|
دكان الحلة.. (إهداء للأعزاء، بلة الفاضل، عبدالرحيم العبيد)..
|
...
حجارة بطارية نص الليل!!...
(الفصل الأول)
طرقات ثلاث، على باب الزنكي، تبدو كالرعد في سكينة الليل، وقد نامت القرية، حتى الملائكة المؤكلة بها استرخت جذلى تراقب أحلامهم وغرابتها، صاح خالي دفع الله، وهو يرفع راسه عن المخدة فوق العنقريب:
- بسم الله الرحمن الرحيم، علو مافي عوجة، ده منو - أنا جحا ياعمي - خير، ان شاء الله ماعندكم زول ميرود - لا.. أبوي حمد داير حجارة بطارية للرادي.
سب خالي في سره الحياة، والتجارة، والدكان، وحجارة البطارية، أهذا وقت شراء حجارة بطارية للرادي؟، بعد أن نامت حتى الملائكة الموكلة بأهل القرية، ورفعت أقلامها، وجفت صحفها وطوت كتابها.
صاح خالي وهو يوجه حديثه لعنقريبي، وأنا راقد تحت دفء الفردة الدمورية: ياجنى قوم شيل المفتاح، أنا تعبان وولع الفانوس وأدي الجنى ده حجارة. ثم واصل حديثه، وهو يسأل جابر. طلق ولا حاضر؟؟. رد جحا من وراء الباب، صائحا: طلق ياعمي. دحين أبوك ما اشترى معزة أمس من السارة؟ سئل خالي مستنكرا الدين. لم يرد جحا.
مددت يدي تحت مخدة خالي، رفع لي طرفها، وجدت علبة نيفيا قديمة، باااردة، مليئه بالصعود، أزحتها وبحثت عن مفتاح الدكان، عثرت عليه، ومعه مفتاح الحوش والخزنة، ثلاثة مفاتيح كبيرة، كأنها فرش أسنان حديدية، لا تفارق بعضها، كما لا تفارق جيب خالي، وقلبه، يحملها خالي أنى توجه، وهي مربوطة مع بعض بخيط دبارة، لونه كالطين من من قبضة يد خالي، والتي لا تخلو من اثر زيت، أو جاز، أو دقيق، وغبار عالق على أكياس الشعريرة، والمكرونة، حين يتناولها، والتي ترقد في الرف، مثل الدجاج، شهور طويلة..
لم أوقد الفانوس، كان داخل الغرفة الكبيرة، وأرتعشت من خاطرة مرت بذهني كالسهم، أن تلدغني عقربا في الظلمة.
(يالنبي نوح)!!. قلتها في سري، كما أني أعرف الدكان ورفوفه من ضوء ذاكرتي، وشمي، فتحت باب الحوش، همس لي جحا "هنا أمدرمان" عرفنا اشترينا معزة السارة كيف؟)، كنا نسمي خالي (هنا أمدرمان)، لأنه يجلس في عرشه، ولكن الأخبار تأتيه، طواعية، وكرها، ضحكت في سري، ثم فتحت باب الدكان، وأعطيت جابر أربعة حجارة بطارية، فريدي، مغلفة بكيس سميك، كل أثنين ملفوفة مع بعضها، وأعطيته قبضة بلح في يده اليمني، كما خطف هو بسرعة قبضة نبق بيده اليسرى، لن يفوت في هذه الظلمة المباركة، فرصته، بل فرصتنا.
أسمه جابر، ونلقبه بجحا، أعز اصدقائي، يمكن وصفه، بدون تردد، إنه عبارة عن زير ماء، كبير البطن، تحمله قنايتين، مقوستين،كأنه يضع بين رجليه طبل غير مرئي، مثل ضابط إيقاع الفرق الشعبية، دون أن ينقره، أنى سار، وأكاد أقسم، لوقف في تحت ظل السبيل، وكان يرتدي لون احمر داكن، لأخذت الكوب كي تغرف من رأسه الماء.
حوشنا كبير، تتناثر العناقريب فيه، ننام وتلتحف السماء، وقبيل أن نصل باب الحوش، مررنا بعنقريب أختي الصغيرة، صحت من نقر الباب، وهي تهمس ساخرة "جحا العوير، بطنو زي الزير"، كيسوع أسمر، مسح رأسها، ووضع تحت مخدتها قبضة نبق، ومضينا نحو الباب، في ليل كالشعر، كقلب جحا.
لم أكد أضع رأسي على المخدة الباردة، حتى تعالى مذياع عمي حمد، وهو ينفث صوت إبراهيم الكاشف كبخور في ليل القرية، انتهزت رقة صوته، نوم وابور الطاحونة، والبيارة، ولغط نساء القهوة، لتنشر شذاها من حوش لآخر، فتأنس لها عيون الأبقار، وقلوب الماعز، والعذارى، فتحتل مع ضوء النجوم، ورائحة النهر، سماء القرية الهادئة.
عمي حمد، مولع بالكاشف، راديو، قديم، تعطل صندوق الحجارة،، حبل قماش يشد حجارة البطارية إلى ظهره مثل أطفال الفلاتيات السعداء، واللذين أغطبهم على المرحجة طوال الوقت، كلما تراقص جسد أمهم، حاجة عشة، حين تدق جوالات الفول السوداني، أو الويكة، بفندك خشبي كبير ، أمام فسحة دكان خالي، وهي متعبة من الدق، تنحني وتقوم، والطفل المحظوظ المربوط خلفها يحسبها تمرجحه، فتشق ضحكته الفسحة، متناغمة مع قلبها، وصوت الفندق، مليون حرفة، ولهو، في ذات الوقت، ما أثرى هذه الأم، مثل ثراء جلبابها الزاهي بألف لون ناصع.
