قصتي في بلاد الجنّ والملائكة: باريسيّات (5)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-18-2024, 04:50 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-20-2011, 12:59 PM

محمد بدوي مصطفى
<aمحمد بدوي مصطفى
تاريخ التسجيل: 08-12-2009
مجموع المشاركات: 442

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قصتي في بلاد الجنّ والملائكة: باريسيّات (5)

    باريسيّات الحلقات المتسلسلة - أنظر أسفل الصفحة لترى كل الحلقات


    د. محمد بدوي مصطفى الشيخ
    [email protected]


    هل تتذكرون ما حدثتكم عنه في الحلقة السابقة من باريسيات (4)؟
    فلقد عدتُ بكم، بعد السنين الطوال، إلى فندق مونبرناس في لبّ مدينة الجنِّ والملائكة. أتذكر تلكم المدينة الساحرة، باريس، حيثُ ارتفع الضحى من الغَدِ فاذا ضَوءُهُ المتدفّق ´قد غَمَرَ حجرتي الباريسية وأنا مازلت في نومٍ عميق لم يوقظني منه إلا صوت غريب، يتزايد مرتفعا على تروتوارات المشاة في شوارعها الفارهة. وبين الفينة والفينة ترامت إلى مسمعي، كما تتذكرون، أصوات وكأنها هج ودرج نزلاء الفندق على ممراته الضيقة ذات الباركت الخشبي الروسِتكال. کانت دهشتي عظيمة لأنني لم إسمع في ذلكم الصبح الرمادي الرطب صياح أصوات حيوانية أليفة إلى نفسى أبدا، كتلك التى كنت أسمعها في أم در الغبشاء. لم أسمع صياح ديك ولا كتكتة دواجن ناهيك عن صوت آذان جامع الإمام المهدي، وتهجد ومناجاة حواريه طيلة الفجر في كل أرجاء الملازمين، وحي المستشفى، حيث سكن الممرضات على مقربة منه!

