في انتظار بائع اللبن

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 04:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عاطف عبدالله(عاطف عبدالله)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-14-2004, 08:28 PM

عاطف عبدالله
<aعاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
في انتظار بائع اللبن

    أهداء

    إلى تلك الأرواح الهائمة التي شردت قسرا من وطن حدادي مدادي لتوطن في مشارق الأرض ومغاربها، إلى تلك الدرر التائه التي تشتت في المدن الغريبة وإلى أمهاتهم اللائي لا يقدرن أن ينطقن أسماء تلك المدن .
    إلى أبكر آدم إسماعيل ويحي فضل الله وحسن الجزولي وعبد المنعم الجزولي وخطاب حسن أحمد وإلى صلاح شريف وعاطف خيري وكل سوداني يستيغظ صباحا وهو على بعد آلاف الأميال من البيت وفي حلقه تحتبس الأسئلة ولا إجابة تلوح في الأفق أهدي هذا النص


    في إنتظار بائع اللبن
    قصة قصيرة


    الصباح الباكر .. والشمس تتسلل برفق أطراف السماء، والظلام يلملم أدراجه ويتقهقر ببطء، الطيور تغادر أعشاشها من على أشجار النيم وتتناجي، والحي القديم في المدينة القديمة ما زال قافيا لم يوقظه صوت عم صالح المؤذن، البيوت الفقيرة تتكدس على الجانبين، الزقاق الضيق تزحمه الحفر والأخاديد، الرائحة التي تخلفها مياه البالوعات التي تسكب ليلا تزكم الأنوف صباحا، الزقاق خال إلا من بعض كلاب مسترخية بعد أن أنهكتها ممارسة الحياة واللهو طوال الليل، وامرأتان ، خديجة وتكنى بأم الطاهر عجوز هرمة تتوكأ على عصاة طويلة منفرجة في أعلاها كالرقم سبعة، تساقطت أسنانها إلا من سنين أماميين على الفك الأسفل وسنين ينتظران السقوط على الفك الأعلى، وعينين تصطنعان الرؤية تقبعان خلف جفنين ثقيلين تغطيهما نظارة سوداء متآكلة الأطراف.. ترتدي ثوب أزرق من الدمور المصبوغ، كانت عائدة من صلاة الفجر ونفيسة التي كانت تنتظر بائع اللبن امرأة في منتصف العمر نحيفة زائغة النظرات تنم ملامحها على الخوف والهروب من شئ ما .. ملابسها ضربها القدم، الخطوط حول عينيها تخفي آثار جمال غابر.
    تبادر خديجة بصوت مبحوح ومكسر
    - ما شفت يا نفيسة .. الطاهر , الله يباركه .. عارفني ما بشرب الموية من الزير .. بدور الموية الباردة .. موية الزير ما بترويني .. أهى ..إهي هي ( تضحك ) .. جاب لي الجنريطر ( مولد الكهرباء ) , ختاه في الزريبة , شغله خلاه يهز هز هز .., الغنيمات جفلن .. أهى ..إهي هي ( تضحك ) يسلم الطاهر ود بطني .. يسلم لي المبروك .. ويحفظه ويغطيه من العين .. أهى ..إهي هي
    كررت الحاجة خديجة ضحكتها الحيية الخافتة المتقطعة وهي تغطي أسفل وجها ممسكة بيسراها ثوبها الأسود وتثبت بيمناها نظارتها المتآكلة على أعلى خدها.
    فردت نفيسه ونظراتها ساهمة
    - بتستاهلي يا أم الطاهر .. ربنا يبارك ليك فيه ..
    - صدقت يا نفيسة .. أنا والله قليبى بريدك من جوة .. أهى ..إهي هي ( تضحك ) وخصمتك بالرسول أكان دُرتى موية باردة أو ثلج أكان ما ناغمتينى يا الطيبة يا بت الطيبين
    - كتر خيرك يا أم الطاهر
    ذهبت الحاجة خديجة تتلمس الطريق لبيتها معتمدة على عصاها تاركة نفيسة في انتظار بائع اللبن ممسكة بإناء مطرقع مسود من أسفله أنهكه القدم كصاحبته التي أنهكها الفقر والضنك وضيق الحال .. كانت تود شراء ربع رطل من اللبن .. ولكنها خائفة من أن يتذمر منها بائع اللبن.. أن يسمعها كلاما جارحا، لو إنها بمفردها ربما هان عليها الأمر وتقبلتها منه, أما لو كان هناك جمع فكيف ستتقبل سخريته.. ربما يكون آدمي ولا يسخر منها.. هي لا تزال تذكر ملامحه جيدا رغم مضى زمن طويل لم يطرق فيه ذلك الزقاق، هي تذكر حين كان يأتي وتشتري منه كل صباح نصف رطل من اللبن، كان يتذمر أو يسخر أو ربما يتبرم منها ولكنها أيضا تذكر أيضا بأنه كان يعودها في دارها ، ويتفقدها ويعطيها اللبن لو لم تحضر صباحا لأي سبب .