همست لنفسي، بلسان خواطري (عمي حمد ليهو حق يصحي خالي في هذا الوقت)، فعمي حمد شاعر بلا قصائد، يعمل حارس في البيارة، كأنه يغسل أذنيه من ضجيج الصبح، بأغاني الكاشف، وعثمان حسين، والفلاتية، يدخل شهيق عذب، لقلبه، ويزفر تلكم الضوضاء التي ملأت قلبه المرهف كل صباح..
لم أسجل الدين في كراسة الدين، فقد كنت أحب الراديو، وأخباره، وتقليب موجاته، متنقلا بين الكاشف، والكابلي، ومونتي كارلو، وأخبار العاشرة، وموجات غريبة أخرى، اسمعها من مذياع عمي حمد، أخبار عن دول غريبة الأسماء، في امريكا اللاتنية، واسيا، وأفريقيا، وأوربا، نيكاراجو، وكوكستاريكا، والمجر، وكولامبور، جزء أعرفه، وجزء كبير يغيب عني، ولا أحيط بعالمه شئيا، أحاول نطق اسمائها بلساني فأعجز، وأحن لأهلها، ومشقة نطقها كل يوم، ولكني أحس بأنس ما، بأرض لا تغيب عنها الشمس، والحياة، وببلدان رأيت خريطتها، وجبالها في الأطلس، وأعجب من الإنسان، يعيش فوق الجبال، وفي قلب الصحراء وفي باطن الأرض، كعمال المناجم في جنوب افريقيا، وشيلي.
المذياع يسوح بي في حيوات غربية، لغات، وأغاني، والحان، تبدو لسمعي غريبة، فأشعر بطول الرحلة، منذ أن فتح آدم عينيه على غاب عذراء، وتشعبت الطرق ببنيه، إيما تشعب، أكاد أقسم، أن فروع شجره بنيه الآن، لم يغذيها جذر جد واحد، آدم، منذ ملايين السنين، سحنات، ولكنات، ومع هذا، أطرب، لأغاني كردية، ويونانية، وكينية، فأحس بصلة رحم غائرة في قلبي، بين الجميع، كما أصغي لأحداث، يبثها المذياع في سماء القرية، وأبكي لزلال ضرب قرى إيران، وأحشد ذهني، كي أتصور وجوههم، وفزعها، وخرائب البركان، فأحس بهم، وأحس بأن الكلمات والجمل، تخلق صورة في ذهني، مثل صور السينما، فتدمع عيني، لأمرأة تبكي طفلها، المدفون كله، سوى رجليه، وطرف يده يمسك بدمية قطينة بسيطة، أسمع نحيبها من خلال شاشة خواطري، كأني أحج ببراق الأخبار، لأخوتي في الأرض، أبناء جدي آدم، حيث كانوا.
قرصني خالي من أذني اليسرى، وأنا سارح أمد له يدي، كي أسلمه مفتاح الدكان، "بطنك ياجنى بطق من النبق".
يا لغفلتي، نسيت أن الظلمة تحجب عين خالي، ولكن انفه الصغير، الحاد، يشم رائحة النبق، في سابع الظلمات، ليت الظلمة تخفي الرائحة أيضاً.
***
خالي دفع الله لا يسكر، إلا أن يده تكون مخمورة، وحدها، دون سائر جسده، فهي ترتجف حين يقيد ديون زبائن دكانه، في كراسة عربي قديمة، ورغم الخطوط الزرقاء الأفقية المستقيمة، على سطح الورقة، إلا أن يد خالي وهو يقيد ديون طيفور، وحاج آدم، وست النفور بائعة الرغيف، والناظر، والحكيم، كانت تنحني وتقوس السطور، أنى شاءت، كأنه في واد، والخطوط في واد آخر، فتبدو السطور التي خطها كأنها طيور ترفرف بأجنحتها الطويلة، وهي تحلق في سماء الورقة البيضاء، سرب محلق، كل واحدة فوق الأخرى.
كانت صفحة ديون سعد ود الشيخ، مليئة ببقع زيت السمسم، كأن خالي يوقع بصمة يده في ركن كل صفحة، كي يوثقها، حين كتب "ربع رطل زيت سمسم.. 7 قروش"، للأمانة هو لم يضع ثلاث نقاط فوق حرف الشين، تركها مثل حرف السين "قروس"، وذات الصفحة زخرفت بمحلبية، ودقيق، وزيت فهد، وتلوثت بجاز، كما تذوقت حلاوة طحنية، حيث التصقت بها حبيبات طحنية صغيرة، هنا وهناك، ويلفها حلق من زيت، حتى صارت الصفحة، وأخواتها، كأنها كراسة أثرية، شابت وعاشت قرون غابرة، وتكرمشت أطرافها، حيث تضغط يد خالي طرف الصفحة، حين يتصفح ويبحث عن اسم الدائن أعلى الصفحة، وهو يوبخ، ويهدد (خلاص دينكم كتر)، (تاني مافي جرورة)، "يابت سمعت ابوك صرف حق اللقيط"، يكلم نفسه، وهو يخاطب شخوصاً و أسماء مدونة في كراسة الدين، كأنهم أمامه، لصق بنك الدكان.
أسعد الأوقات، حين تخط يد خالي المعروقة، خط طويل من أعلى الصفحة، إلى أدناها، ويخط كلمة (سدد)، ويجمع المشتريات نهاية الصفحة، وتحتها خطين، كأنه يخاف أن تسقط من أسفل صفحة الكراسة، ويفتح الكراس صدره لديون أخرى، ومطالب أخرى، روح أخرى، صابون، زيت، جاز، شريط لمبة، عدس، بخور، شمعة، قلم رصاص، حبة أسبرو، هي هي، ملأت عشرات الكراسات القديمة، ولا تزال تبحث عن صفحات بيضاء..
