يناير بيت الشتاء / القاص - أحمد الجعلي أبو حازم يفوز بجائزة الطيب صالح الأدبية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 11:28 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-19-2011, 06:32 PM

طارق صديق كانديك
<aطارق صديق كانديك
تاريخ التسجيل: 01-26-2007
مجموع المشاركات: 231

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
يناير بيت الشتاء / القاص - أحمد الجعلي أبو حازم يفوز بجائزة الطيب صالح الأدبية

    الخرطوم- فاز ثلاثة سودانيين وثلاثة مصريين وجزائري ومغربي وسوري بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في دورتها الأولى التي أعلنت مساء الجمعة في العاصمة السودانية.

    وذهبت الجائزة الأولى في القصة القصيرة للسوداني أحمد أبو حازم عن مجموعته القصصية "يناير بيت الشتاء" وفاز بالجائزة الأولى في مجال الرواية المصري سعد القرش عن روايته "أول النهار".

    وفاز بالجائزتين الثانية والثالثة في القصة القصيرة كل من المصري عمار علي حسن عن مجموعته القصصية "همس خفي" والمغربي إسماعيل غزالي عن مجموعته القصصية "عسل اللقالق".

    وذهبت الجائزتان الثانية والثالثة في مجال الرواية إلى كل من السوداني الزين بانقا عن روايته "مخمسات ضوبيا الأعرج" والسوري محمد حسن الحفري عن روايته "بوح أخير".

    أما جوائز النقد ففاز بها ثلاثة باحثين تناولوا إبداع الروائي السوداني الطيب صالح "1929-2009" وهم بالترتيب الجزائري عمر عاشور والمصري أحمد كريم والسوداني حسن أبشر.

    وتبلغ قيمة الجائزة في مجال الرواية عشرة آلاف دولار للمركز الأول وسبعة آلاف دولار للثاني وأربعة آلاف دولار للثالث.

    وفي مجالي القصة القصيرة والنقد الأدبي تبلغ قيمة الجائزة للمركز الاول ثمانية آلاف دولار والثاني ستة آلاف دولار والثالث أربعة آلاف دولار.

    وقام بتوزيع الجوائز في حفل بقاعة الصداقة بالخرطوم علي عثمان محمد طه نائب الرئيس السوداني بحضور السموأل خلف الله وزير الثقافة السوداني وحمد بن عبد العزيز الكواري وزير الثقافة والتراث القطري الذي حل ضيف شرف على الدورة الأولى للجائزة.

    وبدأت أمس الخميس جلسات نقدية حول الدور الريادي للطيب صالح في الذكرى الثانية لرحيله تحت شعار "الأمم الحية تكرم مبدعيها.. وخير من ينوب عن الأمة مثقفوها" بمشاركة باحثين عرب وسوادنيين.

    وقال مجذوب عيدروس الأمين العام للجائزة في حفل توزيع الجوائز إن الجائزة التي ينالها تسعة فائزين في ثلاثة مجالات سنويا وترعاها الشركة السودانية للهاتف المحمول "زين-السودان" تقدم لدورتها الأولى 324 عملا هي 101 رواية و198 مجموعة قصصية و25 دراسة نقدية.

    وأضاف أن السودان شارك بأكبر عدد من الأعمال وهي 73 مجموعة قصصية و38 رواية و15 دراسة نقدية يليه مصر بخمس دراسات نقدية و28 رواية و56 مجموعة قصصية وإن المشاركات جاءت من نحو 20 بلدا عربيا إضافة إلى مشاركات من عرب يقيمون في استراليا والولايات المتحدة.

    وتابع أن الجائزة التي تعلن في فبراير شباط سنويا تهدف "لإحياء ذكرى الأستاذ الطيب صالح عبر احتفاليات ثقافية تكتشف فيها المواهب الأدبية استمرارا لمسيرة الإبداع العربي."

