجان صغير عند منحني زائف من من مسارات الصراع السياسي المتنفس عنه ثقافياً. حين عدت (بفركة) للمنزل _(فركة)الرواية وليست فركة الأخري بطلة الرواية وصاحبة العنوان التي صممها الكاتب بموصفات لا تستدعي سوي الرغبات والشبق (للنهاضة) تجار الرقيق والجلابة الدائرة أمانيهم في فلك من الرغبات الجسدية كما تخبرنا الرواية_ بدأت بقراءتها من موقعي كقارئ فقط لا أكثر، ثم رغماً عني لم ينفتح حواري وسؤالي مع النص علي متنه السردي وتقنيات الحكي عند الراوي، والتي كانت وحسب وجهة نظري عادية جداً (ومدفوسة) بعجلة مسافر تهم راحلته بالانطلاق بين ظلال أخيلة السياسي الكثيفة؛ لا في ذلك البعد الجمالي المحض والمتعلق ببنية العمل السردية ولكن في الوصف العادي واليومي لتحديد مفاصل القول السياسي كخطاب ومفرده مغموسة في الأيدلوجيا والتناول المباشر أو إن شئت قل اللون السياسي كممارسة تنتظم في حوار اليومي كنشاط ممارسة وشعار منحازة لموقفها بنفس بساطة أسئلة التصنيف العادية للانحياز والانتماء ( اللون السياسي) .

    يمني العيد الناقدة اللبنانية الكبيرة كانت تقول في أحدي مقالاتها النقدية بمجلة الطريق الأدبية والتي حولتها لاحقاً لكتاب، أن الأدب وفي حقيقته هو إزاحة دلالية للغة من سياق القول العادي الي مستوي الجمالي تضمر فيه الأيدلوجيا إلى أقصى حد داخل سياقاته ولغته الشعرية المزاحة عن موضعها وهي العملية التي تقدمه كنص أو رواية أو قصيدة، محايد ومكتفي بصنعته الجمالية وحدها دون سواها، ولكنها في نفس الوقت تقول بأن فضاء النص هو فضاء العبارة وان فضاء العبارة يحوم في فضاء أيدلوجي لا ينفك من أسرها، حيث أن عملية صناعة الأدب نفسه تقوم علي إزاحة الأيدلوجيا عنه شكلياً لا موضوعياً، لذا بحثت عن موقع الراوي في الشكل وفي تجليات ذاته الكاتبة في النص المختفية خلف النصوص وهو تحديد لا يتم إلا بمنهج؛ باعتبار أن المنهج هو نسق الأدوات المفاهيمية المستثمرة لإنتاج المعرفة بالأدب، واٍن كان خطاب النقد نفسه لا يفلت ربق النوايا فهو دائماً مشروط بظروف الصراع المجتمعي وبإشكال وصور ممارسة هذا الصراع في الحقل الأيدلوجي، ولا يعني ذلك أن النقد يعكس أو يلخص لحظات التناقض والصراع السياسي ولكنه جزء منها فاعل فيها قائم ضمن علاقاتها، ويقرأ مادته من النصوص التي يشتغل عليها وفقاً لموقعه، ويمكن له في ذلك أن يشحذ منهجه بشكل يجنبه مخاطر هذه الانحياز، متى ما تسلح بالموضوعية المطلوبة التي تعطيه هويته المعرفية، المستندة علي حقائق المنهج لا غيرها.