.... هامش:
كلمة (طلق)، يعني دين، أو جرورة، بلغة شرق النيل، والجزيرة..
.....
يتبع...
...
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: دكان الحلة.. (إهداء للأعزاء، بلة الفاضل، عبدالرحيم العبيد).. (Re: عبدالغني كرم الله)
|
....
(الفصل الثاني.)
كنت أحتل مكان خالي، خلف بنك الدكان الخشبي، رغم عشقي للحرية، ولكن أن أكون قريبا من صفيحة الطحنية، وجولات البلح والنبق، هذا إغراء لا تقدر نفسي على صده، وأن سجنني بين الأرفف والطاولة سويعات، حتى يأتي خالي من سوق امضبان.
اسمع صوت الكارو، تصر عجلاتها، وتئن وصل باب خالي من السوق، كارو محملة بكراتين الصلصة والشعيرية، والصابون، فأفرغها معه، حين أصعد فوق طربيزة الأرفف، كي أرتب علب الصلحة، والتانك، والمربة، وهو يمدحني "الجنى فنان" لأني رصصت الصلصة مثل أهرمات دنقلا العجوز، كأني كاهن نوبي، صمم تلك المعابد القديمة بالسليقة، كما رصصت المربة، وكأنها شبك، ثم رصصت أكياس العدس مثل انحدار ضفة النهر، ورصصت علب النيدو مثل لاعبي السيرك، كل فوق الأخر، ويضع رجل على رأس تحته، والأخرى على رأس لاعب آخر، أعجب من رشاقتهم، وأقلدهم في علب النيدو المسالمة.
في فراغي، بين زبون وآخر، أفتش كراسة الديون، تحوم عيوني الفضولية في ديون الناس، وأجمعها في رأسي، وكأنها ستدخل جيبي، وليس جزلان خالي، كنت أرثى لناس، وأشمت على أخرين، وأغبط غيرهم، وكان يسرح طرفي في صفحة الناظر، ففيها كل ما تشتهي نفسي، كم هائل من الشعيرية، والمربة، والسكر، والأناناس، حتى يسيل لعابي، وأتمنى أن أكون أبنه، كي أتمتع مع أبنته الوحيدة بهذه الوجبات الدسمة، ولكني أوبخ خيالي، كيف أتزوج أختي؟ فأتناسى لذة الوجبات، لوصال جميل، وأغرق في خيالي مع بنت الناظر.
****
26 – 29 – 29، سمعني خالي وأنا أنطقها بصوت عالي. (ده حساب منو؟)، صاح خالي.
كذبت عليه، قلت له: بحسب في حساب ناس جاد الله، أصلو جاء امس من الصعيد، وكنت أحسب في عدد القنى، والمروق في السقف، كم مرة حسبتها،وكم؟ لا أ دري لم، لكي أقتل وقت الفراغ؟، بل كم حسبت دقات الوابور، وشبابيك المسجد، وأزيار المسيد، وأعمدة السلك الشائك للبيارة، ألفه كله كي أحسب الأعمدة، لا لكي اقتل وقت بالفراغ، بل هناك وقت فراغ لكل شئ، ما أوسعه، وما أطيبه، أصلا لا يضايقك، لأي هواية تحبها، ولو وددت حساب النجوم.
كنت أحب سقف الدكان، وأراقبه كل مرة، ففي الركن عش زرزور وزوجته، أصفر المنقار، والعناكب والعنبكوت، والذباب، تسكن حيث ما تريد على سطح السقف، بل على بطن السقف، وهي لاتقع، وكأن الجاذبية الأرضية لم تخلق بعد، تحوم على القنى، والمروق، وظهرها نحو الأرض، نحو، ولم تقع على رأسي أو في صفيحة الزيت أو الجبنة، ولو مرة واحدة، ماهرة حد الكمال..
أرجع للدفتر، أجد أناس تخلو ديونهم من أي شئ أحبه، سوى جاز، وزيت وأسبرو، أغرق في صمت عميق، كأني أريد اصطياد فريسة، كي لاتفر مني، في غاب خواطري، فريسة حل، أو فهم، لما يجري حولي، من أرزاق، وسحنات، وأحزان، وأتراح، وأفراح.
أمامي برطمانية كبيرة، يضع فيه خالي الحلوى، واللبان، أحاول حسابها داخل البرطمانية، فأخفق، كما أخفق مع أختي في عد نجوم الليل، ونشعر بكثرة النجوم اللانهائية العجيبة، نحس بالعجز، والضلال عن الفهم، فتشرق فينا خمر هوان لذيذة، وضآلة أجنة في رحم كون لا متناه، قعشريرة عجز ديني، فطرية، تعتري الجسم.
خالي يفاضل بين الناس، ويعرف القرية وأحوالها، بل أمرني، أن اكتب على صفحة كرتونة مربة فاضية (ممنوع الدين ولو بعدين)، وتعليقها بدبارة برف مواجه للباب، وكان هذا الإعلان مقتصرا على كل رجل يأكل من عرق جبينه، أصحاب رزق اليوم باليوم، ولا يصرف راتبا شهريا، مضمونا، أما أصحاب الرواتب، والمعلمين، والناظر، فالإعلان المخطوط بيدي لا يعنيهم، ولو تأخروا شهر، بل شهور، وليس "بعدين"..
الشمة بت السالم جـ كيلة عيش فوتريته1/7/1979م 70 ملوة عدس 12 كراس حساب 5 3 قلم رصاص واستيكة 4 علبة هندسة 8 2 كيس شعيرية 9 رطل زيت سمسم، ونص رطل فهد 12 شريط اسبرو 6 3 قزايز ببسي 6 5 جنيه جرورة (حق سفرها للاسبتالية، علاج حاج ادم) 5 جرورة 3 موس حلاقة 3 مشط، محلبية 8 فحم 2 حرورة علبة كبيرت اسبرو علبة صلصلة/ جاز/ ــــ ـــــ المجموع 127 ج سددت يوم، 12/5/1979، خاااالص.
