|
Re: يناير بيت الشتاء / القاص - أحمد الجعلي أبو حازم يفوز بجائزة الطيب صالح الأدبية (Re: طارق صديق كانديك)
|
النص :
العرق ينزف بإصرار الجرح الجديد، الدهشة والارتباك يصكان أوصالك، ينفتح لك الباب الحديدي ذو الصرير العالي، والمرهق كالأنين، تأخذ طريقك بصعوبة، عابراً الأجساد المكدسة كأكياس، تتلقاك رائحة البول المالحة، تصاب بانقباض طفيف وشعور بالتقزز حاد وعلقمي كالصدأ يغزو دواخلك. علي الزاوية التي كأنها حددت لك تجلس، الجميع غارقون في ثرثرات تفعل نفس الشيء الذي يربط الوقت بعجلة الدوران، ويقذف بالساعات نحو الخلف، تتأمل المكان ملياً، ثمة صراصير ميته، وأخرى مازالت علي قيد الحياة، تدب بيأس داخل الزنزانة، وثمة رسومات مختلفة، وأسماء غريبة، وتواريخ باهته، مخطوطة بصبر نافذ، وفسحة بال. تلتف الدهشة حولك كالحلزون، ويزيد التفافها أسئلة الآخرين لك، أنت الآن قد أجبت وعلي غير المعهود فيك، علي كافة الأسئلة التي تطفلت علي دهشتك، فأرخت حبالها قليلاً، عندها فقط أحسست بشيء من الارتياح المؤقت. ينفتح الباب مرة أخرى، وينادي علي اسمك ذلك الشرطي ذو اللون الداكن والملامح الحادة. تخرج لتدخل عدة أبواب، بعدها تعبر دهليز خافت الضوء لتجد نفسك في نهاية المطاف، وجهاً لوجه أمام المحقق، وثمة رجلين وفتاة، يجلسون بهدوء، لكنهم يتفحصونك بنظرات مرتابة، وتكاد عيونهم تشربك، وأنت كما أنت، لا تدري ما علاقتهم بك. هكذا دون أن تفيق من دهشتك يسألك المحقق: - الاسم؟ - مأمون إبراهيم علي - العمر؟ - اثنان وثلاثون عاماً. وتنهمر الأسئلة، فتجيب باقتضاب ثم يشير ناحية الرجلين والفتاة، دافعاً إليك بالسؤال المباغت. - هل تعرف هؤلاء الناس؟ تتلفت بذهول، تجيب بصوت كأنه ليس لك. - كلا، لم التقيهم في حياتي من قبل. يسحب صحيفة قديمة ويقرأ بصوت مكتبي آمر لا يخلو من تهكم عبارة محددة، يضغط علي كلماتها ببطء، ويردد بلا مبالاة. الذاكرة المعطوبة، الذاكرة المعطوبة، الذا... هل تذكر هذه العبارة؟ نعم فهي عنوان لآخر قصة قصيرة كتبتها. - هل تعترف بانك كاتب هذا الكلام ؟ - نعم . - ؟ - إذن فلتستمع جيداً. - يتركك ويبدأ القراءة بصوته المدهون بالروتين :.
|
|
|
|
|
|