    ومن هنا بدأت افهم معني هذه الاحتفالية العارمة وحماسة ذلك الناقد الفصيح الذي يحاول أن يخفي غبطته بهذا النص الذي صادف هواه وأشواقه، في تراكيب الخطاب السياسي والفكري الجديد الذي أفرزته الأزمة التاريخية في السودان وأسئلتها في السياسة والسلطة والثروة والبعد العرقي لتركيبة النخب الحاكمة وعلاقة ذلك بسيادة وهيمنة الثقافة العربية الإسلامية، وما يدور حول ذلك من جدال، فبدأ الأخ الناقد مثل طالب في ركن نقاش جامعي، يعيد تكرار كلامه حول البنية المهيمنة ومرارة الرق الذي حاولت الرواية أن تعالجه ادبياً، وبين لحظة وأخري يستدرك في غمرة استعراضه (الأنسكلوبيدي) للمراجع والمؤلفين أن يحدثنا عن المفهوم (الأبستيمي) لقوله، والذي يعني به السلطة كموضوع معرفة لا مجال متعين، وتُهنا معه في تلك الفوضى المنهجية خصوصاً وأن الورقة نفسها لم يقم مركز عبد الكريم يمرغني بطباعتها وتوزيعها علي الحضور حتى نعرف مقصده، والناقد الذي كان يتحدث من ورقة أمامه، ولم يكن في كلامه يختلف كثيراً عن نبرات الخطاب السياسي، ألفناه في تعابير القراءات الثقافوية المحتدة والجامحة في التفسير، بفعل الشطط التاريخي السياسي والاجتماعي القائم في مفاصل السلطة، والذي لم يفسح مجالاً للتعدد الثقافي والعدالة في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية أن يعبر عن نفسه؛ بفعل سياق اجتماعي تاريخي صاحب تكون الدولة السودانية وطبيعة القوي الاجتماعية التي أدارت شؤونها، فشحذ هذا التيار الثقافوي سهامه باتجاه خاطئ للمكون الثقافي العربي في السودان، في تنميط سطحي وساذج دون أن ينتبه الي المواقع المختلفة للأفكار والتيارات في البنية السياسية والاجتماعية ومواقفها (إزاء) ذلك يتاجر بالعرقي والثقافي ، ونسي صاحبنا وهو يتحدث عن البني المهيمنة بماركسية (مشي حالك) تلك أن يُلزم منهجيا وموضعياً المصطلح المفهومي لفكرة البني المهيمنة إطارها المنهجي الضروري لفهمها وهو السياق التاريخي الذي يحمل أللأطر القيمية والأيدلوجية للرق كعلاقة اقتصادية في أسسها المادية، ومستوي آخر أيدلوجي يحمل سمة الزمان التاريخي للحالة في شكلها الاجتماعي. بمعني ان السيد الزبير باشا لم يكن مقدراً له في ذلك الوقت ان يعمل بتجارة (الشنطة) بين دمشق والخرطوم!! أو يفتح مكتباً للعقارات مثلاً بشارع الستين؛ ولكن ماذا نفعل مع الغرض حين يختلط بالمنهج في ضعفه ويصير مرضاً يُسقم حقل إبداعي مهم نراهن أن يضعنا في أفق جمالي وأنساني يجعلنا أكثر ثقة بالقادم ونبحث له عن عافية القراءة.

    أما عن رواية فركة نفسها المحتفي بها أيدلوجيا لا جمالياً للكاتب (طه جعفر) فهي رواية متوسطة الأداء بغض النظر عن موضوعها الذي يحاول أن يسلك مسلكاً أدبياً فكم أضحكني حقاً في فصلها الأول أن تعود بطلة الرواية بعد وقت قليل من اختطاف النهَّاضة لها (تجار الرقيق) بالذاكرة والحنين إلي قريتها والي طفولتها هناك وتسترجع ذكرياتها الحبيبة بين الأهل والأمهات وأترابها؛ مدهش جداً، في خضم هذه الحالة النفسية من الهلع والخوف وأسي الأسر والمصير المجهول وهذه الورطة الحقيقة سيكون كل تفكير الإنسان منصب علي مخرج له،أو معطلاً بالكامل بفعل الفزع من هذه الورطة التي ألمت به ، بينما هذا الحنين إلي الطفولة والأتراب لا يحدث غالباً علي المستوي النفسي إلا إذا استقرت في غربة بعيدة وانفصلت في المسافة والمكان لزمن طويل؛ ثم ينشط حنينها الاسترجاعي للطفولة والذكريات.