من كراسة الدين، كنت أحن على ناس رحمة الله، تجاوزت ديونها ثلاث صفحات، مليئة بالزيت والطحنية والشعيرية في البدء، وأنتهت بالجاز والزيت، فأبنهم في العراق لم يرسل منذ ثلاث أشهر، وخالي يوبخ أبنتهم الصغرى، كأنها هي التي خلقت الجوع، والحاجة، وكأن الجوع يعرف أحوال الأبن الغائب، فيغيب مثله، وكان يصيح فيها "طلق طلق"، وفي الأخير يوزن لها حويجاتها، بعد أن قلصها للربع، (أخوك السجمان تلقاهو سكران هسي)، وتكضم البت غضبها بين جوانحها الصغيرة، لأخيها الحبيب الغائب، وتمضي حزينة، وخالي لا يزال يهمهم "ما يبيعوا البقرة وكت ماقدرين يسددوا طلق تلاتة شهور تقول أنا قارون، التجارة بيع وشراء، نموت يعني"، فأحن على خالي أيضا، بعد أن زجرته خواطري منذ قليل، ويسرح طرفي في كبد الحياة.
خلف الطبلون كنت أشعر بذاتي، برشاقتي وأنا أنزل برطمانية تانج أعلى الرف، حيث الاحتياج لها نادرا، من بيوت لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة، وهي في المنتهى، أي البرطمانية، حين تحك حواء، قعرها بالمعلقة، كي تخرج أخر برتقال عالق، وتصير البرطمانية كباية شاي لعم فضل الله، يمسك بها فجرا، وهو يرشف شاي معتق من قطيع أبقاره، لا سقط متاع في قريتي، تبدل الاشياء وظائفها، مثل تلك البرطمانية.
***
ويسرح طرفي بالكراسة التي بيد الملائكة، وهي تدون حياتنا، أيديها مثل خالي؟، أم خطها جميل، مثل خط صديقي جابر، خطه جميل، تكاد الحروف العربية أن تكون في جمال الزهر، وكيف ترانا بلا فانوس في الظلمة، أغمض عيني، فلا أرى سوى أخيلتي، كم صفحة ملأت من حياتي، ياترى هل سجلت حباب البلح التي سرقتها من خالي؟ شعرت بفضحية حين أتلو بنفسي، كتابي يوم القيامة، أمام القرية كلها، وجدودي الذين دفنوا بالمقابر، وأحفادي الذين لم يأتوا بعد، يالها من فضحية، ولكن خالي حينها سيغفر لي، ، أم أقفز ذلك السطر؟ يقال لا كذب يوم الحساب، وأحفادي، الذين لما يأتوا بعد، يضحكون على جدهم، سارق البلح، مثلهم، تعجبت من ذلك اليوم، أن يحضر فيه ناس المقابر، اللذين لم أراهم، وأحفاد أحفادي، اللذين لن أراهم، يبدو الحشد جميلا، ومثيرا، نفسي أن أرى حبوبتي حواء، ونوح وعنقه، وطوله، وسيكون بين احفاده يوم الحشر، كسارية المولد، وعنتره، وليونادو دافنشي، وكسرى، ، كل الناس، (ماكان، وما سيكون)، كلهم حاضرين، عجبني لذلك، ولو كان حسابا عسيرا، تمنيت أن أرى ماذا سجلت الملائكة في كراسة حبوبتي الراحلة، يكاد يكون ديوان شعر، وليس صحيفة حساب، حبوبتي ملاك طاهر، تحلق بينهما، أي ديون سجلتها عليً الملائكة، كي أسددها، عمي حمد يقول أن الله باع لنا العيون، والقلوب، والجوارح كلها، اشتريناها منه، وعلينا أن نسدد الدين، بالشكر، وأسأله كيف نشكر الله، هو يقول لي (استعمل النعمة فيما خلقت لها)، وأنا لا افهم مراده، ولكن سلاسة الكلمة تأسرني، فأرددت في سري، "فيما خلقت له"..
أبيع رطل شاي، لحاجة آمنة، اراقب الكفة حتى تنزل، كفة الشاي، أخاف كلمة "ويل للمطففين"، من حكم سيدي العبيد ودريا، (التاجر يتم ميزانو، ويحلي لسانو، شوف كان ما يتملي دكانو)، اسحب درج القروش من الطبلون، وأقذف الشلن فيه، ثم أحدق فيه، ملئ بالقروش والريالات والشلن، وحبات عدس في الركن، وأقلام حبر جاف ناشفة، وموس حلاقة قديم، يقطع بها خالي بلاستيك صندوق الشاي، ودبارة ألياف سلك الغسيل، وحبال ودبارة شوالات البصل، والسكر، أضع حنكي على درج القروش وأشم رائحة القروش القديمة، كم يد أمسكتها، وكم بضاعة اشترتها، وهي هي!! ..
أحس بأن القروش حاو، كأنها الأكسير، تتحول لنبق، أو دكوة، أو علبة برنجي، أو قزازة عرقي، حاو من ورق، من وضع لها هذه القدرات السحرية، ألهذا يعشقها الناس، ويتركوا دفء الوطن، والأسرة في سبيل ورق مرسوم عليه مبنى كبير، وتوقيع، وحيوانات، صغير الحجم، غريب القيمة.
ثم اتفرج على الرفوق، رف رف، والرف الأخير لم أكن أحبه، ففيه قماش دبلان أبيض، لم أحبه، ولم أتمنى أن يشتريه أحد، كي يذهب لفوزية الترزية، وتخيط كفنا، وأتمنى أن لا يشتري أحد، ولو ربع متر منه، أخاف حتى رحيل الأطفال، والكبار، بل حتى والماعز، والبقر، أن كانت الحياة تقوم على موت أناس، وميلاد آخرين، لم لا تبقى علينا أبد الدهر، فرحت لخاطري هذا، ليته الملاك يسجله، ويجري به لقلب السماء.