    "رويترز"

    المصدر

    http://www.alarabonline.org/index.asp?fname=\2011\02\02...=19-2-2011%208:22:00
                  

02-19-2011, 06:34 PM

طارق صديق كانديك
<aطارق صديق كانديك
تاريخ التسجيل: 01-26-2007
مجموع المشاركات: 231

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يناير بيت الشتاء / القاص - أحمد الجعلي أبو حازم يفوز بجائزة الطيب صالح الأدبية (Re: طارق صديق كانديك)

    النص :


    العرق ينزف بإصرار الجرح الجديد، الدهشة والارتباك يصكان أوصالك، ينفتح لك الباب الحديدي ذو الصرير العالي، والمرهق كالأنين، تأخذ طريقك بصعوبة، عابراً الأجساد المكدسة كأكياس، تتلقاك رائحة البول المالحة، تصاب بانقباض طفيف وشعور بالتقزز حاد وعلقمي كالصدأ يغزو دواخلك.
    علي الزاوية التي كأنها حددت لك تجلس، الجميع غارقون في ثرثرات تفعل نفس الشيء الذي يربط الوقت بعجلة الدوران، ويقذف بالساعات نحو الخلف، تتأمل المكان ملياً، ثمة صراصير ميته، وأخرى مازالت علي قيد الحياة، تدب بيأس داخل الزنزانة، وثمة رسومات مختلفة، وأسماء غريبة، وتواريخ باهته، مخطوطة بصبر نافذ، وفسحة بال.
    تلتف الدهشة حولك كالحلزون، ويزيد التفافها أسئلة الآخرين لك، أنت الآن قد أجبت وعلي غير المعهود فيك، علي كافة الأسئلة التي تطفلت علي دهشتك، فأرخت حبالها قليلاً، عندها فقط أحسست بشيء من الارتياح المؤقت.
    ينفتح الباب مرة أخرى، وينادي علي اسمك ذلك الشرطي ذو اللون الداكن والملامح الحادة.
    تخرج لتدخل عدة أبواب، بعدها تعبر دهليز خافت الضوء لتجد نفسك في نهاية المطاف، وجهاً لوجه أمام المحقق، وثمة رجلين وفتاة، يجلسون بهدوء، لكنهم يتفحصونك بنظرات مرتابة، وتكاد عيونهم تشربك، وأنت كما أنت، لا تدري ما علاقتهم بك.
    هكذا دون أن تفيق من دهشتك يسألك المحقق:
    - الاسم؟
    - مأمون إبراهيم علي
    - العمر؟
    - اثنان وثلاثون عاماً.
    وتنهمر الأسئلة، فتجيب باقتضاب ثم يشير ناحية الرجلين والفتاة، دافعاً إليك بالسؤال المباغت.
    - هل تعرف هؤلاء الناس؟
    تتلفت بذهول، تجيب بصوت كأنه ليس لك.
    - كلا، لم التقيهم في حياتي من قبل.
    يسحب صحيفة قديمة ويقرأ بصوت مكتبي آمر لا يخلو من تهكم عبارة محددة، يضغط علي كلماتها ببطء، ويردد بلا مبالاة.
    الذاكرة المعطوبة، الذاكرة المعطوبة، الذا... هل تذكر هذه العبارة؟ نعم فهي عنوان لآخر قصة قصيرة كتبتها.
    - هل تعترف بانك كاتب هذا الكلام ؟
    - نعم .
    - ؟
    - إذن فلتستمع جيداً.
    - يتركك ويبدأ القراءة بصوته المدهون بالروتين :.
                  

02-19-2011, 06:36 PM

طارق صديق كانديك
<aطارق صديق كانديك
تاريخ التسجيل: 01-26-2007
مجموع المشاركات: 231

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يناير بيت الشتاء / القاص - أحمد الجعلي أبو حازم يفوز بجائزة الطيب صالح الأدبية (Re: طارق صديق كانديك)