    ولكن كاتب الرواية يبدو أنه كان يركض ركضاً للوصول لشندي وملاقاة (مكَّها) وعينه علي أحداث المكان هناك. ثم نجد أنه وفي نفس الطريق تتعرض البطلة المسترقة لمحاولة اغتصاب من الحراس ليلاً؛ وهي وسط هذه المحنة النفسية القاسية كان عليها في خضم محاولة انتهاك جسدها أن تقارن وتفكر! يقول الكاتب علي لسان البطلة (فركة لم تكن تدرك ما يريد لم تعرف من قبل مثل هذه الأمور ثم ضمت فخذيها حينما أحست انه يستهدف عريها)!! وكاتبنا مره أخري يحاول أن يقيس بمقياس من اللامعقول والسذاجة المفرطة معاً في ضبط لحظة انفعالية حساسة في المشاعر الإنسانية تدرك بغريزة اللحظة والحال، فحين يهاجم رجلاً ما فتاة بقصد اغتصابها عنوة؛ في مثل هذا الوضع بالتأكيد لا يكون لهذه المرأة أو الفتاة تفسيراً آخر لهذا الهجوم سوي أنه يريد أن ينال جسدها، فلا يمكن أن يكون مثلاً قاصداً نشلها مبلغاً من المال. ولكن فركة التي لم تعرف هذه الأمور بحسب الراوي ولم تشهد مثلها في بيئتها البريئة والطاهرة، لم يكن أمام القارئ سوي الحل البسيط والسحري هو أن يدمغ هذا السلوك المشين للنهاضة تجار الرقيق، باعتباره سياق ثقافي موروث ومجلوب من قيمهم، بمعني أن الاغتصاب كفعل قبيح مجلوب أيضاً إلي وعيهم من المجال الثقافي والقيمي الذي جاؤوا منه (كجلابة) جبلوا علي الكبت الجنسي وطابوهات التحريم، والمقطع لا يخلو من ظلال سياسية وطرافة أيضا، ومن مراجع أفكار طًرحت من قبل ومازالت تنافح بخيالات أيدلوجية هاربة، قدمتها اتجاهات أدبية حديثة كمدرسة الغابة والصحراء، التي بحثت بشغف في شعريتها عن مكان متوهم في الجمالي لهويتنا الثقافية كانت فيه خلاصاتنا القديمة ترتع في براءة وطهر وتنسجم مع طبيعتها الإنسانية، وبأي حال لم تكن سوي تلفيق حضر بقيمته الأدبية المبدعة والعالية كخيال ونزوع بين نصوصه الشعرية ناضج في الجمالي وفقير الرؤى في حقائق الواقع السياسي.

    ثم في الطريق إلي شندي نرافق (فركة) وأترابها وخاطفيها وسرد الكاتب (البوليودي) حتى تظهر أمامنا أهرامات البجراوية ومره أخري لن يدهشنا إن البطلة المسترقة فركة ستدخل مع هذه الأحجار والمنقوشات المروية القديمة في حوار داخلي يريده الكاتب كي يؤكد من خلال تبني بسيط وغر لأطروحة الأصل والهوية أن يعيدها كمعضلة تاريخية وسياسية إلى جذرها الأفريقي السعيد، وفي هذا الأمر تحضرني بعض مقولات السياسي اليومي الطريفة التي حاولت في جزافيتها وترقيعها لخطاب الأصل العرقي أن تداهم دراسات التاريخ القديم وتسقط علي الماضي بعض أوهامها مثل الحديث عن ان بناة الأهرام كانوا سودانيين وان أنف أبو الهول تم أزالته لأنه كان أفطساً يشبه أنوف أهل الجنوب من السودان وتقاسيم وجوههم؛ وكأن في ذلك التاريخ الغابر عرفنا كسودانيين وعرف المصريين كمصريين بعواصم رسمية وعلم ونشيد وطني وحدود وعملة وفريق قومي!! ففي صفحة (51) تشاهد (فركة) أهرامات البجراوية وتحس أن شيئاً ما يربطها بهذه الأبنية وبدا الاقتراب من هذه البنية لفركة كأنه سفر في الروح سفراً من القلب إلي القلب، حتى أنها نسيت نفسها ونسيت تفاصيل العذاب المر الذي أذاها وألم بجسدها ومزق روحها، هذه الأهرامات الأثرية بصورها ونقوشها ستدخل مع فركة في حوار عجيب داخل صفحات الرواية وتتحدث معها كائناتها المرسومة من قرود وطيور؛ حتي أنها قالت أن صور الناس المنقوشة تشبه صور أهلها في تفاصيل أجسادهم وعضلاتهم المفتولة وراقصي (الكمبلا) تري ماذا لو كان تجار الرقيق من أهل مصر أو أن (فركة) المسترقة أرسلت لأسواق الفسطاط قطعاً ستري في أبو الهول جدها لأمها أو خالها القريب بحسب حيثيات كاتبنا الموغلة في بساطة الوصف وضعف الفكرة التي تشد حبال السياسي أكثر من نسجها علي منوال من الحكي والسرد.