    لكن الأحوال تغيرت واليوم غير الأمس .. اليوم ستشتري ربع رطل .. قد يرفض أن يبيعها .. ولكن ما حيلتها وهي لا تملك من النقود أكثر مما يمكنها من شراء ربع الرطل .. سوف لن تقبل أن يهزأ بها بائع اللبن, إذا رفض بيعها اللبن سوف تذكره بالأيام الخوالي حين كان يأتي وتمد له خرطوم المياه من بيتها ليسقى حماره ويغسل آنيته بعد أن تفرغ من اللبن، وكانت لا تبخل عليه بالشاي والقهوة بعد أن يتناول إفطاره مع الطيب البقال، سوف تذكره بأنها كانت تشتري منه بدلا عن الرطل رطلين من اللبن هذا حينما كان كمال موجودا.
    إذا جاء اليوم وكان طيبا معها ربما تروى له عن الرؤية التي تراودها عن حلمها بعودة أبنها .. كمال فلذة كبدها وضوء عينيها .. حين يعود ستعود تلك الأيام الخوالي وستشتري منه بدلا عن الرطل رطلين من اللبن، وربما ثلاثة أرطال إذا أتاه بعض أصدقائه.. وتنطلق منها آه حزينة تنم عن حالها
    - آآه ه ه ح ح
    كان كمال زهرة شباب الحي، وسامته أقرب منها للجمال والحسن من الوسامة، حتى نساء وفتيات الحي يتمنين أن يملكن نصف ما وهبه له الله من بهاء الطلعة، له وجه طفولي يحوي عينين واسعتين عسليتين مكحلتين خلقة، تغطيهما أهداب طويلة سوداء، وأنف طويل ضيق الفتحات صغير وشفاه ممتلئة غليظة في فم دائري يحوي صفين منتظمين من الأسنان البيضاء وفك بارز. كان مجداً في دراسته وعمله، يقرض الشعر وله اهتمام بالموسيقى والغناء باراً بأمه، بعد إكماله لدراسته في الجامعة عين ضمن هيئة التدريس بها وكان من المفترض أبتعاثة لنيل دراسات عليا في علم الرياضيات والحاسوب بالولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بعد استيلاء الإسلاميين بأسم الإنقاذ على السلطة تم فصله من العمل بدعوى الصالح العام.
    لم يجد كمال صعوبة في الحصول على عمل آخر لكنه لم يسلم من أيدي سلطات الأمن التي كانت تستدعيه مراراً وتكراراً وتستجوبه عن نشاطه حين كان طالبا بالجامعة حينا وأحيانا عن قصائدة التي يرددها الطلبة في منتدياتهم السياسية، وفي أحدى مرات اعتقاله لبث طويلا فيما كان يعرف ببيوت الأشباح، تدهورت صحته وصحة أمه كذلك وبعد خروجه من المعتقل قرر الهروب خارج البلاد حتى يرتاح ويريح أمه من التوجس الذي أصابها والهلع والذعر الذي ينتابها كلما طرق طارق باب البيت، وتوجه إلى مصر المحروسة وقضى فيها أربعة أعوام يعالج إحباطاته بالخمر والكتابة في انتظار ما تأتي به الأيام.
    مازالت نفيسة ممسكة بحلتها المطرقعة في إنتظار بائع اللبن، تستعيد حلمها الآسر الذي ظللت تجتره وتستعيده في كل ليلة ومنه تستمد أسباب البقاء .. كانت تحلم بعودة أبنها كمال والحي كله مزدان بالأنوار وجريد النخيل والأعلام الملونة، حاملا كتاب بيد ومتأبطا زراع زوجة جميلة كأنها من الحور العين بيده الأخرى ومعه أطفاله الذين ستجلسهم على حجرها كل مساء لتروي لهم وترويهم من الأحاجي والقصص، تماما كما كانت تفعل جدتها معها حينما كانت صغيرة وكما فعلت أمها مع كمال حينما كان صغيرا .....
    لا تزال تذكر خطواته الأولى ... دخوله للمدرسة ... نجاحه بتفوق وقبوله في المرحلة المتوسطة..يومها خلعت زي الحداد الذي ظل يرافقها بعد موت أبيه ، وذبحت كبش له قرون كالوعل ووزعت لحمه على أهل الحي وشاركتهم فرحتها .. وحين أكمل كمال المرحلة الوسطى وأنتقل إلى مرحلة الثانوية التي تؤهله للدخول للجامعة نفذت الوصية وسلمته مفاتيح خزانة الكتب التي كانت تخص أبيه..
    هل أجرمت في حقه إن ملكته المعرفة.. إنها لا تعلم ماذا بباطن تلك الكتب ، لم تقرأها ولكنها كانت واثقة بأنها لا تحوي إلا الخير للإنسانية وبها تزدهر الحياة ويكون لها معنى.
    ولكن لماذا تبدل حالهم ؟ لماذا أبنها كمال تحولت حياته ما بين مشردا و معتقلا منذ مجيء الحكم الراهن والطاهر نديده والذي كان يعيش على هامش الحياة ولم يكمل تعليمه الثانوي تحول في العهد الجديد فجأة إلى رجل مهم تملك السيارة الفارهة وصار رئيس اللجنة الشعبية في الحي، وأشترى " الجنريطر " لأمه.