كنت اتعجب من حاجة حواء، فهي لا تشتري سوى البلح، والسكر، بلح، بلح، بلح، من أول ورقة الدين، وإلى آخرها، حتى غبطة أبنها سعيد، ولكنه أقسم لي بأنه لم يأكل ولو بلحة مما تشتريه أمي، حين طلبت منه بلحة في فسحة الفطور، بالمدرسة.
بعت لنعمات كرتونة شعيرية فاضية بقرشين، ولم أدخلها درج القروش، بل جيبي.
شعرت بذاتي، حين يقف الزبون أمامي باحترام، وتودد، كي أدون اسمائهم في الكراسة، أو أزيد وزن السكر والبلح، أو الطحنية، لهذا يبدو خالي مرغوبا، ومرهوب الجانب في القرية، فكراسته هذه، تدون سيرة القرية، وسريرتها، بطلا يبغضه أناس، ويغبطه أناس، وتغريه النساء ويلهجن بشكره مبتسمات بطيبة، أو مكر، وتوجه له عشرات العزومات قهوة بالظهيرة، أو شاي العشاء.
ألعب بالميزان، في فراغي، أضع عليه رطل حديد في كفة، وكتابي، كتاب جغرافية السودان، في كفة أخرى، وأضغط الكفة بيدي كي تتساوى الكفتان، الكتاب خفيف، لا يساوي رطل، تبدو الأوزان غريبة، فما أثقل الكيلو حين اوزن السكر، وما أخفه حين أوزن الكيلو نفسه، ولكن عدسا..
دفاتر، وكراسات، تمتلئ، وأخرى تفتح صفحاتها، شراء وبيع، جوع وشبع، أهكذا الحياة في قريتي، لو الكراسة، لم كن لهذا معلومات مدونة أمامي في الكراسة، أفواه تبلع، وأصلاب تدفع، حلوى ينتشي بمصها اللسان، وبعد حين يتوق لها، كوب شربات يبل الجوف، وبعد سويعات تجف الشفتين، أهذه فكرة جميلة؟ وإبتكار حكيم، ما أقسى العطش والجوع والبرد، ولكن ما ألذ الشربات بعد العطش، ، وما أروع الري، والشبع والدفء، أهذه من تلك، وتلك من هذه؟، بضدها تتميز الإشياء
تلفني الروائح، شطة، وحلبة، وسكر وقرفة، وبن وطحنية، وجبنة، كيف يحفظ أنفي نكهة هذه الروائح، ولساني كل الطعوم وعيني كل الألوان، وكفي كل ملمس، ولو لم اراه وأذني كل صوت حين يكيل خالي أو يوزن، أو يستخرج شئ من رأس شوال، أو قعره أو من صفيحة، حتى سيلان الزيت، أميزه عن سيلان اللبن، والمحلبية، والعصير، لكل التوابل والبضاعة رائحة، وطعم، وصوت أعرفه، وأميزه، عن غيره.
يبدو خالي كالمتوحد، يعشق الدكان، يكاد لا يفارقه، حتى في اوقات فراغة، وخلود الناس للنوم، أو القيلولة، ليل نهار، تراه يحسب، ويرتب وينظف، ويتأمل، ويسرح، ويعطس، حين أعود مرهقا، من مذاكرة المساء، في التاسعة ليلا، حقيبتي الدمورية على ظهري، وأضع في فمي شريط القماس، يدها، تكاد كل ا لقرية نائمة، سوى فانوسه، داخل الدكان، يظهر لي نوره من بعيد، يشق الفسحة أمام الدكان، مثل صندوق مستطيل، طويل، يتكئ على حائط الشمة، وباقية محشو بالدكان، صندوق من ضوء، تعبره كل عنزة، أو ######، أو قطة، أو أعرابي من البطانة، يحمل رغيفا ساخنا لمضاربه، يعتريني ومض، كأنها الحياة، لا نرى قبيل الميلاد، ولن نرى بعد الموت، مثل العنزة التي عبرت صندوق الضوء المتسلل من الفانوس، لم تكن، ثم كانت أثناء شريط الضوء، ثم غابت في الظلمة عن حواسي، وكأنها لم تكن هي الآن تتبختر في مشيتها، دون أن أراها.
أراقب خالي من بعيد، تلمع صلعته، الناعمة، فلا يوجد سوى شباك صغير عند السقف، ونفاج صغير داخل البيت، جسمه ووجهه ناعم، ونظيف كالنساء، فعمله داخل الدكان، طوال يومه، لا حرارة، ولاشمس، ولا غبار، وهو منهمك في تقليب صفحات دفتره، عالمه، عوالم خطها قلمه، أيقرأ دين سعد الآن؟ وسعد نائم قرب زوجته حينها، وخالي يلعنه لتأخير السداد، أم يحسب ديون الناظر، ويحلم بإمتلاء جزلانه نهاية الشهر، أم يستفسر بفضول لم أشترت الشمة ثلاثة زجاجات ببسي عصر اليوم، أم يدعو لفوزية، فقد أشترت حرجل لألم في بطنها مساء الليلة.
بين دفتي الدفتر يسرح خالي، عوالم خطها بيده المعروقة، بواسطة قلم جاف، نزل حبره الأزرق حتى الثلث الاخير من أنبوب القلم، حتى صار مثل مقياس درجة الحرارة في الشفخانة، مقياس بلا غطاء، كما تشقق فم القلم، فلفة بخيط، مثل رأس جدي، حين مصاب بوجع الرأس، ويأمرني أن ألفة بطرحة أختي البيضاء، وأقرأ له الفاتحة سبع مرات، أكذب عليه في العدد، لأني أقرئها في سري!.
