|
أصدقاء الرخاء ثقال عند الفزع خفاف عند الطمع
|
يقول المثل السائر ( الصعاب تظهر الأصحاب ) فما أكثر أصدقاء الرخاء وما أقل أصدقاء الشدائد فكل الناس في الرخاء أصدقاء و أعوان وعلى وجه الخصوص من كانت الدنيا له مقبلة بمنصب أو مال فالناس ميالون لمن ملك المنصب أو المال فيكثر سماره ويتقاطر له تقاطر النحل للزهر فتجدهم يخدمون صاحب المنصب و المال ولو لم يجدوا عنده نفعا الآن على أمل أن ينفعهم آجلا لا عاجلا أو يتزينوا بصحبته ، لغرض التباهي في أوساط معارفهم وأصدقائهم , لكن إذا قلبت له الدنيا ظهر المجن ، وأوكست بعد ان كست وأوحلت بعد أن حلت وادبرت تلك النعم بعد ان أقبلت وحلت النغم وانفض السوق ، يصبح أصدقاء الأمس يتنكرون أفضاله وينسون أيامه . ولذلك توجب على العاقل الفطن وصاحب الفطرة السليمة عدم الركون إلى الناس مطلقا بل الركون إلى الله وحده والاتكال عليه في كل الأحوال والأمور , لأن الناس سحابة صيف وتقشع وذباب طمع يتزود بزاد ثم يطير وسيكون جزاء المعروف التنكر والشماتة والتشفي ، فمثل هؤلاء الأصدقاء خفاف عند الطمع ثقال عند الفزع ..والأيام دول ، فمن سره زمن ساءته أزمان والمصاعب تكشف معادن البشر فمنهم التبر ومنهم التراب ، فإذا زارتك شدة فاعلم أنها سحابة صيف عن قليل تقشع.. ولايخيفك رعدها ولايرهبك برقها فربما كانت محملة بالغيث..وخير المصائب ما تكشف لك معادن الآخرين ، فالذهب يفتتن بالنار
يقول الحريري موصيا أبنه
لا تغتر ببني الزمان ولا تقل عند الشدائد لي أخ و حميم جربتهم فإذا المعاقر عاقر والآل آل و الحميم حميم
(والمعاقر هو من يسمر معك و الآل الأولى هي القرابة والثانية السراب و الحميم الأول الصديق الصاحب والحميم الثاني الماء الحار المؤذي ) و لقد سأل حكيم كم صديق لك ؟؟؟ قال : لا أعلم لأن الدنيا مقبلة على و الأموال موجودة لدى و إنما أعرف ذلك لو زالت الدنيا و ذهبت الأموال . فالصديق الحقيقي من تجده في الشدة قبل الرخاء ، وفي الكرب قبل الفرح، من إذا مرضت عادك، وإذا فرحت فرح لفرحك ، من يذكرك بالطاعات ، وينهاك عن المحرمات ، من تشكو إليه همومك ويشكو إليك همومه ، وقد ورد في الحديث الشريف سبعة يظلهم الله في ظله ...( رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ) فالصداقة الحقة تنشأ في الحق وتعيش مع الحق وتبحث عن الحق فرقة واجتماعاً . قال الإمام الشافعي - رحمه الله :
إذا المـــــرء لا يرعــاك إلا تكلــفـا = فــدعــــه ولا تكثر عليـــــه التأســفـا ففى الناس أبدال وفى الترك راحة = وفى القلــب صبـر للحـبـيـب ولو جفا فلا كـــل من تــهواه يهواك قــلبــه = ولا كل من صــافيتــه لك قــد صــــفا إذا لم يكن صفو الـوداد طبـيــــــعة = فلا خـــيـــر فـى خـل يجىء تكــــلفــا ولا خير فى خــل يخـــون خليـلــــه = ويـــلقــاه من بعــد المـــودة بالجفـــا وينكر عيشـــا قــــد تقــدم عــهـــده = ويظـــهر ســراً كان بالأمس قد خفا ســلام على الدنيـا إذا لم يكن بهــا = صديق صدوق صادق الوعد منصفا
|
|
|
|
|
|
|
|
|