    تقرير عما جرى بعد عدة سنوات وعما لازال يجري حتى الآن
    نفيسة ماتت وهي في انتظار بائع اللبن ممسكة بحلمها النهاري الآثر بعودة أبنها كمال.
    كمال أنتقل من القاهرة إلى أحدى ضواحي مدينة روك أيلاند بولاية إلينوي بالولايات المتحدة الأمريكية في إطار برامج الأمم المتحدة لإعادة توطين اللاجئين وعمل كحارس ليلي في أحد مصانع البيوكيميايولجي..وموصل للطلبات في مطعم للأكلات السريعة خلال فترة الظهيرة وهجر الشعر والكتابة.
    الطاهر صار من الوجهاء وعين واليا على المدينة وشيد له قصرا فخما في أحد أفخم أحياءها.
    الحاجة خديجة "أم الطاهر" رفضت أن ترحل مع أبنها إلى الحي الفاخر، وأوقفت المولد الكهربائي "الجنريطر" عن العمل بعد أن بات يزعجها بأزيره العالي، والأغنام أبت أن تتواءم معه بعد أحتل مكانها في زريبة البيت.
    بائع اللبن لم يطرق أبواب الحي مجددا وأقلع سكانه عن تناول اللبن الطبيعي وأدمن أطفاله تناول الحليب المجفف.

    عاطف عبد الله

    (عدل بواسطة عاطف عبدالله on 05-15-2004, 00:59 AM)
    (عدل بواسطة عاطف عبدالله on 05-18-2004, 07:20 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
في انتظار بائع اللبن عاطف عبدالله05-14-04, 08:28 PM
  Re: في انتظار بائع اللبن المسافر05-14-04, 11:03 PM
    Re: في انتظار بائع اللبن إيمان أحمد05-14-04, 11:50 PM
  Re: في انتظار بائع اللبن خالد الأيوبي05-15-04, 03:07 AM
    Re: في انتظار بائع اللبن عاطف عبدالله05-17-04, 05:56 PM
      Re: في انتظار بائع اللبن ابوحراز05-17-04, 07:25 PM
        Re: في انتظار بائع اللبن HAMZA SULIMAN05-17-04, 08:47 PM
          Re: في انتظار بائع اللبن ابوحراز05-18-04, 07:21 AM
        Re: في انتظار بائع اللبن عاطف عبدالله05-18-04, 04:03 PM
  Re: في انتظار بائع اللبن sharnobi05-18-04, 04:29 AM
    Re: في انتظار بائع اللبن عاطف عبدالله05-18-04, 07:26 AM
  Re: في انتظار بائع اللبن Raja05-18-04, 04:15 PM
    Re: في انتظار بائع اللبن عاطف عبدالله05-19-04, 07:01 AM
      Re: في انتظار بائع اللبن abuguta05-19-04, 08:04 AM
        Re: في انتظار بائع اللبن عاطف عبدالله05-19-04, 05:10 PM
  Re: في انتظار بائع اللبن NEWSUDANI05-19-04, 07:51 AM
  Re: في انتظار بائع اللبن خالد الأيوبي05-20-04, 06:12 AM
    Re: في انتظار بائع اللبن عاطف عبدالله05-20-04, 05:35 PM
      Re: في انتظار بائع اللبن أحمد طه05-23-04, 11:08 AM
      Re: في انتظار بائع اللبن أحمد طه05-23-04, 11:52 AM
        Re: في انتظار بائع اللبن عاطف عبدالله05-25-04, 07:04 AM
          Re: في انتظار بائع اللبن الأمدرمانية05-26-04, 11:44 AM
  Re: في انتظار بائع اللبن لؤى05-26-04, 02:15 PM
    Re: في انتظار بائع اللبن عاطف عبدالله05-27-04, 08:15 AM
  Re: في انتظار بائع اللبن بلدى يا حبوب05-26-04, 03:08 PM
    Re: في انتظار بائع اللبن عاطف عبدالله05-27-04, 09:44 PM
  Re: في انتظار بائع اللبن لؤى05-26-04, 05:28 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de