كأنه ليس دفتر ديون، بل قصة حزينة، أو قصيدة شعر، أو حكاية غامضة، دونت بلغة الأرقام، ليس إلا، ملح وشعيرية لأناس، وقرض وكزبرة لأسرة أخرى، وحبة كافينول، وأسبرو، لرجل عجوز، ثم محلبية، وحنة وصابون فنيك لعروس جديدة، حوائج، وغرائز، وأمراض وأدوية، حتى أعجب، ماذا برفوف خالي؟، سلع وبضاعة؟، أ م غرائز، وحوائج؟ تسكن الغرائز، والحاجة رفوف خالي أكثر من البضائع، بل هي عدة أوجه، لعملة واحدة.
....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: دكان الحلة.. (إهداء للأعزاء، بلة الفاضل، عبدالرحيم العبيد).. (Re: محمد حيدر المشرف)
|
Quote: (التاجر يتم ميزانو، ويحلي لسانو، شوف كان ما يتملي دكانو)، |
شكراً يا صاحب الدُكّان.....
في كل مدينة , قرية, حِلّة, فريق.. مثل هذا (الكِنْتيِنْ) فالدكان محل تلاق وإجتماع للناس أجمعين يعرفون الآخبار منه وكذلك تُنقل عنه, ... الغائب و المريض و المسافر والتي وضعت ومن عنده ضيوف كان الدكان بمثابة وزارة التموين , ومصلحة الإعلام تتلاقي فيه النسوة صباحاً و يأتي إليه الموظفون أخر اليوم فيشتري من يريد شئياً ويرخي أخرون آذانهم للأخبار ومعرفة أحوال الحيّ في غيابهم هو حافظ لكل أسرار الناس, المالية منها وحتي الإجتماعية رحم الله ذلك (الدكان) العتيق فقد حلت الآن محله محلات (السيوبر ماركت) و البقالات التي تشبه (المعلبات المستورد).
شكراً جزيلاً لك يا استاذ عاطر تقديري و إحترامي وفي إنتظار جديدك دوماً
| |
|
|
|
|
|
|
Re: دكان الحلة.. (إهداء للأعزاء، بلة الفاضل، عبدالرحيم العبيد).. (Re: فيصل محمد خليل)
|
.....
في البدء: تهنئة بقبس الحرية شمال البلاد، وجنوبها.. وصبح أسمر، سوداني المحيا.. لشعب أكتوبر، ومارس، العظيم..
هاهي هي الحياة الفطرية، تطالب، بعد عنت، وحقب من الكذب، بحقها في الحرية المباركة، الحرية الكلمة الأم، في مطلب كل قلب وذهن، وبلد، ولاشك هي ختام كرنفال الحياة، لهم ما يشاءون، بلا قيد، أو حجر رأي، فكم سعد القلب والذهن، لإرادة الشباب والشعب المصري الأعزل، وقدرة القوى الشعبية على شل العنف، وتحجيمه، وأنتصار إرادة الشعوب العظيمة، الأبية...
ولاشك، الشرارة، ستنطلق في أعظم بلد، السودان، السودان الذي ضفرت أخلاقه الكريمة، عبر قرون طوال على الكرم، والبساطة، والأصالة، هذا الشعب الذي يسطر بوقائع حياته اليومية أعظم بطولة، في ظل فقر، وكذب ديني، وثراء فاحش، وجعل الشريعة الإسلامية، حصان طروادة، لقتل كل معارض أبي، حر، يطالب بحق الشعب في الكرامة والحرية، والعيش الشريف، وللحق صار هاتفهم بالشريعة، بعد عشرين عاما من الفساد والثراء أضحوكة ######رية، ويتراءى ذلك حتى في وجوههم الجافة، الكاذبة، بلى سترحلون، وقد دنى الفجر، والحساب.. الفجر آت، بلاشك، فتلك هي سنة الطبيعة، وما انزعاجهم، وتصريحاتهم الخائفة الوجلة، إلا مثل رفسة البغل المتحضر....
محبتي، وتقديري..
وشكري لضيوف الدكان، وسأرد سعيدا على مداخلة أثر مسودة النص،وأي صورة عمقت من أحوال لدكاكين في بلدي البسيط..
....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: دكان الحلة.. (إهداء للأعزاء، بلة الفاضل، عبدالرحيم العبيد).. (Re: حاتم محمود الجاك)
|
المشرف الحبيب...
وينكم؟ طولنا من اللقاء، سوى مصادفة في دار مركز البيئة.. في أيام ثور الشعوب، يسعد العقل والقلب بفجر آت، وكم سعيد بما انجز في مصر، وتونس، ولوائح البشارة في الوطن، فخوف النظام الظاهر للعيان دليل على شعوره بأن الشعب لا يريده، وماهذه البيعات الكواذب، سوى ستر بغض الناس لهم، وشعورهم بذلك، وكذا التهديدات، التي يطلقها النظام، دليل خوف، بلاشك، من ثورة آتية، تعيد للانسان السوداني البسيط كرامته، وحقوقه، وماله، بل وروحه..
سعيد بزيارة الدكان، وكعادة الدكاكين، فأنها ركن نقاش، للحياة والفكر والسياسة، والقوت..
محبتي..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: دكان الحلة.. (إهداء للأعزاء، بلة الفاضل، عبدالرحيم العبيد).. (Re: توما)
|
حبيب نورة..
سلامي وتقديري الكبير...
قبل شهر، حين كنت بالدوحة، ألتقيت بالاستاذ كاكوم، وجرى حديث طيب عنكم، في قلب المحروسة، فسلامي وتقديري، وقلنا نسطر جزء من عوالم الدكان، فقد كان في قلب القرية مع المسيد..