    علكم تتذكرون حيرتي عندما عصرتُ على قلبي المخلوع، خلعت الحرامي السرق الدقيق، ودخلت قاعة البتي ديجونيه (الإفطار) سائلا الله ستر الحال وكشف الضال وراحة البال. ملابسي كانت لابأس بها. لكنها كانت صيفية أكثر من أنها شتوية، تبعث فيّ الدفئ المرجو في بردوة هذا الطقس الرطب، برودة تتسلل بتأني شيطاني إلى النخاع كسم نقوع يفتش لإختراق الجسم عبر ممراته الدمية.
    أهل تساءل النزلاء عن منظري مرتديا تلك الملابس الأفريقية وكان المنظر وبكل صراحة يثير للتساؤل والحيرة معا؟ کانت القاعة تكتظ بالخلق الذين جاءوا من كل فجّ عميق. كانت جلّ طاولات المطعم شاغرة والكلّ في شغل شاغل في خضم معركة الأفطار النابوليونية المثيرة هذه. أوجست في نفسي خيفة، وقلت في نفسي:
    - لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! أه، الليله يحلنا الحله بلّه!
    سألت نفسي:
    - من بلة؟
    - هل هو سوداني؟
    - هل ذاق مآذق ذي دي؟
    - من أي قبيلة؟
    - هل كان جعليا؟ والله من المحس؟
    - هل تجرّس في محنته المبهمة؟
    أسئلة كثيرة، تتابعت وتلاحقت في ذهني وكأنها تنطلق من فوهة رشاش من طراز الجي أم ثري (جمسري)! قلت مطمئنا نفسي:
    - يا ود اركز.وينها جعليتك؟
    في تلك اللحظة نسيت كل المفردات اللفظية للحقل المعجميّ للجذر (ج، ع، ل). أو قل كل مشتقات كلمة "جعلية". قلتُ في نفسي:
    - الجعلية تطير!
    - يا ود ما تقوم تتلبك وتعمل ليك عملة شينه، بعدين يقولوا الزول ده لقطوه من وين؟!
    كنت في غاية الحذر في إستكشاف الأجواء والتدبر في أمرها قبل الشروع في أي خطوات لا يحمد عقباها.
    بدت لي من على البعد طاولة صغنونية لم يشغرها أحد. تمركزت في آخر بقعة من صالة الإفطار. كانت فرحتي كبيرة عندما لمحتها، فَهَمَمتُ مهرولا نحوها، حذرا أن لا يلاحظ الحضور كبكبتي وتسربعي. لاحظ الجرسون (أبو راس) دربكتي المتتابعة التى لا تخفى على أحد. فجاء ينقز بمشيته المطاطية و بخفة باريسية وكأنما يتراقص على نغمات بنقذ "حاتم مليجي". جاءني قبل أن يرتدّ إليّ خوفي، سائلا ومرافقا لي لغاية مكاني في آخر ركن. أتممت مشاكسات هذا اليوم بنجاح وكان ينبغي علىّ بعد الإفطار مواصلة دأبي في الوصول إلى ضالتي المشودة، ألا وهي مدينة ليون، بسبل الموصلات اليومية. لملمت عفشي المتواضع بالغرفة ولبست ملابسي الصيفية الخفيفة، رغم قسوة الطقس عليّ. نزلت إلى كاونتر الإستقبال، سائلا الموظف، صاحب الإسنان المكسرة بالإنجليزية:
    - ممكن تشوف لي تاكسي يُقلني إلى محطة قطار "القار دو ليون"؟
    مصيبة "شروم" هذا لا يتكلم لغة أجنبية ولا حتى لغة أجداده العرب، ربما لأنه من "الدوزيم جنراسيون" (جيل العرب الثاني ممن وُلِدوا وترعرعوا بفرنسا). رأني صديقي الجرسون وأنا في حيرة من أمري. سألني:
    - بروبلم؟ مشكلة مسيو؟
    - هذا الرجل لا يتكلم لغة أجنبية وأنا أود الذهاب بالتاكسي إلى القار دو ليون.
    - لحظة من فضلك! سوف أتصل بصديقة تقلك إلى هناك.
    بخفته ونقزتهِ المليجية الحليوة، دار حول الكاونتر ومدّ يده متناولا التلفون القديم على سطح المكتب. تكلم مع شخص ما بلهجة جميلة وكأنه يخاطب محبوبة. وفي نهاية الحوار سمعت كلمة "أ توت ألور" (تعني: لبعد قليل)!
    بعد لحظات دَخَلَت بهو الفندق حسناء باريسية ذات قوام بانيّ خارق للعادة كما يقول أهل الزيتونة بتونس. يا إلهي، ما أجملها!
    نَظَرتُ حولها فلمحتني بلحاظها الزرق الفتاكة، فتذكرت قول الشاعر:
    عيون المها بين الرصافة والجسر + جلبنا الهوى من حيث أدري ولا أدري
    لقد ذكرني هذا البيت بقصة علي بن الجهم البدوي. سمع هذا الرجل أن الشعراء الأفذاذ، مثال جرير والفرذدق، يقدمون لمدح الخليفة في بلاطه، فيجزل عليهم هذا الأخير بعطاء لا ينضب من المال والهدايا. فعقد علي بن الجهم العزم بالرحيل إلى بلاط الخليفة ليمدحه. فقال:
    أنت كالتيس في قراع الخطوب + أنت كال###### في حفاظ العهود
    أنت كالدلو ما عهدتك دلوا + يا سخي العطايا يا كثير الثقوب
    فهمّ الحضور من الشعراء الأفذاذ بقتله قائلين،
    - ما قلّة الأدب هذه، أيها الأعرابي الجلف؟
    لكن كان الخليفة ذو فضل عليه، فطلب من الشعراء أن يمهلوه قليلا قائلا لهم:
    - دعوه يتنعم في القصر شهرا، متوزوزا بين الجنائن والحسان. وإتوا به بعد قضاء الأجل.
    فلما انتهى الأجل، جِئَ بعلي بن الجهم فقال:
    (عيون المها بين الرصافة والجسر + جلبنا الهوى من حيث أدري ولا أدري)

    - يا له من ظبي قاتل!
    مشت نحوي بخطوات رشيقة وكأنها غزال رافل من غزلان إيف سان لوران "يمشي الهوينة كما يمشي الوجي الوحل".
    - سلامو أليكم!
    قالتها بلهجة باريسية لطيفة وكأن أنغام كلاسيكية في هرمنة وتناسق شديدين تخرج من "فيها".
    - إنتي محمد بدوي، من سودان؟
    يا حبيبي، ايه الحلاوة دي، لغة عربية، يا للذة لغة الضاد من "فم كالأسد الجوعان زمجر"!
    تذكرت وصف أستاذي وصديقي المرحوم صلاح أحمد إبراهيم في قصيدته "مرية" مادحا إحدى الحسان من بنات الريف الأروبي. قال صلاح محمد إبراهيم وكأنه يتكلم بلسان حالي واصفا هذا الغزال البري الفرجوني البديع:
    "ليت لي إزميل فدياس وروحا عبقريه
    وأمامي تل مرمر
    لنحت الفتنة الهوجاء في نفس مقاييسك تمثالا مكبرا
    يا مرية...
    والشعر كالشلال ...
    بعض يلزم الكتف وبعض يتبعثر
    وعلى الخدين سكر
    على الأهداب لغز لا يفسر
    وفم كالأسد الجوعان زمجر"