    ثم نأتي (لحسان ود المك ) في شندي الذي يقول عنه الكاتب واصفاً شخصيته أن بها (سفالة الرغبات العارمة نشأ بليدا وكبر بجهله وغباوته يهتم بمظهره وفراشه وركوبته وطريدته من عواهر شندي الأرقاء يبذل المال علي ملذاته ويعتقد أن المال يشتري له كل شي حتى قلوب العذراى) حسان بن المك سيداهم فركة في فراشها (تمدد في الفراش متبذلاً عن ملابسه وعن شرفه الشخصي ومنحطاً كخراء حمار يدردقه ابو درداق في رمال ساقية ) ويبدو أن كاتبنا وهو يوسع حسان بن المك بهذه الشتائم لم يجد مجالاً في دروب التعبير الكثيرة غير هذا البعد وهو ينتحل في مقام الكتابة دور الراوي الذي يقف بين شخصياته مفصلاً لأدوارها في بنية العمل المحكي ، لم يجد سوي هذه الجمل المنتقاة من قاموس الشتائم، لا من تدابير الكتابة الروائية الناضجة والمستبصرة بأدواتها الإبداعية، والمعنية في عملها بتحقيق قيمة جمالية وإبداعية ومتعة يغنمها القارئ لما تقوم به، ويعكس نظرتها للوجود في هذا الحقل بأدواته وتقنياته فقط لا بالرغبة في تسجيل موقف مكشوف علي باحة السياسي الأيدلوجي. وفي هذا الأمر أي المبسوط للقارئ في العمل الفني الراوي القائم علي وصف الشخصيات. وفي البناء الحكائي الروائي لا يمكن أن يختزل في السرد بهذا التبسيط ولا يمكن أن تكون الشخصية في العمل أو في الحياة ملقاة علي بسيط في التوصيف يختزل حالتها الوجودية لهذا الحد . ولكن سعي الكاتب القائم علي الثنائية البسيطة بين الخير والشر، أو الجلابة والعرب، وهم بين محض الخير ومحض الشر ، ولهاثه لتسجيل موقف لنصرة فريق علي فريق ليس إلا!

    ثم أن رمال الساقية! هنا يبدو وصف عجيب ينقل الساقية من الضفة الطينية لصحراء تحوطها الرمال.كان من حظ كاتب هذا المقال أنه وفي طفولته الباكرة قد شاهد ساقية أو ساقيتين في قرية والدي (الجول) بجهة الباوقة ينجزان مهامها في العمل قبل الزوال وطغيان عصر(البوابير والطلمبات) ولم أشاهد أبو الدرداق قريبا من ضفة النهر ولم اسمع بذلك ولم أري رمال بالقرب من السواقي؛ ولكن لا حدود للوصف وصنعة الخيال في اختيارات الكاتب وشخصياً أجدها منسجمة مع الوصف بخراء حمارها الذي يدردقه أبو الدرداق وبالطبع لا نطالب الأدب بأن يمثل الواقع تمثيلاً يكون فيه بدقة كاميرا، ولكن الكتابة عن بيئة محدده يتطلب أن تملك معرفة معقولة علي الأقل بهذه البيئة تمكنك من تجويد صورتك.

    وهنا يحضرني مشهد آخر في رواية قونقليز لهشام أدم التي هي الآن بين يدي .. فحين يتحدث في صفحة (11) علي لسان البطل عن حادثة غرق قديمة شارك فيها في غسل الضحايا ولنا عودة لرواية هشام ادم ولكن لما كانت بيني وبين النهر علاقة قديمة ومسافة مرمي حجر من منازل عشيرتي ورأيتُ الجثث الطافية وهي تجر بكلابات المتطوعين من منتصف النهر الي الشاطئ وغصت مع آخرين لأعماق بعيده في ظلمة النهر مسلحين بالشناكل والهلب بحثاً عن غريق مازال سوائله متشبثة بالقاع ..سيعرف حتماً أن العرقى لا يتم غسلهم حسب ثقافة ساكني الأنهار ومعتقداتهم وسنعود لرواية قنقليز لهشام آدم إن مد الله في أعمارنا.