    • كان يتكيء علي عربته الصفراء، التي تحمل الرقم/خ/أ/6485 تاكسي الخرطوم، البرد يفتح أبوابه للريح،ليؤكد سطوته علي تلابيب هذا الليل المنسرب نحو الوحدة الموحشة، أحس به يغزو دواخله المتعبة، فلجأ يطلب الدفء من معطفه البالي القديم، رمق الساعة ألفاها تناهز العاشرة والنصف، أشعل سيجارته، ثم رمي بجسده التعب علي مقعد السيارة.
    احكم أقفال الأبواب، رفع الزجاج إلي أعلي حتى نهاياته، جلس قبالة المقود، أشعل المحرك، غمره الدفء، فانسابت السيارة باتجاه الغرب، مصابيح السيارة ترمي ضوءها علي جسد الاسفلت، ومساحات لا بأس بها علي يسار الطريق ويمينه تنال حظها من الضوء الهارب بسرعة السيارة.
    يسقط الضوء علي ملابس السهرة اللامعة الرقاشة، ترتديها تلك التي تقف علي حافة الطريق في هذا الوقت من الليل.
    انه متأكد بيقينه التام، أن ليس ثمة وسائل نقل في مثل هذه الساعة، خصوصاًً وهو القادم من مكان تكدسها، ولاشيء سوي العربات الصفراء، تاكسيات فقط، والناس تهاب أجرتها الباهظة في مثل هذا الوقت من الليل.
    أشارت له بالتوقف، وبمحاذاتها تماماً أوقف السيارة، ودون أن تسأل فتحت الباب الأمامي، ورمت بجسدها الجميل، والموغل قليلاً في البدانة علي المقعد، تحركت السيارة.
    كانت ترتعش وتصطك، لاسيما فملابس السهرة ليس لها من سبيل ضد ضراوة البرد وطعناته الشرسة.
    - الحي الرابع لو سمحت، شارع 13
    كان صوتها راعشاً أيضا ومائلاً إلى الهمس نوعاً ما، كانت تفرك يديها وتنفخ فيهما إمعانا في البحث عن دفء يهزم تماسك البرد ويصيبه بالتفكك، فيوقف زحفه علي أوصالها، بنخوته أحس انه يجب أن يفعل ما يفعله أي رجل شهم، خلع معطفه وألقاه ناحيتها.
    - يمكنك أن ترتديه فالبرد لا يحتمل.
    هكذا قال وتابع النظر باهتمام علي جسد الشارع.
    فتحت صدفة الصمت فخرج صوتها ذو التكسرات الخشبية الغريبة لتقول:
    - انه يناير قلب الشتاء وصوت الريح.
    التفت ناحيتها، كانت ثمة سيارة معاكسة ترسل اضويتها إلى جوف سيارة التاكسي فيبين وجهها الأسمر المليح بجماله الطاغي ثم قال:
    - انه يناير قلب الشتاء ونبضه.
    قالت:
    - انه وحشي كنثار الزجاج تحت الأجساد المتعبة.
    قال:
    - إننا نحس فيه بمعني الدفء ونستدرك إن أجسادنا متكاملة، انه يناير بيت الشتاء.
    قالت:
    - بالعكس فانه يشعرنا بالكآبة والحزن، انه قاسٍ وقاتل.
    قال:
    - انه يشعرني بالاستقرار والانتماء.
    قالت:
    - انه يشعرني بالتيه والموت، انه يناير الوحشي، عليه اللعنة والطعنات المرة
    أشارت بإصبع كأنه رمح مسنون، أن انتبه.
    كانت ثمة حفرة كبيرة تزيد من وعورة الطريق، أوشكت السيارة أن تدخل متاهتها، ترك وجه محدثته، وانصرف يهتم يتجاوز الحفرة، وواصلت هي حديثها بنفس الصوت الخافت والنبرة الغريبة
    - ما اقسي أن تموت في الشتاء. كان ثمة شحوب باد علي تقاطيع وجهها وحزن عميق يغطي عينيها، وثمة لون رمادي خفيف يصبغ لونها الأسمر الخمري، لا يدري ما كنهه، ولكنه عزى ذلك للظلمة الحالكة خارج السيارة.
    -اعطف يمينك لو سمحت من هنا سندخل الشارع 13.
    وكانت تشير بذات الإصبع السهمي.
    انعطفت السيارة يميناً ثم يساراً، ثم يميناً، وأمام الباب الرابع توقفت، باب اسود ضخم ذو مقبض نحاسي، علقت فوقه لافته صغيرة بيضاء، مكتوب عليها (64 ش 13 الحي الرابع، منزل عبد المجيد خضر)، هبطت بتراخ من السيارة دون أن تخلع المعطف، وبصوتها المتكسر كعشب يابس، قالت:
    يؤسفني أني لا احمل نقوداً الآن، ويخجلني أن أرهقك بالقدوم إلى هنا صباح الغد، ولكن لامناص من ذلك، فانا اسمي نادية عبد المجيد خضر، وهذا هو منزلنا.
    ودون أن تترك له ادني فرصة للتعليق، دفعت الباب بهدوء وانسربت إلى الداخل قرأ اللافتة مرة أخرى للتاكد، وانصرف، تذكر برودة الصباح المهلكة، والمعطف الذي أخذته معها، فاصطكت أوصاله قليلا.
    في صباح اليوم التالي كانت موجة البرد قد انحسرت فجأة وبان وجه الشمس ساطعاً كمرآة.
    انزلقت السيارة بهدوء تتمايل، نفس اللافتة، ونفس البوابة السوداء الضخمة، ترجل من سيارته، طرق الباب بهدوء، وبنفس الهدوء انفتح له الباب.
    تلقاه وجه رجل سبعيني أشيب الرأس، هادئ القسمات لا يخلو من وسامة.
    تبادلا التحايا، وباختصار متقن بادره بالحديث:
    أنا علي زيدان، سائق تاكسي، في الحادية عشر من مساء أمس، أوصلت احدي الآنسات إلى هنا، ثم قالت لي عاودني في الصباح لأنقدك أجرتك، ولان البرد كان قاسياً تركت معها معطفي أيضا.
    لكن الرجل العجوز عالج السؤال بسؤال آخر:
    - لابد انك قد أخطأت العنوان، أليس كذلك؟
    لم أخطئ العنوان فقد انسربت بهدوء وثقة داخل البيت، فقرأت أنا اللافتة المعلقة فوق الباب، لاشك انك السيد عبد المجيد خضر؟
    - نعم أنا هو ولكن لي بنت وحيدة و مقعده منذ يناير الماضي.
    - لكني متأكد من دخول تلك الفتاة هنا، فقد انتظرتها حتى أغلقت الباب خلفها.
                  

