|
لقد خذلناك
|
لقد خذلناك يا فتاة
رحت أفكر، أحيانا تحدث أشياء تغير مجرى حياة الإنسان، نظرتك لهذه الأشياء، ونظرتك تجاه نفسك.
كنت قد بدأت للتو يوما آخر من أيام العمل، عندما رن هاتفي. كانت زوجتي تطلب مني برعب ظاهر وصوت مضطرب أن أشاهد شريط فيديو مثبت على فضاء الانترنت. وبدأت أتفرج على مأساتي. سالت أعصابي على الأرض، ونفر جلدي مني، وأنا أشاهد فتاة صغيرة يلهب جسدها النحيل شرطيان تبرق أسنانهما بخبث سادي تحت وهج السياط. لم استطع تكملة الدقيقتين من عمر الشريط. راحت دموعي تنهمر مع كل جلدة تسقط على جسدها، ونفسي تغلي وترعد وتصب جام سخطها على كل من تسبب في هذه المأساة، وعلى ضحكات رجال الشرطة القميئة. كانت سياط الشرطيان تجلدنا جميعا. هدأت من روع زوجتي وروعي، ولكني لم افعل شيئا أكثر من هذا. في هذا اليوم الخامس من ديسمبر اكتفيت كغيري بدور المتفرج فقط ! لم نستطع تقديم المساعدة، بل اكتفينا بقراءة كل ما كتب عنها، وربما بقليل من التعليقات الحزينة أو الغاضبة في منابر الانترنت. كيف يمكننا مساعدتها وتخليصها من براثن الجلادين، ومما لحق بها، وما سيلحق؟
الشهامة والمساعدة جزءا أصيلا منا، ولكنا اكتفينا بدور المتفرج، والفتاة تصرخ من الألم وتستنجد بأمها، تحتاج إلى من ينقذها من براثن جلاد محروس بقضاء مهووس.
أتذكر أنني كنت أفكر طيلة الأيام التالية والعالم لا يزال يتفرج على فتاة يعذبها نظام بأكمله، حاولت ان اخلق مشهدا من الغضب، ان اتظاهر بشيء ما، ماذا ستقول هذه الفتاة عن الرجال السودان الذين لم يتدخلوا لإنقاذها وحمايتها من الأيدي الغاشمة؟ يا ترى ما هي الكلمات الأولى التي تفوهت بها تلك الفتاة عندما عادت إلى بيتها وهي جثة هامدة لا روح فيها ؟
مثل هذه الفتاة ليس لها من يساعدها، وهناك مفاهيم وثقافة كاملة تقف ضدها وضد إنسانيتها، ومهما يكن من امر .... فقد خذلناك يا فتاة خذلناك عندما وقفنا نتفرج من خلف قضبان قسم الشرطة وسياجها، خذلناك عندما شاهدنا شريط الفيديو وسمعنا استغاثتك بأمك، ولذنا بصمتنا، خذلك البعض عندما حكم عليك حكماً أقسى من حكم ذلك الجلاد، خذلنا اهلك وعشيرتك، وخذلنا كل حرائر السودان، خذلنا أنفسنا أيضا، ودفنا كرامتنا وعزتنا وشهامتنا في نهار ذلك اليوم من الخامس من ديسمبر 2010 حين وقفنا نتفرج. ولكنا الان تعافينا من هول الصدمة، وعزمنا ألا نصمت مرة اخرى إذا واجهنا يوماً موقفا مماثلا، لن نقف متفرجين، سنقدم كل ما نقدر عليه مهما كانت الظروف، حتى تعود لنا كرامتنا وعزتنا وشهامتنا المقبورة.
|
|
|
|
|
|