    ومع راوية فركة نتجول في خيال الراوي، يموت حسان ود المك ويكون موت هذه الشخصية السريع مفاجئاً لنا لكن الكاتب أراد أن يستفيد من هذا الغياب روائياً !! يبكين عليه النادبات من النساء المسترقات وينشدن له المراثي (ما هو الفافنوس ما هو الغليظ البوص) وغيرها مثل (يا هو الكريم أجواد ..ألخ)وهنا يتدخل صوت الراوي بوضوح نافياً عن حسان هذه الصفات التي لا يستحقها في المرثيات النادبة له والمسجلة لمآثره قائلاً أنه لا يستحق ذلك؛ وقصة ما هو الفافنوس ما هو الغليظ البوص كما حمل إلينا التراث الشفاهي قالوا أنها قيلت في عماره ود المك نم، وأن صاحبة القصيدة شقيقته بنت المك نمر، حينما مات بالجدري؛ وكثير من المرثيات نظمنها نساء مسترقات في أسيادهن. ويبدو أن الكاتب في وجه هذا التراث الشفاهي من المرثيات الجميلة دخل في حيرة، فكيف يخرج فضاء الرق القاتم هذه الصورة من الانتماء العاطفي الحميم بين المرأة المسترقة وسيدها، فلم يجد سوي تجريد حسان من من مآثره وجريان سؤاله علي لسان البطلة فركة المستغربة لعويل المسترقات علي حسان ودموعهن بأنها متناقضة مع وضعيتهن كمسترقات، وهذا السيد الذي أذل ظهورهن بالقهر وهو سؤال نشكر الكاتب عليه، لا علي تفسيره المتواضع، وهو ينفتح علي الفضاء التاريخي لعلاقة الرق في السودان والبحث العميق في مضامين تلك المرثيات التي نظمنها نساء كن في وضعية الاسترقاق، حول الوظيفة الاجتماعية والثقافية لهن كصوت دعائي تبجيلي معبر عن ملاكهن في الأفراح والأحزان، وبالتالي فأن هذه الوظيفة الاجتماعية، التي تحتاج فعلاً إلي بحث ومعمق، كان يتبعها بالضرورة موقع اجتماعي خطير موازي لها، يحوطه التبجيل والتقدير كصوت معبر ومنافح عن مسترقيها، وبالتالي تصبح مرجعاً في ضبط القيم التي يجب أن يتحلي بها الجميع، من كرم وشجاعة وبذل للمال، وبالتالي تكون جزءاً أصيلا في أنتاج هذه القيم وحارساً أميناً يخشي جانبه بامتلاكه لأدوات النظم والوصف في المدح والمراثي معاً.

    وفي وصف شندي نفسها مكان الحدث الروائي نجد نفسنا في ماخور كبير يعتمد علي تجارة الرقيق، وحتي أن المك كما يطلق عليه الكاتب، والأمر لا يحتاج لذكاء كبير حتى تعرف أنه المك نمر، كان يستخدم جواريه في تجارة الجسد ويرسل عبيده لمراقبتهن وتحصيل ريع أجسادهن، وهنا نذكر طيب الذكر المبدع والدكتور أبكر أدم إسماعيل في أحدي قصائده التي أثارت لغطاً شديداً في بداية التسعينات وسط فضاء سياسي كانت أطروحة الهامش والمركز وتمفصلات العرقي في الطبقي كما في أطروحة أبكر نفسها تعلن عن نفسها، وأبكر أدم إسماعيل روائي وشاعر مجيد وعظيم له روايات غنية قي عمقها ومفرداتها ومادة حكيها؛ ظهرت لأبكر في ذلك الوقت قصيدة تحاول أن تصادم الراسخ في الوعي التاريخي لصور إبطال وطنيين تمت رعاية صورهم بكثير من التبجيل والتعظيم، فكتب أبكر ليعيد صياغة تاريخهم بالصورة التي يراها هو شعرياً، فكتب أن مهيرة بائعة مريسة، والمهدي نخاس غيرها من الأوصاف التي أزعجت أولاد البحر حين نال علي غُرة من تاريخ رعوه بالأغنيات والمآثر. والقصيدة عن حق كانت قصيدة ركيكة ولا تتناسب مع تجربة أبكر الكبيرة وقصائده الأخرى التي لم تتوسل في نظمها رائحة أخري غير رائحة الكتابةِ الشيقة، ولكن يبدو أن قصيدة أبكر أوحت للراوي أن ينصب المك نمر مكاً و########اً في نفس الوقت، بإيحاء من قصيدة أبكر أدم إسماعيل، ولن نقول في تناص لأن التناص أجراء ذهني معقد يتم علي مستوي النصوص المقروءة ثم يعاد تقديمها ضمن أفق الرؤية الخاصة التي يتناولها الكاتب؛ ولو كان هنالك ثمة تناص بهذا المفهوم المعقد فسنجد الكثير من الذي يمكن أن يدلنا علي قراءات كثيفة وجادة ونوعية لكاتبنا؛ فقط إيحاءات قصيدة أبكر ادم إسماعيل وموضوعها الذي قامت عليه وما سبق أن اشرنا أليه من نذُر رشته علي الباحة الواقعة بين سؤال السياسي والأدبي الذي خلفه مسار مدرسة الغابة والصحراء، ثم تأتي مع الخاتمة العجيبة حين تعود البطلة المسترقة فركه لديارها عبر توظيف أسطورة (ابو لمبه) شيطان الصحاري الذي يقود المسافرين إلى التيه والهلاك والموت بتضليلهم بضوئه الذي يتبعونه في الفلوات وحرف مسارهم عن مضاربهم. ويبدو أن (ابولمبه) كان رحيماً بفركة حينما قادها عبر تضاريس ومسافات بعيدة لموطنها كان بوصلتها بدلاً من رحلتها للتيه في الصحاري وتري في مسافتها بين اليقظة والحلم والرؤيا كل طريق الآلام التي قطعته في أسرها تعود وتتزوج من ابن عمها (عجبنا) سيناريو خيالي للعودة يفوق احتمال أي قارئ صبور.