وياريت نقدر نصور عوالم المسيدة، وخمره، وعوالم الشطح الشاعري، وأفاق الكرامة.. تسلم، فهذه حياة السودانين، قمة البساطة والشاعرية، قبل ان تغتال بالعسكر اللاديني، المهوس..
محبتي الأكيدة..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: دكان الحلة.. (إهداء للأعزاء، بلة الفاضل، عبدالرحيم العبيد).. (Re: فيصل محمد خليل)
|
الاخ العزيز، فيصل
والله مشتاقين، أنها أخوة النت، والفيس بوك، والتي صارت أقوى من (علاقات الانتاج، وقوى الانتاج)، التي فاخر بها ماركس لشل القوى الرجيعة في العالم..
والله شاكر ليك إدراج البطارية افريدي، والتي طالما أرسلنا لها في طفولتنا، والتي كنا نستعملها بعض ضعفها، ونختها تحت الزير
ثم كنا نلعب بها كرة قدم، ماعارف ياربي اللعبة دي شهيرة، كنا نعمل ملعب صغير، متر، في متر ونص، ونضع الحجارة كلاعبين، ونعمل مرمى من طوب احمر، ثم نلعب بكرة البنجبونغ، ككرة، ونلعبها بالاصابع...
ثم الحجارة لمن تنتهي، هي علاج ناجع لدبر الحمير على ظهورها...
فكم من فؤائدها، زي شجرة النخيل، كل شي فيها، نخيل وتمر، وقنى، وشعب..
محبتي، وتقديري..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: دكان الحلة.. (إهداء للأعزاء، بلة الفاضل، عبدالرحيم العبيد).. (Re: معاوية عبيد الصائم)
|
العزيز هواري نمر صبح مبارك، وطيب..
لا زيادة على حرفوك هذه
Quote: في كل مدينة , قرية, حِلّة, فريق.. مثل هذا (الكِنْتيِنْ) فالدكان محل تلاق وإجتماع للناس أجمعين يعرفون الآخبار منه وكذلك تُنقل عنه, ... الغائب و المريض و المسافر والتي وضعت ومن عنده ضيوف كان الدكان بمثابة وزارة التموين , ومصلحة الإعلام تتلاقي فيه النسوة صباحاً و يأتي إليه الموظفون أخر اليوم فيشتري من يريد شئياً ويرخي أخرون آذانهم للأخبار ومعرفة أحوال الحيّ في غيابهم هو حافظ لكل أسرار الناس, المالية منها وحتي الإجتماعية رحم الله ذلك (الدكان) العتيق |
كتبت مسودة هذا النص، احتفاء بتلك الذكريات، وبروح البساطة التي كان يعيش فيه الناس.. فالكنتين بسيط، بساطة متناهية، لا ثلاجة، ولا مرواح، بل رفوف خشبية، تكاد تحوي الحاجة، بل تعتبر الشعرية لبعض الاسر قمة الاسراف، ومع هذا كانت الحياة أليفة، وراقية، ومروحنة، وكأنه البطنة تنيم الفطنة..
وفي فسحة الدكان كان الحياة، الكورة، البلي، السيجة، وعوالم آخرى، يتطرق لها بقية النص، فقد كتبت خمس فصول في نص الدكان..
عميق محبتي..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: دكان الحلة.. (إهداء للأعزاء، بلة الفاضل، عبدالرحيم العبيد).. (Re: عبدالغني كرم الله)
|
الحبيب، استاذ عبدالله عثمان..
صبح أسمر جميل..
وربي لليوم لا أدري كيف كانت تعيش تلكم القرية، بلا مركز صحي، بلا ملاعب، بلا فضول لاي شئ يتجاوز الحاجة، ومع هذا كنا في قرية عين، وبسطاء حد العبقرية في الزهد الفطري، قرية بأكلها تعيش دون مركز صحي، وتصحو وتنام على يد الديان العظيم والطبيب الأعظم، لا أمراض، سوى لمم، يذكي النفوس، ومصحة، حيث الدفء السوداني يغشى الجميع.. والدكان المذكور، كان أبسط ما يكون، اقسم بأنه اليوم، وفي تربية الخوف من القوت والرزق، لا يكفي اسرة واحدة لمدة اسبوع، ناهيك عن قرية كاملة... كأن التربية، في بلادي، والعالم، لم تسير بذكاء، يدرك جوهر الأنسان، (ليس بالخبز وحده)، ولكن جعل الخبز غاية، وغابت الغاية الحقيقية من الحياة، وهي حياة الفكر والشعور..
حتى جاء العسكر الديني، وجثم على القلوب، بدين كاذب، منفر، لا تشعر به، ولا ببركته السحرية، حيث كانت الأديان كلها لدى الصادقين، فجر يقين، وضوء سكينة، وملاذ يقين...
شاكر جدا للصورة المعبرة.. وبيني وبينك ذكرتني حلاوة حربة.. تلك (الحربة) التي لا تطعن سوى اللسان، وبأجمل المذاق..
محبتي..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: دكان الحلة.. (إهداء للأعزاء، بلة الفاضل، عبدالرحيم العبيد).. (Re: احمد ضحية)
|
...
استاذ أحمد ضحية... المبدع الخلاق..
صبح أسمر، وجميل...
تسلم، وبشاشة من أعز الأصدقاء، يعني ممكن يجاملني حبة، (كم وش باسم)....