02-19-2011, 06:38 PM

طارق صديق كانديك
<aطارق صديق كانديك
تاريخ التسجيل: 01-26-2007
مجموع المشاركات: 231

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يناير بيت الشتاء / القاص - أحمد الجعلي أبو حازم يفوز بجائزة الطيب صالح الأدبية (Re: طارق صديق كانديك)

    - فتاح يا عليم رزاق يا كريم، يا ابني أنا رجل عجوز، وحائز علي عدة ألقاب مرضية.. السكري.. الضغط.. القرحة.. الروماتيزم.. الخ.. الخ ارجوك خفف عني وانصرف.
    أوصد العجوز الباب، منهياً بذلك هذا الحوار العقيم، لكن الطرق علي الباب نشب مرة أخرى، فانفتح الباب هذه المرة والرجل العجوز بائن التوتر.
    - ماذا تريد يا هذا ؟ الم اقل لك انك قد أخطأت العنوان؟
    - ربما لم ترها يا حاج حينما دخلت، واعتقد أنها مازالت نائمة.
    - أقول لك أن لي بنتاً وحيدة ومقعدة، وتقول لي أن أحداهن قد دخلت هنا، ما هذا الهذيان الصباحي الذي اسمعه ؟
    - حسناً، لفك هذا الطلسم هل يمكنني رؤية ابنتك هذه ؟
    كان الرجل العجوز حريصاً علي إنهاء هذه التقطيبة الصباحية.
    - لامانع من ذلك، ولكن إن لم تجد ضالتك، أرجو أن تذهب علي فورك،
    دون أن تقلق صباحنا اكثر من ذلك.

    أومأ السائق بالموافقة، فأفسح له العجوز، دلف إلى فناء الدار، كان فناءاً ضيقاً، تطل عليه مجموعة من الأبواب والشبابيك الموصدة، وكان البيت هادئاً كدير مهجور، وثمة ياسمين يرسل رائحته الفضفاضة تكلل فضاء المكان وتؤكد هذا الهدوء وتجلله، دفع العجوز احد الأبواب، فكان الصرير عالياً، دلف إلى الداخل، كانت ثمة غرفة استقبال أنيقة، لا تتوافق والصرير الذي أصدره الباب.
    يمكن أن تجلس هنا، ريثما أخطرها بالأمر.

    جلس السائق علي احد المقاعد وكان ثمة إطار مذهب عليه صورة كبيرة لعروسين في غاية البهاء و الرونق، ملامح العريس في الصورة هي نفس ملامح الرجل العجوز، ولكنها هنا منحازة إلى شاب ذي نضاره لا تضاهي، أيقن السائق أنها صورة زفاف ذلك العجوز في زمان سحيق مضت أيامه في متاهة الذاكرة.
    لم يأبه السائق لما تبقي من صور، كانت معلقة بالقسط علي جدران غرفة الاستقبال.

    بهدوء الاديره المكلل بالصمت كان الرجل العجوز بدفع عجلة تجلس عليها ابنته الوحيدة والمقعدة، وبصوت خشبي ذو تكسرات، لاتخطأه أذناه، يسمعها تحيه، التفت السائق ليري فتاة في ريعان شبابها تغطي وجهها مسحة من الحزن العمبق، كأنها عجينة التعب.
    عندها بادره الرجل العجوز.
    - فاديه ابنتي، آخر من تبقي لي من أهلي في هذه الفانية، هل رأيتها من قبل ؟ .
    أحس السائق بالحرج يلفح وجهه لفحاً.
    - لا ليست هي بالتأكيد.
    - إذن ماجدوي هذا الطلسم ؟
    - أنا نفسي أتساءل عن جدواه.
    قال ذلك وهب واقفاً يبحث عن ما يليق من كلمات الاعتذار.

    ولكنه حينما همّ بذلك، شدّ انتباهه إطار ضخم لصورة كانت معلقة علي الجدار، خلف المقعد الذي كان يجلس عليه، تسمر السائق محدقاً في الصورة، ثم هتف:
    - إنها هي، تلك التي أوصلتها بالأمس، وقد تذكرت اسمها، إنها نادية.. نادية عبد المجيد خضر.

    لكنه سمع شهقة كأنها خروج الروح من مركبها، فالتفت ليري الرجل العجوز، وقد هبط جسده المهدود من سموقه كالخرقة البالية، علي احد المقاعد، أما الفتاة فقد أدارت عجلتها واختفت في تلافيف المنزل.
    ثقل اللسان فخرجت الكلمات واهنة، بطيئة من فم الرجل العجوز:
    - تقول أن اسمها نادية عبد المجيد خضر؟
    - نعم
    - أأنت متأكد من ذلك ؟
    - نعم
    - لابد انك قد أصبت بمس من الجنون.
    - لا يا حاج أنا في كامل رجاحتي العقلية.
    - أنا مضطر لأخطار الشرطة لهذا الاقتحام الغريب
    - لماذا يا حاج ؟
    - لان تلك التي تتحدث عنها قد ماتت منذ الشتاء الماضي في منتصف يناير.
    - يا حاج أنا أوصلتها هنا بالأمس، فكيف تكون قد ماتت منذ يناير الماضي.. أكاد لا افهم ؟
    - أقول أنها قد ماتت منذ عام وتقول انك أوصلتها بالأمس؟ ..هذا كلام غريب .
    - أنا آسف يا حاج، ولكن هل لي أن أرى قبرها ؟

    عند ذلك دخل الرجل العجوز قوقعة صمته، حتى خاله السائق انه قد صمت نهائياً، لكنه قبل العرض شارطاً أن تنتهي هذه المسرحية عند هذا الحد، فوافق السائق علي ذلك الشرط .
    قطعت السيارة عدة تقاطعات ثم انسابت عبر طرق ملتوية، وغير معبدة، حتى وصلت ذلك المكان الموحش، الغارق في لجة الصمت الأبدية.
    ترجلا من السيارة، عبرا دروب صغيرة متعرجة، تجاوزا عدة قبور، والتحدي فيصلاً محايداً بينهما، تغطيه ملاءات الصمت الصقيلة الحاسمة، كان الرجل العجوز يتوقف قليلاً أمام بعض الشواهد، ويقرأ الفاتحة، كانت فرصة أيضا لزيارة قبور الراحلين من المعارف والأصدقاء، حتى وصلا دغل صغير من أشجار السدر المتراكمة علي طرف قصي من المقابر أشار الرجل العجوز بسبابته العجفاء هنا تحت السدرة ترقد فلذة كبدي الراحلة نادية.