    إذاً؛ فازت الرواية بجائزة الطيب صالح، وكان تناولها لموضوع الرق هو مصدر احتفال لجنة مركز عبد الكريم ميرغني، دون المعاينة التقنية والفنية والحكائية للعمل موضوع التنافس، والتي هي في غاية الضعف، ولكن يبدو أن ثلة نقاد مركز عبد الكريم ميرغني، وسط حالة الشح وفقر المشهد الثقافي من نقاد جادين ومرتكزين علي قدرات معرفية نقدية محترفة، وفي ظل أجوا سياسية أفقرت الوسط الثقافي بعوامل الهجرة والرحيل، وتعليقه كنشاط هامشي في الحياة العامة، كماالنظر إليه بحذر وطغيان فكرة العلاقات العامة علي المجال الثقافي نفسه الذي يعتمد في تقييمه علي المعارف والصداقات بدلاَ من الإنتاجات الفكرية النقدية الجادة، والتي تكاد ان تخلو منها أرفف مكتبات الخرطوم، يجعل كل ذلك جائزة الطيب صالح تعيش أسوأ أوقاتها، وتنداح علي مناقشاتها سطحية كبري بدلا من النقاش العميق والتقييم الجاد للمكتوب، كما ترتبط بأهواء أيدلوجية علنية لا تفصل بين قراءة الأدب كأدب وسهولة السقوط في حبائل اليومي السياسي المرتبط بتحديد المواقف من قضايا فكرية وسياسية عامة كموضوع الهوية الثقافية.

    لن أقول أن الطيب صالح في قبره الآن سيكون حزيناً، لكنه قطعاً سيضحك بسخرية علي اسمه الذي يفصل الأن علي مقاس ضيق الفكرة خفيف القيمة في الكيف والكم والمعني، والطيب صالح وهو الروائي الكبير الذي أمتد بمتعته المحكية والمشهدية في كل أرجاء اللغات، مقدماً المناخ الإنساني لقرية صغيرة عند منحني النيل في السودان بكل حياتها وشخوصها العبقرية حية تسعي بين كل ركن في العالم ، بمتعتها المقروءة وفلسفتها التي تختزل الوجود في حوار أو وصف ينبض حياً بين الصفحات، لا يمكن أن تنتهي جائزته لهذه الصيغ الركيكة من التناول والاحتفاء. لذا وكما كتبت في العنوان اكرر مطلوب تأهيل نقاد سودانيين حتى ننقذ الرواية، وننقذ الطيب صالح نفسه، من شغيلة التدابير اليومية وتكنوقراط النقد. وهي رسالة صادقة أوجهها لنقادنا أن يجعلوا من المعرفة النقدية مسؤولية واهتمام وأن لايبددوها بوهم التواجد في الندرة فقطعاً هو تواجد خادع. بينما اقول عن صدق أن الرواية لا تخلو من إشراقات أدبية، وإن كانت قليلة ومهدره في سعار الكاتب ولهفته في إبراز التناقضات البسيطة بين خيرنا الإفريقي والزنجي العميم وشرورنا العربية المستطيرة المتمثلة في الجلابة. هذه الإشراقات ستفسح له المجال مستقبلاً كي يستوي عوده علي درب الرواية، ويحجز مقعده كراوي سوداني أصيل وخلاق في إبداعه، دون أن يجعله هذا الفوز الذي هو ثمرة أزمة حقيقية وضاربة في الحقل الثقافي بكل إضلاعه، أن يظن أن هذه هي الصورة المطلوبة والوضع الطبيعي لاكتشاف الموهوبين كي يكون الراوي راوياً. وله شكري الخاص علي إهداء كان قد سطّرَه لي في مقدمة روايته ممهوراً بتوقيعه الكريم..ولكن تهادوا تحابوا وأيضاً قيل...... (أكتبوا واختلفوا).
    ______
    [size=10]هوامش