بس قلنا برضو ننحاز للأدب، مش هو ثورة، سورة (برضو كم وش باسم)، من باب قابل اخاك بوجه طلق
كما برضو فرصة ننظر للأدب في زمن الثورة، لأنه هو ثورة مستمرة، لا تكف، ولو لحظة عن الخفق بالجديد، المثير الخطر، هل تصدق، تعمدت إنزاله، فمتى كان الأدب (بالنسبة لي)، صاحب اوقات، بل هو الحياة، بكل شكولها، وهو ثورة، دائمة، وسرمدية، على الماثل والواقع، مش ثورة موقتة، هو (الأدب، كما تعلم يقينا)، هو ثورة أبدية، للانتعاق الامثل، والكامل للحياة، من الحياة، ونحو كمالها المدخر، ولذا أي كتاب قصصي، أو مسرحي، أو سردي، هو ثورة، بصورة من الصور، مثل أدب كافكا، مثلا، يكاد يكون قرن استشعار، وجرس انزار، مبكر جدا، لمأساة الثورة الصناعية المجنونة، وصوت وقعها الموزون، وبيرروقراطيتها، التي قتلت روح الانسان، وجعلته سجين مكتب، طوال اليوم، وبراتب، ضئيل، وعمل مكتب أقرب للحكم الشاق المؤبد، آلة كاتبة، سجلات، أرقام، أرشيف، مما تراه كناقد في أدب كافكا العظيم، لأن صوت الآلة، حجب ضربات القلب، وليتها كان ثورة يسبقها فكر مسدد، وروح عميقة، وهو زي موسم الهجرة للشمال، يكاد سبق أطروحات ادوار سعيد، عن معاناة المثقف الافريقي، في الغرب، بصورة من الصور، وكأن مصطفى سعيد، سبق الناس، وضرب جرس انتبهوا ايها السادة، فالسوداني المثقف، لن يستيطع العيش في الغرب كما يحلو له، ولو عاد (لود حامد/السودان)، برضو ليس يعش، خلاسي الفكر، واللون..
يعني ثورة الأدب، وأن بدت مسالمة، وفي شكل حنين، لقرية، ودكان تعينني في رسم ثورة فكرية، وبيني وبينك لا احب الثورات الصاخبة، التي لا يسبقها فكر، واستنارة، وتوعية، كي لا تؤاد، وللحق العاطفة القوية، يجب ان يسبقها فكر مسدد، والأدب لا اظنه، يعيش إلا في دينا الثورة، الحقيقية، على كل ماثل، ولا يعجبه العجب، ولا الصيام في رجب، فالأدب، كما تعلم يقينا، وأعمق، هو ثورة الخيال، ضد الذاكرة، بمكر، طبعا، والخيال، يرى عيوب جمال جناح البعوضة، والذاكرة، اقشعرت لذة للجناح، وهنا يكمن سر التطور، ومهماز الرقي..
وأخي وعزيزي ضحية، سعيد وربي بزيارتكم، للدكان، وشاكر ليك تشجيعكم لهذه المحاولات، وللحق قرأت لك الكثير، الكثير، وسعيد بنشاطك الدافق في مجال الابداع في بلادي، ودمت خيرا، وبركة..
ودمت، محبتي، وصداقتي، وودي..
اخوك كرم الله صباح الاربعا..
...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: دكان الحلة.. (إهداء للأعزاء، بلة الفاضل، عبدالرحيم العبيد).. (Re: بله محمد الفاضل)
|
على كعبٍ دائرٍ
"الرِّيحُ بشهوةِ دفعٍ ألقتْ للزيغِ خُطىً..."
الصرَّافُ لا تُفارقُني سحنتُهُ البنكنوتيةُ، إلا البحرَ.
في الإصغاءِ: نفضتْ مدينتي المِضيافةُ غرقَها في البُؤسِ عند طُبُولِ أحاسِيسِنا المُرهفةْ، ثم أغفتْ على ساحلِها تضاجعُ الضَّجرَ والحقائِبَ، تنفَّخُ أوداجَ الزهوِ في هيئتِها المحكُومةِ بالشجرِ.
في الودِّ: دغدغني الشدو الغرِدُ، يهتفُ حتى شحطَ عُرُوقَ الثملِ، عند ناصِيتِهِ همهمَ الحمامُ: سأفترشُ الليلةَ الأشجانَ، أريَّحُ حُنجرتي من دسِّ حُبيباتِ الصحوِ على جبِينِ الذين نهبوا الحِيادَ. //// تفشِّي سرَّها للطحالِبِ، فِتنةٌ بجيبِ الطُقُوسِ تنمو، الوجِيبُ يتمزَّقُ بأطرافِها، اللَّيلُ يخفي مُؤخَّرتَهُ البارِزةَ حتى لا يهابَهُ الصوتُ، الأوتارُ تداومُ على قرعِ الشجوِ، النشيدُ تارةً ينفلتُ من يدِ قُبلةٍ في صخبٍ هادِرٍ، أو يغفو على الرصيفِ. //// ترى كيف استعدتُ صفحةَ وجهي مملوءةً بالنزقِ!!! //// المدينةُ يحفِّزُ صدرَها محارٌ، المدينةُ صَدفةٌ وصُدفةٌ، المدينةُ شُعاعُ الكائناتُ الراجِلةْ، المدينةُ تحشرُنا في بِناياتِها لنتهيَّأ، تنشَّرُ البردَ لنتهجَّى الدفءَ، تُغطّي الذين أدّوا فُروضَهم!!!
المدينةُ تمتصُّ يرقاتُها بُرتُقالةَ الجسدِ... ////
" وبينما صديقي يملكُ الحيَّ بأحلامِهِ ذات الدفاتِرِ المرصُوفةِ بالحاجِيَّاتِ المُنقرِضةْ، وبعض الذِكرياتِ ..... ...... قد يتقاطرُ المطرُ " //// المدينةُ تعفي البحرَ من جمارِكِ اِرتيادِها، حيثُ البهجةُ تستقرُّ بعبطٍ في الحقائِبِ.
المدينةُ دسَّتْ بوجهي أصابِعَها، ومضتْ لتختليَّ بالآخرين...
| |
|
|
|
|
|
|
|