    كانت احدي أشجار السدر قد غطت القبر تماماً، ومالت فروعها المخضرة علي جانبي المقبرة، حتى غطت الشاهد، أزاح العجوز الفروع النائمة علي الشاهد، فقرأه السائق برهبة اقرب إلى الخشوع، أما الرجل العجوز، فقد بدأ يزيح بعض الأغصان لتجلية القبر، هنا بان المعطف بوضوح راقداً علي ظهر القبر، لم يصدق السائق عيناه، ولم تسعفه شجاعته علي التماسك، فبدأ بالتقهقر للخلف رويداً رويداً حتى تعثرت قدماه بأحد القبور، فأطلق ساقيه للريح.

    ينهي المحقق قراءاته، يضع الصحيفة بهدوء أمامه، يرمقك بنظرة شرطية تحمل ما تحمل من معاني مستبطنة، وأسئلة مضمره، ثم يسألك بنبرة حادة:
    - أليست هذه هي قصتك الموسومة بالذاكرة المعطوبة ؟

    تجيب بنعم ويسيطر عليك الذهول والحيرة، وتحاول أن تجد تفسيراً ملائماً لوجودك هنا، وما علاقة كل الذي جري بهذا النص القصصي الضعيف؟
    يعالجك بسؤال مباغت يعيد إليك صوابك:
    - كيف انك لا تعرف هؤلاء الناس؟
    - مازلت أؤكد أنني لم التقيهم قط في حياتي.
    - مهمتي كمحقق تقتضي عليّ أن أعرفك بهم.

    - فهذا الرجل الأشيب ذو الوسامة الهاربة، هو السيد عبد المجيد خضر، أما هذا الرجل، فهو السيد علي زيدان سائق التاكسي رقم خ/أ/6485/تاكسي الخرطوم، وهذه رخصة القيادة وبطاقته الشخصية، والذي أطلق ساقيه للريح كما تزعم في قصتك، أما هذه الفتاة، فهي الأستاذة نادية عبد المجيد خضر المحامي وموثق العقود أمام المحاكم الجنائية والمدنية، ها ماذا تقول في هذه البراهين والحيثيات؟

    عند ذلك كان المحقق مبتسماً وهو يفرك يديه، والغبطة مرتسمة علي سيمائه، إعلانا بانتصاره عليك. تشعر بالبرد، والحمي، ينتابك الغثيان، وتحس بالدوار، يلف راسك فتطلب كوباً من الماء ومن بين ركام التلعثمات تستنكر هذه الورطة، وتجيب بجدية غريبة:
    - إن هذا إلا محض خيال، كل الذي قرأته سيدي المحقق، اقسم انه خيال صغته هكذا دون علم لي بان هنالك أشخاص بهذه الأسماء.
    - نفترض أن كل الأسماء محض خيال صادف الحقيقة، ماذا تقول عن الوصف التفصيلي، والعنوان الكامل لمنزل السيد عبد المجيد خضر؟ .. ثم ماذا تقول عن الرقم الحقيقي لسيارة السيد علي زيدان؟ .

    ودون أن يتركك ترد علي أسئلته المتلاحقة، يقرأ لك قرار النيابة القاضي بحبسك أربعة أيام علي ذمة التحقيق.
    تميد الأرض تحتك، وتحس بصداع عنيف، ودوار طاغ يزلزل كيانك، وعندما تفيق تجد نفسك محاطاً بالثراثرات، وبعض الصراصير التي تدب بيأس داخل الزنزانة، والأسئلة تلتف حولك كالحلزون.

    انتهى ..
    _____
                  

02-19-2011, 06:39 PM

طارق صديق كانديك
<aطارق صديق كانديك
تاريخ التسجيل: 01-26-2007
مجموع المشاركات: 231

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يناير بيت الشتاء / القاص - أحمد الجعلي أبو حازم يفوز بجائزة الطيب صالح الأدبية (Re: طارق صديق كانديك)

    ألف مبروك الأديب أبو حازم .. !!

    لك التحيات النواضر

    مودتي
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de