    (1) يمنى العيد..(مقالات متفرقة بمجلة الطريق اللبنانية)
    (2) محمد الأزدى..مناهج النقد العربى الحديث



    اعلاه
    المكتوب بالاحمر هو ما كتبه الناقد حاتم الياس في سودانفورال ارجو منكم شاكرا مراجعة منبر الحوار في سودان فورال للتدقيق.
    تمنيت لو أن الاخ حاتم الياس اجري فرزا و تمييزا بين ما يعنيني ككاتب و ما يلي الدكتور احمد الصادق كناقد و ما يلي النص كوجود موضوعي بدلا من هذه الصيغة المبتسرة التي تعكس درجة كبيرة من عدم الاحترام لا لجهدي ككاتب و لا لجهد الدكتور احمد الصادق كناقد و لا للنص كمشروع جمالي. لكنها امور المنابر الالكترونية التي يسترخص بعض اهلها كل غال و نفيس لارضاء تشوهاتهم
    .



    طه جعفر

    (عدل بواسطة طه جعفر on 05-31-2011, 11:54 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 05:54 AM
  Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 05:57 AM
    Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 06:00 AM
      Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 06:04 AM
      Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 11:31 AM
  Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 06:19 AM
    Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 06:25 AM
      Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 06:33 AM
      Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 06:34 AM
        Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! سيف النصر محي الدين05-31-11, 10:01 AM
          Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 10:27 AM
            Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 11:01 AM
    Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 01:19 PM
    Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 01:41 PM
      Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 08:00 PM
        Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! محمد حيدر المشرف05-31-11, 08:34 PM
          Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! محمد حيدر المشرف05-31-11, 08:50 PM
            Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 09:08 PM
          Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر05-31-11, 08:59 PM
            Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر06-01-11, 06:31 AM
              Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! سيف اليزل الماحي06-01-11, 12:26 PM
                Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! mohmmed said ahmed06-01-11, 03:53 PM
                  Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر06-01-11, 07:18 PM
                Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر06-01-11, 04:07 PM
                  Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! Kabar06-01-11, 05:00 PM
                    Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر06-01-11, 06:54 PM
                    Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! Hussein Mallasi06-01-11, 07:02 PM
                      Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! Hussein Mallasi06-01-11, 07:05 PM
                        Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر06-01-11, 07:10 PM
                      Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر06-01-11, 07:12 PM
                        Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر06-02-11, 11:11 PM
                          Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! Isa06-03-11, 10:33 AM
                            Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر06-03-11, 10:20 PM
                              Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! طه جعفر06-05-11, 11:35 PM
                                Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! حامد بدوي بشير06-06-11, 05:43 AM
                                  Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! حامد بدوي بشير06-07-11, 06:28 AM
                                    Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! حامد بدوي بشير06-08-11, 05:26 AM
                                      Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! mohmmed said ahmed06-08-11, 06:09 AM
                                        Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! حامد بدوي بشير06-08-11, 06:44 AM
                                          Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! mohmmed said ahmed06-08-11, 07:04 AM
                                            Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! حامد بدوي بشير06-08-11, 08:54 AM
                                            Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! mekki06-08-11, 09:03 AM
                                              Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! Isa06-08-11, 06:18 PM
                                                Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! osama elkhawad06-09-11, 00:42 AM
                                                  Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! حامد بدوي بشير06-09-11, 12:52 PM
                                                    Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! Hussein Mallasi06-09-11, 02:23 PM
                                                      Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! الصادق اسماعيل06-09-11, 05:03 PM
                                                        Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! حامد بدوي بشير06-10-11, 07:14 PM
                                                          Re: حاتم إلياس و مازن مصطفي ناقدان من طراز فريد! osama elkhawad06-10-11, 10:39 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de