|
الأستاذ النعمان حسن في (حصاد التجربة) عبر (أجراس الحرية)حوار:خالد فضل
|
الاستاذ النعمان حسن أحمد، أحد الذين تنطوي تجربتهم في الحياة على كثير من المحطات والنشاطات، اذ هو في التعريف السياسي عضو المكتب التنفيذي للهيئة العامة للحزب الاتحادي الديمقراطي حالياً، وفي المجال الرياضي عضو المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية السودانية ورئيس الاتحاد العام للتجديف. نقابياً، سكرتير نقابة مفتشي وزارة التجارة (67 ـ 1969م) وتنظيمياً، نائب سكرتير اتحاد الشباب السوداني (64 ـ 1969م)، ظل عضواً نشطاً في الحزب الشيوعي السوداني منذ العام 1959م وحتى 1986م، شهد وقائع ماتزال بعض أسرارها مطمورة، خاصة أحداث حركة 19 يوليو 1971م، التي يقول عنها أن قوة ثالثة ما بين قادة الحركة وقادة مايو كانت وراء بعض وقائعها وحاولت الاستفادة من أجوائها لتصفية قادة الحزب الشيوعي وقادة مايو معاً. الحوار معه شيق ولايخلو من قيمة توثيقية لبعض حقب تطور تاريخها السياسي.. الى ذلك فالرجل خريج اقتصاد وعلوم سياسية في جامعة الخرطوم سنة 1963م ـ فالي حصاد التجربة: * متى ولماذا انضممت للحزب الشيوعي السوداني؟ - أنا جزء من مرحلة مرًَّ بها معظم الشباب في جيلنا، ففي المرحلة الثانوية كان لدي انتماء عاطفي للاتحاديين بحكم نشأتي في بيت اتحادي ختمي، وشاركت في تلك المرحلة في ليلة سياسية لعلي عبدالرحمن في الانتخابات، تلك كانت مرحلة الثانوي وأنا من توتي وفي ذلك البيت الختمي حتى العام 1959م. * مرحلة جامعة الخرطوم والانحياز الفكري؟ - في سنة 1959م قبلت في جامعة الخرطوم في كلية الاقتصاد، ولم تكن هنالك أية فرصة لانتماء غير عقائدي، وفي حلقات النقاش لم يكن لدي فكر أو برنامج اتحادي كي أطرحه مما دعاني للبحث عن انتماء فكري. * خلية البعث وتفتح الآفاق! - الطريف أنني تعرفت أولاً على حزب البعث وشاركت في أول اجتماع له بالجامعة وكان يتزعمه في ذلك الوقت عبدالله عبدالرحمن المشهور بـ (invisible)، وقد استشهد لاحقاً متأثراً باصابته بطلقة نارية ابان ثورة اكتوبر توفي بعد عام تقريباً. مجموعة حزب البعث ومن خلالها قُدِّم لنا ميشيل عفلق ومن ثم قرأت كتب الماركسية فانصرفت عن البعث الى اتحاد الشباب السوداني بل صرت عضو مجلس تنفيذي لثلاث دورات، ومن ثم درجت لأصبح عضواً في خلية الشباب في الحزب الشيوعي حتى قيام انتفاضة أبريل 1985م. * الشيوعي وسلطة مايو!! - عضويتي في الحزب الشيوعي السوداني ومن خلال ارتباطي به جعلني جزءاً من نظام شمولي خلال الفترة من (69 – 1971م). * اذن كنت مشاركاً في انقلاب مايو أو مؤيداً له؟ - عندما قامت مايو، كان من المفروض أن أسافر الى جمهورية تشيكوسلوفاكيا للدراسات العليا بعد يومين تقريباً وهنا وقعت لي مصادفة غيرت مجرى حياتي. * ما هي تلك الوقائع؟ - يوم 25 مايو 1969م، أصدر الحزب الشيوعي السوداني بياناً عن الانقلاب وصفه فيه بأنه انقلاب برجوازية صغيرة مما أثار الارتباك وسط قواعد الحزب وأثار الغضب وسط بعض قيادات مجلس الثورة. * وما دورك أنت في هذا الموضوع؟ - أنا كنت على علاقات قوية وصلة قربى حتى مع (5) من أعضاء مجلس قيادة الثورة وكانت علاقتي قوية جداً بالمرحوم زين العابدين محمد احمد عبدالقادر، والذي كانت تربطه علاقات قوية كذلك بعبد الخالق محجوب ومحمد ابراهيم نقد وآخرين من عضوية الحزب الشيوعي وقياداته، لذلك تم استدعائي للقيادة العامة بوساطة الرائد أبوالقاسم هاشم. * ماذا دار في ذلك الاستدعاء؟ - وجدت بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة منفعلين وعاتبين على بيان الحزب الشيوعي باعتباره تقليلاً من الثورة رغم انها كانت قد تبنت أدبياتهم. وبالفعل نقلت وجهة النظر تلك الى عبدالخالق محجوب وقيادة الحزب، وتم اصدار بيان توضيحي آخر. * ارجاء السفر للدراسة؟ - بعد تلك الواقعة تم ارجاء سفري للدراسة في تشيكوسلوفاكيا باعتبار حاجة الحزب لشخص يشكل صلة بينه وبين أعضاء مجلس قيادة ثورة مايو وقد أصبحت بالفعل حلقة الوصل تلك طيلة عامين 69 – 1971م علماً بأنني كنت ضمن مجموعة عبدالخالق محجوب، اذ كانت هناك مجموعة الانقساميين. * هل من مهام محددة قمت بها كنماذج لمهمتك تلك؟ - في نفس اسبوع الانقلال جاء مستر بين لايف تحت ستار موفد صحيفة البرافدا السوفيتية وهو في الأصل رجل استخبارات، وكانت مهمته التعرف عليَّ وابداء التعاطف مع الثورة الجديدة وقد كانت للحزب حاجة بأن يجتمع بين لايف بالقيادة وقمت بذلك الدور حيث قدمته لأعضاء مجلس قيادة ثورة مايو. * ثم ماذا؟ - تم تعيين احمد سليمان سفيراً في موسكو في ذات الاسبوع الأول للثورة، وتم تكليفي من الحزب الشيوعي بالسفر الى موسكو للمتابعة مع لايف ولم يكن احمد سليمان يعلم بمهمتي الحزبية. * المفاوضات العسكرية في موسكو!! - في رحلتي لموسكو وقع حدث مهم، اذ كان هنالك وفد عسكري رفيع يقود مفاوضات هناك قبل وقوع الانقلاب، وبعد وقوع الانقلاب حاول احمد سليمان ايقاف ذلك التفاوض على أن يترأسه هو باعتباره سفيراً جديداً للسلطة في الخرطوم، وهنا انبرى له الملحق العسكري محمد عثمان هاشم ورفض رفضاً باتاً أن يترأس المفاوضات شخص مدني حتى لو كان السفير. * كيف حُلَّت هذه المشكلة؟ - تم طرح فكرة ارسال برقية للخرطوم لفك الاشتباك، لكن الروس رفضوا تلك الفكرة بحجة أن البرقيات الصادرة تمر عبر لندن وربما تم فك شفرتها هناك، لذلك تم تكليفي بالعودة الى الخرطوم لطرح المشكلة على القيادة وبالفعل حضرت للخرطوم وعرضت الموقف فتم ارسال وفد بقيادة خالد حسن عباس لاكمال المفاوضات مع موسكو، وأذكر أن الرئيس نميري كان قد اقترح أن يسافر هو بنفسه على قيادة الوفد، لكن تم اثناؤه عن تلك الفكرة باعتباره رئيساً جديداً لايصح أن يكشف عن توجهات حكومته بهذه السرعة في المجال الدولي. * ما السر وراء لعبك لهذه الأدوار المهمة؟ - هذا الوضع للأمانة وجدت نفسي فيه ليس بسبب تميزي عن الآخرين، ولكن بسبب علاقاتي العميقة التي جمعتني بالطرفين، الحزب وقيادة الثورة. * أنت تتحدث عن الحزب الشيوعي رغم اشارتك السابقة الى أنك ضمن مجموعة عبدالخالق.. هل كان الانقسام قد بلغ مداه في ذلك الحين؟ - في الواقع قبل انقلاب مايو 1969م، كان هناك انقسام في الحزب، وداخل اللجنة المركزية، كانت هناك مجموعة عبدالخالق، ومجموعة أحمد سليمان ومعاوية سورج وفاروق أبوعيسى.. وقد وصل الانقسام لمرحلة ضرورة عقد مؤتمر عام تقرر له يونيو 1969م لكن الانقلاب عاجل الموعد المضروب لقيام ذلك المؤتمر. * وعلى أي أساس تم اختيار بعض الشيوعيين في حكم مايو؟ - في اختيار مجلس قيادة الثورة لم يكن هناك علم بالانقسام وتم التعامل مع الحزب باعتباره موحداً، لذلك تم اختيار الشهيدين بابكر النور وهاشم العطا وهما من مجموعة عبدالخالق. وعندما جاء اختيار مجلس الوزراء كان بابكر عوض الله رئيس الوزراء وهو لم يكن عضواً بالحزب وان كان محسوباً على قوى اليسار وهو كذلك كان محسوباً بتأييده للمجموعة المنشقة مما أدى لغلبة مجموعتهم في مجلس الوزراء. * كيف ترى الآن موقف مجموعتكم من الانقلاب؟ - أعتقد أن الحسابات كانت خاطئة من مجموعتنا باعتبار ان الانقلاب كان خصماً على مجموعتنا في الواقع مجلس قيادة الثورة لم تكن له معرفة بذلك الوضع. * صراع التصفية وغرس بذور الجبهة الاسلامية والنظام الحالي؟ - في تقديري الخاص أن ذلك الصراع في الحزب الشيوعي السوداني هو الذي قاد في محصلته النهائية الى تصفية قيادة الحزب وتحجيم نفوذه من جانب والى انحراف مايو وارتمائها في خاتمة تقلباتها في أحضان أقصى اليمين، وأرى أن انقسام الحزب الشيوعي وانهيار مايو بعد ذلك مباشرة هو ما غرس بذرة النظام الحالي باعتبار صعود الاسلاميين بعد ذلك وصعود د. الترابي عبر مراحل مايو التالية وتمكنه من بناء خلايا في الجيش مهدت لقيام انقلاب الجبهة في 30 يونيو 1989م. * اذاً ندخل معك الآن الى أتون حركة 19 يوليو 1971م التي مثلت قمة ذلك النزاع والصراع الذي أشرت اليه؟ - انقلاب 19 يوليو 1971م لم تتضح حقيقته بعد فيما أرى، وهو ما يزال يثير التساؤلات. * أين كنت عندما وقعت تلك الحركة؟ - كنت في لندن وكان معي المقدم بابكر النور وفاروق حمدالله ومحمد أحمد سليمان والأخير كان من مجموعة الانقساميين، المفارقة أنه عند اذاعة بيان تكوين مجلس قيادة الانقلاب بقيادة بابكر النور وضمن أعضائه فاروق حمدالله، هذان القائدان أؤكد أنهما لم يكونا على علم بالانقلاب وأبديا دهشتهما من ذلك. * وماذا عن محمد أحمد سليمان؟ - محمد احمد سليمان وعابدين اسماعيل الذي كان سفيراً في لندن تحمسا جداً لما أذيع عن الانقلاب في السودان وقررا عقد مؤتمر صحفي فوراً، لكن فاروق حمدالله رفض المشاركة في ذلك المؤتمر الصحفي الى أن تم اجباره على الحضور بتدخل من محمد أحمد سليمان باعتبار أن موقفه ذاك قد يحدث شرخاً في مجلس قيادة الثورة من يومها الأول وتم اقناعه بحضور المؤتمر الصحفي دون أن يتحدث فيه وهو ما حصل بالفعل. * وماذا عن بابكر النور؟ - بابكر النور تحدث في ذلك المؤتمر الصحفي. * قلت أن ثمة أسئلة ماتزال معلقة.. مثل ماذا؟ - التساؤل الأكبر يدور حول انه ولأول مرة في تاريخ الانقلابات أن يقوده ضابط خارج الخدمة هو هاشم العطا الذي أذاع البيان، بينما القائد الفعلي للانقلاب هو المقدم أبوشيبة قائد الحرس الجمهوري ولم يظهر اسمه ضمن قيادة مجلس ثورة 19 يوليو، وهو نفسه كان أحد قادة انقلاب 25 مايو 1969م ولم يتم اختياره في مجلس قيادتها كذلك؟ * هل من أسئلة حائرة أخرى؟ - نعم، سؤال آخر، لقد تم تسمية بابكر النور لرئاسة مجلس قيادة الثورة وهو بحسب معلومات سابقة تلقيتها بأن أبا شيبة كان قد خرج غاضباً من اجتماع مجلس قيادة ثورة مايو رافضاً ضم أعضاء لم يشاركوا فعلياً في الانقلاب واستبعاده هو. وفي حركة يوليو كان هو قائد الحرس الجمهوري وتمكن من خلق قوة ضاربة نفذت الانقلاب، اذاً كيف يقود أبوشيبة الانقلاب وينفذه ولايتم تعيينه رئيساً أو حتى عضواً في مجلس قيادته، بل تسند الرئاسة لمن كان قد اعترض على تعيينه أساساً في مجلس قيادة مايو؟ هذه التفاصيل تطرح أسئلة مهمة حول ذلك الانقلاب؟ * ما نزال في حركة 19 يوليو وتساؤلات حولها.. ما دور عبدالخالق محجوب فيها؟ - صراحة هذا واحد من التساؤلات، أنا كنت في لندن كما ذكرت، وحضرت بعد أسبوع تقريباً على فشل الانقلاب، وسألت الرائد زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر ومأمون عوض أبوزيد عن كيفية اعدام بابكر النور وفاروق حمدالله وهما اللذان يمكنني أن أقسم على عدم مشاركتهما في الانقلاب. * هذا عن المرحومين بابكر وفاروق يظل السؤال عن موقف عبدالخالق؟ - أحد الرواة الذين استجليت الوقائع منهم ذكر لي أنه عندما جلس مع عبدالخالق كان عبدالخالق يؤكد له أنه فوجئ بالانقلاب ولم يبلغ به وأنه عندما علم ببدء التحرك اتصل على هاشم العطا لايقاف التحرك، ولكن هاشماً اجابه بأنه لايمكن ايقافه بعد أن بدأ التحرك فعلياً، هذه وقائع، يمكن أن يكون هناك آخرون لديهم روايات عنها أرجو أن يطرحوها. * ما هو تحليلك أنت لتلك الوقائع؟ - ما عرفته من بعض الزملاء بعد فشل المحاولة، أن قاعدة الحزب الشيوعي لم تكن لها فاعلية للقيام بدور حماية الحركة عندما طلب منها ذلك لأنها لم تكن على علم بتلك المحاولة ولم يحدث لها تنوير مسبق. ولكن من وجهة نظر تحليلية محضة هناك شك معقول بوجود مجموعة ثالثة كانت تستهدف الحزب الشيوعي ومايو معاً. * هل من شواهد أو دلائل على ذلك التحليل؟ - نعم، هناك ضباط في مواقع كبيرة اعترفوا بأنهم شاهدوا التحرك الانقلابي وذهب أحدهم الى قائده أبوشيبة وأعلن رفضه لذلك الانقلاب ومقاومته له، بل ذهب ذلك الضابط بالفعل الى القيادة العامة لقيادة المقاومة، هذه واحدة، ثم هناك ضابط كبير آخر كان معتقلاً في كوبر قبل انقلاب 19 يوليو، وعندما تم تنظيف القصر الجمهوري بعد أربعة أيام على فشل الانقلاب تم اكتشاف وجود ذلك الضابط في غرفة موصدة داخل القصر الجمهوري كيف تم احضار ذلك الضابط من كوبر الى القصر ولماذا؟ * ثم ماذا؟ - كانت هناك دلائل على وجود حركة ثالثة بين مايو ويوليو، تتحرك نحو القصر تحت ستار اعادة مايو ولكن دورها كان تصفية قيادة مايو وقيادة الحزب الشيوعي معاً، هذه شبهة يدعمها ما حدث في بيت الضيافة من ابادة. * بمناسبة بيت الضيافة.. ما رأيك في وقائع تلك المجزرة؟ - تدخل تلك المجزرة ضمن دلائل وجود قوة ثالثة كما ذكرت، اذ هل يعقل أن يكون لحزب قاد انقلاباً لم يقتل فيه أحد أن يقوم بتصفية أناس أبرياء، هذا احتمال غير معقول وغير متوقع اطلاقاً، ولكن لابد أن نلحظ أن محاكمات الشجرة وتصفية قيادة الحزب الشيوعي قد أنبنت أساساً على خلفية ما حدث في بيت الضيافة، وبذلك يمكن الزعم بأن جزءاً مهماً من مخطط الجبهة الثالثة قد تحقق لها. وهذه الجهة ما أفسد مخططها المار ذكره هي مفاجأتها بجنود وضباط صف مؤيدين لمايو تحركوا من الشجرة لاستعادة سلطتها فأفشلوا بتحركهم ذلك مخطط الحركة الثالثة للقضاء على قادة مايو والحزب الشيوعي بضربة واحدة. كذلك كانت هنالك أحاديث تدور عن أشخاص كانوا يرتدون ملابس مدنية فوق ملابس عسكرية لكنني لا أستطيع طرح تلك الأسماء الآن إذ أنني لا أمتلك المعلومات الموثقة الكافية حولها
|
|
|
|
|
|