|
Re: معنى الإتحاد عند الشيخ محيى الدين بن العربى (Re: Balla Musa)
|
ويقول فى الجزء الثالث صفحة 377 من الفتوحات المكية: هذه الخزانة فيها وجوب تأخر العبد عن رتبة سيده, وتخليص عبوديته لله من غيره, كما أقر له بذلك فى قبضة الذرية, يريد الحق أن يستصحبه ذلك الإقرار فى حياته الدنيا, موضع الحجاب والستر, فإن الحق له التقدم على الخلق بالوجود من جميع الوجوه, وبالمكانة والرتبة, فكان ولامخلوق, هذا تقدم الوجود, وقدر وقضى, وحكم وامضى, إمضاء لايرد ولايقضى عليه, فهذا تقدم الرتبة, فما تشاؤون إلا أن يشاء الله أن تشاؤوا, فوجب التأخر عن رتبة الحق من جميع الوجوه, فإن العبد أعطى الكثرة لتكون الأحدية له تعالى, وأعطى كل مخلوق أحدية التمييز, لتكون عنده الأحدية ذوقا, فيعلم أن ثم أحدية, ليعلم منها الأحدية الإلهية, حتى يشهد بها لله تعالى, إذ لو لم يكن لمخلوق أحدية يتميز بها عما سواه, ماعلم أن لله أحدية يتميز بها عن خلقه, فلابد منها, فللكثرة أحدية الكثرة, ولكل عدد أحدية لاتكون لعدد آخر, كالأثنين والثلاثة الى مافوق ذلك, مما لايتناهى وجودا عقليا, فلكل كثرة من ذلك أحدية تخصه, وعلى كل حال أوجب الحق على عبده أن يتأخر عن رتبة خالقه, كما أخر سبحانه علمنا به عن علمنا بأنفسنا, فوجود العلم المحدث به متأخر بالوجود عن وجود العلم المحدث بنا, وجعل المفاضلة فى العالم بعضه على بعض, لنعلم المفاضلة ذوقا من نفوسنا, فنعلم من ذلك فضل الحق علينا, وإن تأخر علمنا به عن علمنا بنفوسنا, لنعلم أن علمنا بنفوسنا إنما كان للدلالة على علمنا به, فعلمنا أننا مطلوبون له لا لأنفسنا وأعياننا, لأن الدليل المطلوب للمدلول لا لنفسه, ولهذا لايجتمع الدليل والملول أبدا, فلا يجتمع الحق والخلق أبدا فى وجه من الوجوه, فالعبد عبد لنفسه والرب رب لنفسه, فالعبودية لاتصح إلا لمن يعرفها, فيعلم أنه ليس فيها من الربوبية شئ, والربوبية لاتصح إلا لمن يعرفها, فيعرف أنه ليس فيها من العبودية شئ, فأوجب على عباده التأخر عن ربوبيته, فشرع له الصلاة ليسميه بالمصلى, وهو المتأخر عن رتبة ربه, ونسب الصلاة إليه تعالى, ليعلم أن الأمر يعطى تأخر العلم الحادث به عن العلم الحادث بالمخلوق, فقال ( هو الذى يصلى عليكم وملائكته) وقال ( فصلى لربك) ولما علمنا أنه من تأخر عن أمر فقد انقطع عنه , علمنا أن كل واحد قد تميز فى رتبته عن الآخر بلا شك, وإن أطلق على كل واحد ما أطلق على الآخر, وتوهم الإشتراك وهو لا اشتراك فيه, فإن الرتبة قد ميزته, فيقبل كل واحد ذلك الإطلاق على ماتعطيه الرتبة التى تميز بها, فإنا نعلم قطعا أن الأسماء الإلهية التى بأيدينا تطلق على الله وتطلق علينا, ونعلم قطعا بعلمنا برتبتنا وبعلمنا برتبة الحق, إن نسبة تلك الأسماء – التى وقع فى الظاهر الإشتراك فى اللفظ فيها- الى الله غير نسبتها إلينا, فما انفصل عنا إلا بربوبيته, وما انفصلنا عنه إلا بعبوديتنا, فمن لزم رتبته فما جنى. ويقول الشيخ الأكبر فى الجزء الأول صفحة 406: إن الإعراض عن الحق وقوع فى العدم, وهو الشر الخالص, كما أن الوجود هو الخير الخالص, والحق هو الوجود, والخلق هو العدم.
|
|
|
|
|
|