    لم أحييها بجملة "إديك العافية" كحال أهل أم در الغبشاء، لإنّ "العافية" تعني باللهجات المغاربية "النار". فخاطبتها بلهجة أهلي الشوام، ذوو الألسن الشهدية.
    - أهلين، نعم أنا سعيد الحظ! مرحبا بك!
    في تلك اللحظة أتى الجرسون أبو راس وقدمها لي:
    - هذه إزابيل، صديقتي، عملت في تونس في العام الماضي، لذلك تتكلم العربية قليلا.
    أردت أن أكون لطيفا كحال الأمدرمانيين، آسف أقصد الباريسيين. فقلت في نفسي:
    - "مكنة" صغيرة يمكنها أن تلطف الموقف أكثر. مش كدة يا ولد؟
    وبادرت قائلا:
    - يا سلام ما أجمل تعبيرك "بالعرنسية". فيه نكهة شمال إفريقية في غاية الظرافة؟
    جَلَسَت إليّ فآنستني في وحدتي فأحببت باريس من أجلها وقلت في مدينة الجن والملائكة:

    حبا إليك وإن نأيت بواد + هيهات إسلو في رباك بلادِي
    باريس رائعة ونبع حلاوة + وشعار مجد وأصل عمادِ
    كم في ربوعك للجمال مجالس + وفي ثراك للتائهين مرادِ
    لك في كياني، في القلوب محبة + وعليك في كل الفنون أيادِ
    فاذا وصفك محمدٌ فالفصاحة لا تفي + "كلمي ولا تُدني عظيم مرادِ"
    فسألت عنك مونيك بحسنها + زُهر الكواكب بينهم أمجادِ
    وسألت عنك أم در وهي كأنها + تغار في خجل إليك تنادِي
    باريس بدر الدجى في رونق + أهَلْ يسلو البدور فؤادي
    مرفأ الأشعار أنت ومهده + فمحبتي حضر بك وبواد
    لم نأت إلى مواقف كثر مع أصدقاء الدرب الليوني العسير. ولم نتحدث عن ال"قار دو ليون" ولكن تابعوا معنا في الحلقات القادمة فالحديث ذو شجون!
    لنا لقاء!

    إنتظروني في الحلقة

    (عدل بواسطة محمد بدوي مصطفى on 04-25-2011, 05:48 AM)
    (عدل بواسطة محمد بدوي مصطفى on 04-25-2011, 05:49 AM)
    (عدل بواسطة محمد بدوي مصطفى on 04-27-2011, 05:56 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
قصتي في بلاد الجنّ والملائكة: باريسيّات (5) محمد بدوي مصطفى04-20-11, 12:59 PM
  Re: قصتي في بلاد الجنّ والملائكة: باريسيّات (5) محمد بدوي مصطفى04-24-11, 08:50 PM
    Re: قصتي في بلاد الجنّ والملائكة: باريسيّات (٢) محمد بدوي مصطفى04-25-11, 05:44 AM
      Re: قصتي في بلاد الجنّ والملائكة: باريسيّات (٣) محمد بدوي مصطفى04-25-11, 05:46 AM
        Re: قصتي في بلاد الجنّ والملائكة: باريسيّات (٤) محمد بدوي مصطفى04-25-11, 05:47 AM
          Re: قصتي في بلاد الجنّ والملائكة: باريسيّات (٤) محمد بدوي مصطفى05-02-11, 06:27 AM
  Re: قصتي في بلاد الجنّ والملائكة: باريسيّات (5) محمد بدوي مصطفى05-06-11, 04:01 PM
    Re: قصتي في بلاد الجنّ والملائكة: باريسيّات (5) طارق عمر مكاوي05-06-11, 05:20 PM
      Re: قصتي في بلاد الجنّ والملائكة: باريسيّات (5) محمد بدوي مصطفى05-06-11, 08:30 PM
        Re: قصتي في بلاد الجنّ والملائكة: باريسيّات (5) محمد بدوي مصطفى05-07-11, 08:31 AM
          Re: قصتي في بلاد الجنّ والملائكة: باريسيّات (5) محمد بدوي مصطفى05-07-11, 06:19 PM
            Re: قصتي في بلاد الجنّ والملائكة: باريسيّات (5) محمد بدوي مصطفى05-08-11, 03:09 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de