|
|
 مسلسل إعتقال الترابي .. من المستفيد ؟
|
مسلسل إعتقال الترابي .. من المستفيد ؟
صالح عمار
في سيناريو يتكرر للمرة السادسة منذ العام 2001 م؛ ولكن في أجواء مختلفة هذه المرة؛ إعتقلت الاجهزة الامنية زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض د.حسن الترابي؛ في ساعة متاخرة من مساء أمس الاول، مع تسعة من قيادات حزبه.
السلطات لم يصدر عنها توضيح رسمي عن الحادثة، إلا أن المركز السوداني للخدمات الصحفية smc (ذي الصلة القوية بالاجهزة الحكومية والامنية) أورد تصريحاً لمصدر أمني ـ لم يذكر أسمه ـ قال فيه إن إعتقال الترابي وأعضاء حزبه تم بسبب علاقتهم الوثيقة بحركة العدل والمساواة؛ التي تحمل السلاح في مواجهة الحكومة بدارفور.
مصدر أمني رفيع أكد لـ (smc) حصول الأجهزة المختصة على وثائق ومعلومات تؤكد علاقة حزب المؤتمر الشعبي بحركة العدل والمساواة، وقال المصدر إن الإفادات والوثائق أكدت دور المؤتمر الشعبي في توجيه وتمويل أنشطة حركة العدل والمساواة والإشراف المباشر على عملياتها العسكرية بدارفور، حسب قول المصدر.
وكانت السلطات الأمنية قد أعلنت عن أسر عدد من القيادات العسكرية بحركة العدل والمساواة وعلى رأسهم ابراهيم الماظ نائب رئيس الحركة وآخرين، ممن قالت إنهم قيادات في المؤتمر الشعبي.
والرسالة والنتيجة لإعتقال الترابي بهذه المبررات، والربط بينه وبين مايجري في دارفور، تكررت في معظم الإعتقالات الاخيرة؛ بسيناريوهات وروايات متعددة.
إعتقال الترابي جاء بعد ساعات من تصريحات ساخنه أدلي بها لوكالة الانباء الفرنسية، ذكر فيها أنه يشتم (رائحة ثورة تونسية في السودان)، واعتبر الترابي أن قيام انتفاضة شعبية في السودان على غرار ما حصل في تونس أمر "مرجح"، ورأى أن هذه الانتفاضة الشعبية يمكن أيضا أن تجنب وقوع "حمام دم" في السودان الذي يتجه جنوبه نحو الانفصال. وقال الترابي : (لقد عرفت هذه البلاد انتفاضات شعبية في السابق، ومن المرجح أن يحصل الشيء نفسه في السودان)، مضيفا: (وفي حال لم تحصل انتفاضة قد يقع حمام دم لأن الجميع مسلحون في السودان).
ورغم أن إعتقال الترابي جاء فقط بعد ساعات من حديثه لوكالة الانباء الفرنسية؛ مايعطي إنطباعاً بوجود علاقة بين التصريح والإعتقال؛ إلا أن قراءات تمضي في إتجاه آخر.
فحسب مراقبين، فإن إعتقال الترابي مع قيادات من حزبه كان متوقعاً، بل إن قراءات تمضي لابعد من ذلك، بإحتمال إعلان السلطات لحالة الطوارئ، والقيام بحملة إعتقالات وسط قواعد وقيادات الاحزاب؛ وعودة الرقابة علي الصحف (وربما أيضاً إغلاق بعضها).
إعتقال الترابي ـ بحسب هؤلاء المراقبين ـ يحقق أهدافا ويرسل رسائل لعدد من الاطراف، فمن ناحية يشل أي خطوة قد يزمع المؤتمر الشعبي القيام بها؛ خصوصاً بعد مؤتمره التنظيمي الذي عقده مطلع هذا الشهر وماخرج به من دعوة لإسقاط الحكومة، الامر الذي سيمتد تأثيره علي نشاط المعارضة بشكل عام.
كما أنه يحقق إستراتيجية الربط المتواصل بين المؤتمر الشعبي وأزمة دارفور( ويتيح هذا معاملة الحزب باسلوب قريب لما يتم التعامل به مع الحركات المسلحة ).
كما أنها من الناحية الاخري، رسالة عملية لاتحتاج لشرح لقوي المعارضة؛ التي تتوعد الحكومة بالنزول للشارع؛ بالمصير الذي ينتظرها في حالة قررت مواجهة السلطة، وقد يتسبب في ربكة داخلها.
ويبدو المؤتمر الشعبي الحلقة الاضعف (والانسب) لإرسال هذه الرسالة، بسبب عزلته الدولية ـ وبالتالي ضعف المساندة من الدول والمنظمات الحقوقية ـ وإعتياد الرأي العام علي إعتقال كوادره طوال السنين الماضية.
إعتقال الترابي ـ وكوادره التنظيمية وذات الخلفية الامنية ـ لا يبعد بأي حال عن رؤية الحكومة لملف دارفور، فحسب كل التوقعات فإن الملف سيعود للواجهة مرةً أخري، وربما بشكل اعنف.
الاعتقال أيضاً لن يكون بأي حال بعيداً عن مرحلة مابعد الإستفتاء؛ وإعادة ترتيب وهيكلة الدولة؛ التي تحتاج لهدؤ يستطيع الترابي؛ بحنكته السياسية وإلمامه بالكثير من التفاصيل؛ تعكير صفوه.
غير أن إعتقال الترابي المتكرر، يثير عند مراقبين تساؤلات عن الهدف الخفي منها ؟ وما إذا كان المؤتمر الوطني والاجهزة الحكومية المستفيد الحقيقي من الإعتقال ؟.
ففي الكثير من المرات كان الترابي يدلي بتصريحات ويقوم بتحركات عملية؛ بعيدة عن حكمة السياسة؛ وتبدو وكأنها إستفزازية؛ يهدف من خلالها لإعتقاله.
ويري مراقبون أن إعتقال الترابي المتكرر ساعده في الوصول سريعاً، لترقي الدرجات في سلم المعارضة، وأعاد إليه الكثير من بريقه الذي فقده في سنين
التسعينيات.
وعقب الانتخابات الاخيرة، ومشاركة المؤتمر الشعبي فيها ـ وخروجه علي قرار احزاب المعارضة التي قررت مقاطعتها ـ وجد المؤتمر الشعبي نفسه في عزلة عن الاحزاب والشارع المعارض، إلا أن إعتقال الترابي وإقفال صحيفة الحزب "رأي الشعب" أعاده للواجهة من جديد.
وفي كل هذه الاعتقالات؛ خصوصاً الإعتقال الذي جري في مايو من العام الماضي، يري كثيرون ان المستفيد الاول كان الترابي. حيث تم تقديمه للرأي العام كزعيم وقائد للمعارضة، تحسب له الحكومة وأجهزتها الامنية الف حساب، أكثر من قيادات المعارضة الاخرين.
ويتوقع وبالنظر للمقدرات والكاريزما التي تحيط بالرجل، أن يساهم إعتقاله في رفع شعبيته، وبالتالي إمكانية لعبه لدور محوري جديد في المرحلة المقبلة (خصوصاً إذا نجحت المعارضة في إزالة السلطة وفقاً للاتجاه الذي تمضي فيه الان، او حتي في حالة تكرار التجربة التونسية وخروج الجماهير لوحدها، او في حالة التوصل لصفقة بين الحكومة والمعارضة) .
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست